لا يزال الرئيس السابق والمرشح الجمهوري في الانتخابات الرئاسية الأمريكية دونالد ترامب مؤيدًا لما يصفه بهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على قطاع الطاقة العالمي، وخلال فترة ولايته السابقة شجع إنتاج أكبر قدر ممكن من النفط الخام والغاز الطبيعي لتحويل البلاد إلى الاكتفاء الذاتي من حيث الطاقة، وتوسيع نفوذها الدولي من خلال صادرات الطاقة، وقال في مقابلة سابقة إنه إذا عاد للبيت الأبيض فسيعزز إنتاج النفط الخام ووصفه بالذهب السائل. ويُعتقد على نطاق واسع أنه حال فوز “ترامب” في الانتخابات أن تشهد سياسة الطاقة الأمريكية عديدًا من التغيرات المحتملة.
مدخل
تُشكل سياسات الطاقة في الولايات المتحدة الأمريكية تحديًا كبيرًا للسياسيين، حيث يتأثر الناخبون بشكل مباشر بأسعار الوقود وتأثيرها على الاقتصاد. ففي هذا السياق، تتلاشى الخلافات السياسية التقليدية لتظهر مصالح الناخبين الأساسية التي تحدد خياراتهم الانتخابية. وفي الوقت نفسه، تثير القضايا البيئية والمناخية مخاوف عميقة لدى البعض، مما يخلق انقسامًا واضحًا بين مؤيدي المرشحين المختلفين، خاصة بين دونالد ترامب وكامالا هاريس اللذين يختلفان جذريًا في رؤيتهما لسياسات الطاقة.
وعليه، تنتظر سوق الطاقة العالمية نتائج الانتخابات الأمريكية، والتي قد تقلب الحسابات في صناعة الطاقة رأسًا على عقب، وتبدو الانتخابات الرئاسية الأمريكية بمثابة مباراة العودة بين الحزب الجهوري والديمقراطي، ولذلك يُعد عام 2024 أحد أهم الأعوام الانتخابية منذ عقود من الزمن؛ وذلك لانعقادها في دولة تؤثر بشكل كبير في مشهد قطاع الطاقة العالمي، حيث يُشكل ملف الطاقة نقطة رئيسة في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما قد يلقي بظلاله على الأسواق، وبالأخص النفط الخام والغاز الطبيعي.
قطاع النفط والغاز الطبيعي في الولايات المتحدة
تُشكل الانتخابات الرئاسية الأمريكية الحدث الأهم خلال عام 2024، وذلك بسبب التداعيات المتوقعة لها على سوق النفط الخام والغاز الطبيعي، حيث ارتكزت السيطرة الجيو-سياسية الأمريكية على ثلاث ركائز رئيسة وهي: أولًا التحكم في البحار، وثانيًا السيطرة على البنوك العالمية، وثالثًا التحكم في منابع المواد الخام في الدول المنتجة لها.
وعليه يمكن القول إن السعي الأمريكي من أجل الهيمنة على منابع النفط الرئيسة في العالم يرتكز على أهداف عدة، لعل في مقدمتها فرض السياسة الأمريكية، وذلك من خلال التحكم بموارد الطاقة الحيوية (النفط الخام والغاز الطبيعي) استراتيجيًا واقتصاديًا وسياسيًا، مما يمكنها من ممارسة وفرض تأثيرات مهمة على المستوى العالمي. وذلك انطلاقًا من مبدأ النفط ينتج الثروة، وإن الثروة تنتج القوة، وإنه بالقوة يمكن السيطرة على العالم (مبدأ التحكم في منابع النفط العالمية). وعليه، تحتل مسألة تأمين مصادر الطاقة ولا سيما النفط الخام والغاز الطبيعي جانبًا كبيرًا من اهتمامات وركائز السياسة الأمريكية، إذ يُمثل النفط الخام إحدي أهم ركائز سياستها الخارجية.
بشكل عام، تنتج الولايات المتحدة حاليًا المزيد من النفط والغاز الطبيعي أكثر من أي وقت مضى في تاريخها، لكن وتيرة نمو الإنتاج بدأت في التباطؤ مما قد يكون له آثار كبيرة على مشهد النفط العالمي في السنوات القليلة المقبلة (الحقيقة المفاجئة هي أن الولايات المتحدة تضخ النفط بوتيرة مذهلة وبمعدلات من أكبر مما أنتجته أي دولة في التاريخ)، وذلك لأن الولايات المتحدة التي تُعد لاعبًا رئيسًا في سوق النفط العالمية، غالبًا ما كانت تقود نمو الإنتاج من خارج أوبك+. يسهم النفط الخام والغاز الطبيعي فيما يقرب من حوالي ثلاثة أرباع استهلاك الطاقة في الولايات المتحدة وبالتالي فإنه يوفر أمن الطاقة ويساعد في إبقاء الأسعار منخفضة.
كشفت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية في 17 أكتوبر عن ارتفاع إنتاج النفط الخام في الولايات المتحدة الأمريكية إلى مستوى غير مسبوق، وأن إنتاج الحقول الأمريكية من النفط الخام ارتفع حوالي 100 ألف برميل يوميًا، ليصل إلى مستوى غير مسبوق حوالي 13.5 مليون برميل يوميًا، (وهذا أعلى بقليل من الرقم القياسي الذي سجل في عهد دونالد ترامب حوالي 12.3 مليونًا)، وقد ساعد ذلك في السيطرة على أسعار النفط الخام والبنزين، كما موضح في الشكل التالي مستويات الإنتاج النفطي في الولايات المتحدة خلال السنوات الماضية.
في ظل إدارة “بايدن”، ازدهرت صناعة النفط والغاز الأمريكية وفقًا لأغلب المقاييس الأساسية على الرغم من كونها الحكومة الأكثر تأييدًا للطاقة المتجددة على الإطلاق بسبب تشريعات غيرت قواعد اللعبة مثل قانون خفض التضخم وقانون الاستثمار في البنية التحتية والوظائف. وعليه، قد تُشكل أسعار الوقود المرتفعة المستمرة تحديًا رئيسًا لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية القادم، وذلك لأن المواطن الأمريكي حساس لأسعار الوقود بشكل واضح، بسبب تأثير ارتفاعها مباشرة على قدراته الشرائية.
أمام ما تقدم، هناك العديد من التحديات التي قد تُشكل عائقًا في طريق الرئيس القادم للولايات المتحدة الأمريكية فيما يتعلق بملف الطاقة الأمريكي والتي من الممكن تلخيصها في النقاط التالية:
- معضلة تصاريح الطاقة:
في خطوة لتسريع وتيرة تطوير البنية التحتية للطاقة في الولايات المتحدة الأمريكية، اقترحت لجنة الطاقة بمجلس الشيوخ قانونًا جديدًا في يوليو 2024، يهدف إلى تبسيط إجراءات الحصول على التصاريح اللازمة لمشاريع الطاقة، سواء كانت تقليدية أو متجددة. ولكن يواجه مشروع قانون إصلاح تصاريح الطاقة تحديات متعددة، منها التباين في وجهات النظر حول مصادر الطاقة التي يجب التركيز عليها، بالإضافة إلى الضغوط الزمنية التي تفرضها الدورة التشريعية الحالية. ومع ذلك، فإن هناك إجماعًا عامًا على ضرورة تحديث النظام الحالي لضمان تلبية احتياجات الطاقة المتزايدة في الولايات المتحدة.
- سياسة الغاز الطبيعي المسال:
تم إيقاف قرار وزارة الطاقة الأمريكية إصدار تصاريح تصدير الغاز الطبيعي المسال، حتى يتم تقييم آثاره البيئية والاقتصادية والمجتمعية، مما ألقى بظلال من الشك على مستقبل هذه الصناعة وأصبح قضية مركزية في الانتخابات الحالية. كما أن القرارات القضائية الأخيرة زادت من تعقيد الوضع، مما أدى إلى تأخير العديد من المشاريع.
في حالة فوز “ترامب”، من المرجح أن ينهي الإيقاف المؤقت لتصاريح تصدير الغاز الطبيعي المسال، بعد أن أصبحت الولايات المتحدة أكبر مصدر للغاز فائق التبريد في العالم خلال الأزمة الروسية الأوكرانية، ما دفع حلفاء الولايات المتحدة إلى البحث عن بدائل للغاز الطبيعي الروسي. من ناحية أخرى ، إذا فازت “هاريس”، فمن المرجح أن يتم تغيير عملية التصريح الممتدة لتشمل معايير وقواعد أكثر تحديًا.
وعليه، فإن حالة عدم اليقين بشأن موعد منح تراخيص تصدير الغاز الطبيعي المسال الجديدة يزيد من حالة عدم الاستقرار في السوق، فالشركات التي تعمل في هذا المجال تواجه تحديات كبيرة، وقد تضطر إلى التفاوض على شروط أكثر صرامة للحصول على الموافقات اللازمة.
وبالنظر إلى حركة شحنات الغاز المسال الأمريكية خلال عامي 2016-2024، نجد أن عدد الشحنات التي استقبلتها القارة الأوروبية وصل إلى حوالي 769 شحنة من إجمالي حوالي 5039 شحنة تم شحنها إلى حوالي 44 دولة، بنسبة حوالي 15%. حيث تم استقبال تلك الشحنات من خلال فرنسا وإسبانيا، وذلك نظرًا لقوة البني التحتية (حيث نجد إن عدد محطات الإسالة في القارة الأوروبية وصل إلى حوالي 24 محطة عاملة وحوالي 17 محطة مخطط لها، وتحتل إسبانيا المركز الأول بعدد 6 محططات وفرنسا بعدد 4 محطات)، ويوضح الشكل التالي حركة شحنات الغاز المسال الأمريكية.
- قوانين انبعاثات الغاز الدفيئة وتلوث الهواء:
أصدرت وكالة حماية البيئة الأمريكية قواعد جديدة صارمة للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة من محطات توليد الطاقة، مما يُشكل تحديًا كبيرًا لصناعة الطاقة التقليدية والأحفورية. وتستهدف هذه القواعد بشكل خاص محطات الفحم والغاز الطبيعي، مما قد يؤدي إلى إغلاق العديد منها وتسريع التحول نحو مصادر طاقة متجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وتتخذ الولايات المتحدة الأمريكية خطوات جريئة لمواجهة تغير المناخ من خلال فرض قيود صارمة على انبعاثات غازات الدفيئة.
- انبعاثات الميثان:
في بداية عام 2024، أطلقت الولايات المتحدة خطة طموحة للحد من انبعاثات الميثان، وذلك بفضل قانون خفض التضخم الذي منح وكالة حماية البيئة سلطات جديدة. إن الاختلافات السياسية حول الخطة قد تؤثر بشكل كبير على مستقبلها، حيث قد تؤدي إلى إضعافها أو إلغائها، مما يعوق الجهود المبذولة للحد من انبعاثات الميثان. في حال فوز ترامب، من المرجح أن تلغي إدارة ترامب أنظمة وكالة حماية البيئة لفرض رسوم على صناعة النفط الخام والغاز الطبيعي التي تراوح بين حوالي 900 إلى 1500 دولار للطن الواحد مقابل انبعاثات غاز الميثان.
وبشكل عام، تتعامل الإدارة الأمريكية، مهما كانت مسمياتها، في أزمات الطاقة المختلفة من خلال ثلاثة بدائل مختلفة وهي:
- السحب من المخزون الاستراتيجي وذلك لتعويض الطلب المحلي وسد الفجوة بين معدلات الاستهلاك ومستويات الإنتاج.
- مطالبة المواطن الأمريكي بالترشيد وخفض الطلب على الاستهلاك، وهو ما ينعكس سلبًا على نمط الحياة اليومية.
- زيادة الإنتاج الأمريكي من النفط الخام، وهذا البديل لا يحقق سوي زيادة مباشرة ضئيلة لا تكفي لسد الطلب على الطاقة.
هنا تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تسعي بشكل مستمر على إعادة ملء المخزون الاستراتيجي من النفط الخام، وذلك نتيجة سياسة جو بايدن (أكبر عملية بيع على الإطلاق في الاحتياطي لـ 180 مليون برميل والتي أمر بها الرئيس جو بايدن في عام 2022 للسيطرة على أسعار الوقود في ظل تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية) بالسحب المستمر منه والتي تهدف إلى تهدئة الأسعار في السوق الأمريكي المحلي، ولكن تلك الجهود من الممكن أن تفشل وذلك حال ارتفاع أسعار النفط بصورة كبيرة بسبب المتغيرات الراهنة في سوق الطاقة العالمي، والتي من الممكن أن تؤدي إلى السحب من المخزون الإستراتيجي. ولا شك فإن ضخامة الاقتصاد الأمريكي جعل الولايات المتحدة الأمريكية تحتل المرتبة الأولى كأكبر دولة مستهلكة للنفط على الصعيد العالمي، حيث من المتوقع أن يزداد إجمالي استهلاك النفط في الولايات المتحدة بواقع حوالي 200 ألف برميل يوميًا إلى حوالي 20.3 مليون برميل يوميًا من النفط الخام، كما هو موضح في الشكل التالي.
يمكن القول، تُشكل الانتخابات الأمريكية المقبلة محطة فارقة في تحديد مستقبل الطاقة والمناخ في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث قد تؤدي نتائجها إلى تغييرات كبيرة في السياسات المتعلقة بقانون خفض التضخم واتفاقية باريس، مما يؤثر بشكل مباشر على نمو مصادر الطاقة المتجددة.
الانتخابات مفترق طرق للطاقة الأمريكية:
عادة ما تكون البرامج الانتخابية بمثابة خارطة طريق لما يمكن أن يتوقعه المواطن الأمريكي من الرئيس المنتخب، ولذلك يسعى الحزب الحاكم الأمريكي إلى تسويق إنجازاته خلال فترة ولايته، وربطها ببرنامجه الانتخابي الجديد، بهدف إقناع الناخبين بأن استمراره في الحكم هو الضمانة لمواصلة تحقيق المزيد من النجاحات.
بشكل عام، يهدف الحزب الديمقراطي، من خلال تبني مشاريع الطاقة المتجددة، إلى تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة، حيث أسهمت هذه المشاريع في خلق حوالي 300 ألف فرصة عمل جديدة وتخفيف العبء المالي على ملايين الأسر الأمريكية. وتهدف هذه البرامج إلى تسريع الانتقال نحو اقتصاد قائم على الطاقة النظيفة والمتجددة، حيث تستهدف زيادة حصة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة الأمريكي ثلاث مرات بحلول عام 2030. ويهدف الديمقراطيون إلى خلق بيئة محفزة للاستثمار في الطاقة المتجددة، وذلك من خلال تبسيط الإجراءات التنظيمية، وتقديم حوافز مالية للمشاريع الجديدة، وتخصيص أراضٍ في ملكية الحكومة الفيدرالية لتطوير مشاريع الطاقة النظيفة.
وعليه، من الواضح أن اهتمام إدارة ديمقراطية مقبلة، سيستمر لتشجيع الطاقات المستدامة على حساب الوقود الأحفوري. وبالتالي يمكن القول إنه ستشهد هذه الإدارة (الإدارة الديمقراطية) صراعًا مستمرًا مع شركات النفط الخام، التي تسعى جاهدة للحفاظ على حصتها في السوق، ومن المتوقع أن تواجه ضغوطًا شديدة لمنع تقييد أنشطتها في المناطق الفيدرالية. في الوقت نفسه، تواجه الحكومة ضغوطًا متزايدة من شركات الطاقة لزيادة صادرات الغاز المسال، خاصةً في ظل الأزمة الأوروبية، بينما تسعى الحكومة الأمريكية إلى الحد من هذه الصادرات لتلبية الاحتياجات المحلية وتخفيف حدة ارتفاع الأسعار.
إن التقليل من أهمية النفط في الاقتصاد العالمي، كما يفعل الحزب الديمقراطي، قد يؤدي إلى عواقب اقتصادية وخيمة، خاصةً في ظل الظروف العالمية الحالية. وعليه، أن الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون سيكون عملية تدريجية، وأن النفط الخام والغاز الطبيعي سيظلان يلعبان دورًا مهمًا في دعم النمو الاقتصادي، خاصةً في الدول النامية.
علاوةً على ذلك، إن الدور المزدوج للولايات المتحدة كمستهلك ومنتج للنفط الخام، يجعل من الصعب تحقيق أهدافها المناخية دون التأثير على الاقتصاد العالمي. لذا، يجب أن تتبنى سياسة طاقة متوازنة تأخذ في الاعتبار جميع الجوانب، بما في ذلك البيئة والاقتصاد والأمن الطاقة. وخير مثال على عدم توازن السياسة الطاقوية للحزب الديمقراطي، التخفيض الضخم للضرائب على السيارات الكهربائية، مقارنة بالسيارات التقليدية، والذي يهدف إلى تسريع التحول نحو النقل الكهربائي بأي ثمن، حتى لو كان ذلك على حساب القطاعات الأخرى.
سعى الرئيس السابق دونالد ترامب لتصوير سياسات إدارة بايدن على أنها كارثية لصناعة النفط الخام والغاز الطبيعي، وزعم أن الرئيس الحالي قوض الإنجازات التي تحققت بمجال الطاقة خلال فترة ولايته. وصرح ترامب في تجمع حاشد في فلوريدا مؤخرًا: لم نعد مستقلين بمجال الطاقة أو مهيمنين على الطاقة كما كنا قبل بضع سنوات، نحن أمة تتوسل إلى فنزويلا وغيرها من أجل النفط الخام. في حين ركز الرئيس الأمريكي الحالي بايدن ونائبته “كامالا هاريس على الحد من استخدام الوقود الأحفوري لمكافحة تغير المناخ، وهو على عكس ما تبناه دونالد ترامب.
إجمالًا لما سبق، تدل خطابات ومقابلات المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس على أن سياساتها الطاقوية ستكون مكملة لسياسات الرئيس جو بايدن. وعليه، تتمثل رؤية هاريس في بناء اقتصاد مستدام يعتمد على الطاقة النظيفة، مع تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050، وتسعى إلى تحقيق ذلك من خلال تشجيع الاستثمارات الخاصة في الطاقات المتجددة، وزيادة التمويل الحكومي للبحث والتطوير في هذا المجال، وتقديم حوافز لتبني التقنيات النظيفة.
فيما يتعلق بالحزب الجمهوري، قرر “ترامب” في بداية حكمه سابقًا، سحب عضوية الولايات المتحدة الأمريكية من اتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ، إذ رأى أن الالتزام بالاتفاقية سيضر مصالح الولايات المتحدة، لأنه سيزيد من تكاليف الإنتاج لسلعها المصدرة، وهو الأمر الذى سيؤدى إلى مصلحة الدول الأخرى. ولذلك كان من غير المستغرب أن البرنامج الانتخابى 2024 الذى وافق عليه مؤتمر الحزب الجمهورى يحمل شعار أمريكا أولًا.
من المتوقع أن يتبنى “ترامب”، فى حال فوزه، سياساته الطاقوية السابقة: دعم الصناعة النفطية، وتشجيع الاستكشاف عن النفط فى المناطق البحرية، ودعم صناعة النفط الصخرى بتشجيع طريقة الحفر الهيدروليكي، وزيادة فتح الأراضى والمياه الفيدرالية للاستكشاف النفطى، وعليه:
- يُتوقع أن تُنهي إدارة ترامب الجديدة (في حال فوزه) القيود المفروضة على زيادة صادرات الغاز المسال، وفى الوقت نفسه زيادة رخص الحفر النفطية التى تسجل معدلات متدنية حاليًا.
- من المرجح أن تزدهر مصالح النفط الخام والغاز الطبيعي في عهد دونالد ترامب، الذي تعهد بتطوير صناعة الطاقة، وإزالة الحواجز أمام الإنتاج وتقديم المزيد من الأراضي الفيدرالية للحفر.
- التوجه العالمي في الوقت الراهن يرتكز على معالجة التغير المناخي وتقليل معدلات التلوث والانبعاثات الغازية ومشاهدة ارتفاع درجات الحرارة وأن الطريقة الوحيدة لتقليل الأضرار هي نشر الطاقة النظيفة على نطاق واسع، قد يركض “ترامب” في الاتجاه المعاكس حيث حدد في حملته الانتخابية زيادة إنتاج النفط الخام والغاز الطبيعي كأولوية، وبالتالي استخدام الإجراءات التنفيذية وتغيير القواعد لتخفيف العبء التنظيمي على شركات البترول والغاز.
سواء فاز “ترامب” أو “هاريس”، فإن صناع السياسة في الولايات المتحدة سيواجهون تحديات كبيرة في وضع سياسات طاقة مستدامة. فالتحولات في الطاقة تتطلب توازنًا دقيقًا بين المصالح الاقتصادية والبيئية، وهو أمر صعب تحقيقه في ظل المناخ السياسي الحالي.
مواقف “هاريس” و”ترامب” تجاه قضايا التغيرات المناخية:
تُعتبر أزمة المناخ واحدة من أكبر التحديات التي تواجه البشرية في القرن الحادي والعشرين، حيث تؤثر على جميع جوانب الحياة، من الأمن الغذائي إلى الصحة العامة. وقد أدت هذه الأزمة إلى تحول جذري في النقاشات السياسية العالمية، مما دفع الحكومات والشركات والمجتمع المدني إلى التعاون من أجل بناء مستقبل أكثر استدامة. وتُمثل قضية تغير المناخ وموقف مرشحي الرئاسة منها سواء كامالا هاريس أم دونالد ترامب، إحدى القضايا المثارة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ولذلك سيتم تناول موقف المرشحين هاريس وترامب من تلك القضية، كالتالي:
بالنسبة لهاريس: عززت موقفها المؤيد للعمل المناخي فور إعلان خوضها السباق الانتخابي 2024 كمرشحة للحزب الديمقراطي، وإعلان بعض الحركات الداعمة للعمل البيئي والمناخي دعم ترشيحها؛ بسبب تاريخها المهني الداعم لملف العدالة المناخية، وملاحقتها لشركات النفط الخام أثناء توليها منصب المدعي العام لولاية كاليفورنيا، ودعوتها إلى خفض استهلاك اللحوم الحمراء من أجل الإسهام في مكافحة تغير المناخ، وموقفها الداعم لقانون خفض التضخم في إدارة بايدن، والذي يُعد إنجازًا مهمًا في الولايات المتحدة؛ لأنه يدعم الانتقال العادل للطاقة باتجاه الطاقة النظيفة والمستدامة.
أما “ترامب”، فعلى عكس الإجماع العلمي الواسع، يرفض الرئيس السابق فكرة أن الأنشطة البشرية هي السبب الرئيس لتغير المناخ. ويشكك في العلاقة بين التغيرات المناخية والظواهر المناخية المتطرفة، مثل ارتفاع مستوى سطح البحر وحرائق الغابات، وقد عبر عن هذا الموقف من خلال انتقاداته للسياسات المناخية وتعهده بإلغاء بعضها. ومن المتوقع في حال فوزه، أن يعمل على تعزيز صناعة الوقود الأحفوري من خلال زيادة الإنتاج وتقويض الجهود الدولية لمكافحة تغير المناخ، بما في ذلك الانسحاب من اتفاقية باريس وإلغاء اللوائح البيئية.
من المتوقع أن يلغي “ترامب” الإعفاءات الضريبية في تشريع “بايدن” للمناخ التي تبلغ قيمتها حوالي 400 مليار دولار، بحيث يمكن استخدام الأموال لأغراض أخرى مثل تمويل وتمديد التخفيضات الضريبية وإيجاد وظائف جديدة.
وبمقارنة تلك الآراء بالوضع الحالي للانتخابات الأمريكية، يتضح وجود نموذجين متناقضين بشأن ملف المناخ، فالمرشحة الديمقراطية تدعم هذا الملف بقوة منذ توليها منصب نائب الرئيس في إدارة “بايدن”، في حين يعارض المرشح الجمهوري بشدة فكرة أن تغير المناخ هو قضية محورية ويتعين أن يأخذ أولوية في صُنع القرار السياسي الأمريكي، بل اعتبر أن تغير المناخ ما هو إلا خدعة للقضاء على انتفاع الولايات المتحدة من الوقود الأحفوري.
إجمالًا لما سبق، هناك العديد من الاحتمالات الممكنة في حالة فوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية والتي يمكن تلخصيها في الشكل التالي.
مجمل القول، إن قضية ضمان إمدادات آمنة من الطاقة أصبحت بالنسبة إلى واشنطن جزءًا لا يتجزأ من إهتمامات الأمن القومي الأمريكي، وهو ما يجعل الرئيس القادم للولايات المتحدة الأمريكية مهتمًا بضرورة البحث عن مصادر جديدة للطاقة تكون أكثر أمنًا، وذلك مع ضرورة الحفاظ على مستويات التخزين الإستراتيجي، حيث تُمثل واشنطن لاعبًا رئيسًا في المشهد النفطي العالمي، وتتأثر بشكل كبير عندما ترتفع الأسعار، أو تتخطى حاجز 100 دولار للبرميل.
ومن المحتمل أن تحظى الاستثمارات الهادفة لتحسين البنية التحتية لشبكة الطاقة في الولايات المتحدة الأمريكية بدعم من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ومع ذلك فقد يهدف الديمقراطيون من ذلك توفير المزيد من مصادر الطاقة المتجددة، بينما يسعى الجمهورين لخدمة مرافق توليد الطاقة التقليدية. أن ولاية “ترامب” الثانية (في حالة الفوز) قد تؤدي لزيادة انبعاثات الكربون بمقدار مليار طن بحلول عام 2050، وتأخير الوصول لذروة الطلب على الوقود الأحفوري لمدة 10 سنوات.