تراجع نظام “الحزب الواحد” في الهند

وجه الناخبون الهنود ضربة قاصمة لحزب “بهاراتيا جاناتا” القومي الهندوسي، وأنهوا بذلك حلمه بالسيطرة على البرلمان بأغلبية تمكنه من تمرير القوانين دون رادع. وأسفرت المعركة الشرسة التي خاضتها كتلة المعارضة الهندية في الانتخابات البرلمانية عن حرمان حزب رئيس الوزراء ناريندرا مودي من الحصول على الأغلبية البسيطة.

وفشل حزب “بهاراتيا جاناتا” في الحصول على الأغلبية البالغة 272 مقعدا في “لوك سابها”، المجلس الأدنى بالبرلمان الهندي، والذي يضم 543 عضوا منتخبا. وكان التحالف الوطني الديمقراطي بقيادة حزب “بهاراتيا جاناتا” قد حقق في الانتخابات السابقة لعام 2019 انتصارا كاسحا بحصوله على 353 مقعدا، وحصل حزب “بهاراتيا جاناتا” وحده على 303 مقاعد.

لكن مقاعد الحزب تراجعت في هذه الانتخابات إلى نحو 240 مقعدا فقط، ما سيضطر الحزب إلى السعي وراء دعم حلفائه لتمكين رئيس الوزراء ناريندرا مودي، الذي يبلغ من العمر 73 عاما، من تولي فترة ولاية ثالثة. ولم يلبي الأداء العام لحزب “التجمع الوطني الديمقراطي” خطاب الحملة الانتخابية بتجاوز 400 مقعد.

وقد لعب “التحالف الوطني الهندي التنموي الشامل” بقيادة حزب “المؤتمر” دورا حاسما في التصدي لجهود حزب “بهاراتيا جاناتا”. وقالوا إن حزب “بهاراتيا جاناتا” يهدف إلى تغيير دستور الهند بعد الاستقلال ليعكس أجندته القومية الهندوسية، وهو ادعاء نفاه حزب “بهاراتيا جاناتا”.

وشهدت هذه الانتخابات إقبالا كبيرا من الناخبين، حيث شارك نحو 642 مليون ناخب من أصل 969 مليونا لديهم حق الاقتراع الذي أجري على سبع مراحل بين 19 أبريل/نيسان الماضي والأول من يونيو/حزيران الحالي في أكبر ماراثون انتخابي من نوعه في العالم.

 

لم يتمكن حزب ناريندرا مودي من الحصول على الأغلبية اللازمة لتمرير القوانين 

 

 

ولم يتمكن حزب “بهاراتيا جاناتا” من الحصول على 272 مقعدا في “لوك سابها” (مجلس النواب بالبرلمان)، الذي يضم 543 عضوا منتخبا، ولم تصل أرقام “التحالف الوطني الديمقراطي” بأي حال من الأحوال إلى ما وعد به بالحصول على أكثر من 400 مقعد خلال الحملة الانتخابية.

وفي الانتخابات البرلمانية الأخيرة، استفاد “التحالف الوطني التنموي الهندي” (إنديا) بقيادة حزب “المؤتمر” من تصريحات قادة حزب “بهاراتيا جاناتا” للزعم بأن الحزب يعتزم تعديل دستور الهند بعد الاستقلال ليتوافق مع أجندته القومية الهندوسية. وقد نفى حزب “بهاراتيا جاناتا” هذا الادعاء بشدة، مؤكدا على المكانة الموقرة للدستور في الهند بين الأوساط الشعبية والسياسية.

وكانت أكبر هزيمة تلقاها حزب “بهاراتيا جاناتا” في ولاية أوتار براديش، أكبر ولاية في الهند. وأسفر الترتيب الاستراتيجي لتقاسم المقاعد بين حزب “المؤتمر” وحزب “ساماجوادي”، بقيادة رئيس وزراء الولاية السابق أخيليش ياداف، عن نجاح باهر لكتلة “إنديا” في هذه المنطقة الحرجة.

ولكن على الرغم من هذه النكسات، يظل حزب “بهاراتيا جاناتا” يمثل قوة هائلة من حيث الأرقام البرلمانية. فبينما لا تزيد مقاعد حزب “المؤتمر” الآن على 99 مقعدا، حصل حزب “ساماجوادي” على 37 مقعدا، وحزب “مؤتمر عموم الهند ترينامول” (AITC) بزعامة رئيس وزراء ولاية البنغال الغربية ماماتا بانيرجي على 29 مقعدا، وحزب “درافيدا مونيترا كازاجام” (DMK) بزعامة رئيس وزراء ولاية تاميل نادو، م. ك. ستالين، على 22 مقعدا.

ويشكل حزب “المؤتمر”، مع حزبي “ساماجوادي”، و”DMK”، جزءا من كتلة “إنديا”، التي تضم أكثر من عشرين حزبا يوحدهم هدف الإطاحة بحزب “بهاراتيا جاناتا” من السلطة. وهم في وضع يؤهلهم لاستغلال أي تصدعات في “التجمع الوطني الديمقراطي” بقيادة حزب “بهاراتيا جاناتا” إذا سنحت الفرصة.

فشل منظمي الاستطلاعات

أثبتت المعارضة أن أداءها في الانتخابات جاء أفضل كثيرا مما توقعته استطلاعات الرأي التي أجريت في الأول من يونيو والتي نشرتها شركات الإعلام الهندية ومراكز استطلاع الرأي. وكانت معظم الاستطلاعات قد منحت مودي وحلفاءه أغلبية الثلثين أو أكثر من المقاعد. وكان حزب “المؤتمر” وزعماء المعارضة الآخرون قد نددوا باستطلاعات الرأي التي أجريت نهاية الأسبوع ووصفوها بأنها “ألعاب نفسية” وأنه قد جرى التلاعب بها.

وقد كان للنتائج النهائية للانتخابات التي أُعلنت يوم الثلاثاء الرابع من يونيو تأثير عميق على الأسواق، حيث تسببت في خسارة فادحة بلغت 370 مليار دولار أميركي (حوالي 31 تريليون روبية هندية) من القيمة السوقية، وهو ما يمثل أكبر خسارة في يوم واحد خلال أربع سنوات، وذلك بعد أن ارتفعت بشكل حاد يوم الاثنين مع افتتاح الأسواق.

وعكست هذه الاضطرابات المالية الصدمة والفزع بين المؤيدين والمحللين على حد سواء. وشوهد رئيس إحدى وكالات استطلاع الناخبين وهو يبكي على شاشة التلفزيون، وجاهد مذيعو الأخبار البارزون، الذين غالبا ما يجري انتقادهم على أنهم “وسائل إعلام تابعة” بسبب موقفهم المؤيد لحزب “بهاراتيا جاناتا”، لإخفاء عدم تصديقهم.

وقد أعطى أداء حزب “بهاراتيا جاناتا” الأضعف من المتوقع لشركائه المحتملين في التحالف المزيد من  الأوراق التفاوضية في الوقت الذي ينتظر فيه رئيس الوزراء ناريندرا مودي دعوة من رئيس الهند لتشكيل حكومة جديدة. ولكن مودي لم يبد ضعفا بل أعلن من مقر حزب “بهاراتيا جاناتا”، مساء الثلاثاء، عن ثقته في تشكيل الحكومة، وقال إن “التحالف الوطني الديمقراطي” يستعد لتشكيل حكومته الثالثة. وهذا الانتصار سيجعل مودي أول رئيس وزراء منذ جواهر لال نهرو يفوز بثلاث فترات متتالية في منصبه، ولم يفوّت مودي هذه الفرصة فأشار إلى انتخاب نهرو عام 1962 لتسليط الضوء على أهمية هذا الإنجاز.

 

أثبتت المعارضة أن أداءها في الانتخابات جاء أفضل كثيرا مما توقعته استطلاعات الرأي التي أجريت في الأول من يونيو

 

 

ولكن أي مقارنة بين الرجلين يجب أن تنتهي عند هذا الحد. ففي حين أشيد بنهرو بسبب رؤيته الليبرالية والديمقراطية للهند، كانت فترتا رئاسة مودي موضعا للانتقاد بسبب تصاعد التعصب الديني والاستبداد في البلاد.

ويقول مودي إن الهند في فترة ولايته الجديدة “سوف تكتب فصلا جديدا من القرارات الكبرى”.

الصدمة الكبرى

وكما أسلفنا، وجهت ولاية أوتار براديش، وهي الولاية الهندية الأكثر اكتظاظا بالسكان ولها 80 مقعدا في مجلس النواب، ضربة قوية لحزب “بهاراتيا جاناتا” بمنح تحالف “ساماجوادي-المؤتمر” 43 مقعدا. في المقابل، ظلت ولاية غوجارات، مسقط رأس مودي، موالية له، وقد منحت حزب “بهاراتيا جاناتا” 25 مقعدا من أصل 26 مقعدا.

وفي وقت سابق من شهر يناير/كانون الثاني، افتتح مودي معبد رام في موقع مسجد بابري التاريخي المهدم في أيوديا بولاية أوتار براديش، وجرى ترويج إعلامي كبير لهذه الخطوة من قبل قادة حزب “بهاراتيا جاناتا” باعتبارها تحقيقا لوعد طويل الأمد. بيد أن الناخبين كانوا يركزون أكثر على الوعود التي لم يتم الوفاء بها فيما يتعلق بالقضايا الأساسية مثل البطالة والتضخم وعدم كفاية مرافق الرعاية الصحية والنقل والتعليم. إن تركيز حزب “بهاراتيا جاناتا” على القضايا المثيرة للخلاف وتفشي الإسلاموفوبيا في حملته الانتخابية أدى إلى نفور كثير من الناخبين. وقد كافحت لجنة الانتخابات لمعالجة كثير من الانتهاكات لقواعد مكافحة الترويج للكراهية الدينية والعداء الطائفي.

 

اي.بي.ايه اي.بي.ايه

أنصار حزب بهاراتيا جاناتا يحتفلون بعد إعلان رئيس الوزراء الهندي فوز حزبهم في نتائج الانتخابات 

وفي هزيمة رمزية بشكل خاص، خسر مرشح حزب “بهاراتيا جاناتا” لالو سينغ، أمام أواديش براساد من حزب “ساماجوادي” في فايز آباد، وهي الدائرة الانتخابية التي تضم أيوديا التي افتتح فيها المعبد المذكور. كانت هذه الخسارة انتكاسة كبرى لحزب “بهاراتيا جاناتا”. وعلى الرغم من احتفاظ مودي بمقعده في فاراناسي، فإن هامش فوزه كان أصغر بشكل ملحوظ مقارنة بانتخابات عامي 2019 و2014.

وحقق زعيم المعارضة البارز راهول غاندي انتصارا مدويا في كل من رايباريلي في ولاية أوتار براديش وواياناد في ولاية كيرالا، وهما الدائرتان اللتان تنافس فيهما. وفي تحول ملحوظ للأحداث، خسرت الوزيرة الفيدرالية سمريتي إيراني في أميثي أمام كيشوري لال شارما من حزب غاندي (المؤتمر). وكانت إيراني قد هزمت راهول غاندي في أميثي خلال انتخابات 2019.

 

ركز الناخبون على الوعود التي لم يتم الوفاء بها فيما يتعلق بالقضايا الأساسية مثل البطالة والتضخم وعدم كفاية مرافق الرعاية الصحية والنقل والتعليم

 

 

وحقق أخيليش ياداف، الذي قاد حملة مكثفة لمرشحي حزبي “ساماجوادي”، و”المؤتمر”، فوزا في معقله في كانوج، بينما حققت زوجته فوزا مثيرا للإعجاب في دائرة ماينبوري. وفي المقابل، تمكن حزب “بهاراتيا جاناتا” من الاستيلاء على الدوائر الانتخابية السبع في العاصمة الوطنية دلهي، وحقق انتصارات شبه كاملة في جوجارات، وماديا براديش، وتشاتيسجاره.

وفي مؤتمر صحافي لحزب “المؤتمر”، قال راهول غاندي: “لقد أخبرتْ الأمة بوضوح مودي أننا لا نريدك. وهذا هو زبدة الكلام الذي قالته هذه الانتخابات”.

وفي ولاية أوديشا الشرقية، تجنب حزب “بهاراتيا جاناتا” الإهانة الكاملة بفوزه على حزب “بيجو جاناتا دال” (BJD)، بقيادة رئيس الوزراء لفترة طويلة نافين باتنايك، حيث حصل على 19 مقعدا من مقاعد الولاية البالغ عددها 21 مقعدا في البرلمان الوطني.

وسيطر حزب “درافيدا مونيترا كازاغام” (DMK) وهو حزب سياسي رئيس في ولاية تاميل نادو الهندية وإقليم بونديشيري الاتحادي، سيطر على الولاية الجنوبية، حيث واجه حزب “بهاراتيا جاناتا” وحلفاؤه خسائر فادحة مرة أخرى. وفي ولاية البنغال الغربية، فاز “مؤتمر ترينامول لعموم الهند”، على الرغم من بقائه على مسافة معينة من كتلة المعارضة، بـ29 مقعدا من مقاعد الولاية البالغ عددها 41 مقعدا.

وثمة إلى هذا وذاك لاعب رئيس آخر في البرلمان الجديد وهو حزب “جاناتا دال يونايتد” (JDU) الذي يتزعمه رئيس وزراء ولاية بيهار، نيتيش كومار، وهو عضو في “التحالف الوطني الديمقراطي”، وقد فاز بـ12 مقعدا من أصل 40 مقعدا برلمانيا في ولاية بيهار، مما جعله في موقع يسمح له بالتفاوض على نفوذ كبير في تشكيل الحكومة.

ويمكن القول بشكل عام إن نتائج الانتخابات تعكس مشهدا سياسيا معقدا حيث تعرضت هيمنة حزب “بهاراتيا جاناتا” للتحدي من قبل الأحزاب الإقليمية وأحزاب المعارضة، مما يشير إلى تحول في مشاعر الناخبين في مختلف الولايات.

 

المصدر : https://www.majalla.com/node/318551/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AC%D8%B9-%D9%86%D8%B8%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B2%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%A7%D8%AD%D8%AF-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%87%D9%86%D8%AF

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M