تعاقبت الترندات في الفترة القليلة الماضية بصورة ملفتة للانتباه باختلاف قضاياها وان اتفقنا ان بعضها قضايا قديمة انتهت سريعًا، وبملاحظة الصفة المشتركة بين تلك “التريندات” نجد عدم استمرار التريند الواحد لأكثر من اسبوع بالرغم من قوة تداوله والتفاعل معه من قِبل مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي التي أتاحت للعامة التعبير عن آرائهم بحرية ما بين مؤيد ومعارض لقضية ما. ولعل التريند الذي أُثير مؤخرًا “الست مش ملزمة والراجل مش مجبر” له طابع مختلف كونه متشابك مع العديد من الأطراف ذات التأثير أبرزها: المدافعات عن قضايا المرأة “النسويات”، والمؤسسات الدينية، وثقافة المجتمع المصري وموروثاته. ومن هنا اكتسب التريند انتشارًا واسعًا في مصر والوطن العربي على المستوى الشعبي والإعلامي ووصل الأمر الى جدال بين الطبقات المثقفة، وتناولته بعض وسائل الإعلام الغربية.
وتريند ” الست مش ملزمة” ما هو الا مثال لتسليط الضوء على تأثير ظاهرة التريندات على الوعي الجمعي، فحالة الجدل حول ذلك التريند مشابهة لحالات الجدل المثارة حول مثيلاته مما يثير تساؤلات عدة حول ظاهرة التريند وتأثيراته الممتدة.
معركة التريند واستهلاك الوعي
تعددت الأسباب والدوافع وراء سرعة انتشار الترندات على مواقع التواصل الاجتماعي خاصة تلك التي تمس الموروثات المتعاقبة بين الأجيال سواء اكان منشأها عقائدي او اجتماعي. ويعود سبب انتشاره سريعا الى الكم الهائل من المعلومات والقضايا المتجددة المطروحة ونوعيتها، وبالتالي فيتعذر على العقل البشري تحليل هذا الكم الهائل في وقت قصير او حتى التأكد من صحتها، وماهية الدوافع وراء طرح تلك المعلومات ان صحت في ذلك التوقيت. مما يؤدي بالأغلبية الى اقصار مداركهم ووعيهم على مرحلة استقبال المعلومات فقط دون الانتقال الى مرحلة المعالجة والتحليل ومن ثم الخروج بنتائج.
وبناء على ذلك؛ فالأغلبية أصبحت غير قادرة على تكوين آراء مستقلة واقتصروا على الربط بين المعلومات الممزوجة بآراء الأخرين بشكل سطحي، علاوة على تبنيهم لتلك الآراء معتقدين انها آرائهم الشخصية ومن ثم القيام بمشاركتها مع الآخرين فتزداد مساحة انتشار المعلومات للتحول الى تريند بعد ذلك، فينتج عن ذلك وعي مزيف لدى العامة وبالتالي يتولد لنا ما يُسمى بالوعي الجمعي، الذي يتم بلورته كرأي شخصي للفرد.
وبقدر تشابك وتداخل القضايا المطروحة مع الموروثات الاجتماعية والثوابت العقائدية يزداد سرعة انتشارها حتى أصبحت مثل تلك القضايا هدفًا للبعض لتحقيق الشهرة والانتشار في وقتٍ قصير حتى وان كانت تلك القضايا لا تمس أولويات الشارع المصري. وقد يعود ذلك الى طبيعة المجتمع المتمسك بموروثاته المتعاقبة منذ المصريين القدماء ومقاومة كل ما هو دخيل عليه.
ولعل من أبرز أسباب سرعة انتشار ظاهرة التريند في مصر، زيادة معدل انتشار الإنترنت في مصر حيث بلغ عدد مستخدمي الانترنت في مصر 71.9% من إجمالي السكان في بداية عام 2022 وفقًا لتقرير مؤسسة we are social 2022 لأبحاث الإنترنت، بزيادة تُقدر بـ 1.4 مليون عن عام 2021 بنسبة تزيد عن 9.1%. غالبيتهم في المرحلة العمرية من 18الى 34 عام.
ووصل عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في بداية عام 2022 الي 48.9% من إجمالي عدد السكان، بزيادة تقدر بـ 2.5 مليون مواطن عن عام 2021 بنسبة مئوية تزيد عن 5.0%. اي ما يقارب من نصف سكان مصر يتفاعلون عبر برامج التواصل الاجتماعي ويتعرضون لتأثير التريندات وهو ما يسلط الضوء حول التأثير النفسي والاجتماعي لتلك لها على الفرد ومن ثم المجتمع.
ووفقًا للتقرير؛ وصل عدد مستخدمي الفيسبوك الى 44.7 مليون مستخدم، مقابل 46.3 مليون مستخدم لليوتيوب، و16مليون مستخدم للانستجرام، في مقابل 20.28 مليون مستخدم للتيك توك، و13.6 مليون مستخدم للسناب شات.
التأثير النفسي والاجتماعي للتريندات
يكمن التأثير السلبي للتريندات في:
- السيطرة على العقل الجمعي، فكثيرًا من مستخدمي مواقع التواصل ينساقون وراء التريندات وما يعرف “بالهاشتاج” وبالتالي يقعون ضحية لتلاعب تلك التريندات بصحتهم النفسية خاصة ان نتج عنه تدخل رسمي كما حدث في قضية الفيرمونت، حيث بدأت بهاشتاج ثم تعاطف معه شريحة واسعه من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي اعقبه تدخل السلطات الأمنية والتشريعية مما أعطى قوة ومصداقية للتريند، تزامن ذلك مع انطلاق العديد من الـ”هاشتاجات” التي تنصح الفتيات بعدم الخروج مفردا وان الشارع المصري غير صالح وغير آمن للفتيات وهذا ما انعكس بالسلب على نفسية الفتيات بشكل أساسي مما اثر على السلم الاجتماعي.
- تُعدّ “التريندات” نمط من أنماط حروب الجيل الخامس، حيث يستخدمها البعض في الترويج لتوجهاتهم المعادية، مما يتسبب في تهييج الرأي العام، وإثارة حالة الاعتراض والنقم على كل شيء مما يوثر سلبًا على النسيج المجتمعي، ويعمل على اضعاف تأييد ومساندة الشعب لوطنهم.
- شيوع حالات العنف والطلاق فقد خلصت نتائج بعض الابحاث الاجتماعية المتخصصة في “دراسات الجندر” الى ان زيادة معدل الحديث عن حقوق المرأة اعلاميًا خاصة تلك الغير متعارف عليها مجتمعيًا، يزيد من معدلات التربص ضدها بدعوى إعادة تشكيل توازن القوي بين الرجل والمرأة.
- التأثير السلبي على خلخلة الأعراف المجتمعية، فشيوع بعض الترندات التي تركز على كسر القوالب الاجتماعية قد تصبح واقعًا شيئًا فشيئًا، فهناك هاشتاجات تنادي بتحرير العلاقة بين الشاب والفتاة مثلا تحت ذريعة الحرية الشخصية، وآخر ينادي بحرية “المثلية الجنسية”. فقد يؤدي ذلك الى تكوين صورة ذهنية باستباحة تلك العادات الدخيلة لدى النشء خاصة في ظل تراجع الدور التربوي للأسرة والمؤسسات التعليمية والدينية عالميًا.
وختامًا، بالرغم من ان التريندات قد تُعد خطرًا على المجتمع الا وان لتلك الظاهرة العديد من الإيجابيات القوية كعقاب الجناة ونصرة المجني عليهم كما حدث في قضايا الابتزاز الالكتروني، او تشجيع بعض النماذج المشرفة في المجتمع كما حدث في قضية الشاب الذي أعاد مبلغ مالي كبير عثر عليه لمالكة، علاوة على تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة التي غلبت على المجتمع لفترات طويلة كتريند حق الكد والسعاية للمرأة. الا ان بعضها الآخر يتعارض مع الفطرة الإنسانية والأديان السماوية والبعض الآخر يسبب تكدير السلم والامن الاجتماعيين. وهو ما يضع المجتمع اما ظاهرة لابد من مواجه مخاطرها خاصة على النشئ.
.
رابط المصدر: