فراس زوين
لعل التقلب وعدم الاستقرار هو الثابت الوحيد في أسعار النفط العالمية، وقد شهدت الاسواق العالمية خلال الفترة القليلة السابقة تراجع في أسعار النفط بنحو 25 بالمئة بسبب الفزع والمخاوف المتزايدة من الانتشار السريع لفيروس كورونا المستجد، الامر الذي قد يتسبب بركود على المستوى العالمي.
في حين عانت أسعار النفط الخام يوم الاثنين ٩/٣/٢٠٢٠ من أكبر تراجع يومي لها منذ حرب الخليج في 1991، مع مايتوقع ان يكون حرب أسعار بين السعودية وروسيا، والتي يمكن ان تؤدي الى إغراق أسواق النفط العالمي بالمعروض بالتزامن مع انخفاض أسعار النفط وهو ما ينعكس سلباً على كل الدول المنتجة والمصدرة للبترول، ويجعل من المبكر القول ان هبوط أسعار النفط سيقف عند حدوده الحالية وخصوصاً مع عدم ايجاد علاج او لقاح حقيقي لفيروس كورونا المستجد الذي سرع من وتيرة هبوط الأسعار
ان التراجع الحالي في أسعار النفط يعيد الى الاذهان الازمة المالية والاقتصادية التي عانت منها البلاد في اعقاب الهبوط الحاد في أسعار النفط عام ٢٠١٤ والذي تزامن مع سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على مناطق شاسعة، فهل استفادت الحكومة العراقية من تجربتها السابقة في بناء واقع اقتصادي قادر على مواجهة الازمات من هذا النوع ؟ او بصورة ادق هل يمكن للعراق مواجهة هبوط أسعار النفط لحدود ٣٠ دولار؟
لعل من الممكن بل ومن البديهي الإجابة بنعم اذا كانت الحكومة العراقية السابقة او المستقيلة او ما قبلها قد عملت على كل او احد النقاط التالية:-
– قد يمكن مواجهة الهبوط الحاد في اسعار النفط لو ان الحكومات المتعاقبة عملت على تنويع مصادر الدخل، وتقليل الاعتماد على النفط، من خلال إعادة احياء وتطوير القطاعات المتوقفة، مثل القطاع الصناعي والزراعي والتعدين والسياحي والنقل والتحويلي وغيرها الكثير من القطاعات.
– لو انها قلصت حجم الموازنة السنوية للبلاد بما يناسب الشكل الحقيقي للاقتصاد العراقي بعيداً عن الانفاق خدمة لأهداف سياسية وحزبية، وعملت على الحد من الانفاق الجاري، وحدت من الانفاق غير المبرر والذي في الغالب يلاحقه شبهات الفساد.
– لو ان الحكومات المتعاقبة عمدت الى انشاء نظام ضريبي متكامل وعادل وفعال، بالإضافة الى إدارة المنافذ الحدودية بصورة كفوئة ونزيهة، باتباع الأساليب الحديثة في اداراتها (الحوكمة)، وعملت على انهاء هيمنة العصابات والأحزاب الفاسدة على مقدرات الشعب العراقي.
– لو ان الحكومات المتعاقبة عملت على حماية المنتج الوطني، لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وانهت الاستيراد العشوائي، وغلقت أبواب البلاد المشرعة في وجه الواردات الأجنبية التي يمكن انتاجها داخلياً وخاصة المنتجات تامة الصنع والتي انهت العمل الحرفي في البلاد.
– لو ان الحكومات العراقية المتعاقبة عملت على احياء المصانع والمعامل المتوقفة منذ أكثر من ١٥ سنة، وخططت للقضاء على البطالة بدون اللجوء الى التعيينات الحكومية التي استنزفت معظم إيرادات الدولة، لسد رواتب قرابة ٧ مليون موظف ومتقاعد.
ان الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الحالي للبلاد لا يتحمل المغامرات والتجارب التي قد تصيب وقد تخيب، في ظل التهديدات الصحية التي تواجه البلاد بتفشي وباء كورونا ليس في العراق فحسب بل في كل دول العالم، بالإضافة الى انتفاضة الشارع العراقي والتي قامت على اساس المطالب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المشروعة، وعلى الحكومة العراقية (ان وجدت) التحرك السريع والجدي للحد من الاثار السلبية لتراجع أسعار النفط من خلال العمل على اتجاهين رئيسيين وهما:-
– الاتجاه الأول والمتمثل بالحلول الانية السريعة والتي يجب اتباعها لتوفير الأموال اللازمة للنشاط الاقتصادي، والايفاء بالالتزامات الملحة مثل رواتب الموظفين والمتقاعدين، ويمكن اختصار هذه الحلول بشكل سريع بالجدية في تحصيل الإيرادات الحكومية بعيداً عن الفساد المالي، وتقليل الانفاق الزائد وغير المبرر، وإلغاء الرواتب المزدوجة، والسيطرة الحقيقية على الانفاق، وإعادة النظر في إيرادات عقارات الدولة، والمحاسبة الجدية والحقيقية للشركات المتلكئة عن سداد المستحقات التي في ذمتها للدولة، مثل شركات الاتصالات والتأمين، ومنع استيراد كل البضائع تامة الصنع وخصوصاً الصناعات النسيجية والجلدية والخشبية والحديدية، من اجل إعادة النشاط الاقتصادي للورش والمصانع المتوقفة في العراق، والتي ستوفر القيمة المضافة الحقيقة للاقتصاد العراقي،
لعل من المناسب الإشارة الى ان الحلول الآنية والسريعة طالما مثلت الاولوية والاهتمام الأول والأخير للحكومة العراقية في أي ازمة تواجهها مهملة باقي الحلول المتوسطة والبعيدة المدى والتي تعتبر الحلول الحقيقية للازمات، والتي تؤسس لاقتصاد قوي ومتين وقادر على مواجهة كل التحديات المستقبلية، كما في عام ٢٠١٤ حيث كان هم الدولة الشاغل هو توفير الرواتب دون الاهتمام بتأسيس واقع اقتصادي سليم وقوي، وعند انتهاء الازمة يبقى الواقع الاقتصادي المتخلف هو سيد الموقف.
– الاتجاه الثاني والمتمثل بالحل على المدى المتوسط والذي دائماً ما تهمله الحكومات المتعاقبة بل انها تعده من الترف الفكري ونوع من أنواع الانشاء الذي تتعالى حتى على مناقشته ودراسته واخذه بالاعتبار، ليدفع المواطن ثمن سوء الإدارة الحكومية بعد تكرر هذه الازمة كما يحصل الان بعد مرور عدة سنوات على ازمة ٢٠١٤ بدون أي تطور او تغيير إيجابي للواقع الاقتصادي للبلاد، ويمكن ايجاز هذه الحلول بما يلي:-
1. كسب ثقة الشارع والمواطن، وإعادة زرع الثقة المتبادلة مع الدولة، من خلال العدالة والمصداقية.
2. رسم الخطط الاقتصادية القابلة للقياس والتنفيذ، خلال فترات زمنية محددة ضمن اطر واقعية بعيدة عن التصريحات المعدة للاستهلاك المحلي.
3. المحاربة الجدية والواقعية للفساد المالي والإداري، والذي يجب ان يبدأ من قمة الهرم السياسي والإداري للدولة انطلاقاً الى القاع.
4. تطوير النظام المالي والإداري والمصرفي في العراق، ومحاسبة المخالفين بشدة وحزم.
5. تحديد أولويات القطاعات الاقتصادية الممكن احيائها وتطويرها، مع التركيز على القطاع الزراعي، والذي يمكن ان ينجز بأسرع وقت واقل كلفة.
6. إعادة النظر في أساليب اعداد وتنفيذ الموازنات السنوية، والانطلاق من أسس حديثة تضع في اعتبارها تحقيق الأهداف المرسومة وليس الانفاق بهدف الانفاق.
رابط المصدر: