رحاب الزيادي
شهدت دولة العراق، في 10 أكتوبر 2021، الانتخابات البرلمانية الخامسة منذ سقوط نظام صدام حسين كأحد مطالب الحراك الذي خرج في أكتوبر 2019 ونادى بعقد انتخابات برلمانية مبكرة كان مقررًا عقدها في يونيو 2022، لتُجرى في أكتوبر 2021.
تختلف هذه الانتخابات عن سابقتها من حيث النظام الانتخابي المقرر وفقًا لقانون رقم 9 لسنة 2020، حيث يقسم العراق إلى 83 دائرة انتخابية، بينما كانت تقسم في السابق إلى 18 دائرة انتخابية في انتخابات 2018، ودائرة انتخابية واحدة في انتخابات 2005 و2010. واعتمدت الانتخابات في السابق على نظام التمثيل النسبي، بينما تقرر في هذه الانتخابات الأخذ بنظام الحاصل على أعلى عدد من الأصوات. تختلف أيضًا الانتخابات من حيث الآلية التي اعتمدتها المفوضية العليا المستقلة بحيث لا يتم تزوير الانتخابات أو التلاعب بها وهو النظام البايومتري، وتعلن النتائج الأولية خلال 24 ساعة، ثم يتم الإعلان عن النتائج النهائية بعد 10 أيام.
انخفاض ملحوظ
بلغ عدد المرشحين 3244 وتنافسوا على 329 مقعدًا في البرلمان، ويبلغ عدد من يحق لهم التصويت من العراقيين حوالي 24 مليون مواطن، لكن جاءت نسبة المشاركة في هذه الانتخابات منخفضة مقارنة بالانتخابات السابقة، حيث شارك في الانتخابات 9 ملايين ناخب بنسبة 41% في 2021، مقابل 44.52% في 2018، و60% في 2014، و62.4% في 2010، و79% في 2005. وربما يرجع الانخفاض في المشاركة في هذه الانتخابات إلى فقدان الثقة في الطبقة السياسية، لا سيما أن الشارع العراقي يحملها مسئولية الفشل في إدارة الدولة وتقديم الخدمات، ومعالجة قضايا الفساد المستشري في مختلف القطاعات، وربما كان التصور هو أن النتائج ستعيد الطبقة ذاتها التي لم تقدم شيئًا للعراق في السنوات السابقة، بالإضافة إلى غضب قوى الحراك من عدم محاسبة قتلة المتظاهرين والنشطاء، فضلًا عن استمرار المليشيات المسلحة في العراق.
النتائج الأولية
وفقًا لقانون الانتخابات العراقي، توزعت المقاعد على المحافظات العراقية كالآتي: 71 لمحافظة بغداد، و34 لنينوى، و25 للبصرة، و19 لذي قار، و18 للسليمانية، و17 لبابل، و16 لأربيل، و15 للأنبار، و14 لديالى، و13 لكركوك، ثم 12 لكل من واسط، ودهوك، والنجف، وصلاح الدين، و11 لكربلاء والديوانية، و10 لميسان، و7 للمثنى.
ووفقًا للنتائج المعلنة من قبل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات؛ تعد محافظة دهوك من بين أكثر المحافظات مشاركة في الانتخابات بنسبة 54%، ومحافظة بغداد الأقل بنسبة 31%. وتُبين النتائج الأولية تصدر تحالف “سائرون” برئاسة “مقتدى الصدر” في المحافظات الجنوبية من بين الكتل الشيعية، وحصد 73 مقعدًا، وهي نسبة مرتفعة مقارنة بانتخابات 2018 التي حصل بها على 54 مقعدًا في البرلمان، بينما تراجع ائتلاف الفتح بقيادة “هادي العامري” الذي يضم المليشيات المسلحة مثل: عصائب أهل الحق، ومليشيات بدر، حيث حصد العامري 14 مقعدًا وهي منخفضة مقارنة بحصوله على 48 مقعدًا في انتخابات 2018.
وربما يرجع ذلك إلى رفض المواطنين في العراق لدور المليشيات المسلحة، لا سيما وأن هذه المليشيات قامت باغتيال عدد من الناشطين، ورفض قوى الحراك للنفوذ الإيراني المسيطر على القرار في العراق وللمليشيات التابعة لها، إضافة إلى قرار المفوضية العليا للانتخابات برفض تضمين قوات الحشد الشعبي في التصويت الخاص بالأجهزة العسكرية، كما أن انفصال رئيس هيئة الحشد الشعبي “فالح الفياض” عن تحالف الفتح ربما أثر على حظوظ التحالف في الانتخابات، حيث كان “الفياض” حليفًا رئيسيا لتحالف الفتح في انتخابات 2018.
حصلت قائمة العقد الوطني التي يقودها رئيس هيئة الحشد الشعبي في انتخابات 2021 على 4 مقاعد، وقائمة حقوق المدعومة من حزب الله على مقعد فقط. مما يثير تخوفًا من حيث قيام هذه الجماعات المسلحة بالتصعيد في الفترة القادمة، وربما تعطيل العملية السياسية من حيث تشكيل الحكومة، وإرباك المشهد أكثر نظرًا لرفضها هذه النتائج، وتبين ذلك في تصريح “هادي العامري” قائلًا: “لا نقبل بهذه النتائج المفبركة مهما كان الثمن، سندافع عن أصوات مرشحينا وناخبينا بكل قوة”. كما وصف المتحدث باسم كتائب حزب الله “أبو علي العسكري” الانتخابات بأنها أكبر عملية احتيال على الشعب العراقي.
ضمن سياق المشهد الانتخابي حصل من بين الكتل السنية رئيس تحالف تقدم “محمد الحلبوسي” على 38 مقعدًا، بينما حصل تحالف “عزم” بقيادة “خميس خنجر” على 14 مقعدًا، وحصل “نوري المالكي” رئيس ائتلاف دولة القانون على 37 مقعدًا مقارنة بـ25 مقعدًا في انتخابات 2018.
وبالنسبة للأكراد، تصدر الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة “مسعود بارزاني” بـ32 مقعدًا مقارنة بـ26 مقعدًا في 2018، بينما حصد الاتحاد الوطني الكردستاني 20 مقعدًا مقارنة بـ18 مقعدًا في 2018. وفيما يخص حركات الاحتجاج، حصدت حركة “امتداد” برئاسة “علاء الركابي” نحو 15 مقعدًا.
وفقًا للعرف السائد في العراق، من المتوقع بعد إعلان النتائج أن تخوض الكتل السياسية مفاوضات لتشكيل التحالفات فيما بينها لتشكيل الحكومة واختيار رئيس الوزراء. ويتوقع أن يتشكل تحالف بين “سائرون” بقيادة “مقتدى الصدر” والحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف تقدم برئاسة “محمد الحلبوسي”، ويتم اختيار مرشح الكتلة النيابية الأكبر عددًا بتشكيل الحكومة والموافقة على أعضاء وزارته بالأغلبية المطلقة.
ووفقًا للدستور العراقي، بعد ظهور النتائج النهائية وإعلانها من قبل المفوضية العليا للانتخابات والمصادقة عليها، يدعو رئيس الجمهورية مجلس النواب للانعقاد خلال 15 يومًا من تاريخ المصادقة على نتائج الانتخابات، وينتخب مجلس النواب في أول جلسة رئيسًا، ثم نائبًا أول، ونائبًا ثانيًا بالأغلبية المطلقة، وتكون مدة الدورة الانتخابية لمجلس النواب أربع سنوات.
أما فيما يتعلق بمنصب الرئاسة، فتنتهي ولاية رئيس الجمهورية بانتهاء دورة مجلس النواب، ويستمر رئيس الجمهورية في ممارسة مهامه إلى ما بعد انتهاء انتخابات مجلس النواب الجديد واجتماعه، على أن يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلال 30 يومًا من تاريخ أول انعقاد للمجلس.
وفما يخص رئيس الحكومة، يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددًا بتشكيل مجلس الوزراء خلال خمسة عشرًا يومًا من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية، ويتولى رئيس مجلس الوزراء المكلف تسمية أعضاء وزارته خلال مدة أقصاها 30 يومًا من تاريخ التكليف. وفي حالة إخفاق رئيس مجلس الوزراء المكلف في تشكيل الوزارة خلال المدة المنصوص عليها، يكلف رئيس الجمهورية مرشحًا جديدًا لرئاسة مجلس الوزراء خلال 15 يومًا، ويعرض رئيس مجلس الوزراء المكلف أسماء أعضاء وزارته والمنهاج الوزاري على مجلس النواب، ويعد حائزًا ثقتها عند الموافقة على الوزراء منفردين والمنهاج الوزاري بالأغلبية المطلقة. وفي حال عدم نيل الثقة يتولى رئيس الجمهورية تكليف مرشح آخر بتشكيل الوزارة خلال خمسة عشر يومًا. وجرى العرف على أن يكون رئيس البرلمان من العرب السنة وله نائب كردي وآخر شيعي، ورئيس الحكومة من الشيعة ورئيس الجمهورية من الأكراد.
ختامًا، يمكن القول إن الانتخابات نجحت على المستوى الإداري أو التنظيمي، وشهدت تراجعًا على مستوى مشاركة المواطنين، ويبقى التعويل على شكل الحكومة القادمة وقدرتها على حل الأزمات التي تواجه العراق، وإدماج الطوائف المختلفة في المجتمع العراقي، وتحقيق توازن واستجابة لمصالح هذه الطوائف.
.
رابط المصدر: