فى سباق رئاسى محموم، حصلت نائبة الرئيس الأمريكى، كامالا هاريس، على ما يكفى من الأصوات لضمان ترشيح الحزب الديمقراطى لها لخوض الانتخابات الرئاسية أمام المرشح الجمهورى، دونالد ترامب، فى نوفمبر المقبل. واذا كان التمويل يلعب دورا أساسيا فى الحملات الأمريكية، فقد استطاعت هاريس جمع 200 مليون دولار امريكى فى أقل من أسبوع، بعد انسحاب بايدن وعودة المانحين الذين انسحبوا بسبب تداعيات تقدم رئيسهم فى السن وإثبات عدم قدرته الصحية والعقلية على الادارة. وقد وصل تمويل الحملة الى 310 ملايين دولار، فى يوليو، وهو أكبر مبلغ لانتخابات 2024. هاريس نجحت فى أول الاختبارات وهو الحصول على دعم وتمويل الديمقراطيين، ويبقى ان نرى فيما اذا كان الامريكيون قادرين على جعلها اول رئيسة امرأة للبلاد ومن أصول غير بيضاء ومن خلفية ثقافية غير مسيحية بالكامل. نجاح هاريس فى هذه الانتخابات سيعنى نجاح نموذج اندماج المهاجرين الأمريكيين فى وقت يهاجمهم ترامب، ويعتبرهم سببا رئيسيا فى مشاكل الولايات المتحدة، ويتعهد بصد باب الهجرة، ليس على المسلمين فقط، بل على المسيحيين القادمين من المكسيك أيضا. الى ان تفرج الصناديق عن نتائج اختيار الأمريكيين، هناك معطيات يجب أخذها بعين الاعتبار. أولا، انسحاب بايدن، الرئيس العجوز، ودخول هاريس حلبة المنافسة غير من ديناميكيات السباق نحو البيت الأبيض. الديمقراطيون يحاولون الترويج لورقة صغر سن هاريس (59 عاما مقابل 78 عاما لترامب) من أجل التأثير على الناخبين وكسب أصواتهم. وقد أثبتت تجارب سابقة انه كلما كان المرشح الديمقراطى أصغر سنا، كان أوفر حظا للفوز بالانتخابات. وقد رأينا هذا السيناريو مع جون كيندى، بيل كلينتون وباراك أوباما. وهاريس تستخدم نفس النهج بذكاء فى حملتها الانتخابية، خاصة انها تروج لنفسها باعتبارها المستقبل فى مواجهة الماضى، والجيل الجديد فى مواجهة القديم. ثانيا، معروف ان الولايات المتأرجحة هى التى ترجح الفائز بالانتخابات الامريكية. فى 2020، رجحت الفئات الشابة كفة بايدن فى ميتشيجان وبنسلفانيا ويسكونسن. ورجح السود كفته فى جورجيا وكارولينا الشمالية وبنسلفانيا. ورجح المسلمون كفته فى ميتشيجان وبنسلفانيا. ووفق آخر الاستطلاعات، هناك سبع ولايات متأرجحة هذا العام وهي: أريزونا، ونيفادا، وويسكونسن، وميتشيجان، وبنسلفانيا، وجورجيا، وكارولينا الشمالية. أظهرت استطلاعات سابقة تفضيلا لترامب فى الولايات المتأرجحة، لكن الوضع تغير بعد ترشيح هاريس بشكل رسمي. وبعدما عبرت بعض الولايات، فى وقت سابق، عن معارضتها لسياسات بايدن ورفضها إعادة ترشيحه لولاية ثانية، سارعت بتغيير موقفها مباشرة بعد اعلان ترشح هاريس. وقد عبر عضو مجلس النواب، إلهان عمر، ذات الأصول المسلمة، والنائب بيرنى ساندرز، الذى يمثل الشباب العنصر الغالب فى قاعدته الانتخابية، عن دعمهم هاريس. هناك تحول حقيقى فى المزاج العام للرأى العالم الأمريكى، وقد عمل ترشح هاريس انقلابا واضحا فى توجهات الناخبين. بهذا الخصوص، تفيد استطلاعات الرأى بتغير نسبة التأييد لترامب من 46% مقابل 44% لبايدن فى يونيو الماضى، إلى 44% لهاريس مقابل 42% لترامب، عقب ترشيح هاريس. وأظهر استطلاع ثلاثى أجرته آى بى إس وواشنطن بوست وإيبسوس تقدم هاريس بثلاث نقاط، فحصلت على 49% وترامب على 46%.
أداء هاريس فى استطلاعات الرأى يمكن ان يفسر بكونه يعود لحماسة الناخبين الديمقراطيين بعد إعلان بايدن انسحابه من السباق الانتخابي. كما أنه يظهر، ولو مؤقتا، نجاح هاريس فى إبطال مفعول الزخم الذى حظى به ترامب عقب مؤتمر الحزب الجمهورى وبعد محاولة اغتياله. عندما كانت المنافسة بين ترامب وبايدن، كان الوضع شبه محسوم لصالح ترامب. لكن الآن مع هاريس تأرجحت النتائج قليلا، وأصبحت حظوظ هاريس افضل من بايدن. امام هاريس فرصة لإعادة تقديم نفسها للناخبين وتحديد رؤيتها للبلاد لدفع حظوظها وصورتها الانتخابية بشكل اكبر. لكنها، فى المقابل، أصبحت الهدف الرئيسى لهجمات الجمهوريين. المرشحة الرئاسية تشغل المنصب، ما يعنى أن ترامب سيكون قادرا على مهاجمتها بنفس الأسلوب الذى هاجم به بايدن. كما لم تتأخر حملة ترامب بوصفها ممثلا لليسار الراديكالى الذى هدفه تدمير الحلم الأمريكى، كما حملتها مسئولية تدمير الاقتصاد وانهيار الحدود، واعتبرتها عامل التمكين الرئيسى لجو الفساد طوال هذا الوقت. على الرغم من حرب التصريحات هذه ونتائج الاستطلاعات، الا أنه لا شىء محسوم فى الانتخابات الامريكية الا بعد الإعلان عن نتائج الصندوق. المنافسة، حاليا، على أشدها بين المرشحين، ومن المتوقع ان تكون أمريكا على موعد مع تغييرات كبيرة إضافية فى المواقف الانتخابية مع اقتراب موعد الانتخابات.
المصدر : https://ecss.com.eg/47416/