حملت جولة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الأفريقية، في الأسبوع الأخير من شهر يناير 2023، دلالات مهمة في مسارها ومجرياتها، وفي توقيتها. وشملت الجولة جنوب أفريقيا، وإسواتيني، وأنغولا، وإريتريا. وفضلاً عن كونها جزءاً من تحرك الوزير الروسي في جولة أفريقية تكميلية، تحمله في فبراير إلى المغرب وموريتانيا وتونس، فهي جاءت بعد مرور ستة أشهر فقط على جولة واسعة قام بها الوزير الروسي في يونيو الماضي وشملت مصر، والكونغو، وأوغندا، وإثيوبيا، وجنوب أفريقيا، وبوتسوانا. ما يُعد مؤشراً على تعاظم الأهمية التي توليها موسكو لعلاقاتها مع القارة السمراء، وكون المنطقة تحظى بمكانة خاصة في السياسة الخارجية الروسية خلال العام الجديد.
والواضح أن موسكو تسعى إلى إظهار فشل سياسة الغرب في عزلها، وكونها ما زالت تحظى بحضور مهم لدى عدد واسع جداً من البلدان، خصوصاً في ظل أن الجزء الأعظم من البلدان الأفريقية لم ينخرط في العقوبات والقيود المفروضة على روسيا، بل على العكس من ذلك سعى بعض البلدان إلى توظيف المواجهة الروسية الغربية المتفاقمة لتحقيق فوائد كما حدث في مالي وبوركينا فاسو وغيرهما.
تجديد العلاقات التقليدية
ترتبط روسيا مع الدول الأفريقية بعلاقات صداقة تقليدية اجتازت أكثر من امتحان خلال الزمن، فقد أدت موسكو في العهد السوفيتي دوراً مهماً في الإسهام بتحرير القارة الأفريقية عبر دعمها نضال شعوب أفريقيا ضد الاستعمار والهيمنة والتمييز العنصري، وفيما بعد قدّمت دعماً للدول الأفريقية في الدفاع عن استقلالها وسيادتها وتكوين بنيانها، ووضع أسس الاقتصاد القومي، وتشكيل القوات المسلحة ذات القدرة القتالية، كما شيَّد الخبراء السوفييت وبعدهم الروس منشآت مهمة للبنى التحتية، بما فيها السدود والمحطات الكهرومائية والطرق والمصانع، وتلقّى آلاف الأفارقة دراستهم وتدريبهم المهني والعسكري في المعاهد والجامعات والكليات الروسية.
ولا يمكن تجاهل أن جولات لافروف جاءت في سياق التحضير لعقد القمة الروسية الأفريقية الثانية منتصف هذا العام. ويمكن لمثل هذا المنتدى أن يكتسب أهمية أكبر على المستوى الدولي الأوسع، في ظروف المواجهة القائمة حالياً، خصوصاً أن مجموعة بريكس التي تضم جنوب أفريقيا وروسيا والصين والبرازيل والهند مرشحة للاتساع وتعزيز حضورها الإقليمي والدولي، وبحسب سفير جنوب أفريقيا في موسكو، مزوفوكيلي ماكيتوكا، أبدت 13 دولة، منها 4 دول أفريقية، اهتماماً بالانضمام إلى مجموعة بريكس.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعلن أمام أكثر من أربعين زعيماً أفريقياً من رؤساء الدول والحكومات، الذين لبّوا دعوته إلى المشاركة في القمة الروسية الأفريقية الأولى، التي احتضنتها مدينة سوتشي الروسية في أكتوبر 2019، أنه يعتبر تطوير وترسيخ علاقات المنفعة المتبادلة مع الدول الأفريقية ضمن أولويات السياسة الخارجية لروسيا الاتحادية. وأعاد بوتين التذكير بتاريخ العلاقات السوفيتية الأفريقية وربطه بحاضر ومستقبل علاقات القارة السمراء بروسيا، في ظل مناخ دولي وإقليمي يحتدم فيه الصراع حول شكل ومضمون النظام الدولي بعد انتهاء الحرب الباردة، ويشتد فيه التنافس على موارد أفريقيا الطبيعية، وثرواتها، وأسواقها، وموقعها الجيوستراتيجي.
خطوات تعزيز الحضور الروسي
على خطٍّ موازٍ للتمدّد الصيني في أفريقيا، نشطت روسيا في تعزيز وجودها في أفريقيا، مُستفيدة من سلبيات السياسة الغربية في القارة، ومن تاريخها الاستعماري، كما استفادت من تنامي حالة عدم القبول الأفريقي بالخطاب والمواقف الغربية تجاه أفريقيا، فبَنَت خطاباً وسياسات تناصر أفريقيا في قضاياها السياسية والاقتصادية المختلفة، وتؤكد أهمية المحافظة على سيادة الدول الأفريقية، وعدم إخضاعها بأدوات السياسة أو الاقتصاد، والنظر إلى أفريقيا بوصفها مسرحاً للشراكات التي تنعكس إيجاباً على تطلعات الدول والشعوب الأفريقية بما يسهم في تطورها وتقدمها، وتقديم قروض غير مشروطة بمواقف سياسية تتصل بأحوال الدول الداخلية وشؤونها، وقد مكّنها كل ذلك من تحقيق وجود فاعل يمكن إيجازه في ما يلي:
عزّزت روسيا علاقاتها مع دول شمال أفريقيا، فطوّرت علاقات اقتصادية وعسكرية مع مصر، كما بدأت بتعاون مشترك معها في مجال الطاقة النووية. وفي ليبيا سعت لتأسيس حضور عسكري دائم. وطورت علاقاتها الاقتصادية مع تونس، وبشكل خاص في مجالات السياحة. والحال كذلك مع الجزائر التي غدت الشريك العسكري الأول أفريقياً، والثاني عالمياً لروسيا في مؤشر مشتريات السلاح والمعدات الحربية.
وفي شرق أفريقيا سعت روسيا لتطوير علاقات خاصة مع السودان ونجحت في إبرام اتفاقية لتأسيس قاعدة عسكرية في بورتسودان على البحر الأحمر، كان يمكن لولا التغييرات التي حدثت في السودان والضغوط الأمريكية القوية أن توفّر لها بموقعها الاستراتيجي إطلالة على البحر الأحمر، وإشرافاً مباشراً على حركة الملاحة البحرية والجوية، وعلى حركة التجارة العالمية، وخاصة النفط، وربما الغاز مستقبلاً، كما استعدت موسكو للاستفادة من فتح أفق جديد نحو الاستثمار في مجالات الطاقة والتعدين على الساحل السوداني.
أما مع إثيوبيا فقد عمّقت روسيا تعاونها الدفاعي، وفي يوليو 2021 تمّ التوقيع على اتفاقيات للتعاون العسكري بين البلدين، مثلما وقّعا مذكرة تفاهم تضمن مساهمة روسيا في مجال الطاقة النووية. وقد وقّعت روسيا مذكرة مماثلة مع كلّ من كينيا وزامبيا.
كذلك عزّزت روسيا علاقاتها ووجودها في عدد من دول غرب أفريقيا، حيث أصبح لها حضور وتأثير ونفوذ في دولة أفريقيا الوسطى التي أمدتها بشحنات أسلحة متتالية، واعتمدت على شركة “فاغنر” لترجيح موازين القوى في الصراع الداخلي الذي تفاقم في عام 2017 بين المعارضة والسلطة، وقد مكّنها حضورها شبه العسكري هناك من لعب دور كبير في توحيد المعارضة في هذه الدولة، وتوفير التدريب لقواتها، كما مكّن “فاغنر” من الدخول في مجالات الاستثمار المختلفة، لاسيّما في مجال الماس واليورانيوم، ولروسيا الآن في هذا البلد نفوذ وتأثير سياسي يصعب تجاوزه.
وفي دولة تشاد المجاورة لدولة أفريقيا الوسطى، بدأت روسيا مساعيها وجهودها الرامية إلى تعزيز دورها في هذه الدولة التي كانت شؤونها كما مواردها حقاً حصرياً وتاريخياً لفرنسا قبل أن تنافسها أمريكا خلال العقدين الأخيرين، وجاء دخول روسيا إلى المسرح التشادي منافساً للنفوذ الفرنسي والنفوذ الأمريكي في آن.
وفي دولة مالي أسّست روسيا علاقات وثيقة في السنوات الأخيرة مع السلطات المالية، وعزّزت علاقات البلدين عبر توقيع اتفاقية تعاون في الدفاع عام 1994، وأُعيدت مراجعتها عام 2019. وفي إطار تنفيذ هذه الاتفاقية، درَّبت روسيا ضباط الجيش المالي، وقدمت دعماً عسكرياً في إطار صفقة معدات عسكرية وقّعها الطرفان في ديسمبر، وتحت تأثير العلاقة المتنامية مع موسكو تطوّر الموقف السياسي المالي من الوجود الغربي، وطردت السلطات المالية السفير الفرنسي، وحظرت تحليق الطائرات العسكرية الألمانية في أجوائها، ثم طردت القوات الدنماركية من أراضيها.
وأسّست روسيا علاقات مع دول أفريقية أخرى تقوم على التعاون الأمني والاقتصادي، حيث تعمل شركاتها في أنغولا جنوبي شرقي القارة الأفريقية في استثمارات النفط والمعادن الثمينة، مثل الألماس والذهب. وفي عامي 2017-2018، وقَّعت روسيا اتفاقيات تعاون مع أكثر من تسع عشرة دولة أفريقية، منها على سبيل المثال لا الحصر (نيجيريا، وأنغولا، وغينيا الاستوائية، وبوركينا فاسو)، كما وقَّعت اتفاقات لاستخراج الغاز الصخري من موزمبيق، وبالتالي استطاعت أن تمدّ نفوذها بقوة في وسط القارة الأفريقية وغربيها، مثلما ضمنت لها موطئ قدم في شرقها وشمالها.
تعددت أشكال الحضور الروسي في أفريقيا وتنوّعت، وعلى الرغم من هيمنة العنصر الأمني والعسكري عليها، فقد سعت موسكو إلى الاستفادة من الحضور الثقافي والاستثماري، وقد تزايد حضور شركات كبرى مثل غازبروم، ولوك أويل، وروستك، وروس أتوم، في القارة، وخصوصاً في مصر والجزائر وأوغندا ونيجيريا وأنغولا. كما افتتحت روسيا في العديد من الدول الأفريقية مراكز ثقافية تروج لسياساتها.
وفي عام 2018 وقّعت شركة روس آتوم المسؤولة عن القطاع النووي مذكرات واتفاقيات لتطوير الطاقة النووية مع 18 دولة أفريقية، من بينها مصر وإثيوبيا وكينيا ونيجيريا وزامبيا وغانا ورواند. وتعمل الشركة على بناء أربعة مفاعلات نووية في مصر.
كما أن العديد من الدول الأفريقية تعتمد بشكل كبير على واردات القمح والحبوب من روسيا، بيد أن تعطل الإمدادات جراء الحرب أدى إلى تفاقم خطر الجوع في القارة. لكن العنصر الأبرز الذي طورته موسكو خلال السنوات الأخيرة تمثل في تقديم الخدمات الأمنية والعسكرية لبلدان القارة، وزادت أهمية هذا العنصر بسبب الحرب في أوكرانيا، وبات يشكل أولوية في السياسات الخارجية لموسكو في الوقت الراهن.
وتوجّت قمة سوتشي (2019) هذه الجهود حين توافق القادة الروس والأفارقة على أهداف التعاون بين دولهم، واعتمدوا أهدافاً لزيادة تطوير التعاون الروسي الأفريقي على الأصعدة كافة، السياسية والأمنية والاقتصادية، وعلى صُعد العلوم والتكنولوجيا، والثقافة. كما اعتمدوا إطاراً جديداً للحوار، تحدّد عبره عقد قمة بين الجانبين كل ثلاث سنوات، وعقد مشاورات سياسية سنوية بين وزراء الخارجية الروس والأفارقة، وقد شهدت هذه القمة توقيع عدد من الاتفاقيات والمذكرات والعقود، بلغت أكثر من 50 وثيقة.
موطئ قدم في إرتيريا
لفت الأنظار خلال زيارة لافروف إلى إرتيريا، إشارته إلى أن البلدين يخططان لدرس إمكان استخدام “الإمكانات اللوجستية لميناء مصوع”، وتطوير خدمات الترانزيت عبر مطار المدينة. وبدا أن هذه كانت بين الأهداف الأساسية للزيارة، على خلفية تعثُّر تنفيذ الاتفاق مع السودان لإقامة قاعدة في بورتسودان.
وكان ملاحظاً أن بيان وزارة الخارجية الإريترية حول الزيارة خلا من الإشارة إلى احتمال منح روسيا امتيازات تتعلق باستخدام إمكانات الميناء الإريتري، برغم أن لافروف أكد أن الجانب الإرتيري “مهتم بالموضوع، ونقوم بدراسته ثنائياً”. لكن وسائل إعلام ركَّزت على سعي موسكو إلى إيجاد دور أكبر لها خلال الفترة المقبلة في إريتريا، التي يمكن أن تكون موضع قدم استراتيجي لها، ومنطلقاً لحضور أكبر في منطقة شرق أفريقيا، وفي مدخل البحر الأحمر. وبدأت العلاقات الدبلوماسية بين روسيا وإريتريا عام 1993 بعد استقلالها عن إثيوبيا، إلا أن لافروف هو أول وزير خارجية روسي يزور الدولة.
ويبدو أن ما تم من اتفاقات للتعاون بين إريتريا وروسيا، في مجالات الطاقة والتكنولوجيا الرقمية والتعدين والزراعة والصحة والتعليم، يعكس وجود آفاق متسعة للتعاون. لكن هذا لا يعني بالضرورة أن إريتريا ستمنح روسيا معاملة خاصة في استخدام موانئها البحرية، كون هذا البلد يسعى بعد انتهاء الحرب في إقليم تيغراي، وتعزيز العلاقات مع إثيوبيا إلى تطوير ميناءيه البحريين القائمين حالياً، وإنشاء ميناء ثالث، بما يدعم انفتاحه على حركة الملاحة الدولية، وبما يوطد مكانته الاستراتيجية في المنطقة، ويحفظ أيضاً استقلاليته الوطنية.
أكبر مورد للسلاح إلى القارة
حسب تقرير حديث لمؤسسة “راند”، فإن ما يقرب من نصف واردات أفريقيا من المعدات العسكرية (49%) تأتي من روسيا، وتشمل هذه الأسلحة الكبيرة (دبابات القتال والسفن الحربية والطائرات المقاتلة والمروحيات القتالية)، والأسلحة الصغيرة (المسدسات والبنادق الهجومية مثل بندقية كلاشنيكوف الجديدة). وأوضح التقرير الذي رصد مبيعات الأسلحة الصينية والروسية إلى أفريقيا، ونُشر في ديسمبر الماضي، أن قائمة أكبر مشتريي الأسلحة من روسيا في أفريقيا هم: الجزائر وأنغولا وبوركينا فاسو وبُتسوانا ومصر وإثيوبيا وغانا وليبيا والمغرب وموزمبيق وناميبيا ورواندا والسودان وجنوب أفريقيا وأوغندا وزيمبابوي.
وتُعَد صادرات الأسلحة العسكرية والمتعاقدين العسكريين والأمنيين الخاصين، خصوصاً من شركة “فاغنر” الروسية، أدوات مهمة لإبراز نفوذ روسيا في أفريقيا. وإجمالاً، فإن القارة الأفريقية باتت تشغل مكانة مهمة بين مستوردي السلاح الروسي، ومثلت الصادرات العسكرية الروسية لأفريقيا 18% من إجمالي صادرات روسيا من الأسلحة في الفترة ما بين عامي 2016 و2020.
قلق غربي تجاه التمدد الروسي
منذ انهيار الاتحاد السوفيتي واجهت موسكو تحركات نشطة من جانب الولايات المتحدة للتأثير على معظم قرارات الدول الأفريقية تجاه إعادة تطبيع العلاقات مع روسيا والصين، ما جعل روابط أفريقيا بروسيا هشَّةً. وواضح أن التحرك النشط الذي أطلقته موسكو تجاه القارة السمراء خلال السنوات العشر الأخيرة أثار قلقاً متزايداً لدى واشنطن وعواصم غربية عدة على رأسها فرنسا التي اتهمت موسكو مباشرة بالعمل على تقويض النفوذ الفرنسي في القارة.
وكشفت واشنطن عن نيتها إعادة صياغة شاملة لسياستها في أفريقيا جنوبي الصحراء، لمواجهة الوجودين الروسي والصيني، وتطوير أساليب غير عسكرية ضد الإرهاب. وترافق ذلك مع إعلان الولايات المتحدة تعهداً بتخصيص 1.3 مليار دولار لكبح الجوع، ومبادرة بعثة المرونة في مجال الأغذية والزراعة التي تقودها فرنسا لتنشيط الزراعة الأفريقية. وعلى الرغم مما بذلته واشنطن من جهود، وما قدمته من مساعدات متواضعة لبعض الدول الأفريقية، فإن نفوذها في القارة السمراء ظل يصطدم بالمصالح الأوروبية المتجذرة والمتقادمة هناك، وبالحضور الصيني القوي والمستجد، وكذلك بمحاولات روسيا إحياء علاقاتها مع الدول الأفريقية.
ولا بد أن الربط بين جولة لافروف الأخيرة وقرار بوركينا فاسو منح مهلة شهر للقوات الفرنسية لمغادرة البلاد، بعد اتهامها بدعم جماعاتٍ إرهابية، حمل دلالات مهمة لجهة أن موسكو سعت إلى توظيفه فوراً، وعندما سُئل لافروف عن هذا الأمر تَحدَّث بإسهاب عن أن هذا “شأن سيادي داخلي” عاقداً مقارنة بين “الأساليب الاستعمارية الغربية ومنطلقات موسكو التي تقوم على حماية سيادة الدول”. بهذا المعنى فإن الوزير الروسي عمد إلى استخدام عنصر ضاغط ومهم على السياسات الأفريقية عموماً، فضلاً عن كونه لم يتردد في التذكير بوضع مماثل نشأ في مالي العام الماضي.
كما كان لافتاً إعلان وزير الخارجية الروسي من جنوب أفريقيا أن بلاده تُطور التعاون العسكري التقني مع الصين وجنوب أفريقيا، وتأكيده مع نظيرته الجنوب أفريقية، ناليدي باندور، في بريتوريا أن المناورات العسكرية البحرية المرتقبة بين روسيا والصين وجنوب أفريقيا في المحيط الهندي شفافة وتتوافق مع القانون الدولي، وهذا ما يشكل مؤشراً على أن النشاط الصيني في أفريقيا لا يتعارض مع الطموحات الروسية هناك.
استنتاجات
مع اقتراب الحرب الروسية-الأوكرانية من إكمال عامها الأول، من دون أن يظهر أفق لنهاية هذه المواجهة، تزايدت درجة الأهمية التي توليها موسكو لتعزيز علاقاتها مع المجموعات الإقليمية التي أبدت تردداً كبيراً في الانخراط في سياسات العقوبات الغربية، وبدا جزءاً كبيراً مستعداً لاقتناص الفرص التي توفرها المواجهة القائمة حالياً.
وتأتي العلاقة مع أفريقيا بين أبرز أولويات السياسة الخارجية الروسية خلال المرحلة المقبلة. صحيح أن الحضور الروسي في القارة لا يضاهي الحضور الصيني حالياً، لكن اعتماد موسكو على آليات التعاون العسكري والأمني، ودعم التحركات المناهضة للوجود الغربي، تلقى قبولاً متزايداً في القارة الأفريقية، كما أنها توفر لموسكو عناصر ضغط إضافي.
والأكيد أن المحاولات الروسية المستمرة لكسب حضور عسكري متصاعد في المنطقة بين الأهداف الروسية الأساسية، ويكفي التذكير بأن تعديلات العقيدة البحرية الروسية التي أُقرت العام الماضي نصَّت على زيادة انتشار القواعد البحرية الروسية في مناطق عدة بينها القارة الأفريقية. وأظهرت روسيا أنها صديق وشريك إستراتيجي مع دول أفريقيا، وأن علاقتهما ذات منفعة متبادلة وليست نابعة من إرث كولونيالي. كما أن روسيا تدعم مقترح منح مقعد دائم لدول أفريقيا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ما يمنحها نفوذاً أكبر في المنظمة الأممية.
لكن في مقابل الزخم القوي للتحركات الروسية في القارة الأفريقية والقائم بالدرجة الأولى على دعم تطلعات القارة للتخلص من الارث الاستعماري، ودعم الأنظمة الحاكمة فيها أو قوى المعارضة إذا لزم الأمر عسكرياً وأمنياً، فإن موسكو تُواجِه تحديات مهمة، بينها قدرتها على ضخ استثمارات مالية كبرى في القارة، وتنفيذ تعهداتها بتطوير قطاعات عدة.
إن مستقبل موسكو وحضورها الصاعد في أفريقيا يبقى رهن تعميق شراكاتها الاقتصادية بما فيها في مجال الطاقة وإمدادات الحبوب والدواء ومجالات الرقمنة والتكنولوجيا وتنفيذ المشاريع التنموية والثقافية، وهي قطاعات تُواجِه موسكو نفسها مشكلات جدية فيها بسبب الحصار الغربي. لذلك يبدو أن الرهان الروسي سوف يبقى لبعض الوقت مُوجَّهاً نحو تعزيز الحضور العسكري والأمني، والسعي إلى تحريض بعض المجموعات والبلدان الأفريقية على تعزيز مسار التخلص من النفوذ الغربي وإنهاء أو تقليص الحضور العسكري المباشر لبعض البلدان الغربية المنافسة.
.
رابط المصدر: