أسفرت نتائج انتخابات الرئاسة التايوانية التي أجريت يوم 13 يناير 2024 عن فوز مُرشح “الحزب التقدمي الديمقراطي” الحاكم “لاي تشينغ – تي” بالانتخابات الرئاسية بعد حصوله على 40.2% من الأصوات. وقد حظيت انتخابات الرئاسة التايوانية باهتمام غير مسبوق، إذ مثلت أهمية خاصة بالنسبة لتايوان؛ وذلك بسبب ما تعانيه من توترات جيوسياسية، وإصرار الصين على أن تايوان جزء لا يتجزأ من أراضيها. وذلك في الوقت الذي أكد فيه المرشحون الثلاثة في الانتخابات على أن الحفاظ على استقلال الجزيرة واحترام الديمقراطية يُعد أولوية بالنسبة لهم. في سياق آخر وصفت الصين هذه الانتخابات بأنها خيار بين الحرب والسلام، كما حذرت من أن فوز مرشح الحزب الحاكم قد يؤدي إلى صراع مُسلح. هذا ومن المتوقع أن يواجه “لاي تشينغ” تحديات كبيرة على الصعيدين المحلي والدولي، وسط حالة من عدم اليقين الجيوسياسي، فضلًا عن كيفية تعامله مع الصين.
من هو “لاي تشينغ” الفائز بالانتخابات الرئاسية؟
شهدت الانتخابات منافسة بين ثلاثة مرشحين هم “لاي تشينغ – تي” المُرشح عن “الحزب التقدمي الديمقراطي”. والمرشح الثاني “هو يو – إيه” مُرشح عن حزب “الكومينتانغ”. والمرشح الثالث “كو وين – جي” مُرشح عن “حزب شعب تايوان”.
ويرى أنصار “لا تشينغ – تي” أن انتصار مُرشحهم بالانتخابات يُعد انتصارًا للشعب التايواني، نظرًا لأن الشعب يدعم برنامجه الذي ينطوي على خطة للحفاظ على الحكم الذاتي الديمقراطي في تايوان، وأيضًا يُعد فوزه علامة على أن الناخبين يريدون الاستمرار على الطريق الذي حددته الرئيسة الحالية “تساي إنج وين”، لتأكيد مكانة تايوان كدولة ديمقراطية ذات سيادة. وذلك على عكس المرشح الآخر “هو يو – إيه” من حزب “الكومينتانج” والذي يؤيد إقامة علاقات قوية مع الصين لتعزيز التجارة في تايوان.
وتجدر الإشارة إلى أن “لاي” يشغل منصب نائب الرئيسة الحالية لتايوان “تساي إنج وين”، ويبلغ من العمر (64 عامًا)، ومعروف بميوله المؤيدة للاستقلال بشكل علني عن الصين، وإقامة علاقات أوثق مع الحلفاء وعلى رأسهم الولايات المتحدة الامريكية.
تلقى “لاي” تعليمه في كلية الطب في إحدى جامعات تايوان، وأكمل درجة الماجستير في جامعة هارفارد، لكنه قرر في التسعينيات تحويل حياته المهنية من الطب إلى السياسة، ومُنذ ذلك الحين، ارتقى “لاي” من كونه عضوًا في المجلس التشريعي ليصبح عمدة جنوب تايوان عام 2010، وفي عام 2019 تم تعيينه نائبًا للرئيسة التايوانية “تساي إنغ وين”. وفي عام 2022 تم انتخابه رئيسًا للحزب التقدمي الديمقراطي.
وخلال الحملة الانتخابية، أشار “لاي” إلى أنه يخطط للحفاظ على الوضع الراهن في العلاقات مع الصين، ولن يعلن رسميًا استقلال تايوان، لكنه سيرفض بشكل قاطع أي مطالبات من بكين للسيطرة على الجزيرة.
الموقف الصيني
في تعليقها على نتائج الانتخابات التايوانية، أعلنت الحكومة الصينية رفضها لأي نشاط انفصالي يستهدف استقلال تايوان، مؤكدة عدم قبول أي تدخل خارجي. ورأت الصين أن فوز “لاي تشينغ – تي” لن يؤثر على الشكل الأساسي للعلاقات عبر المضيق. وقال “تشن بين هوا”، المتحدث باسم مكتب شئون تايوان في مجلس الدولة، إن نتائج الانتخابات تُظهر عدم قدرة الحزب الديمقراطي التقدمي على تمثيل الرأي العام في الجزيرة.
من جهة أخرى، أكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، “هوا تشون ينغ”، بعد الانتخابات التايوانية، أن قضية تايوان تعتبر قضية داخلية للصين بغض النظر عن التطورات السياسية في الجزيرة. وأضافت أن الحكومة الصينية تلتزم بمبدأ “صين واحدة” وتعارض أي محاولة للاستقلال أو أي توجهات انفصالية.
بالإضافة إلى ذلك، وجهت وزارة الخارجية الصينية رسالة للمجتمع الدولي من خلال المتحدث الرسمي، حيث أكدت على أنها تعتقد أن المجتمع الدولي سيظل ملتزمًا بمبدأ “صين واحدة”. كما شددت على التفهم والدعم للقضية العادلة للشعب الصيني في معارضته لأي أنشطة انفصالية تهدف إلى “استقلال تايوان” والسعي لإعادة التوحيد الوطني.
في سياق آخر، كانت الصين قد حاولت التأثير على نتائج الانتخابات في تايوان؛ حيث دعمت رحلات للقادة التايوانيين إلى الصين بهدف تأثيرهم لصالح المرشحين المؤيدين لمواقف بكين. كما قامت بتلاعب إعلامي لتحويل انتباه الشعب التايواني عن “الحزب الديمقراطي التقدمي”.
كما عملت الصين على إثارة قلق التايوانيين بشأن إمكانية تراجعها أو تعليقها أو إلغاء التزاماتها بموجب اتفاقية التجارة الخارجية مع تايوان، خاصة في حالة عدم رضاها عن نتائج الانتخابات. وذلك بعد قرارها تعليق تخفيضات الرسوم الجمركية على اثني عشر منتجًا تايوانيًا واتهامها لتايبيه بانتهاك أحكام الاتفاقية من خلال فرض حواجز تجارية على السلع الصينية
وخلال الأشهر الأخيرة، قامت بكين بإرسال سفن حربية وطائرات إلى مضيق تايوان، ومنذ بداية يناير 2024، ظهرت البالونات الصينية في سماء الجزيرة يوميًا، مما يشير إلى تكثيف مراقبة الصين للوضع في المنطقة.
وفي هذا السياق، قد يؤدي فوز “لاي” إلى تراجع بكين عن أي تعاون مع تايوان، وزيادة تهديداتها بشكل أكبر. وقد تشهد الفترة المقبلة تصعيدًا في الغارات الجوية والبحرية من قبل الصين، إلى جانب محاولات لشن هجمات إلكترونية ومقاطعة البضائع التايوانية.
الإجراءات الصينية تُظهر رغبتها في إرسال رسالة تحذير، أنه في حال استمرت السلطات الجديدة في تايوان في اتباع سياسات الإدارة السابقة نفسها، فإن تايوان ستتجه نحو مزيد من التصعيد، مع اتجاهها نحو حالة من عدم الاستقرار والتوتر بدلًا من السلام والاستقرار، مما قد يجعل الصراع والدمار أكثر قربًا.
تحذيرات صينية
تمتد تحذيرات الصين بشكل رسمي وحازم بعد فوز “لاي تشينغ” في الانتخابات الرئاسية التايوانية. وفي رد فعل إيجابي، قامت الولايات المتحدة بتهنئة “لاي” على فوزه، مشيدةً بقوة النظام الديمقراطي وعملية الانتخابات في تايوان. كما أعربت الخارجية الأمريكية عن تطلعها للتعاون مع الرئيس الجديد وقادة الأحزاب لتعزيز المصالح والقيم المشتركة وتعزيز العلاقات طويلة الأمد.
في رد فعل معاكس، قدمت الصين احتجاجًا رسميًا للولايات المتحدة، اتهمتها بانتهاك التزاماتها المتعلقة بتعاملها مع تايوان، معتبرة أن بيان الخارجية الأمريكية يرسل إشارة غير دقيقة للقوى الانفصالية في تايوان. كما أكدت الصين على حقوقها السيادية ورفضها لأي تدخل خارجي في الشئون الداخلية.
من جهة أخرى، أبدت الصين استياءها واحتجاجها لليابان بسبب تهنئة وزير الخارجية الياباني لـ”لاي تشينغ” على فوزه في الانتخابات. وحذرت بكين اليابان من التدخل في القضايا الداخلية للصين، مؤكدة على مبدأ “صين واحدة” ورفض أي تحركات انفصالية من قبل تايوان. وشددت الصين على ضرورة أن تلتزم اليابان بالتزاماتها وعدم إرسال إشارات خاطئة للانفصاليين التايوانيين، محذرة من التأثير السلبي المحتمل على العلاقات الصينية اليابانية والاستقرار في مضيق تايوان.
كيف سيُدير “لاي تشينغ” علاقات تايوان مع الصين؟
عقب فوزه بالانتخابات، أعلن “لاي” في مؤتمر صحفي عزم السلطات التايوانية على توفير الحماية من التهديدات المُستمرة من الصين. في السياق ذاته أكد استعداده للتفاوض مع بكين على أساس من “الكرامة والتكافؤ”، كما أعرب لأنصاره عن تحمله مسئولية كبيرة في الحفاظ على السلام والاستقرار في المضيق. كما دعا بكين إلى الاعتراق بما أسماه “الوضع الجديد” في تايوان، وربط بين السلام والاستقرار في العالم بالسلام والاستقرار في مضيق تايوان.
من المتوقع أن يُدير “لاي” علاقات تايوان خاصة مع الصين بحساسية شديدة، فضلًا عن محاولة التوصل لحل وسط يُرضي الصين دون المساس بسيادة تايوان، مع تعزيز علاقات تايوان مع القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية والهند واليابان لتعزيز مكانتها في المنطقة.
تنامي التصعيد
يُمكن القول إن انتصار “لاي تشينغ” في الانتخابات يُنذر بتصعيد كبير عبر المضيق، وذلك استنادًا لعدد من الاستنتاجات منها:
- أولًا: يُظهر انتصار “لاي تشينغ” في الانتخابات الرئاسية تحذيرًا من تصعيد كبير عبر المضيق، مما يعكس توجهًا أكثر تطرفًا من سلفه “تساي إنغ وين”. يظهر الرئيس الجديد دعمه للاستقلال لفترة طويلة، مما ينذر بتوتر كبير في العلاقات مع الصين خلال فترة حكمه.
- ثانيًا: تأتي هذه التطورات في سياق تصاعد النزاعات العالمية واضطرابات سياسية واقتصادية، حيث تُشارك الولايات المتحدة في جميع هذه الأحداث، ولكنها تواجه خصومها -إيران وروسيا والصين- بشكل غير مباشر (كما يحدث في أوكرانيا وغزة على سبيل المثال) من خلال جهات فاعلة خارجية والعمل على دعمها بشكل قوي. ومن هذا المنطلق يمكن أن تستفيد الولايات المتحدة من فوز “لاي” بشكل غير مباشر لزعزعة استقرار الصين من دون الدخول في مواجهة مباشرة، مع الحرص على تجنب التصعيد المباشر مع بكين.
- ثالثًا: يؤدي فوز “لاي” إلى تعقد الوضعية بالنسبة للصين، حيث يقلص فوزه من فرص التوحيد السلمي للصين مع تايوان. يأتي ذلك في الوقت الذي يتغير فيه المشهد الديموغرافي لصالح الهوية التايوانية، فمنذ عام 1994، انخفض عدد التايوانيين الذين يعتبرون أنفسهم صينيين وصينيين فقط من 25% إلى 3%. وفي المقابل، تضاعفت نسبة هؤلاء السكان الذين يعتبرون أنفسهم تايوانيين فقط (بدون الهوية الصينية المزدوجة المصاحبة) ثلاث مرات تقريبًا – من 20٪ إلى 60٪. وإذا زاد عدد الأشخاص ذوي الهوية التايوانية إلى الأغلبية المطلقة، فإن ذلك الأمر سينعكس بالسلب على إعادة فرص التوحيد السلمي.
إضافةً إلى ذلك، تتسم سياسة الصينيين بثوابت عدة. أولًا: يتوجب على الرئيس “شي” -لأسباب سياسية داخلية- إعادة تايوان إلى الصين. ثانيًا: يظل من غير الممكن على أي من زعماء الصين التخلي عن تايوان. وثالثًا: من المتوقع أن تُقفل نافذة الاستيلاء بالقوة بشكل نسبي على الجزيرة، خاصة في حال انتصار روسيا في أوكرانيا وبدء تشكيل قواعد اللعبة في العالم الجديد.
أخيرًا، سيتعين على الرئيس الجديد مواجهة العديد من التحديات الجيوسياسية، خاصة كيفية التعاطي مع الموقف الصيني العدائي والرافض لأي شكل من أشكال استقلال تايوان، وكذلك في الضغط الصيني العسكري والاقتصادي على تايوان لإجبارها على قبول سيادة بكين عليها.
المصدر : https://ecss.com.eg/42927/