إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41)
التأمل الأول :
إن الأمور السماوية (المعنوية) والأرضية (المادية) بيد الله عز وجل ، وهذا ما يتفق عليه المؤمنون جميعاً ولو على المستوى النظري ، أما العملي فالمؤمنون الحقيقيون فقط يؤمنون بذلك وينعكس ذلك على أفعالهم وأقوالهم وسلوكياتهم ، أما من يريد أن يمسك هذه الأمور فسيؤدي بها الى الزوال بلا شك ، لأن من يمسك بها يجب أن يكون حليماً عن ما يرتكبه من في السماوات والأرض ، غفوراً لما يفعلوه ، ومن لا يكون حليماً غفوراً فسوف لن يتمكن من المسك بهذه الأمور وإدارة شؤون الخلق .
إن من يشعر بعظم ذنبه وتقصيره أمام ربه عز وجل يشعر بعظم نعمة تدبير الأمور من قبل حليم غفور ، لذا لا يقبل مثل هذا الشخص الى أن يمسك شخص أمور العباد من دون الله ، خوفاً على هذه النعمة من الزوال .
التأمل الثاني:
عندما يكون الملِك حليماً وغفوراً فلا يعني ذلك إلغاء نظام العقوبات ، فالله بعظمته جل جلاله وهو الحليم الغفور الذي يمسك السماوات والأرض أن تزولا لم يلغِ نظام العقوبات، والملِك قد لا يكون شخصاً وإنما يمكن ان يكون نظاماً كالنظام الاقتصادي الذي يحكم العالم اليوم مثلاً .
وأحياناً كثيرة نعرف الأسباب من النتائج ، فعندما نرى مُلكاً زائلاً فيمكن أن نحتمل إحتمالاً كبيراً يُعتدّ به أن سبب الزوال هو أن النظام الحاكم لم يكن حليماً ولم يكن غفوراً ، وعليه فإن النظام الذي لا يزول هو النظام الحليم الغفور ، وبما أن الدولة المهدوية هي الدولة الوحيدة عبر التأريخ التي لا تزول فهذا يعني أن نظام هذه الدولة حليمٌ وغفورٌ وليس كما يصوره بعض الجهلة بأنه نظام يسفك الدماء .
التأمل الثالث:
من الإثباتات التي تدل على أن علياً أمير المؤمنين عليه السلام كان قرآناً ناطقاً أنه عَهِدَ عهداً الى مالك الأشتر لما ولّاه مصر فقال : ( وأشعِر قَلبَكَ الرَّحمَةَ لِلرَّعِيَّةِ ، وَالمَحَبَّةَ لَهُم ، وَاللُّطفَ بِهِم ) ، بمعنى : إن أردت أن تمسك الأرض في مصر فيجب أن تقيم العدل وأن تكون حليماً غفوراً كي لا يزول ذلك العدلُ وكلُ خير ينتج عن العدل، فالرحمة والمحبة واللطف تجعل الرحيم المحب اللطيف حليماً غفوراً .
ولأن الأشياء تُعرَف بأضدادها فإننا نرى حُكمَ الحكّام الظالمين يزول مهما طال الزمان ، بل إن الحاكم لو لم يكن حليماً ولا غفوراً فسيزول حكمه فكيف لا يزول حكم الحاكم الظالم .
التأمل الرابع:
يبدو واضحاً أن المسك يكون مادياً بمسك الأشياء كمسك القلم والورقة وغيرهما ، ويكون أحياناً معنوياً كمسك الحكم والملك وما شابههما ، وعندما يقال للشخص الذي عنده سلطة ( مبسوط اليد ) فهذا لا يعني أن يده (المادية) تكبر بحيث توضع على كل الأرض التي يحكمها ويتسلط عليها ، وهذا الأمر ينطبق على ( يد الله جل وعلا ) ، فيَدَاهُ تعالى مَبْسُوطَتَانِ ، وأثر انبساطهما أنه سبحانه ينفق كيف يشاء ، فيرزق العاصي كما يرزق المؤمن لأنه حليم غفور .
ومن آثار انبساط يد الله جل جلاله أنه يمسك السماوت والأرض من الزوال ، فلم يمسكها بيد مادية تعالى الله عما يشركون ، هذه اليد التي كانت فوق أيدي المؤمنين الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وآله تحت الشجرة لتكون يده (المعنوية) مبسوطة فيمسك الأرض من أن تزول نعمة الإيمان منها .
للمزيد من التأملات القرآنية انضموا الى قناة ( تأملات قرآنية ) على التلغرام :
https://t.me/quraan_views