في لقاء مع أحد المحللين النفسيين أجرته قناة الحرة عراق عُرِض تحليل نفسي يبين سبب البشاعة التي يمتلكها الدواعش في ارتكاب الجرائم ، وقد عزى المحلل هذا السبب الى اعتقاد الداعشي بـ(الشرعية المطلقة) ، حيث يرى الداعشي أنه يملك الشرعية المطلقة وغيره لا يمتلكها بل يمتلك الانحراف المطلق ، لذا يسمح له هذا الاعتقاد بإبادة أي شخص يختلف معه ، لأن الاختلاف معه يعني الانحراف عن (الشرعية المطلقة) .
انتهى ما جاء في اللقاء ، وهنا نستنتج أن الاعتقاد بـ(الشرعية المطلقة) يبيح لمعتنقيه بسفك الدماء وإبادة الآخرين خاصة إذا أديرت بأيادي سفيهة ، وهذا الاعتقاد كان معروفاً لدى اليهود باعتبارهم (شعب الله المختار) ، لذا نجد اليهود لا يتورعون في ارتكاب المجازر سواء كان ذلك بصورة مباشرة مع الفلسطينيين واللبنانيين أو بصورة غير مباشرة عن طريق الحروب المدفوعة الثمن من قبل اللوبي الصهيوني .
وحتى لا يمر الموضوع مرور الكرام علينا الاستفادة من هذا الاعتقاد الخاطئ ، فلا يوجد أحد على وجه الأرض يمتلك (الشرعية المطلقة) سوى المعصومين من الأنبياء وأوصيائهم سلام الله عليهم ، لذا يعبّر الفقهاء عن الأحكام التي تصدر عنهم بأنها أحكام ظنية وليست واقعية ، باعتبار أن الحكم الواقعي لا يعرفه إلا المعصومون عليهم السلام .
وحتى لو افترضنا القبول بهذا الاعتقاد باعتبار ارتكازه على ركائز رصينة فإن اتهام الآخر بالانحراف المطلق أمر خاطئ أيضاً ، وإذا قبلنا بالانحراف المطلق للآخر فهذا لا يبرر ولا يسوّغ نفيه وإبادته والتنكيل به ، فالمعصومون عليهم السلام كانوا يمثلون الحق المطلق والشرعية المطلقة باعتبار اتصالهم بالسماء والوحي ومسددين بأمر الله ، ومع هذا فإنهم لا يبيدون الطرف الآخر الذي لم يؤمن بهم رغم إلقاء الحجج والبراهين والمعاجز إلا أن يكون بأمر الله باعتباره أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين كما في أقوام هود وصالح ونوح سلام الله عليهم ، بل إن بعض الأنبياء والأوصياء تعرضوا للقتل بأبشع الطرق كما حدث للحسين وزكريا ويحيى عليهم السلام وغيرهم .
لذا فـ(الشرعية) تكون نسبية لدى الجميع وعلينا تقبل الآخر ما داموا قد ابتنوا اعتقاداتهم على أساس صحيح ، ويجب أن يقود هذه (الشرعية) حكماء وعلماء يمنعون انحراف سلوك أصحاب تلك (الشرعية) ، وبعكس ذلك سنكون كلنا دواعش من حيث لا نعلم .