بهاء النجار
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (29) قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٍ لَّا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ (30)
التأمل الأول :
إن الوعد لا يمكننا التأكد من صدقه إلا بعد أن يحين موعده ، وإلا كيف نثبت صدق ذلك الوعد ؟! وبالتالي نكتشف أن التساؤل عن موعد تحقق الوعد لم يكن للاستفسار وإنما للإنكار .
وفي الحقيقة نحتاج بالفعل الى معرفة ما إذا كان الوعد صادقاً أم لا ، كي لا نكون لقمة سائغة بأيدي الكذابين والمشعوذين . ولنبيّن الكيفية التي نعرف من خلالها الوعد الصادق سنبدأ من النهاية ، فما دام من يوعدون كذّابين او مشعوذين أو بصورة عامة غير صادقين فلا يمكن لنا تصديق وعودهم ، فصاحب الوعد يجب أن يكون صادقاً مجرباً في صدقه كي نصدّق وعده ، كما يجب أن يكون له ارتباط غيبي بالقادر الوحيد على تحقيق الوعد جل وعلا .
التأمل الثاني :
عندما يطالب المشركون ( وهم غير موحدين ) بالصدق في الوعد فهذا يعني أن الصدق من الصفات الإنسانية الفطرية التي لا يختلف اثنان على حُسنها وحُسن الإتصاف بها حتى لو اختلفا في المعتقد ، وبالتالي يمكن لهذه الصفة أن تكون قوة ناعمة نجذب من خلالها المخالفين الى ديننا ومعتقدنا كما حقق رسولنا الأعظم محمد صلى الله عليه وآله نجاحاً كبيراً من خلال الصدق الذي كان ملازماً له بشكل لم يمكن لأحد إنكاره حتى من قبل أعدائه .
وفي الوقت نفسه فإن مخالفة الوعد وعدم الصدق فيه فإن ذلك سيعطي إنطباعاً سيئاً ليس فقط على الشخص الذي أخلف وعده وإنما على الجهة التي ينتمي إليها ، وأخطر شيء أن يكون هذا الانطباع سيئاً على الدين الذي ننتمي إليه ، فنكون بذلك قد هدمنا ما بناه قادة الإسلام ابتداءاً من رسولنا الأعظم محمد صلى الله عليه وآله .
التأمل الثالث :
ربما من حق كل من يمتلك عقلاً حراً يريد أن تكون قناعاته وفق أسس صحيحة أن يطلب ويستفسر عن مدى صدق وصحة الوعود التي يطلقها من يريد إقناعنا بمنهجه كي لا يكون قبولنا بالمناهج الفكرية والاعتقادية خاطئاً ، ولكن في الوقت نفسه إن كانت الوعود صادرة من رجل معروف بالصدق منذ أن عرفوه فإن الأمور تختلف أكيداً .
هذا من جانب ، ومن جانب آخر إن من يطالب الصدق بالوعد يفترض أنه يصدق في وعوده كي يكون منصفاً ويثبت أن مطالبته جاءت وفق منهج علمي ضروري يُطبَّق عليه وعلى غيره ولم يكن تهرباً من القبول بالطرح الفكري الجديد ، فهل كان المشركون صادقين في وعودهم ؟!
التأمل الرابع :
من آداب الميعاد والموعد مع الآخرين أن يكون دقيقاً لا يتأخر ولا يتقدم ، هذا إذا كان الميعاد وقتياً ، وينبغي أن يكون دقيقاً أيضاً إذا كان الميعاد والوعد خاصاً بالتعامل مع الآخرين ، كوعد الآباء للأبناء ببعض الوعود كشراء حاجياتهم أو أخذهم لمكان ترفيهي أو ما شابه .
وللأسف أصبح عدم الاهتمام بالموعد والميعاد مع الآخرين سمة الكثيرين من أبناء المجتمع حتى يمكن أن نعتبرها ظاهرة ، بحيث يحتمل كل طرف من طرفي التواعد وجود فترة زمنية فيها سماحية للتأخير او التقديم ، وهذه الحالة لا يمكن أن تتغير من قبل فرد أو مجموعة أفراد ، إذ أنها تعكس مشكلة عامة في المجتمع أكثر من كونها حالة خاصة بأفراده .
التأمل الخامس :
إن دقة المواعيد تعكس دقة وانضباط المتواعدين وبالأخص المبادر بالموعد ، لذا ينبهر الكثير منا بدقة مواعيد بعض الدول المتقدمة ، وربما سر تقدم هذه الدول هو الإلتزام بالمواعيد واحترام وقت الآخر وظرفه ومشاغله ، وفي الوقت نفسه ينبغي أن تكون هناك مرونة مقبولة في الإلتزام بالميعاد ، لأن الحدّية في ضبط المواعيد قد يفسد العلاقة مع الآخرين التي تعتبر أهم من الموعد نفسه ، خاصة في المجتمع الذي يكون قرار الفرد ليس بيده وإنما تحت سيطرة المجتمع وسلوكياته وعاداته وقناعاته ، وعلينا التمييز بين التقصير والقصور في الإلتزام بالميعاد ، فينبغي أن يكون التعامل مع التقصير بحديّة ، أما القصور فمن الضروري أن تكون المرونة المقبولة هي الحاكمة ، وإذا كانت تربية المقصر في الإلتزام بالميعاد تتطلب المرونة لترك تقصيره فعلينا بالمرونة وإن كانت التربية تتطلب الحزم والحدية فعلينا بهما .
للمزيد من التأملات القرآنية انضموا الى قناة ( تأملات قرآنية ) على التلغرام :
https://t.me/quraan_views