يعتبر دفن النائب السابق أحمد الجلبي في الحضرة الكاظمية الطاهرة فتنة جديدة من الفتن التي تصيب الشعب العراقي ، وقد يرى البعض هذه مبالغة لأن الكثير من الشخصيات السياسية دفنت في العتبات المقدسة وهو ليس أول شخصية سياسية قد تم دفنها في إحدى العتبات ، إلا هذه النظرة ناقصة لأن الوضع السياسي الذي دُفِنت فيه تلك الشخصيات السياسية تختلف عن الوضع السياسي الحالي الذي للمرجعية الدينية فيه دور كبير ومؤثر ، فالظروف السياسية والدينية مناسبة لدفن تلك الشخصيات التي ربما دُفِنت ظلماً وعدواناً وكان دفنها دعماً لتوجهاتهم السياسية وعوائلهم الارستقراطية ومكافأة لهم ، فإذا كان دفن تلك عملاً خاطئاً بسبب تلك الظروف فهل نعيد الخطأ مرة أخرى ؟!
سنستعرض تداعيات هذا الحدث لتتبين أن هذه المبالغة واقعية ، ونستعرض التداعيات في النقاط الآتية :
1) كان الجلبي طوال الفترة الماضية يُعد ضمن عداد الفاسدين لحين موته ، فعندما دُفِن في العتبة الكاظمية أصبح في نظر العديدين أنه من الصالحين ، بل البعض اعتبره من الأولياء لأن هذا التوفيق الذي حظي به لا يمكن أن يحظى به – من وجهة نظر هؤلاء – إلا ذو حظ عظيم ، وبذلك أصبحت المعايير لدى الناس مشوشة بسبب هذا الإجراء الغريب .
2) إقحام المرجعية الدينية العليا في هذا الموضوع جعل الأمر أكثر غاربة في نظر الناس ، فالمعروف لدى الناس أن المرجعية العليا لا تدعم أي جهة سياسية دون أخرى وبالتالي فإن موافقتها على دفن الجلبي في العتبة الكاظمية يطرح سؤالاً هل ستتم موافقة المرجعية على دفن سياسي آخر عند موته في عتبة من العتبات المقدسة ؟ وهل ستبقى المرجعية على موقفها المعهود وهو ( الوقوف على مسافة واحدة ) ؟ والجواب على هذين السؤالين بـ(نعم) أمر يبدو مستبعد وبالتالي فإن الجواب بـ(لا) أقرب للواقع ولكنه يوقع المرجعية في حرج ويجعل نظرة الناس للمرجعية تتغير ولو تغيراً بسيطاً .
3) إن دفن الجلبي في العتبة الكاظمية ستستفيد منه بعض الكتل السياسية انتخابياً بعدما تفاعل الكثيرون مع عملية الدفن هذه ، وبذلك قد تميل الكفة شعبياً بشكل غير منصف لجهة دون أخرى .
4) أصبح موضوع ( دفن الجلبي في العتبة الكاظمية ) من المواضيع الحساسة والتي تثير بعض التشنجات بسبب موافقة المرجعية العليا على عملية الدفن هذه ، وقد يصبح في يوم ما من الخطوط الحمراء التي لا يجوز الاقتراب منها ، وهذا يعني زيادة الخطوط الحمراء على المجتمع مما يقلل فرص الانتاج الفكري والثقافي ويقيد الحريات بحجة التجاوز على المقدسات .
5) انقسم المجتمع إزاء دفن الجلبي بين مؤيد ومعارض ، فأكثر المؤيدين أيدوه معتمدين على سماح المرجعية العليا بدفنه وليس لقناعتهم بضرورة الدفن في الأساس ، وبعض المعارضين عارضوا الدفن لأنه جاء بسبب سماح المرجعية العليا على ذلك ، وبالتالي فإن أي نقاش في هذا الموضوع يحسب ويُسحب على أنه خلاف بين مرجعيات ، وهذه أزمة تضاف الى الأزمات التي تثار بين الحين و الآخر بين المرجعيات الدينية مثل التطبير وغيره .
6) كان سماح المرجعية العليا لدفن الجلبي في العتبة الكاظمية محفزاً لبعض النخب الدينية – مثل الشيخ علي الكوراني – بالدفاع عن الجلبي وعن عائلته وهذا يعطي تصوراً عن اتباع بعض رجال الدين لتصرفات السياسيين ، وكأنهم وعاظ للسلاطين .
7) بدأ البعض يدافع عن دفن الجلبي في العتبة المطهرة للكاظميين بحجة أن عائلة الجلبي قد تبرعت بأراضيها الى العتبة بشرط دفن أفراد العائلة فيها ، وهذه المعلومة معلومة فيسبوكية لم تثبّت بوثائق ومع هذا استند إليها أغلب المدافعين عن دفن الجلبي إن لم نقل كلهم ، وهذا يعطي تصوراً عن إمكانية خداع الشعب ببعض الأعمال لأن الشعب لا يسأل عن الدليل ولا يتوثق من المعلومة وهذا أمر خطير أن يعتمد الناس على أي معلومة تنقل ، وهذا الأسلوب سينعكس سلباً على المدافعين لأن بإمكان المعارضين أن يسوقوا جملة من تهم الفساد ضد الجلبي وبدون وثائق فهل سيقبل المدافعون بذلك ؟!
8) إن دفن الجلبي المتهم بسرقة مصرف البتراء الأردني يجعل الشيعة عموماً في حرج بل ويجعل من ساهم ووافق على دفن الجلبي في الصحن الكاظمي في حرج أيضاً ، لأن الدفن في هذا المكان المقدس يعطي شرعية لما قام به الجلبي من أعمال اختلاس وسرقة ، وحتى لو كان هو بريئاً من ذلك فإن لم تتم تبرئته علنياً سوف يدفع الشيعة ثمن هذا التصرف الغير محسوب من قبل القائمين على دفن الجلبي في الصحن الكاظمي .
9) إن دفن الجلبي في الحضرة الكاظمية يفهم الناس أن الفساد هو ما لم يتصف به الجلبي ، فكل ما ثبت فساده عند الجلبي لا يعتبر فساداً لأن اعتباره فساداً يمنع من دفنه في العتبة المقدسة للكاظميين ، فمثلاً الفساد الأخلاقي ليس مؤشراً للفساد ، والفساد السياسي لا يعتبر أيضاً فساد ، إذا أثبتنا أن الجلبي منزّه من الفساد المالي ، وقد يكون التدين فساداً والالتزام الأخلاقي فساداً وهكذا .
10) إن موقف المرجعية العليا تجاه دفن الجلبي في العتبة الكاظمية يعتبر غامض لحد الآن ، وإن كان موقفها أقرب للقبول من الرفض باعتبار عدم تكذيب ما أصدرته عائلة الجلبي من شكر للمرجعية على سماحها بالدفن ، وهذا الغموض في المواقف الحساسة قد يكون مبرراً في المستقبل – كما كان مبرراً في الماضي – وقد يستغل السياسيون مثل هذا الغموض لجر النار الى أقراصهم كما سيستغلوه مع قضية دفن الجلبي في الحضرة الكاظمية .
تلك عشرة كاملة ، وأنصح محبي الجلبي والمدافعين عنه أن يكونوا منصفين وموضوعيين في دفاعهم عنه ، فليس كل من عارضه هو بعثي ، لأن مبدأ (إن لم تكن معي فأنت ضدي) مبدأ بعثي فإن استخدمتموه فستكونون بعثيين وإن لم تنتموا ! وأن حمل الجلبي على سبعين محمل أمر حسن ولكن يجب أن يكون مع الجميع ، فربما يحتاج بعض المصلحين الحقيقيين لمحمل واحد لا نحمله عليه فلماذا هذا التطفيف ؟! وأن لا تذهبوا بعيداً في إنجازات الجلبي بحيث تصورونه هو من أحدث الانقلاب الذي أسقط نظام صدام اللعين ، فهو كان ضمن مجموعة ممن ساهم في إسقاط صدام ، فلا تبخسوا الناس أشياءهم
والله ولي التوفيق