بقلم: عبدالله أحمد السيد أحمد- كلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية جامعة الإسكندرية
أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يوم الخميس 24 فبراير 2022، قراره بشن عملية عسكرية خاصة في منطقة دونباس الأوكرانية، منذ هذا التاريخ، ولا تزال العملية العسكرية مستمرة، تحقق انتصارات واخفاقات، فالحرب الروسية الأوكرانية تجمع ما بين النمط التقليدي للحروب النظامية والحرب بالوكالة، فالطرفان المباشران هما (روسيا وأوكرانيا)، ويندرج تحتهما الجماعات الإرهابية وشركات المرتزقة.
بداية ظهور الإرهاب في الحرب الروسية-الأوكرانية:
جاءت دعوة الرئيس الأوكراني “فولاديمير زيلنيسكي” لفتح أبواب التطوع واستقبال مقاتلين إلى جانب الجيش الأوكراني، وأثارت تلك الدعوة حالة من القلق بسبب منح الشرعية لمبدأ جلب المرتزقة والمقاتلين من خارج البلاد للمشاركة في الحرب الدائرة حاليًا.
وتشارك التنظيمات الإرهابية والجماعات المسلحة الآخرى في الحرب الأوكرانية، حيث يشارك “الفيلق الدولي” بجانب الجيش الأوكراني، ويتشكل الفيلق الدولي من مقاتلين متتعدي الجنسيات قدموا متطوعين تلبية لدعوة أوكرانيا، التي قدمت لهم أوكرانيا كافة التسهيلات.
وجديرًا بالذكر أن “الفيلق الدولي” ليس وحده المشارك في الحرب بجانب الجيش الأوكراني، فهنالك كتيبة “آزوف” المكونة من قوميين ويمنيين متطرفيين، على الرغم من كونها جزءًا من الحرس الوطني التابع لوزارة الداخلية الأوكرانية، إلا أنها تعد من الجماعات الإرهابية المسلحة، حيث شاركت الكتيبة بوضوح في استعادة السيطرة على ماريوبول من الانفصاليين المواليين للروس، وكذلك كتيبة جوهر دوداييف، وكتيبة الشيخ منصور.
ويستعين الجانب الروسي ،أيضًا، بالتنظيمات الإرهابية والمسلحة في الحرب، حيث تشارك شركة فاجنر الروسية للمرتزقة إلى جانب الجيش الروسي، حيث قامت بعدة عمليات في مدينة بوتشا الأوكرانية، بالإضافة إلى الجماعات المسلحة الشيشانية التي تقاتل تحت قيادة ” رمضان قاديروف” وهما مقاتلون متمارسون في حروب الشوارع.
استمرار النزاع:
في ظل غياب الحل السياسي والدبلوماسي واتساع الفجوة بين الغرب ورسيا، فإن الوصول إلى تسوية الأوضاع في أوكرانيا صعب الحدوث في الوقت الحالي، لأن الموقف مرشح لمزيد من التدهور، حيث يسعى كل طرف إلى توظيف أدواته وإمكانياته لتحقيق مكاسب على حساب الآخر، ومن هنا يمككنا أن نضع بعض السيناريوهات لكيفية تعامل التنظيمات الإرهابية والمسلحة مع هذا الوضع:
السيناريو الأول: إذا تم احتواء الأزمة في وقت زمني قصير، وتم إبرام تسويات بشأن الوضع في أوكرانيا، ورفع العقوبات عن الاقتصاد الروسي وروسيا، هو ما يعني بالضرورة عدم استفادت التنظيمات الإرهابية من حالة الفراغ التي كانت ستتركها القوى العظمى خلال فترة الصراع، فإن المجتمع الدولي سيحظى بقدر من التماسك يتيح لها محاربة الإرهاب وتحجيمه.
السيناريو الثاني: استمرار القتال وعدم توصل الأطراف المعنية إلى تسوية سياسية ترضي الطرفيين، فإن ذلك بالضرورة يستتبع الاستمرار في النزاع، وهو ما يعني تعميق أزمة الاقتصاد العالمي؛ بسبب ارتفاع تكلفة المواد الخام والمواد الغذائية، بما يرفع من درجة التوتر في العديد من الدول النامية والدول التي تعاني من الإرهاب، وذلك ما يفتح الباب لاستفادة التنظيمات الإرهابية من الاضطرابات التي قد تحدث في تلك البلدان، كما أن انشغال القوى الكبرى بالحرب، يتيح للتنظيمات الإرهابية والمسلحة إمكانية تجميع قواها لشن هجمات في مناطق محددة، بهدف استعادة نفوذها هناك.
من خلال ما سلف، يمكننا أن نرجح السيناريو الثاني، لأنه لا توجد فرص حاليًا للوصول إلى تسوية، حيث يرفع الجانب الروسي سقف مطالبه، بينما تعتبره أوكرانيا والغرب بمثابة استسلام من الجانب الروسي.
تداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية على الإرهاب:
تكثر التداعيات للحرب الروسية-الأوكرانية على الإرهاب، ليس فقط في منطقة أوراسيا، لكن في المناطق التي ينشط فيها الإرهاب، خاصة الشرق الأوسط والقارة الإفريقية، أهم التداعيات المحتملة:
-
- إضعاف الجهود الدولية في مجابهة الإرهاب، وذلك بعد ترجيحنا للسيناريو الثاني، على أساس انشغال القوى الكبرى في الحرب الدائرة في أوكرانيا، مما سيعزز من فرص صعود النشاط الإرهابي.
- تزايد انتشار التنظيمات الإرهابية، حيث تؤثر الأزمة الأوكرانية على أوضاع كثير من الدول، وخاصة الأوضاع الاقتصادية، وبخاصة المناطق التي تتموضع فيها التنظيمات الإرهابية المختلفة.
-
- تزايد فرص تحول أوكرانيا إلى بؤرة إرهابية بما تقدمه من تسهيلات لهم للمشاركة بجانبها في الحرب، لاسيما من جانب الجهاديين الروس والشيشان الذين لديهم تاريخي تجاه موسكو نتيجة حربها في أفغانستان والشيشان.
- إمكانية تكرار ظاهرة “العائدين” لتصبح “العائدون من أوكرانيا”، مقارنة بظاهرة “العائدون من أفغانستان”، وما تثيره هذه القضية من انتشار التطرف العنيف، سواء نشر أفكار التطرف اليميني أو التطرف الديني، خاصة وأنه تم توظيف بعض الأبعاد الدينية في هذه الأزمة.
- زيادة انتشار تيار اليمين المتطرف في أوروبا، أهمها قيام اليمين النازي من جديد.
الخاتمة:
إن للأزمة الأوكرانية تداعيات عدة على التنظيمات الإرهابية والمسلحة، ليس على المدى الإقليمي الأوراسي فقط، ولكن على الشرق الأوسط وإفريقيا أيضًا، مع إمكانية امتداد هذه التداعيات لانتاج كيانات وجماعة إرهابية أكثر خطورة من سابقتها.
المصادر:
- د.دلال محمود، انعكاسات الحرب الروسية-الأوكرانية على أشكال ومعضلات التهديدات الإرهابية، مجلة السياسة الدولية، العدد229، المجلد75.
- عزت إبراهيم، تأثير الحرب في أوكرانيا على حركات التطرف والإرهاب في الشرق الأوسط، مركز تريندز للبحوث والاستشارات، تاريخ النشر 31 مارس 2022، تاريخ الدخول 1أكتوبر 2022 الساعة الثالثة عصرًا.
.
رابط المصدر: