ترامب يطيح ببايدن خارج السباق

شكلت المناظرة التاريخية ـ التى جرت بين الرئيس الحالى بايدن والرئيس السابق ترامب يوم الخميس 27 يونيو ـ نقطة تحول مهمة فى سباق الانتخابات الأمريكية، حيث لم يهزم ترامب بايدن خلال المناظرة فقط، بل قد يطيح به خارج السباق الانتخابى.

فالمناظرة الأولى بين المرشحين تمحورت حول الماضى ولم تعالج المستقبل، ولم يقدم أى منهما رؤية أو تصورات محددة حول كيفية التعامل فى المستقبل مع التحديات أو القضايا الرئيسية فى الانتخابات، مثل الهجرة والاقتصاد والرعاية الصحية والإجهاض والضرائب والسياسة الخارجية وغيرها، كما جرى العرف دائما، وإنما انبرى كل منهما فى توجيه الاتهامات والشتائم تجاه الآخر وتحميله الفشل وإظهار مساوئه وعيوبه أثناء حكمه، حيث إنها المرة الأولى التى يتناظر فيها مرشحان كلاهما تولى فترة أربع سنوات، وبالتالى كان تقييم كل منهما لأداء الآخر خلال تلك الفترة وتحميله مسئولية الفشل والإخفاق فى القضايا الداخلية والخارجية ومحاولة إثبات عجزه وخطره إذا تولى فترة جديدة.

ومن حيث الأداء برز ترامب الأكثر قوة وحيوية ورشادة وهدوءا وسيطرة على أفعاله وأقواله على خلاف المناظرة السابقة فى عام 2020، حينما نجح بايدن وقتها فى استدراجه فى فخ الاندفاع والتهور. فى المقابل كان أداء بايدن خلال المناظرة الأسوأ فى مسيرته السياسية، حيث بدا متعلثما وضعيفا فى ردوده، بل لم يستطع استكمال جمله وأفكاره فى مواجهة اتهامات ترامب، وبدا عامل السن والضعف الذهنى والإدراكى واضحا، وهو ما انعكس فى تفوق ترامب وفقا لاستطلاع الرأى الذى جرى بعد المناظرة مباشرة حول أداء كل منهما، حيث حاز ترامب على 67 % مقابل 33 % لبايدن.

أحد تداعيات إخفاق بايدن فى المناظرة هو سيناريو خروجه من السباق الانتخابى واستبداله بمرشح آخر من الحزب الديمقراطى لمواجهة ترامب، فقد أحدث أداء بايدن الباهت والضعيف صدمة وقلقا وفزعا فى صفوف الديمقراطيين، وتنامى الاقتناع لديهم بأن استمرار بايدن فى السباق فى هذه الحالة الضعيفة، سواء الصحية أو الذهنية، سيعزز من فرص فوز ترامب بالانتخابات، ولهذا تصاعدت الأصوات المطالبة باستبداله، وهذه الأصوات جاءت حتى من مؤيدى بايدن وذلك لإعلاء مصلحة الحزب وتجنب هزيمة ساحقة له. ولاشك فى أن قرار الانسحاب من السباق هو بأيدى بايدن نفسه، خاصة أنه حصل على عدد المندوبين اللازم فى الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطى لكى يرشحه الحزب فى مؤتمره السنوى فى أغسطس المقبل بشكل رسمى لخوض الانتخابات الرئاسية، ومن ثم تتزايد احتمالات أن يضغط أعضاء الحزب الديمقراطى على بايدن للانسحاب، وإفساح المجال لمرشحين آخرين، وهناك عدد من المرشحين لذلك مثل افين نيوسوم حاكم كاليفورنيا وجريتشن ويتمر حاكمة ميشيجان وجوش شابيرو حاكم بنسلفانيا، بينما احتمال ترشح نائبته كاميلا هاريس ضعيف حيث لا تحظى بالشعبية الكافية، وأصبحت تشكل عبئا على بايدن ذاته.

وبالتالى أصبح الحزب الديمقراطى فى مفترق طرق بعد المناظرة التى كشفت هشاشة وضعف بايدن واحتمال خسارتهم المعركة الرئاسية، وكذلك عدد كبير من مقاعد الكونجرس، إذا استمر بايدن فى السباق ضد ترامب، الذى نجح فى توظيف نقاط ضعف بايدن، ومن ثم إذا تمسك بايدن بالاستمرار فى السباق فهذا يعنى خسارة مرجحة للانتخابات، أما إذا انسحب واستبدل بمرشح آخر، وهذا هو الخيار الأقوى، فهذا سوف يعزز فرص الديمقراطيين فى الفوز أمام ترامب الذى يواجه بأحكام قضائية، ومدان جنائيا.

رغم أن تاريخ المناظرات السياسية بين المرشحين للرئاسة الأمريكية منذ انطلاقها عام 1960، لم تؤثر بشكل جذرى فى نتائج الانتخابات أو توجيه خيارات الناخبين، باستثناء حالات قليلة، فإن المناظرة الأخيرة بين بايدن وترامب سيكون لها تأثير كبير فى توجيه خيارات واتجاهات تصويت الكثير من الأمريكيين خلال الانتخابات المقبلة، خاصة بين المستقلين والمترددين، وبين بعض أنصار الحزب الديمقراطى، فقد يصوتون لصالح ترامب، ليس حبا له أو اقتناعا به، ولكن احتجاجا وانتقاما من بايدن، وهو ما يعرف بالتصويت الاحتجاجى أو العقابى، والذى استطاع بايدن نفسه توظيفه فى انتخابات 2020، عندما صوت عدد كبير له ليس اقتناعا به وإنما احتجاجا وعقابا لترامب على سوء أدائه فى معالجة جائحة كورونا والتى نجم عنها مئات الآلاف من الوفيات.

ولذا فإن نقاط وأوراق قوة ترامب فى هذه الانتخابات، هى نقاط ضعف بايدن بالأساس، خاصة سوء أدائه فى الملفات الداخلية مثل الهجرة غير المشروعة والتى زادت بمعدلات كبيرة خلال فترة حكمه، وكذلك ارتفاع تكاليف معيشة المواطن الأمريكى فى ظل ارتفاع معدلات التضخم رغم المؤشرات الإيجابية الكلية للاقتصاد، ومنها توفير ملايين الوظائف. كذلك إخفاق بايدن فى ملفات السياسة الخارجية، وعلى رأسها الحرب الروسية الأوكرانية، فرغم الدعم العسكرى والاقصادى الأمريكى الضخم والذى يزيد على 100 مليار دولار، فإن أوكرانيا لم تحقق أى انتصارات على الأرض، كذلك دعمه المطلق لإسرائيل فى حرب غزة، وتزايد المعارضة الداخلية له، خاصة من داخل الحزب الديمقراطى، إضافة بالطبع لتراجع حالته الصحية والعقلية، وكلها تدعم موقف ترامب فى الانتخابات، أما إذا انسحب واستبدل بمرشح قوى، فقد تنقلب موازين الانتخابات وتتجه إلى مسار آخر فى ظل نقاط ضعف ترامب الكثيرة، ومنها القضايا التى يحاكم فيها.

 

المصدر : https://ecss.com.eg/46496/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M