بهاء النجار
قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47)
التأمل الأول :
من المفروض أن ما يَدفَعه المواطن الى الموظف من رسوم وضرائب هي لصالح المواطن نفسه وتعود عليه بالنفع من خلال تحسين الخدمات المقدمَة إليه وتنظيم سلوكه وعلاقاته مع باقي المواطنين من دون أن يستأثر بشيء أو يؤثّر سلباً على النظام العام للمجتمع .
أما أجور الموظف التي يتقاضاها فينبغي أن تُدفَع من قبل الدولة بشكل يناسب أتعابه ويسد مؤونته ومؤونة عياله حتى لا يكون له مبرر لابتزاز المواطنين ، ويجب أن تكون للدولة رقابة صارمة تضبط العلاقة بين الموظف والمواطن ، بحيث لا يقصّر الموظف تجاه المواطن ولا يتهاون المواطن في دفع ما عليه من رسوم وضرائب التي يجب أن تترجم على شكل مشاريع في خدمة المواطن .
التأمل الثاني :
بقدر إيمان الشخص بأن الله تعالى على كل شيء شهيد يمكنه أن يعمل بدون مقابل من قبل الناس وإنما تعويله على الأجر الذي على الله جلت آلاؤه ، فما على الله يؤديه الله أفضل أداء وهو لا يخلف الميعاد ، هذا الأجر الإلهي عند المؤمنين لا يضاهى أو يُقاس بالأجر البشري ، فكلما زاد الأول في عيوننا قلّ الثاني والعكس بالعكس ، وكلما تساوى في نفوسنا هذان الأجران ضعف الإيمان ، فما قيمة الأجر الذي يعطينا إياه البشر حتى نسأله ونترك الأجر الذي يمنّه الله علينا ؟! فالأجر الإلهي مبني على شهادة إلهية بدقائق ما يعمله العاملون ، أما الأجر البشري فيكون عموماً وفق مقاييس ظاهرية ، وبالتالي فهي ليست دقيقة خاصة إذا كانت مخالفة للحقيقة ولباطن العامل .
التأمل الثالث :
كل عمل صالح يعمله المؤمنون يؤجرون عليه بحسب ما نقله لنا رسول الله صلى الله عليه وآله عن رب العزة عز وجل ، وهذا الأجر حرّك الكثير من المؤمنين للعمل الصالح ، ولولا هذا الأجر لأصبحت الأعمال الصالحة شبه منعدمة ، وبالنتيجة فإن لرسول الله صلى الله عليه وآله أجر تحفيزنا على العمل الصالح وأجر الأعمال الصالحة التي عملناها منذ انطلاق البعثة النبوية الشريفة والى يوم القيامة من دون أن تنقص أجورنا شيئاً .
وأجر التحفيز هذا متاح لنا أيضاً ، فما أن نسعى لتحفيز الناس على العمل الصالح فسنحصل على هذا الأجر إضافة الى أجور العاملين من دون نقصان أجورهم ، فالدال على الخير كفاعله .
التأمل الرابع :
على الإنسان المؤمن العامل أن لا يمنّ بعمله على رسول الله صلى الله عليه وآله ، فضلاً عن منّه على الله تعالى ، ( يمنّون عليك أن أسلموا قل لا تمنّوا علي إسلامكم بل الله يمنّ عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين ) ، إن الله جلّت آلاؤه يمنّ علينا برسوله صلى الله عليه وآله ليهدينا ، وليعلم العاملون أن هناك أجراً لما يعملون ، ولا يُبخَسون ما كانوا يعملون ، رغم أن كثيراً مما يعملونه واجبٌ ، إما وجوباً شرعياً أو أخلاقياً أو وجدانياً ، وأن رسول الله صلى الله عليه وآله من هذه الناحية غني عن العاملين لأن أجره على الله لقاء ما قام به من عمل جبار في هداية البشرية ، فإن استجاب الناس إليه أُجِروا على ذلك وإن لم يستجيبوا فسوف يخسروا ذلك الأجر بل وقد ينالوا عذاباً شديداً واعياذ بالله من دون أن ينقص أجر الرسالة والهداية شيئاً .
التأمل الخامس :
إن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله كلّف نفسه أكثر من طاقتها في هداية الناس رغم أن أجر أعمالهم لهم ، وأن الله تعالى لم يكلّفه هذا المقدار من التكليف ، بل أكد سبحانه في مواضع قرآنية عدة على التخفيف من هذا التكليف الزائد مثل ( لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ) و ( لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ ) و ( طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ) ولكن حبّه للناس ورغبته في أن يدخلوا الجنة التي تعتبر ثواباً للهداية وتقديره بأن إيصال الرسالة الى مئات السنين من بعده دفعه في أن يبذل جهداً يفوق طاقته التكليفية .
ومن يريد أن يتأسى بالرسول الأعظم صلى الله عليه وآله فعليه أن يميل على نفسه أكثر من طاقتها التكليفية لهداية الناس بشرط أن لا تكون هناك انعكاسات سلبية على نفسه أو باقي واجباته الشرعية .
التأمل السادس :
في الغالب يفهم الكثيرون أن الأجر هو ثمن الأعمال التي يقومون بها ، وهذا الفهم صحيح في مستوى من المستويات ، وهناك فهمٌ آخر للأجر يتمثل بمدى الاستفادة من العمل الصالح ومدى الشعور بالقرب من الله سبحانه ومدى دافعية هذا الأجر للعمل الصالح المضاعف .
ووفق الفهم الثاني للأجر فإن لرسول الله صلى الله عليه وآله أجراً مختلفاً تماماً عن الأجر الذي نحصل عليه كجزاء على أعمالنا ، وذلك لاختلاف مستوى الإخلاص والتقرب من الله جل وعلا ، وهذا الأجر هو الذي يجعل الهمّة عالية عنده صلى الله عليه وآله وأعلى من الآخرين ، ومن كان له في رسول الله أسوة حسنة عليه البحث عن هذا الأجر والسعي للحصول عليه لتتضاعف همته وعمله الصالح .
التأمل السابع :
ليس بالضرورة أن نصدّق كل من يقول : ( ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله وهو على كل شيء شهيد ) ، فهذه العبارة قد يستخدمها الدجالون أيضاً لإيهام البسطاء من الناس كي يأخذوا من أموالهم وممتلكاتهم بعناوين ( الحقوق الشرعية ) وما شابه ، فلا اختلاف على أن الله سبحانه على كل شيء شهيد ولكن الاختلاف على أن ما يسأله الدجالون من أجر هو لهم أم لنا ؟!
وإنما صدقنا هذه العبارة عندما قالها رسول الله صلى الله عليه وآله فلأننا نعلم صدقه ونعلم أن القرآن الصادق هو الذي أخبرنا بذلك ، وبالتالي فإن التصديق بمن يتذرع بهذه العبارة يعتمد في الأساس على مدى مصداقيته ، فإن كان معروفاً بصدقه صدّقناه وإن لم يكن كذلك فلسنا مكلفين بتصديقه .
التأمل الثامن :
إذا فهمنا الأجر بالفهم الدنيوي فهذا يعني أنه يشمل الثواب والعقاب أو الحسنات والسيئات ، بمعنى أن الأجر الذي نكسبه جرّاء العمل الصالح يكون حسنات وجرّاء العمل السيء هو السيئات كالتاجر الذي يبيع سلعاً محرمة يكسب أجراً محرماً .
وبما أن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله لا يعمل عملاً سيئاً لأنه معصوم فأجره على الله تعالى تشريفاً لكل من يعمل الأعمال الصالحة من دون أعمال سيئة ، أما من يخلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً – وهو حالنا نحن غير المعصومين – فأجره لا ينال هذا الشرف العظيم .
* مشاركتها ثواب لنا ولكم
للمزيد من التأملات القرآنية انضموا الى قناة ( تأملات قرآنية ) على التلغرام :
https://t.me/quraan_views