ترقيات 2025 .. رهان جوجل للاحتفاظ بالهيمنة في ظل الذكاء الاصطناعي

منذ إطلاقه في عام 1998، تمتع محرك بحث جوجل بقوة مهيمنة في المشهد الرقمي، وعلى مر السنين خضع للعديد من التحديثات من أجل الحفاظ على زخمه وريادته في هذا القطاع.

والآن، مع تزايد اعتماد العالم الرقمي على الذكاء الاصطناعي، يسعى محرك البحث الذي كان جزءًا أساسيًا من تجربة الإنترنت لأكثر من 25 عامًا، لمواكبة تلك التطورات عبر تسخير هذا الذكاء بهدف ضمان استمراره في مضمار التنافس والابتكار.

ومن أجل بلوغ هذا الهدف فأن جوجل يستعد لواحد من أهم تحولاته بحسب وعد “سوندار بيتشاي”، الرئيس التنفيذي لشركة جوجل في قمة “ديل بوك”، الذي قال إنه بحلول مطلع عام 2025، سيتطور محرك البحث بطرق من شأنها أن تفاجئ المستخدمين.

للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام

وقمة “ديل بوك” هي منتدى سنوي للنقاش تنظمه صحيفة “نيويورك تايمز”، وهي تجمّع رفيع المستوى لمناقشة أبرز المواضيع الاقتصادية، المالية، والتجارية في العالم، بمشاركة كبار الشخصيات في مجالات الأعمال والسياسة والتكنولوجيا.

تفاصيل تحديثات جوجل

تفاصيل تطور محرك جوجل للبحث كشف عنها “سوندار بيتشاي” قبل عدة أيام، حيث قال إن محرك البحث سيكون قادرًا قريبًا على معالجة استعلامات أكثر تعقيدًا، ما يعكس قفزة هائلة إلى الأمام في قدراته على حد وصفه.

كما أوضح أن محرك البحث سيكون مجهزًا قريبًا للتعامل مع الأسئلة المعقدة بتطور أكبر، قائلًا: “أعتقد أننا سنكون قادرين على معالجة أسئلة أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى”.

ومن المفترض أنه مع تطبيق تلك الميزة فإنه بدلاً من تقسيم سؤالك إلى عمليات بحث متعددة، فإنه يمكنك مع التحديث الجديد طرح سؤالك المعقد بكل تفاصيله الدقيقة التي لديك في آن واحد.

 كما أكد “بيتشاي” أنه حتى في الأشهر الأولى من عام 2025، سيلاحظ المستخدمون “أشياء أحدث يمكن أن يقوم بها محرك البحث مقارنة بما هو عليه اليوم”.

بالطبع الرئيس التنفيذي لجوجل تناول المنافسة المتزايدة في قطاع الذكاء الاصطناعي، معلقًا على التصريحات التي أدلى به الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت “ساتيا ناديلا” التي قال خلالها إن جوجل كان يجب أن تكون “الفائز الافتراضي” في سباق الذكاء الاصطناعي.

وردًا على ذلك، اقترح “بيتشاي” عقد “مقارنة جنبًا إلى جنب” بين نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بجوجل وتلك الخاصة بشركة مايكروسوفت، والتي تعتمد بشكل كبير على تقنية أوبن إيه آي.

وأكد الرئيس التنفيذي لمحرك البحث الأكثر شهرة في العالم أن نماذج جوجل مميزة، ما يضع شركته في موقع المبتكر في مجال الذكاء الاصطناعي.

وفي معرض حديثه عن التطور السريع للذكاء الاصطناعي، قال “بيتشاي”: “نحن في المراحل الأولى من التحول العميق. هناك الكثير من الابتكار في المستقبل، ونحن ملتزمون بالبقاء في طليعة هذا المجال”.

وقدمت الشركة بالفعل ملخصات تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي، والتي توفر لمحات عامة سريعة لنتائج البحث في أعلى الصفحة، إضافة إلى إصدار محسن من جوجل لينس الذي يسمح بالبحث القائم على الفيديو.

وتعد هذه التطورات جزءًا من عملية الإصلاح الجارية التي تقوم بها جوجل من أجل تبني الذكاء الاصطناعي بمنصة البحث الخاصة بها، بجانب ما كشف عن “بيتشاي”، من أن المستخدمين سيتمكنون قريبًا من طرح أسئلة معقدة في استعلام واحد.

ومع تخطيط جوجل لإصدار نسخة محدثة من نموذج الذكاء الاصطناعي جيميني، فمن الواضح أن الشركة عازمة على تحدي منافسيها الرئيسيين في مجال البحث بالذكاء الاصطناعي مثل مايكروسوفت وأوبن إيه آي وحتى الناشئين أيضًا مثل بيربلكسيتي.

الإصدار الجديد وتحديات جوجل

في عالم التكنولوجيا، قليل من الشركات نجحت في أن تكون محورية كما فعلت جوجل، ومع أكثر من 90% من حصة سوق محركات البحث، باتت جوجل بمثابة العمود الفقري للإنترنت بالنسبة للملايين حول العالم.

وبلغ متوسط علميات البحث على جوجل نحو 8.3 مليار عملية يوميًا خلال شهر سبتمبر الماضي، فيما يستخدم نحو 4.9 مليار شخص خدمات بحث جوجل، بحسب موقع إكسبلودنج توبكس.

لذا فأنه في السنوات القادمة، ومع استمرار تطور قدرات الذكاء الاصطناعي، من المقرر أن يعيد بحث جوجل تعريف كيفية وصول الأشخاص إلى المعلومات والتفاعل معها عبر الإنترنت.

ووفقًا لوعود بيتشاي فإن عام 2025، سيمكن المستخدمين من التعامل مع محرك بحث أكثر تقدمًا وبديهية، وقادر على التعامل مع الاستعلامات المعقدة بشكل متزايد وتقديم نتائج أكثر تخصيصًا وكفاءة.

ولكن في ظل التحولات السريعة في صناعة التكنولوجيا، يواجه عملاق البحث العديد من التحديات التي قد تؤثر على هيمنته، وتعيد تشكيل المشهد الرقمي.

حصة سوق محركات البحث على مستوى العالم في عام 2024 (البيانات حتى نوفمبر الماضي)

الترتيب

محرك البحث

النسبة بالسوق

1

جوجل

%90.7

2

بينج

%3.7

3

يانديكس

%1.9

4

ياهو

%1.4

5

بايدو

%0.9

إذ إنه على الرغم من هيمنة جوجل في قطاع البحث، فإن ظهور منافسين جدد في هذا المجال يشكل تهديدًا حقيقيًا.

وأبرز هذه المنافسات تأتي من محركات البحث مثل “بينج” التابعة لشركة مايكروسوفت، والتي شهدت نموًا ملحوظًا خاصة بعد دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي مثل شات جي بي تي في نتائج البحث.

كما أن محركات بحث محلية أخرى مثل “بايدو” في الصين و”يانديكس” في روسيا تقدم بدائل قوية في أسواق محددة، ما يهدد سيطرة جوجل على المستوى العالمي.

تحديات جوجل لا تقتصر عند الأمور التكنولوجية، إذ إنه في السنوات الأخيرة، بدأت الحكومات حول العالم في اتخاذ إجراءات قانونية ضد جوجل بسبب ممارساتها الاحتكارية.

ففي الاتحاد الأوروبي، فرضت المفوضية الأوروبية غرامات ضخمة على جوجل بسبب استغلالها المفرط لموقعها المسيطر في سوق محركات البحث والتطبيقات الرقمية.

كما أن الولايات المتحدة بصدد تحقيقات قانونية بشأن ممارسات جوجل في جمع البيانات والإعلانات الرقمية، ما يضع ضغوطًا متزايدة على الشركة لتعديل استراتيجياتها القانونية والعملية.

وفي عصر الهواتف الذكية والمساعدات الرقمية، أصبح البحث الصوتي أحد أبرز الاتجاهات التي تهدد النظام التقليدي للبحث عبر النصوص.

ومع زيادة استخدام الأجهزة الذكية مثل أمازون أليكسا وأبل سيري، بدأت جوجل تواجه تحديًا في الحفاظ على السيطرة على هذا النوع من البحث، ورغم محاولات الأخيرة تطوير أنظمة مثل مساعد جوجل الصوتي، إلا أن المستخدمين يتجهون إلى حلول بديلة أكثر تطورًا.

تعد الخصوصية من أكبر القضايا التي تواجه جوجل حاليًا، خصوصًا بعد تصاعد المخاوف المتعلقة باستخدام البيانات الشخصية.

وتعتمد جوجل بشكل كبير على جمع البيانات لتحسين نتائج البحث والإعلانات المستهدفة، ولكن مع تزايد الوعي العام حول الخصوصية وظهور تنظيمات في هذا الصدد بأوروبا، تواجه جوجل ضغوطًا كبيرة للامتثال لهذه القوانين واللوائح.

بالإضافة إلى ذلك، فإن شركات مثل أبل قد بدأت في تقليص قدرة جوجل على جمع البيانات على أجهزتها، ما يعقد قدرة جوجل على تقديم إعلانات موجهة بشكل فعال.

هل تتمكن جوجل من الصمود؟

جوجل ليس مجرد محرك بحث، بل هو عملاق في مجال الإعلانات الرقمية من خلال منصتها للإعلانات، إذ سجلت شركة ألفابيت (الشركة المالكة لجوجل) إيرادات تجاوزت 88 مليار دولار أمريكي في الربع الثالث من العالم الحالي، ولكن هذا القطاع أيضًا يواجه تحديات.

إذ إن شركات مثل ميتا وأمازون بدأت في اكتساب حصة متزايدة من سوق الإعلانات الرقمية، ما يؤثر على إيرادات جوجل وهو ما يعني تقلص قدراتها على تخصيص مزيد من الأموال في دعم عمليات الابتكار لديها.

ورغم ريادتها في مجال البحث، فإن جوجل تواجه صعوبة في التكيف مع الاختلافات الثقافية واللغوية في الأسواق العالمية.

ففي بعض الأسواق، يعاني جوجل نقصًا في الدقة أو التخصص المحلي في نتائج البحث مقارنة بالمنافسين المحليين.

كما أن القيود الحكومية على محتوى الإنترنت في بعض الدول (مثل الصين وروسيا) تجعل من الصعب على جوجل التوسع أو تحسين خدماته في هذه المناطق.

لذا فإن الابتكار يشكل الطريق الوحيد الذي يضمن لجوجل استمرار الصدارة، ففي حين كانت الشركة رائدة في العديد من المجالات مثل البحث على الإنترنت، الذكاء الاصطناعي، وخدمات السحابة، إلا أن الحفاظ على الريادة يتطلب استثمارًا ضخمًا في البحث والتطوير.

ومع دخول شركات جديدة في مجالات مثل الواقع المعزز، والتنقل الذاتي، والتكنولوجيا الصحية، تجد جوجل نفسها أمام منافسة شرسة من لاعبين آخرين مثل أبل ومايكروسوفت وأمازون، وقد تفقد الصدارة أثر تلك المنافسات إلا إذا واصلت عمليات التحديث.

ولم تعد رهانات جوجل تقتصر على تقنيات جديدة فحسب، بل تتعلق أيضًا بإعادة تعريف كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي في كل جانب من جوانب حياتنا.

كل تلك النقاط ستكون عاملا مؤثرا في تحديد إذا ما كانت جوجل ستنجح في الحفاظ على مكانتها كأكبر محرك بحث في العالم، أم أن المنافسة المتزايدة ستفرض تحديات قد تعيد تشكيل المعركة على قمة السوق، وسيكون عام 2025 نقطة حاسمة للإجابة عن تلك التساؤلات.

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M