تأملات قرآنية من الآية الحادية عشرة من سورة سبأ

بهاء النجار 

 

أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11)

التأمل الأول :
إن العمل الصالح غير مقتصر على الأعمال العبادية ، وإن كانت هي من أوضح مصاديقه ، وإنما يشمل العمل الذي فيه منفعة للناس وفائدة لنصرة دين الله وأوليائه والمؤمنين ، وتشمل هذه النصرة الفكرية والثقافية والحضارية إضافة الى النصرة العسكرية فضلاً عن النصرة الاقتصادية المتمثلة بالصناعية والزراعة وغيرها .
المهم أن يكون العمل الصالح بدافع القربى الى الله تعالى ، وأن يُلاحَظ أن الله بصير بهذا العمل ، فكلما كانت هذه الملاحظة حاضرة وبقوة كلما ضمنّا صلاح العمل بدرجة كبيرة ، وضعفها يعني الغفلة وبالتالي فإن صلاح العمل غير مضمون .

التأمل الثاني :
أحد أساتذة الأخلاق – رحمه الله – أعطى مثالاً يمكن أن ينفعنا في إتقان العمل الصالح بل وحتى الابتعاد عن المعاصي ، حيث قال : لو أن هناك كاميرا ترافقك وتصور كل حراكتك وسكناتك وتنقل نقلاً مباشراً ما تقوم به الى كل العالم ، بحيث يشاهد الملايين ما تقوم به ، فكيف ستكون تصرافتك ؟ بالتأكيد ستكون على الصراط المستقيم ، فما قيمة هؤلاء الملايين بالنسبة لرب العالمين ؟ أكيد لا شيء ، فمن كان يعتقد بأن الله تعالى بصير بما يعمل الى درجة أنه يرى هناك كاميرا تنقل نقلاً مباشراً ما يقوم به الى الله تعالى فسيكون عمله صالحاً بدرجة كبيرة ، إضافة الى تركه المعاصي بشكل كبير .

التأمل الثالث :
إن المؤمن الصالح ينبغي أن يقدّر ويخطط ويدرس كل عمل يريد القيام به ، فلا عشوائية أو فوضوية في العمل الصالح ، لأن العشوائية والفوضوية تقلل من فوائد وثمار العمل الصالح ، أما التخطيط والدراسة وتقدير الأمور التي سيقوم بها في المستقبل فستجعل المشروع يحقق أفضل النتائج وبأقل التكاليف ، سواء كان ذلك المشروع صناعياً أم تجارياً أم زراعياً أو حتى على المستوى الشخصي ، وسواء كان كبيراً أم صغيراً ، فمن يعمل بتقدير وتخطيط في المشاريع الصغيرة سيكون مخططاً ومقدِّراً في المشاريع الكبيرة ، وعليه أن يتذكر أن الله سبحانه بما يضيّعه من وقتٍ وجهدٍ ومالٍ بصيرٌ ، فلا يهدرها بلا تقدير .

التأمل الرابع :
إن المؤمن المقتدي بأنبياء الله عليهم السلام إذا كان رباً لأسرة فإنه يُسبغ على أفراد عائلته بالنِعِم ويوسع على عياله ليشعروا بالراحة والطمأنينة والقدرة على مواجهة الحياة ومصاعبها ، وفي الوقت نفسه عليه أن يقدِّر ويوازن بين مدخولاته ومصروفاته ، فالتوسعة على العيال ينبغي أن لا تكون مفرطة بحيث يفرّط في واجبات أخرى تجاههم وتجاه ربه والآخرين ، فلا يسبغ عليهم بالصرف اليومي ( من أكل وشرب ) وموسمي ( من لبس وحاجيات ) وينسى واجبه تجاههم في القضايا الاستراتيجية كالدراسة وتوفير السكن اللائق أو حتى تهيئة مقدمات توفير العمل لهم للاعتماد على أنفسهم من دون الحاجة الى الغير .
كما ينبغي أن لا تؤثر توسعته على عياله تجاه ربه ( بدفع الحقوق الشرعية ) والآخرين ( برد مظالمهم من ديون وما شابه ) .

التأمل الخامس :
على الحاكم أن يقدّر ويخطط ويعمل ما بوسعه ليستثمر إمكانيات بلده وطاقاته الطبيعية والبشرية أفضل استثمار ليعيش شعبه حياة مرفهة تفوق ما يمتلكه بلده من مقومات اقتصادية ، وأن يكون مستعداً لمواجهة أي خطر يهدده ليعيش بعزٍ من دون الإتكال على إمكانيات بلد آخر .
فمن غير الصحيح أن يلجأ الحكام – وخصوصاً من ينتمي الى خط الأنبياء – الى استنزاف طاقات بلده من دون أن ينعكس ذلك على شعبه ، فضلاً عن عدم استثمار تلك الطاقات وتضييعها بحيث يعيش شعبه حالة معيشية أسوأ مما تعيشها شعوب لا تمتلك بلدانها هذه الطاقات والمقومات .

* مشاركتها ثواب لنا ولكم

للمزيد من التأملات القرآنية انضموا الى قناة ( تأملات قرآنية ) على التلغرام :
https://t.me/quraan_views

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M