مرر مجلس الشيوخ الأمريكى بأغلبية 62 ضد 37 قانون حماية زواج المثليين. تشك شومر زعيم الأغلبية الديمقراطية فى المجلس علق على صدور القانون قائلا إن ابنته وزوجتها، نعم ابنته وزوجتها بلا خطأ مطبعى، ينتظران ميلاد طفل، وهذا القانون سيضمن لهما أن أحدا لا يستطيع حرمانهما من حقوقهما. صوت اثنا عشر نائبا جمهوريا لهذا التشريع، فمناصرة المثليين أصبح لها قبول واسع النطاق عابر للأحزاب، وهو ما تؤكده استطلاعات للرأى تشير إلى أن 70% من الأمريكييين يؤيدون حقوق المثليين.
فى كأس العالم لكرة القدم – المنعقدة حاليا فى قطر – وقعت مواجهة كبيرة بسبب قضية المثلية الجنسية، التى حاول أنصارها استغلال المناسبة للترويج لقضيتهم. المثليون قوة ضغط شديدة البأس فى بلاد الغرب، ولا يفوتون مناسبة لطرح قضيتهم. تعرضت قطر لضغوط شديدة للسماح بترويج رموز المثلية والتسامح مع التعبير الصريح العلنى عنها. تمسكت قطر بحقها فى إعمال قوانينها التى تعكس ثقافتها الخاصة، فجرت على نفسها انتقادات عنيفة من حكومات وجماعات. لم تقف قطر فى المعركة وحدها، فقد اصطفت معها أصوات شعبية ورسمية من العالمين العربى والإسلامى.
لو أن صامويل هنتنجتون مازال يحيا بيننا لوجد فى معركة المثلية الجنسية على خلفية منافسات كأس العالم فرصة لإعادة تقديم أطروحته حول صراع الحضارات، فها هو العالم الإسلامى والغرب مرة أخرى يقفان على طرفى نقيض بسبب قضايا الثقافة والهوية. العالم الإسلامى لا يقف بمفرده فى هذه المواجهة، على العكس، فالغرب هو الذى يكاد يقف بمفرده، فى مواجهة كتلة كبيرة تضم العالم الإسلامى وإفريقيا وبلاد السلافيين الأرثوذكس. الدفاع عن القيم التقليدية هو العقيدة الرسمية الجديدة لروسيا المعاصرة، والتى تحاول توظيفها لتتزعم كتلة الشعوب المناوئة للتوسع الثقافى الغربى. فى زمن مضى كانت الدول والحضارات تتصارع بسبب اختلافات العقائد والقيم والثقافات. هبط صراع الحضارات فى وقتنا من علياء الآلهة والدين والهوية، إلى قضايا الغريزة، وإلى أكثر اهتمامات الأفراد خصوصية وأقلها احتشاما.
للمثليين وأنصارهم نفوذ بالغ القوة بين جماعات الفنانين وصناع السينما والإعلام الغربيين، والذين لا يفوتون فرصة للترويج لقضيتهم على هذه المنصات. نسبة أفلام المثليين المرشحة والفائزة بالجوائز فى مسابقات مرموقة تزيد كثيرا على نسبة المثليين فى المجتمع. فى عام 2016 فاز فيلم «ضوء القمر» بجائزة الأوسكار، وفى عام 2019 صدر أكبر عدد من أفلام المثلية الجنسية مقارنة بالأعوام السابقة، وفى عام 2021 صدر فيلم «عائلة ميتشل فى مواجهة الآلات»، كأول فيلم جماهيرى كرتون للأطفال يروج للمثلية الجنسية من خلال فيلم مغامرات مشوق.
فى الإلحاح على تطبيع وضع المثليين فى المجتمع ما هو أكثر من تخفيف الضغط الاجتماعى عن مجموعة تواجه تحيزات. فيما يحدث ترويج للمثلية كقضية حرية تعبير وحق فى الاختيار، فالفرد ليس عليه أن يلتزم بتعريفات وتقاليد وأخلاق اجتماعية، خاصة لو تطلب منه ذلك بعض المغالبة مع النفس، وإنما عليه التعبير عن نفسه بحرية. المثلية الجنسية التى يروجون لها هى قضية نضال من أجل الحرية، بكل ما يحيط ذلك من هالة رومانسية كامنة فى بطولات النضال والحرية، وبما يجعل من المثلية بديلا شرعيا وطبيعيا وأخلاقيا مثل غيره من التوجهات والهويات الجنسية. خبراء السلوك الإنسانى يعرفون أن العرض يخلق الطلب، وأن الناس لا يشترون فقط السلع التى يحتاجونها، ولكن أيضا السلع المعروضة، حتى لو لم يظنوا أبدا أنهم يحتاجون لها، لكنها ما أن تصبح متاحة، ويجرى الإلحاح فى فى تقديمها، يبدأ الناس فى تجربتها، إما من قبيل التغيير، أو التشبه بالنجوم، أو للتخلص من الملل. الكثير من هذا يحدث مع المثلية الجنسية فى عالم اليوم. ليس لى أن أسألك، ولا أريدك أن تخبرنى. هذه هى السياسة التى التزمت بها المجتمعات المتحضرة تجاه المثلية الجنسية لسنوات. ليس للمجتمع التدخل فى الشئون الخاصة للمثليين، وليس للمثليين إعلام المجتمع باختياراتهم. هذه سياسة تحترم كل الأطراف، فهى تحمى حق الأفراد فى الخصوصية، وتحمى حق المجتمع فى القيم والثقافة والهوية. المشكلة بدأت عندما رفض المثليون هذه السياسة، فلم يعودوا مكتفين بأن يتركهم المجتمع فى حالهم بلا تلصص أو ملاحقة، وأصبحوا يسعون للانتقال إلى مرحلة أعلى، يجاهرون ويفاخرون فيها باختياراتهم.
أطلق المثليون على المسيرات التى ينظمونها فى مدن أوروبية اسم مسيرة الفخر. لا أفهم لماذا قد يفخر الفرد بتوجهاته الجنسية أيا كانت، إلا إذا كانت هذه التوجهات صفة كسبها الفرد باختياره الحر، وهذا هو الاختلاف الأهم بين المثلية الجنسية المعروفة فى كل المجتمعات عبر التاريخ، وأيديولوجيا المثلية الجنسية المعاصرة التى تهب علينا من الغرب. المثلية المعاصرة ليست طائفة منعزلة تريد العيش فى سلام، لكنها عقيدة يسعى أنصارها لنشرها وكسب المزيد من الأنصار لها.
المروجون لأيديولوجيا المثلية المعاصرة يروجونها باعتبارها المرحلة الأرقى والتطور الطبيعى للديمقراطية والحقوق، وفى هذا خداع كبير. أنت لا تحتاج إلى أن تكون من أنصار السلطوية والاستبداد لكن تكون من معارضى أيديولوجيا المثليين المعاصرين، ولا أن تصبح مثليا كى تكون ديمقراطيا أصيلا نصيرا للحقوق. فى الربط بين المثلية والديمقراطية والحقوق تلبيس يروجه المثليون للخلط بين أجندتهم الخاصة جدا، وقضية الديمقراطية التى تحظى بتقدير واسع من غالبية الناس. فى التصدى لعقيدة المثليين المعاصرين حماية لفرصة التطور الديمقراطى فى مجتمعات خارج النطاق الحضارى الغربى شديد الخصوصية والتفرد إلى درجة الشذوذ.
نقلا عن جريدة الاهرام الخميس 1 ديسمبر 2022
.
رابط المصدر: