بهاء النجار
إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6)
التأمل الأول :
المعروف في اللغة العربية ( إنّ ) حرف مشبه بالفعل يفيد التوكيد ، أي أننا نستخدمه عندما نريد تأكيد قضية معينة ، فإذا كان من يريد تأكيد معلومة معينة هو الله تعالى وفي قرآنه المجيد الذي أنزله لهداية البشر فسوف نعرف قيمة المعلومة المؤكدة وهي ( عداوة الشيطان للإنسان ) ، بمعنى أن على الإنسان أن لا يفكر لحظة ما أن الشيطان يريد أن يفيده أو ينفعه ، بعبارة أخرى ، عندما يدفعك الشيطان لعملٍ سيء فضع في حساباتك دائماً أن هذا العمل سوف لن ينفعك ، بل سيضرك ، وعليك مواجهة الشيطان وعداوته بمجاهدة نفسك التي يركّز الشيطان عليها باعتبارها أعدى أعدائك ، فيتحالف الأعداء ضدك ، فعليك أن تتحالف مع الله ربك لتنتصر عليهما .
التأمل الثاني :
إن العدو الحربي عدو واضح ولا نحتاج الى كثير من المؤونة لنثبت عداوته ، لذلك فهو أهون في المواجهة وأقل خطراً من العدو غير الحربي الذي يستخدم وسائل عدائية يصعب أحياناً تمييزها وتمييز خطرها وإثبات عدائها من عدمه ، ويمكن أن يكون العدو الحربي هو أحد جنود ونتائج وتبعات ما يقوم به العدو غير الحربي .
ومن أوضح مصاديق العدو غير الحربي هو الشيطان وأعضاء حزبه الذين يستخدمون شتى وسائل العداء للمؤمنين كوسائل الإعلام المضللة والمحرّفة للحقيقة ووسائل التواصل الاجتماعي التي تبث كل ما يسلب من الإنسان من قيم ومبادئ وثوابت وأخلاق ، فهذه الطرق العدائية لا يميزها كثير من المؤمنين خاصة عندما تأتيهم بعناوين خداعة ، فيقعون في فخ الشيطان وحزبه .
التأمل الثالث :
من الضروري أن نعرف المقصود من الحزب حتى نتعرف على حزب الشيطان ، إذ يمكن تعريف الحزب بأنه مجموعة من الأفراد تجمعهم مشتركات معينة ويهدف للوصول الى هدف معين ، وأفراد هذا الحزب يختلفون في درجة إنتمائهم ودرجة مسؤوليتهم بحسب درجة إقتناعهم بأهداف الحزب ودرجة تجسيدهم لمتبنَّياتِه ، لذا نجد أن قيادات الحزب يقضون كل أوقاتهم وجهودهم ويُسخّرون كل إمكانياتهم من أجل إنجاح حزبهم بعكس الأفراد العاديين الذين قد يكون انتماؤهم للحزب لقناعة كاملة وإنما لتحقيق غايات شخصية قد تكون بعيدة عن أهداف الحزب ، وقد لا يسعون الى تحقيق هذه الأهداف ولا يفكرون بالصعود الى مراتب متقدمة في الحزب لأن رؤى الحزب غير متجذرة في نفوسهم وعقولهم ، إلا أنهم يبقون منتمين الى هذا الحزب سواء كان حزباً مستقيماً أم منحرفاً .
يمكن تطبيق هذا الوصف على أرض الواقع لمعرفة من ينتمي الى حزب الشيطان .
التأمل الرابع :
حزب الشيطان حاله حال باقي الأحزاب ، له قيادة متمثلة بإبليس عليه لعائن الله ، وله أهداف تتمثل حرف الناس عن الصراط المستقيم بإغوائهم وإضلالهم ، وأعضاء هذا الحزب هم أولياء الشيطان ممن يسهمون في إنجاح تحقيق أهداف هذا الحزب ، فقيادات الحزب يخططون وينتظمون لإنجاح حزبهم بملئ إرادتهم ، بحيث يجنّدون كل طاقاتهم لإضلال الناس بقصد الإضلال لا بدون قصد ، وهؤلاء ممن طلبوا الباطل فأصابوه .
أما أفراد الحزب العاديين – وقد يكون كل واحد منا منهم – فهم الذين يُقوّن هذا الحزب من دون قصد تقويته ، ولم يفكروا يوماً ما بالسعي لتحقيق أهداف هذا الحزب في إضلال الناس ، وإن فكّر بعضهم بذلك فبدرجة بسيطة لا تصل الى درجة الغاية الأساسية في الحياة ، إلا أنهم يبقون أعضاءاً فيه .
وعلى جميع أعضاء هذا الحزب أن يعلم أن نتيجة تلبية دعوة شيطانهم الأكبر للانضمام لهذا الحزب هو العذاب السعير والعياذ بالله جل وعلا .
التأمل الخامس :
من المعلوم أن الشيطان يغوي الناس من دون إجبارهم وإنما يدعوهم فيستجيبوا له ( وما كان لِيَ عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم … ) ، فمن يستجيب يكون من حزبه ويكون من أصحاب السعير ، أما من يستجيب لأمر ربه وتنبيهه وتحذيره بأن الشيطان عدوٌ ويجب أن يتخذه عدواً أيضاً سينجو من عذاب السعير ، فمن غير الصحيح أن يستجيب المؤمن لدعوة العدو لأنها ليست في صالحه .
وعلى المؤمنين الذين تجمعهم طاعة الله سبحانه ( بحيث يكون هدفهم المشترك هو طاعة الله جل وعلا ) أن يتخذوا الشيطان عدواً لهم ، وهذا يعني أنهم حزبٌ أيضاً لمواجهة حزب الشيطان لينقذوا الناس من إغوائه ومن السعير ، وينبغي أن لا يكون تنظيم حزب الشيطان أفضل من تنظيم حزب الله .
التأمل السادس :
هناك شياطين من الإنس والجن ( وَكَذَ?لِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ … ) ، وهؤلاء الشياطين هم تلامذة إبليس وجنوده ، وكل مجموعة منهم تأتمر بقائد يمكن إعتبارها حزباً لوحدها ، أو لنقل أن كل شيطان منهم ( سواء كان من الإنس أو من الجن ) هو قائد وعنده حزب يسمعون كلامه ويلبون دعوته ، وفي الظاهر أن الشياطين القادة – في كلا الحالتين – يدعون أحزابهم الى أمور منحرفة قد يكون ظاهرها جميل كالحرية وحقوق الإنسان وغير ذلك لكن حقيقتها الانحراف والفساد ، أما الحقيقة فإنهم يدعون أحزابهم ليكونوا من أصحاب السعير ، وهذا ما لا يفقهه من لا يعتبر الشيطان عدواً فيعاديه ، لأنه يميل الى تصديق هذه الخدع كي يرضي نفسه الأمارة بالسوء ، أما من لا يثق بالشيطان وخدعه فإنه يرفض كل إنحراف وفساد تحت أي مسمى .
التأمل السابع :
عندما يحذرنا الباري عز وجل من الشيطان وأن نتخذه عدواً فلأنه عدوٌ ، فلا نتخذ أحداً عدواً إلا أن يكون هو عدواً لنا ، وهذه القاعدة القرآنية لا يتمسك بها إلا المؤمنون ، أما غير المؤمنين من حزب إبليس فيعادون الآخرين إبتداءاً حتى لو كان الآخرون غير معادين لهم ، كما هو حال إبليس مع آدم عليه السلام ، إذ عاداه حسداً ولم يرَ منه أي عداء ، وهذا ما يفعله أيضاً حزب إبليس مع بني آدم ، هذا يعني أن العداء الابتدائي للآخرين لحسدٍ أو تكبر أو لأي أمر آخر مرفوض لأنه عمل شيطاني يختص به إبليس وشياطينه من حزبه ، أما العداء الانفعالي الذي يكون رد فعل على عداء الآخرين فهو ممدوح ومطلوب ، بل هو واجب على المؤمنين ، ومن دون هذا العداء سينقلب الإنسان من جبهة الإيمان الى جبهة الشيطان .
التأمل الثامن :
تحذيرنا من عداوة الشيطان تلزمنا التفكير في تبعات تلك العداوة ، وإلا فنفس العداوة بلا تأثير ونتائج لا تعني شيئاً ، بعبارة أخرى أن العداوة ليست غاية الشيطان وإنما غايته هي ما ينتج عنها كإضلال الإنسان وإفساده وإبعاده عن الله سبحانه ليكون من أصحاب السعير، لذلك ولكي نتخذ الشيطان عدواً يجب أن لا يكون عداؤنا هو الغاية أيضاً ، أي عداءٌ بالقلب فقط ، وإنما يجب أن يثمر عن نتائج كالثبات على الإيمان والابتعاد عن خطوات الشيطان .
وإذا تقدمنا وقلنا أن عداء الشيطان للإنسان هو عداء هجومي ، أي أنه يهاجم دين الإنسان ، فيكون على المؤمن بعداء الشيطان له أن يهاجمه ، وأن يعلم أن أي هجوم على الشيطان وحزبه هو هجوم دفاعي لأن الشيطان في كل الأحوال مبتدئ بالعداء .
التأمل التاسع :
لا يتصور أحدنا أن عداء الشيطان لنا مقتصر على إغوائنا بالمحرمات ، فقد يصل الأمر الى استغلال المباحات ليبعدنا عن الله عز وجل ، فمثلاً يخدع الشيطان شخصاً بتناول وجبة طعام إضافية أو بالسهر على فلم أو مباراة لكرة القدم فيتكاسل عن القيام للصلاة الواجبة .
بل قد يستغل حتى المستحبات وحتى الواجبات لإيقاع المؤمن في ما يسخط ربه جل وعلا ، فيوسوس للمجاهد في سبيل الله حتى يدفعه لإراقة دماء بريئة بذريعة الجهاد ، وهنا يأتي دور جهاد النفس ، ومن هنا ندرك لماذا سمي بالجهاد الأكبر ، فهو المحامي عن أي خطوة عدائية من الشيطان ، وعندها نعرف قيمة التحذير الإلهي من العداء الشيطاني .
للمزيد من التأملات القرآنية انضموا الى قناة ( تأملات قرآنية ) على التلغرام :