بقلم:
د.رعدهادي جبارة
الباحث في العلاقات الدولية والدبلوماسي السابق
عوداً على بدء؛ قلنا في الجزء الأول من مقالنا المتعلق بتهديد الرئيس الامريكي باغتيال القائد الخامنئي إن ترامب يحمل ويعمل وفق عقلية بعيدة عن القانون الدولي بل وحتى القانون الأمريكي نفسه، والذي يَعتبر التهديد بالقتل جريمة خطيرة و عقوبتها قد تصل الى السجن لعشر سنوات ، أو حتى مدى الحياة في بعض الحالات الشديدة.
وفي القانون الأمريكي، يُعتبر التهديد بقتل رئيس دولة أجنبية جريمة خطيرة قد تؤدي إلى عقوبات مشددة.و العقوبة المحددة تعتمد على عدة عوامل، بما في ذلك طبيعة التهديد (مباشر أو غير مباشر)، و يمكن أن تشمل العقوبات السجن لفترة طويلة و حتى السجن المؤبد في بعض الحالات، بالإضافة إلى غرامات مالية كبيرة. بل قد يتم تفعيل قوانين مكافحة الإرهاب في هذه الحالات أيضًا، مما يزيد من خطورة العقوبة.
والقانون الأمريكي يحمي بشكل خاص رؤساء الدول الأجنبية من التهديدات، حيث يعتبر هذا النوع من التهديدات تهديدًا للأمن القومي والعلاقات الدبلوماسية.وبخلاف ذلك يمكن المطالبة بغلق مقر الأمم المتحدة و مجلس الأمن ونقله إلى دولة محايدة تصلح لاستضافته.
ووفقا لمبدأ منع استخدام القوة المذكور في الفقرة (4) من المادة (2) من ميثاق الأمم المتحدة، يجب على جميع أعضاء المنظمة “أن يمتنعوا في علاقاتهم الدولية عن اللجوء إلی التهديد أو استخدام القوة ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة بما في ذلك تهديد قيادة أي دولة من قبل دولة أخرى بالقتل.
وبحسب ميثاق الأمم المتحدة، فإن [العدوان] هو عمل غير قانوني ويُعدّ من مظاهر التهديد للسلام والأمن الدوليين، ووفقا للفقرة الأولى من المادة الأولى من الميثاق، فإن “وقف أي عمل عدواني” يُعدّ من أهداف منظمة الأمم المتحدة.
ووفقا للمادة الأولى من ملحق القرار 3314 الصادر عن الجمعية العامة بشأن “تعريف العدوان” (الذي يُعدّ اليوم جزءا من القانون الدولي الاتفاقي بسبب إدراج نصه في المادة (8 مكرّر) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية) فإن “العدوان” يعني: استخدام القوة المسلحة من قبل دولة ضد سيادة أو وحدة الأراضي أو الاستقلال السياسي لدولة أخرى، أو بأي وسيلة أخرى تتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة.
وبموجب الفقرتين (ب) و(د) من المادة 3 من الوثيقة نفسها، فإن قصف أراضي دولة ما أو استخدام أي سلاح ضد أراضيها، وكذلك أي هجوم تشنه القوات المسلحة لدولة على القوات البرية أو البحرية أو الجوية أو مشاة البحرية أو الوحدات الجوية لدولة أخرى، تُعدّ من “أشكال العدوان”. وهذا ما انتهكه ترامب شخصياً بقصف المنشئات النووية السلمية الإيرانية الخاضعة لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومفتشيها.
كما تنص المادة (8 مكرّر) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على أن “جريمة العدوان” تعني التخطيط أو الإعداد أو الشروع أو تنفيذ عمل عدواني يُشكّل من حيث طبيعته وشدته ونطاقه انتهاكاً واضحاً لميثاق الأمم.وهذا ما مثّله العدوان الجوي الصهيو-أمريكي الأخير و دون سبب وبلا أي مبرر على العاصمة والمدن الايرانية وقصفها العديد من المؤسسات المدنية كالمستشفيات والعمارات السكنية ومقرات الهلال الأحمر والمساجد و المطارات المدنية والمصانع و الطرق العامة وحتى السجون التي تؤوي سجناء خطيرين وخصوصا مجرمين يقضون مدة محكوميتهم حسب أحكام قضائية صدرت بحقهم.
اما بالنسبة لأميركا فهناك حالات تاريخية موثقة تورطت فيها واشنطن ومخابراتها في اغتيال رؤساء دول أجنبية. من أبرز هذه الحالات:
■اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري:
■محاولةاغتيال الرئيس الليبي السابق معمر القذافي
■محاولة اغتيال الرئيس البنمي عمر توريخوس الذي كان شخصية معادية للولايات المتحدة.
■محاولة اغتيال الرئيس الكوبي السابق فيدل كاسترو من قبل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) عدة مرات .
■اغتيال رئيس الوزراء الكونغولي باتريس لومومبا عام 1961، حيث كانت ترى فيه تهديدًا لمصالحها في المنطقة.
هذه مجرد أمثلة قليلة، و هناك العديد من الحالات الأخرى التي تم فيها اغتيال رؤساء دول أجنبية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وبعضها تورطت فيه الولايات المتحدة أو وكالاتها الاستخباراتية.
إن هذه الجرائم الأمريكية تستدعي وقفة شجاعة و جهداً دولياً وقرارات حازمة على مستويات عالمية تحد من البلطجة والقتل الكيفي وتضع حداً لتجاوزات القيادة الأمريكية على ميثاق الأمم المتحدة وشرعة حقوق الإنسان.
وإلا فإن تنفيذ ترامب لتهديده بقتل القائد الخامنئي يمكن أن يؤدي إلى ردة فعل كبرى وغضبة إسلامية عالمية نشهد خلالها هبة مليونية تؤدي إلى إحراق المصالح والسفارات و القواعد والشركات والبنوك الأمريكية في أنحاء الكرة الأرضية و يتسبب فيها ترامب في إزهاق أرواح مواطنين أمريكيين [سيّاح،أو تجّار،أو طيارين،أو دبلوماسيين،أو أساتذة جامعات منتدبين في جامعات غير أمريكية أو فروع لجامعات أمريكية في دول أخرى،أو طلبة جامعيين وغيرهم] سوف تشملهم أعمال الإنتقام الفوري بسبب طيش رئيسهم، لو حصل مكروه للقائد الخامنئي على يد أميركا مباشرة أو بيد ربيبتها إسرائيل التي ترعاها واشنطن وكأنها الولاية الخمسون، و بالتالي تتحمل -حتماً- وزر جرائمها التي تفوق العد والحصر.
وردنا عبر مواقع التواصل الاجتماعي