يشكل انعدام الأمن الغذائي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحديًا متزايدًا؛ حيث يعاني نحو 55 مليون نسمة من نقص التغذية من بين سكانها البالغ عددهم 456.7 مليون نسمة، إلى جانب حالات الصراع التي طال أمدها في بعض بلدان المنطقة، بالإضافة إلى عوامل أخرى تجعل من الجوع مشكلة من المشاكل الأكثر شيوعًا. وفي عام 2020، شكلت حصة المنطقة من إجمالي من يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد في العالم 20%، وهي نسبة مرتفعة للغاية عند الأخذ في الاعتبار أن المنطقة لا تشكل سوى 6% من سكان العالم.
ومع كثرة التحديات التي تواجهها العديد من بلدان المنطقة اليوم من نزاعات طال أمدها وندرة في الموارد الطبيعية وحالات جفاف متكررة، بات عددٌ كبير من الأشخاص والأطفال عرضة لنقص التغذية في اليمن والعراق، حيث تسود النزاعات، وصل معدّل انتشار نقص التغذية إلى 39 % و23.7 % على التوالي، في عام 2018. ووفقًا لأحدث البيانات المتوفرة عن تقزّم الأطفال (بين عام 2013 و2016)، تبيّن أنه أكثر انتشارًا في اليمن لتبلغ النسبة نحو 46.4% من بين الأطفال، ثم في السودان عند 38.2%. أما فيما يتعلق بالهزال، فسُجلت أعلى المعدلات في اليمن والسودان أيضًا عند 16.4% و16.3% على التوالي.
وتلعب عدد من العوامل دورًا في تزايد معدلات انعدام الأمن الغذائي في المنطقة العربية وشمال أفريقيا، والتي سوف يستعرضها المقال في فقراته القادمة ويمكن تقسيمها إلى مجموعة من العوامل الداخلية وأخرى عوامل خارجية نتيجة لظروف لا يمكن التحكم فيها.
أولًا- العوامل والمحددات الداخلية:
تتمثل في تلك العوامل الداخلية التي تنتج نتيجة للظروف وطبيعة المنطقة منها: نقص المياه، ومحدودية الأراضي القابلة للزراعة، والزيادة السكانية، وغيرها من العوامل التي يمكن استعراض أبرزها في النقاط التالية:
- ندرة الموارد المائية في مقابل الزيادة السكانية:
تعاني معظم البلدان العربية اليوم أزمةً حرجة فيما يتعلق بوفرة المياه. كون أن المنطقة من أكثر المناطق نقصًا في المياه في العالم، حيث تتلقى 13 دولة فقط أمطارًا أقل من 251 ملم من الأمطار سنويًا، من بين 22 دولة عربية، ويعاني ما يقرب من 362 مليون شخص من ظروف تتراوح من ندرة المياه إلى الندرة المطلقة.
وتشير التقديرات العالمية إلى أن الموارد المائية المتجدّدة لكلّ فرد في المنطقة العربية بلغت نحو 650 مترًا مكعبًا مقارنة مع المعدّل العالمي الذي وصل إلى 6 آلاف متر مكعّب لكلّ فرد، مما يُدرج 13 بلدًا من البلدان العربية الاثنتين والعشرين ضمن فئة البلدان التي تعاني شحًّا حادًا في المياه، بما يقلّ عن 500 متر مكعّب لكلّ فرد.
- محدودية الموارد الأرضية في مقابل الزيادة السكانية:
وفي الواقع، فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فقيرة في الأراضي، حيث تحتل الصحراء 84% من مساحتها، فلا يتبقى سوى أقل القليل من الأراضي لزراعة الغذاء.
هذا إلى جانب اتّساع وتيرة التوسع الحضري، مما يؤدي إلى توسع المدن على رقعة الأراضي الزراعية أو إلى الصحراء. وبحلول عام 2050، قد يتعين زيادة إجمالي مساحة الأراضي الحضرية في المنطقة بنسبة 50% لاستيعاب الأعداد المتزايدة من السكان.
لذا، تنظر حاليًا البلدان غير المنتجة للغذاء، مثل بلدان مجلس التعاون الخليجي، في سبل لتأمين أراضي زراعية في بلدان أخرى مثل السودان أو رومانيا بغرض إنتاج جزء من احتياجاتها الغذائية.
- مستويات متدنية في الإنتاجية الزارعية:
وعلى وجه الخصوص، تعتبر إنتاجية المحاصيل في المنطقة متدنية، مع تسجيل محصولية الحبوب الأساسية إنتاجية بقيمة 2,024 كلغ/هكتار، أي نصف المتوسط العالمي تقريبًا والبالغ 4,074 كلغ/هكتار. الأمر الذي يرجع إلى محدودية الموارد الاقتصادية وضعف الاستثمار في التقنيات الحديثة، بما ينعكس على محدودية أنماط المحاصيل وما يرافق ذلك كله من آثار تغير المناخ والظروف البيئية المقيّدة.
- تغير أنماط الاستهلاك:
حيث يؤثر تغير نمط الاستهلاك الناجم عن ارتفاع مستوى معيشة السكان وارتفاع الدخول في العادات الغذائية، ويؤدي بطبيعة الحال إلى زيادة حجم الطلب المحلي بشكل عام والطلب على الغذاء بشكل خاص، الأمر الذي قد ينعكس على لجوء المزارعين نحو زراعة أصناف أكثر ربحية في مقابل التخلي عن المحاصيل الاستراتيجية.
ثانيًا- العوامل الخارجية:
والتي تتأتى نتيجة ظروف وعوامل خارجة عن إطار تحكم دول منطقة الشرق الاوسط، ويأتي في مقدمتها: التغيرات المناخية، والأزمات الجيوسياسية وما ينتج عنها من ارتفاعات في اسعار توريد بعض المحاصيل واختلالات في سلاسل الإمداد. وفيما يلي عرض مختصر لكل منها:
- التغيرات المناخية وتأثيرها على الأمن الغذائي بالمنطقة العربية:
تؤدِّي الزيادة المتوقعة في درجات الحرارة وتغير نمطها الموسمي إلى نقص الإنتاجية الزراعية لبعض المحاصيل، وقد تؤدي إلى تأثيرات سلبية عبر زيادة معدلات التصحر، كما يؤدِّي ارتفاع درجات الحرارة إلى زيادة البخر وارتفاع مستويات استهلاك المياه، وحدوث تأثيرات اجتماعية واقتصادية واسعة كهجرة السكان من المناطق الحدودية والساحلية وتغييرات في المهن وسوق العمل، كالانتقال من الصيد والزراعة إلى مهن أخرى.
- ارتفاع أسعار المواد الغذائية بمعدلات كبيرة نتيجة للحرب الروسية الأوكرانية:
تشكل واردات المنطقة من المواد الغذائية ما نسبته خمسين في المائة من استهلاكها وتصل لنسبة 90% في بعض دول الخليج. ويعني ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وتقلب الأسواق الدولية.
كما ارتفعت أسعار الأسمدة عالميًا ثلاثة أمثالها منذ أوائل عام 2020، بسبب تعطل صادرات الأسمدة من بيلاروس وروسيا (وهما موردان مهمان للأسمدة لدول الشرق الأوسط) بسبب الحرب، كما قيدت بعض البلدان المصدرة الأخرى العرض من خلال فرض ضرائب التصدير والحظر ومتطلبات الترخيص، وذلك ضمن إجراءات تستهدف حماية مزارعيها.
مما سبق يتضح ضرورة التكاتف بين دول منطقة الشرق الأوسط من أجل تحقيق الأمن الغذائي، والتغلب على التحديات الخارجية التي تواجه الدول وذلك عبر تقديم الدعم الفوري للفئات الضعيفة، وتيسير التجارة والإمدادات الدولية من الأغذية، وتعزيز الإنتاج، والاستثمار في الزراعة القادرة على الصمود أمام تغير المناخ.
.
رابط المصدر: