- جون ميلر
- سوزان زيادة
- تيبور ناجي
- إلينا ديلوجر
يستمر الصراع على ترسيخ موطئ قدم في البحر الأحمر، حيث تتنافس العديد من الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية على النفوذ في الدول الساحلية. وينضم قائد سابق لـ “القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية” إلى مجموعة من الدبلوماسيين والخبراء المتميزين لمناقشة سبب وجوب تعامل واشنطن مع القضايا الاقتصادية والسياسية والأمنية المتباينة في المنطقة بطريقة أكثر تكاملاً.
“في 15 نيسان/أبريل، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي مع جون ميلر، وسوزان زيادة، وتيبور ناجي، وإلينا ديلوجر. وميلر هو فريق بحري تَقَاعد من “البحرية الأمريكية” في عام 2015 كنائب أميرال بعد أن خدم كرئيس لـ “القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية”. وزيادة هي موظفة سابقة في وزارة الخارجية الأمريكية، عملت فيها لمدة ثلاثة وعشرين عاماً شغلت خلالها مناصب مختلفة من بينها نائبة مساعد وزير الخارجية لشؤون “شبه الجزيرة العربية” وسفيرة في قطر. وناجي هو موظف سابق في وزارة الخارجية الأمريكية، عمل فيها لفترة دامت ثلاثة عقود شغل خلالها عدة مناصب من بينها مساعد وزير الخارجية للشؤون الأفريقية وسفير أو نائب رئيس بعثة في العديد من الدول الأفريقية. وديلوجر هي “زميلة روبن فاميلي” في المعهد ومؤلفة “المذكرة الانتقالية عن منطقة البحر الأحمر لعام 2021″ التي أصدرها المعهد. وفيما يلي ملخص المقررة لملاحظاتهم”.
جون “فوزي” ميلر
لا يزال ضمان أمن المعابر الضيقة من أبرز المخاوف العسكرية لـ “القيادة المركزية الأمريكية” (“سينتكوم”) وغيرها من السلطات فيما يتعلق بالممرات المائية في البحر الأحمر، ولا سيما قناة السويس ومضيق تيران ومضيق باب المندب. وأثارت حوادث على غرار الهجمات الحوثية على حركة الشحن المنطلقة من اليمن مخاوف أمنية كبيرة، كما أظهرت حادثة إقفال ناقلة الحاويات “إيفرغيفين” لقناة السويس مدى أهمية هذه المعابر الضيقة للتجارة العالمية. وربما تتمثل الطريقة الأفضل لمنع حصول مثل هذه الحوادث في توسيع قناة السويس أمام حركة ملاحة دائمة في اتجاهين.
وعموماً، تسعى الدول خارج المنطقة بشكل متزايد إلى إقامة روابط اقتصادية وعسكرية مع دول البحر الأحمر، ولا سيما تلك التي تسيطر على أكثر المواقع حيويةً من الناحية الاستراتيجية. فعلى سبيل المثال، تنتقل روسيا والصين إلى العمل في عدة موانئ في البحر الأحمر، علماً بأن بكين أنشأت إحدى قواعدها العسكرية الخارجية المحدودة أساساً في جيبوتي. لكن واشنطن مقيّدة بسبب الخط الذي يفصل مجالات مسؤولية الجيش الأمريكي على طول البحر الأحمر بين “القيادة المركزية الأمريكية” و”القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا” (“أفريكوم”). ونظراً إلى الوقائع الجغرافية، ستبقى هذه الخطوط قائمة دائماً، لكن يجب رسمها بطريقة تعرّض أقل عدد ممكن من العوائق أمام العمل في مجالات مسؤولية منفصلة.
سوزان زيادة
يتطلب التعامل مع قضايا عابرة للأقاليم مستوى مرتفعاً من التنسيق والدمج، لذا فإن عدم فعالية الحكومة الأمريكية في هذا الخصوص يمثل مشكلة بين الوكالات. وتجلّت هذه المشكلة بشكل خاص بسبب العلاقات المزدهرة بين دول شرق أفريقيا ودول الخليج العربي، بما فيها الدول غير الساحلية. وازداد عدد المهمات الأفريقية في الخليج بشكل ملحوظ؛ كما زاد عدد الرحلات التجارية بين المنطقتين. فلحكومات الخليج مصالح كبيرة في دول شرق أفريقيا الواقعة على طول ساحل البحر الأحمر، من بينها فرص الاستثمار، والأمن الغذائي، والمخاوف حيال المعابر الضيقّة، واستعراض القوة في المنطقة.
علاوةً على ذلك، أصبحت الصين شريكاً تجارياً بارزاً للسعودية ودول أخرى على البحر الأحمر. لكن الولايات المتحدة لا تزال تضطلع بدور أمني رئيسي من المستبعد أن تلعبه بكين في أي وقت قريب، إن تمكنت من ذلك أساساً – ولا سيما فيما يتعلق بإيران التي لا تزال تطرح مخاوف ملحة بالنسبة لدول «مجلس التعاون الخليجي». لذلك يدرك المسؤولون الأمريكيون أن هذه الدول ستلجأ على الأرجح إلى واشنطن والصين لأغراض مختلفة.
ولمعالجة غياب التنسيق بين الوكالات، تتمثل إحدى التوصيات التكتيكية في أن يقوم “مكتب شؤون الشرق الأدنى” بوزارة الخارجية الأمريكية بتعيين مراقب لأفريقيا في الخليج – ربما في السفارة الأمريكية في أبوظبي حيث يجري تنفيذ عدد كبير من المهام الخاصة بأفريقيا. ويمكن لـ “مكتب الشؤون الأفريقية” تكرار هذه الخطوة من خلال إرسال مراقب من قبل «مجلس التعاون الخليجي» إلى أفريقيا.
وقد يساهم “إيفاد مبعوث خاص لمنطقة البحر الأحمر” أيضاً في التنسيق حول القضايا العابرة للأقاليم، رغم أن هذا المنصب سيترافق مع مهام محددة وإطار زمني محدود كي لا يصبح ذاتي الاستدامة. كما سيحتاج أي مبعوث مماثل إلى مجموعة مشتركة بين الوكالات لكي يعكس نهج الحكومة بأكملها.
تيبور ناجي
في الوقت الحاضر، تبدو بيروقراطية الحكومة الأمريكية عاجزة مؤسسياً عن التعامل مع هذه القضايا العابرة للأقاليم. ففي وزارة الخارجية على سبيل المثال، لم تحظَ العديد من القضايا التي رصدها “مكتب أفريقيا” بالأولوية في “مكتب الشرق الأدنى”. وهذه المشاكل هي منهجية وطويلة الأمد، لذا يجب معالجتها من هذا المنطلق – فلا يمكن حلها من خلال التعاملات أو على أساس كل قضية على حدة.
إن المبعوث الخاص ليس هو الحلّ أيضاً. فناهيك عن واقع أن حلّ هذه القضايا المؤسسية المعقدة للغاية سيستغرق الكثير من الوقت، فإن تعيين مبعوث قد يترك رؤساء الدول في حيرة من أمرهم بشأن مَنْ يمثل واشنطن: السفير الأمريكي في بلادهم أو المبعوث الذي يزورها بين الحين والآخر. لذا، فإن المقاربة الأفضل هي تسليم هذه الحقيبة إلى مسؤول بارز في مكتب وكيل وزير الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية، يكون مسؤولاً عن كافة المناطق في العالم.
أما فيما يخص الصين، فإن الطلب من دول البحر الأحمر الانحياز إما إلى واشنطن أو بكين لن يجدي نفعاً – حيث أصبح بإمكان هذه الدول الآن اختيار الشريك الأفضل لمبادراتها الفردية. لكن الولايات المتحدة قادرة على المنافسة من خلال الاستثمار في القطاع الخاص.
إلينا ديلوجر
يستمر الصراع على ترسيخ موطئ قدم في البحر الأحمر، حيث تتنافس العديد من الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية على النفوذ في الدول الساحلية. ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى النمو الاقتصادي في هذه الدول التي تشهد العديد منها ارتفاعاً ملحوظاً في “الناتج المحلي الإجمالي” وفي عدد السكان. ومع تحسين البنية التحتية فيها، يمكنها أن تصبح سوقاً استهلاكياً ناشئاً.
ومع ذلك، تعاني المنطقة أيضاً من هشاشة سياسية والعديد من المخاطر الأمنية، بما فيها القرصنة والإرهاب (في اليمن والصومال) والقضايا البيئية (على سبيل المثال، سفينة النفط العائمة “صافر” الجانحة في خليج عدن)، والتهديدات المحدقة تحت البحر، من جملة أمور أخرى. وعلى الرغم من النمو المذهل لـ “الناتج المحلي الإجمالي”، إلّا أن المشاكل الاقتصادية المستمرة لا تزال تدفع بمواطني بعض الدول إلى الهجرة عبر ساحليْ البحر الأحمر.
وقد حاولت المنطقة إقامة تعاون أمني عبر اتفاقات أو مؤسسات متعددة الأطراف، ولا سيما “مجلس الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن” الذي أطلقته السعودية. ومع ذلك، لم تتم دعوة إحدى الجهات الفاعلة الرئيسية – إسرائيل – للانضمام إلى هذا “المجلس”، وكان من الصعب إقناع الدول الأصغر حجماً بالتوقيع نظراً لمخاوفها من أن يتم جرّها إلى صراعات إقليمية أوسع نطاقاً (على سبيل المثال، مع تركيا أو إيران).
ومن بين القضايا المهمة الأخرى التي تؤثر على المنطقة هي المنافسة بين القوى العظمى. فقد تكون هذه المنافسة عاملاً إيجابياً عندما تساهم في النمو الاقتصادي. على سبيل المثال، تنخرط الصين وتركيا في العديد من مشاريع البنية التحتية المحلية، بينما تشارك الولايات المتحدة من خلال الاستثمارات الأجنبية المباشرة. وعندما يتعلق الأمر بالتعاون الثنائي، سواء على الصعيد الاقتصادي أو غيره، تعتقد دول البحر الأحمر أن الصين وروسيا وتركيا والولايات المتحدة ودول أخرى هي جميعها خيارات صالحة – فهي لا تَعتبر بكين وواشنطن خصميْن حصريين ولا تشعر بأنها مضطرة إلى الانحياز إلى إحداهما. ومع ذلك، فإن المنافسة بين الجهات الفاعلة الأجنبية قد تكون ضارة عندما تدور خصوماتها على المستوى المحلي، كما حدث عندما أثّر الخلاف بين قطر ودول الخليج الأخرى على الصومال. لهذا السبب على واشنطن انتهاج مقاربة أكثر شموليةً، لأخذ هذه المجموعة الواسعة من قضايا البحر الأحمر في الاعتبار والتعامل معها بشكل أكثر فعالية عبر خطوط مؤسسية مختلفة.
رابط المصدر: