بهاء النجار
قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (32)
التأمل الأول :
يحاول المستكبرون الرد على المستضعفين لدفع الإتهام عن أنفسهم وتحميل المستضعفين مسؤولية الضلال والصد عن الهداية بسبب إجرامهم ، والظاهر أن هناك إتفاقاً بشرياً إنسانياً على أن الإجرام من مسببات الصد عن الهدى وبالتالي هو من أسباب الضلال ، لأن المستكبرين – باعتبارهم أحد أصناف الظالمين والكافرين – احتجوا به بوجه خصومهم المستضعفين ، وفي الوقت نفسه يؤمن المؤمنون بأن الإجرام من أسباب الضلال ، لأن أي انحراف عن الصراط المستقيم هو إجرام ويؤدي الى الضلال ، لذلك ندعو ربنا في سورة الفاتحة بأن يهدينا الصراط المستقيم كي لا نكون من الضالين .
التأمل الثاني :
تُعلِمُنا سورة الفاتحة أن من مقدمات وأسباب الهداية هي العبادة والاستعانة بالله تعالى ، ( إياك نعبد وإياك نستعين ، إهدنا الصراط المستقيم ) ، وبالتالي قد يكون الصد عن الهداية من خلال الصد عن العبادة والاستعانة بالله سبحانه ، وهذ ديدن المستكبرين المجرمين لإستضعاف المؤمنين ، لأنهم يشعرون ويدركون أن قوة المؤمنين بالهداية الناتجة من العبادة والاستعانة بالله جل جلاله .
وليس بالضرورة أن يكون الصد عن العبادة والاستعانة بالله جل شأنه علنياً ، بل إن هذا الصد أصبح من أسلوباً قديماً مفضوحاً ، لذا اتجه المستكبرون لتضييع روح العبادة والاستعانة بالله من خلال الغزو الثقافي وتحريف الحقائق ، وبالتالي لا يصل المؤمن الى مبتغاه وسر قوته وهي الهداية .
التأمل الثالث :
رغم أن من الإجرام أن يستضعف الإنسان نفسه مقابل الآخرين ليستكبروا عليه ولكن هذا لا يعني أن الإستكبار على الآخرين ليس بإجرام ، بل ربما هو أولى بالإجرام ، فبحسب الحديث القدسي المروي أن ( الكبرياء ردائي من نازعني عليه أدخلته النار ولا أبالي ) .
وعلى المستضعفين أن يتخلصوا من إجرامهم لأنفسهم واستضعافهم لها حتى يرفعهم الله تعالى ويضع المستكبرين ، كما نقرأ ليلياً في شهر رمضان في دعاء الافتتاح الشهير ، وأن يكون ضعفهم – وحتى استضعفاهم لأنفسهم – أمام الله تعالى وحده لا شريك له ، لأنه هو صاحب الكبرياء والعظمة .
للمزيد من التأملات القرآنية انضموا الى قناة ( تأملات قرآنية ) على التلغرام :
https://t.me/quraan_views