بهاء النجار
مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10)
التأمل الأول :
إن العزة والرفعة أمورٌ يتمناها جميع البشر ، لأنها فِطرية ، فلا يوجد إنسان سوي عاقل يتمنى الذلة ، ولكن الاختلاف بين الناس في مصاديق العزة ، فبعضٌ يرى العزة في المنصب والأموال والأولاد والعشيرة والحزب والهيمنة والشهرة وما شابه ، وربما يذهب الى هذا الفهم من العزة غالبية البشر بما فيهم من ينتمى الى دين الإسلام الحنيف ، وبعضٌ يرون العزة لله سبحانه ، وهم المسلمون الحقيقيون ذوو الثقافة القرآنية نظرياً وعملياً ، بمعنى أن العزة بما يريده الله جل وعلا لا بما يريده غيره ، ، فمعصية الله ذلٌ ، وأن العزة الحقيقية في طاعة الله سبحانه والتذلل له ، لأن العزة التي يطمح إليها الإنسان (المؤمن) تكون حدودها ضمن نطاق المخلوقات ، ولا عزة أمام عزة الخالق عزة وجل ، وهذا ما لا يستوعبه غير المؤمنين ، بما فيهم غير المؤمنين عملياً حتى لو كانوا مؤمنين نظرياً .
التأمل الثاني :
بما إن العزة لله سبحانه فيجب على المؤمن أن يكون عزيزاً أيضاً تخلّقاً بأخلاق الله عز وجل ، وللعزة (البشرية) أدوات ، منها المال والمنصب والجاه والعشيرة وغيرها ، ولكن بشرط أن تكون هذه الأدوات وسائل لإعزاز دين الله ونصرته وليس للإعزاز الشخصي للمؤمن ، بحيث أن المؤمن يسخّر أدوات العزة – التي ذكرناها والتي لم نذكرها – لنصرة الله تعالى ودينه وعباده المظلومين حتى لو كانت هذه الأدوات سبباً لتشويه صورته وسمعته الشخصية من قبل المكَرَة ، ومن يمكر ويقف حجر عثرة بطريق الدين الإلهي يستحق العذاب الشديد ، فإعزاز الدين هو من أفضل الأعمال الصالحة التي تساهم في صعود الكلم الطيب الذي يُفسَّر بالعقيدة الحقة ، فالدين القوي والعزيز يقوّي عقيدة أتباعه ويجذب أتباعاً آخرين إليه بعكس الدين الضعيف .
التأمل الثالث :
هناك سؤال لغوي يمكن أن نستفيد منه في تأملنا وهو : ما الفرق بين ( لله العزة ) و ( العزة لله ) ؟
يقول اللغويون أن من الغايات التي يُقدَّم من أجلها الخبر على المبتدأ هو التأكيد والتركيز على الخبر أكثر من التأكيد والتركيز على المبتدأ ، فقولنا ( أحمدٌ في الصف ) نريد التركيز على ( أحمدٌ ) ، أما لو قلنا ( في الصف أحمدٌ ) فتركيزنا سيكون على الصف وليس على من فيه .
وهذا يعني أن القرآن الكريم أراد إلفات إنتباهنا الى الله تعالى مالك العزة المطلق والوحيد وليس للعزة نفسها ، كما أراد التركيز على أن العزة منحصرة بالله سبحانه ، أما ( العزة لله ) تعني أنه يمكن أن تكون لغير الله أيضاً ، مع إن الحقيقة أنه جل وعلا هو المصدر الوحيد للعزة ، ومن كان عزيزاً فلأن الله تعالى أعزه ، ولا يمكن لأحد أن يكون عزيزاً من دون الله عز وجل .
التأمل الرابع :
وفق تفسير بعض المفسرين فإن ( الكلم الطيب ) هو العقيدة الصحيحة ، وهذه العقيدة رغم أهميتها إلا أنها تحتاج ما يرفعها ويكملها ، فالعقيدة كالأساس ، إذا اكتفى أحدٌ بعقيدته من دون عمل صالح فسيكون كمن اكتفى ببناء أساس بيته وترك بناء الجدران ، إذ النتيجة سيكون بلا بيت يحميه ، وهذا لا يعني أن العمل الصالح أهم من العقيدة ، فالبيت الذي تُبنى جدرانه على أساس ضعيف أو بلا أساس سيأتي اليوم الذي يسقط على أهله .
وفق ما تقدّم نفهم أهمية العمل الصالح في الشريعة الإسلامية ، إذ نرى إقتراناً بين (الذين آمنوا) وبين (الذين عملوا الصالحات) في كثير من الآيات القرآنية ، وهناك ثمار لمن حقق هذا الاقتران في ذاته وسلوكه ، فالذين آمنوا ولم يعملوا الصالحات لا يقطفوا هذه الثمار وكذلك الذين عملوا الصالحات ولم يؤمنوا .
التأمل الخامس :
كثيراً ما يُثار صراعٌ – ذو أساس فكري – بين أنصار (العقيدة) وأنصار (العمل) ، فالطرف الأول يركّز على العقيدة بغض النظر عن العمل ، والطرف الثاني يركّز على العمل من دون العقيدة ، وكلٌ من الطرفين يعتبر متطرفاً ، فالأول يمثّل المتحجرين من العقائديين ، ولو كانت عقيدتهم حقة لعرفوا أن القرآن الكريم يؤكد على العمل الصالح لأهميته في تعزيز العقيدة وثباتها ، والثاني يمثّل اللادينيين ومن يسير على طريقتهم ، ولو كان عملهم صالحاً لاستند الى عقيدة صحيحة ، فمن لا عقيدة له كيف يكون له عمل صالح ؟ وإن كان له فلا يمثّل شيئاً مقارنة بعقيدته الفاسدة .
أما المؤمنون العاملون فيمزجون بين العقيدة الحقة والعمل الصالح ، يحافظون على عقيدتهم وصلاح عملهم معاً ويوزانون بينهما ، من دون التفريط بأحدٍ منهما ، وعندها نعلم حجم الجهد الذي يبذله المؤمنون عندما يكونوا عاملين ، إذ يفوق ما يقوم به الطرفان المتطرفان .
التأمل السادس:
من الضروري معرفة دور العمل الصالح في تعزيز العقيدة كي تكون هذه المعرفة مُحفّزاً لذلك العمل وليكون هذا العمل وسيلة لترسيخ العقيدة الحقة ، وإن لم يكن العمل كذلك فسيكون صلاحه مشكوكاً فيه ، وسنطرح جانباً من هذا الدور بقدرنا لا بقدر الموضوع .
فمن العقائد التي يؤمن بها المؤمن مثلاً أن الله تعالى هو الرزاق وهو خير الرازقين ، وعندما يسعى في طلب الرزق سيكون ذلك درساً واختباراً عملياً لهذه العقيدة ، فإن رزقه تعالى كان عليه شكره وتأدية حقوقه الشرعية . وإن لم يرزقه لم تتأثر عقيدته ، لأنه يؤمن بأن مصدر الرزق هو الله سبحانه ، لذا يَعتبر – هذا المؤمن – ذلك إختباراً لإيمانه ، وأن الله تعالى عليمٌ بحاله وحكيم في إنزال رزقه ، ولو كان هذا الرزق في هذه الحالة في مصلحته لرزقه .
التأمل السابع:
من المعايير التي تجعلنا نميّز العمل الصالح من عدمه و مستوى صلاحه هو رفعه للكلم الطيب وترسيخه للعقيدة الصالحة ، فالبعض يعتبر العمل عملاً صالحاً بغض النظر عن تأثيره على عقيدة العامل إيجاباً ، وهذا العمل حتى لو كان صالحاً فهو ليس بمستوى يمكّنه من رفع مستوى عقيدته وإيمانه بالله جل وعلا ، فلا بد أن يكون العمل نابعاً من أساس عقائدي محرّك ودافع وفي الوقت نفسه فإن هذا العمل يجب أن يقوّي علاقته بربه عز وجل .
وهذا يعني أن على المؤمن العامل الذي يسعى للعمل الصالح أن ينظر الى مدى تأثير هذا العمل على علاقته بربه ، وأن يفضّل ويقدّم العمل الذي يطوّر هذه العلاقة على العمل ذي التأثير القليل فضلاً عن عديم التأثير حتى لو عُدّ من الأعمال الصالحة .
التأمل الثامن:
كثيراً ما يلجأ العُبّاد الواعون – على الأقل يومياً عشر مرات في صلواتهم الخمسة الواجبة – الى العبادة والاستعانة بالله عز وجل ليهديهم ربُ العالمين الصراطَ المستقيمَ ، لأنهم يعلمون أنهم إن لم يهتدوا الى هذا الصراط فستكون عقيدتهم فاسدة منحرفة لأنها عقيدة المغضوب عليهم والضالين ، وبالتالي سيكون لهم عذاب شديد .
فهؤلاء العُبّاد يعون أن الأعمال الصالحة وسائل مهمة للوصول الى العقيدة الصحيحة والكلم الطيب ، فالمؤمن بالله رب العالمين وأنه رحمن رحيم ومالك ليوم الدين ليس بالضرورة أن يُهدى الى الصراط المستقيم ، إلا أن يُتقِنَ عبادته ويستعين بربه جل وعلا ، فالإيمان بالله تعالى وببعض صفاته عقيدة ولكنها تطلّبت عملاً صالحاً للهداية الى باقي تفاصيل العقيدة الحقة وهو الصراط المستقيم .
التأمل التاسع:
لا بد من تثبيت نقطة مهمة وهي أن كثرة العمل لا تدلل على أن العقيدة صحيحة ، إذ لا بد أن تُصحَّح العقيدة ليرفعها العمل الصالح ، وبذلك تتميز العقيدة عن العمل ، فهي الأساس وليس العمل أساساً ، فالعمل عموماً يرسّخ العقيدة سواء كانت فاسدة ومنحرفة أم صحيحة ومستقيمة ، وهذا ما نلمسه في الواقع ، فكلما عمل الفرد وفق عقيدته ترسّخت عنده ويصعب إقناعه بعقيدة أخرى ، لذا يكون إقناع ضعيفي الإيمان والعقيدة الذين لم يرسِّخوا عقيدتهم بعمل أسهل من إقناع ذوي العقيدة التي ترسّخت بأعمالهم ، ولكن بلطف الله تعالى فإن العمل الصالح يرسّخ العقيدة الحقة أكثر من ترسيخ العقيدة المنحرفة ، وهذا ما يفسّر تحول كثير من العلماء والمفكرين من عقيدتهم (المنحرفة) الى عقيدة صحيحة .
التأمل العاشر:
إن الجانب العملي مهمٌ في ترسيخ الجانب النظري ليس فقط في القضايا الدينية والعقدية وإنما نجده أيضاً حتى في الحقل الأكاديمي ، إذ نجد البحوث النظرية تُطرَح في قاعات الدرس، وفي الوقت نفسه هناك تطبيق عملي لها في المختبرات والورش وما شابه ، وحتى لو لم يكن هناك تطبيق عملي ضمن المضمار الدراسي – كما في بعض التخصصات – فسيكون هناك سباق عملي بعد التخرج من خلال ممارسة ما درسه وتعلّمه من نظريات وقواعد ومناهج في عمله ، وعادة يكون حديثو التخرج قليلي الخبرة العملية لذا فهم غير مؤهلين للتصدي للمهام الكبرى في مجال تخصصهم ، وحتى أرباب العمل لا يكلفونهم إلا في أعمال تناسبهم ، بينما الخبراء الذين اكتسبوا خبرتهم من خلال تعمقهم العملي وخوض تجارب عملية عديدة مختلفة فيكون الاعتماد عليهم في القضايا المصيرية أكثر .
وعليه يمكن فهم ضرورة وأهمية العمل الصالح في ترسيخ العقيدة بشكل مبسط .
التأمل الحادي عشر:
إن القرآن الكريم يشير الى ضرورة وجود ترابط وتلازم بين العِزّة والعقيدة والعمل الصالح ، فلا انفكاك بين عزة الإنسان وعقيدته وعمله ، وهذا ما يفترض أن يكون ، أما إذا لم يكن ذلك فهناك خلل يجب التحري عنه وإصلاحه وتصحيحه ، فيفترض أن لا يكون الإنسان المؤمن العامل غير عزيزٍ ، إذ لا بد أن يكون عزيزاً ، ويفترض أن يكون الإنسان (العامل غير المؤمن) أو (المؤمن غير العامل) غير عزيزٍ ، بمعنى أن لا نتعامل مع هذين الصنفين كإنسانين عزيزين ، بل ينبغي أن ننظر إليهما نظرة الأذلاء حتى وإن كانا ظاهراً عزيزين .
وقبل ذلك كله علينا أن ننظر الى أنفسنا نظرة عزٍّ إن كنّا مؤمنين عاملين حتى وإن حاول الماكرون أن يهوّنوا ذلك في أنفسنا وفي أعين الآخرين ، نعم متى ما قُمنا بعمل ينافي إيماننا وعقيدتنا أو تقاعسنا وتكاسلنا عن العمل الصالح فينبغي أن نشعر بالذل في أنفسنا .
التأمل الثاني عشر:
هناك عمل صالح وعمل غير صالح ، فالأول يكون صالحاً بالعنوان الأولي ولكنه قد يبقى صالحاً بالعنوان الثانوي وقد لا يبقى ، والثاني كذلك ، فهو غير صالح بالعنوان الأولي وقد يبقى غير صالحٍ بالعنوان الثانوي وقد لا يبقى فيكون صالحاً . لتوضيح ما تقدّم نطرح مثالاً واقعياً على كل واحد منهما :
الأول/ الصلاة عمل صالح ، ولكن إذا رأى المصلي شخصاً ينازع الحياة لسبب ما ويستطيع المصلي رفع هذا السبب ولم يرفعه فصلاته تكون عملاً غير صالح .
الثاني/ أكل الميتة عمل غير صالح ، ولكن إذا شارف المرء على الهلاك من الجوع ولم يكن أمامه طعام إلا هذه الميتة فيكون أكلها عملاً صالحاً.
وهذا ما لا يفقهه الكثيرون ، لذا يستغل ذلك الماكرون ليمكروا بمن يقوم بالعمل الصالح المناسب لتشويه سمعتهم أمام الجهلة .
التأمل الثالث عشر:
هناك فهمٌ آخر للعمل الصالح ، بعبارة أخرى فهمٌ آخر لصلاح العمل ، فهناك ظروف كالزمان والمكان والكيفية تجعل العمل صالحاً ، وبدونها يكون غير صالح ، وهذا ما يمكن تسميته بالصلاحية ، فصلاح العمل شيء وصلاحية العمل شيء آخر ، وإن كانت صلاحية العمل هي من صلاح العمل ، فالعمل الذي تنتهي صلاحيته لا يكون صالحاً ولا صلاح فيه ، أما العكس فالعمل غير الصالح أصلاً لا صلاحية له .
فمثلاً الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عمل صالح لحين إنتهاء صلاحيته التي تبدأ عندما تتوفر شروطه ، كما تنتهي صلاحيته عندما يكون أثره سلبياً ونتائجه عكسية ، وهناك أمثلة كثيرة لا مجال لسردها ، لذا يستغل الذين يمكرون السيئات نفاد صلاحية العمل للهجوم على أولئك العاملين الواعين الذين لا يعملون إلا عندما تكون صلاحية العمل نافذة وليست نافدة .
التأمل الرابع عشر:
بما أن القرآن الكريم إهتم بالعلاقة بين العزة والعقيدة والعمل الصالح فهذا يجعلنا مهتمين بهذه العلاقة أيضاً ، بحيث نراقب هذه العلاقة لتكون متوازنة ، فينبغي أن لا تتأثر العزة سلباً نتيجة التمسك بالعقيدة والعمل الصالح وفي الوقت نفسه أن لا نركّز على العزة على حساب العقيدة أو العمل الصالح ، وهذا يتطلب منا وعي عالي المستوى بحيث نميّز بين العزة المبنية على العقيدة والعمل الصالح ( وهي العزة الحقيقية ) وبين العزة التي تتقاطع مع العقيدة والعمل الصالح ( وهي العزة الوهمية ) ، فإن لم نتمكن من هذه المعرفة الدقيقة فعلى الأقل نختار العقيدة والعمل الصالح التي تحقق عزة أكبر ، وهذه العزة تتحقق عندما لا يكون للنفس الأمارة بالسوء دورٌ فيها ، وهذا يناسب العقيدة الصالحة والعمل الصالح .
التأمل الخامس عشر:
هناك الكثير من المؤمنين العاملين الذين يسعون الى نشر العزة بين أفراد المجتمع إما من خلال الدعوة الى المبادئ الإسلامية ونشر الثقافة الدينية باعتبار الإسلام منظومة دينية قادرة على تحقيق العزة في المجتمع ، أو من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبيان ما يريده الله عز اسمه من المسلمين ، أو من خلال تشريع القوانين التي تخدم آخرة الناس ، وغيرها من الطرق المتاحة . إلا أن الذين يمكرون السيئات يقفون دائماً حجرة عثرة في طريق إعزاز المسلمين ، بحيث يتصور بعض الجهلة الذين ينظرون بعين واحدة أن الخلل في أولئك المؤمنين العاملين من دون النظر الى المعرقلين ، أما الواعون فيعلمون أن عدم تَمكُّن المؤمنين العاملين من تحقيق العزة للناس فبسبب الماكرين .
وهذا مع الأسف ما حدث مع أمير المؤمنين علي عليه السلام الذي تصوّر الجهلة أنه غير قادر على إدارة الدولة ولم ينظروا الى ما قام به الماكِرون ( من بني أمية وغيرهم ) من إشاعة الفوضى والحروب الداخلية لإفشاله سلام الله عليه .
التأمل السادس عشر:
يتفق المسلمون عموماً بأن الدين الإسلامي هو من سيحكم العالم في آخر الزمان، وهذا ما أكده القرآن الكريم بقوله : ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى? وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ )، وأكدته الروايات النبوية الخاصة بقيام مهديِّ هذه الأمة، وبالتالي فهذا من ثوابت المسلمين، وأقل عمل صالح ينبغي على المسلمين القيام تجاه هذا الإظهار الإلهي للحق وهذا القيام المهدوي هو الرغبة بقيام هذه الدولة التي تُحقِّق هذا الوعد الإلهي النبوي ليعزّ الإسلام وأهله ويُذَل النفاق وأهله من الذين يمكرون السيئات، لذا فلندعوا جميعاً: ( اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة تعز بها الإسلام وأهله وتذل بها النفاق وأهله ).
التأمل السابع عشر:
ربما أهم علامات تكريم الإنسان وحفظ كرامته التي نادى بها القرآن الكريم ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ) هو أن يكون – أي الإنسان- عزيزاً، فإن لم يكن كذلك فهذا يعني أن هذه الركيزة القرآنية لم تُنفَّذ، وبالتالي فأي أسرة أو جماعة أو دولة لا تكون كريمة حتى يكون أفرادها عزيزين، وأساس عزتهم هو منهجهم وقانونهم العزيز الموافق للتشريعات السماوية التي راعت كرامة الإنسان وعزته، وهذه الكرامة والعزة لا تتحققان إلا بإذلال من يعرقل تحقيقهما من الذين يمكرون السيئات من المنافقين وفضح منهجهم، وهذا ما استوعبه واحتواه دعاء : ( اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة تعز بها الإسلام وأهله وتذل بها النفاق وأهله ).
التأمل الثامن عشر:
التجارة كأي مجال من مجالات الحياة يفهمها المؤمنون بطريقة مختلفة عما يفهمها غيرهم ، فغير المؤمنين يرى التجارة وسيلة للاسترباح بأي وسيلة كانت وللتسلط على الفقراء شعوباً وأفراداً ، بينما المؤمنون يرونها وسيلة للوصول الى الله تعالى وما يرضيه كالتوسعة على العيال ودعم الفقراء وتحقيق العزة للمجتمع الإسلامي وأفراده ومنع المكرة من المكر بهم .
لا بل إن بعض المؤمنين يرون كل حياتهم تجارة ، ولكن تجارة مع الله الذي له العزة جميعاً ، فمن يريد أن يربح العزة فعليه أن يُحسِن عقيدته ويُصلِح عملَه ، أما إذا لم يفعل ذلك وتحرّك حركة عكسية فيمكرون السيئات بغيرهم – خصوصاً بالمؤمنين – فسيخسرون وستَبُور تجارتهم ، وأي خسارة وأي بوار ، إنها العذاب الشديد .
التأمل التاسع عشر:
المكر نوعان ، مكر حسن ومكر سيء ، فالمكر الحسن يكون لإعزاز دين الله وتثبيت العقيدة ورفعها بالعمل الصالح ، أما المكر السيء فيكون بالضد من ذلك ، فيكون لإعزاز أعداء الله وأعداء دينه وتشويه عقائد المؤمنين وحرفها والوقوف حجرة عثرة بطريق كل عمل صالح ينفع المجتمع ويقوي عقيدته ويثبتها .
وعادة ينتهج النهج الأول أولياء الله وسفراؤه في أرضه باعتبارهم أصحاب الكلم الطيب والعمل الصالح وأكثرهم معرفة بكيفية تطبيق المكر الإلهي في الأرض ، لأنه تخلق بأخلاق الله عز وجل ، خير الماكرين من الجن والناس أجمعين ، من المؤمنين والكافرين . والنهج الثاني ينتهجه الشيطان وأولياؤه ممن يمكرون السيئات لتحقيق غايات سيئة .
ولكن يبقى المكر مكراً ، فهو ليس متاحاً لكل شخص ، فلا بد أن يُتقَن بصورة دقيقة حتى يكون وفق القواعد الإلهية والشرعية ولا يُستغَل لتمرير مطامع النفس الأمارة بالسوء .
للمزيد من التأملات القرآنية انضموا الى قناة ( تأملات قرآنية ) على التلغرام :
https://t.me/quraan_views