صلاح خليل
تعتبر منطقة البحيرات في وسط أفريقيا من أكثر البؤر المتوترة على مستوى العالم، حيث تنتشر التنظيمات المسلحة التي يزيد عددها على 130 تنظيمًا، مما أدى على مدار عقود من الزمان إلى حالة دائمة من الصراع وأعمال العنف المستمرة. وقد عانت دول المنطقة (مثل: الكونغو، ورواند، وأوغندا) من مواجهات دامية بين الجماعات المسلحة، سواء كان مع بعضها أو مع جيوش تلك الدول، ولا سيما منطقة شرق جمهورية الكونغو التي تشهد موجة كبيرة من تصاعد الهجمات نتيجة تمركز عشرات الحركات المسلحة التي تحارب بالوكالة.
الاقتصاد.. الوجه الخفي للصراع
تمثل الثروات الطبيعية في منطقة البحيرات أحد أهم عوامل التوتر والصراعات، ولا سيما بين دول المنطقة التي لا تعترف بالحدود التي وضعها الاستعمار، حيث تمثل المعادن (كالماس، والذهب، الكولتان، الكوبالت القصدير، النحاس) بالإضافة إلى العديد من المعادن الأخرى، مصدرًا مهمًا لدعم اقتصاديات العديد من دول منقطة البحيرات، الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى تصنيف منطقة البحيرات كأكثر المناطق ثراء بالمعادن الطبيعية.
وبحسب الإحصاءات سنويًا يتم تهريب ما يقارب 85% من الذهب والماس من منطقة البحيرات إلى دول داخل القارة وأخرى خارجها، وتسهم الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية على حد سواء بحرية تامة لعدم وجود ضوابط كافية في بلدان العبور المجاورة والأقاليم المنتجة للذهب والماس، ومن بين هذه الدول الأفريقية المنخرطة في تداول المعادن المستخرجة من منطقة البحيرات العظمى دول مثل رواندا، أوغندا، وبوروندي، وزيمبابوي، وزامبيا، وتنزانيا، وأنجولا، وجنوب أفريقيا، كما تشارك في هذه العملية قوى دولية مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وبلجيكا، وإسرائيل، وفرنسا، والصين، والهند. ومن ثم تلعب هذه الجهات دورًا غير مباشر في تأجيج الصراعات والنزاعات في منطقة البحيرات.
وقد وجدت الجماعات المسلحة وبعض شبكات الجريمة المنظمة بيئة مواتية لتنفيذ أجنداتها أو توظيفها من جانب هذه القوى، ومن ثم تتخذ من منطقة البحيرات وشرق الكونغو، أكثر الأقاليم الأفريقية اضطرابًا نتيجة تردي الأوضاع الأمنية، منطقة لممارسة أنشطتها وتنفيذ أجندتها، وتلعب هذه الجماعات دورًا بالغ الأهمية في التجارة العابرة للحدود بدون رقابة وتهريب الماس والذهب.
الجهود القارية والأممية لتحقيق الاستقرار في منطقة البحيرات
يُلقي مجلس الأمن والسلم الأفريقي بثقله لدعم الجهود المبذولة لنزع فتيل تصاعد العنف في منطقة البحيرات، لا سيما من قبل جماعة وحركة 23 مارس الكنغولية، خوفًا من تكرار الحرب الأهلية الرواندية وحربي الكونغو الأولى والثانية.
وترحب كل من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي بجهود دعم السلام السياسية والوطنية والإقليمية في المنطقة البحيرات لنزع سلاح الجماعات المسلحة، وتعزيز التدابير غير العسكرية لنزع سلاح الجماعات المسلحة الأجنبية، وأعربت الأمم المتحدة العاملة في المنطقة عن قلقها العميق إزاء تزايد خطاب الكراهية في منطقة البحيرات ضد بعض المجتمعات بشكل استباقي.
وتعمل الأمم المتحدة من خلال الفواعل المحلية والأجنبية كصحفيين، ومنظمات المجتمع المدني والسلطات المحلية والإقليمية يعملون في مكافحة خطاب الكراهية عبر التعامل مع السلطات الرسمية في بلدان تلك المنطقة. تواصل البعثة الأممية في المنطقة لتحقيق الاستقرار، عبر حشد قادة الرأي والمؤثرين للتحدث ضد خطاب الكراهية من خلال شبكة التواصل الإجتماعى، بالإضافة إلى راديو (أوكابي) التابع للبعثة الأممية في المنطقة.
بيئة مواتية لاستمرار التوتر والصراع
على الرغم من المحاولات الحثيثة من قبل القوات الأممية التي تعمل في منقطة البحيرات، في سعيها لتنفيذ برنامج نزع السلاح والتسريح وتحقيق الاستقرار، يرفض المقاتلين المسلحين في المشاركة غير المشروطة، والعودة إلى بلدانهم الأصلية. وتشهد منطقة البحيرات زيادة كبيرة في الهجمات المضطربة، وترتكب العديد من الفظائع والجرائم ضد الحرب سواء كانت ضد القوات الحكومية أو المدنيين العزل.
وتنشط في المنطقة العديد من الحركات من ضمنها القوات الديمقراطية لتحرير رواندا جماعة متمردة مسلحة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية. وهم من الهوتو المعارضين لنفوذ التوتسي في رواندا، ومن آخر فصائل المتمردين الروانديين في الكونغو. وأسسها بعض النازحين الروانديين في سبتمبر 2000، بعضهم من جيش تحرير رواندا السابق، وحاربت في أواخر حرب الكونغو الثانية وفي التمرد الذي أعقبها في كيفو.
وللتداخل القبلي والإثني في منطقة البحيرات دور مهم في عدم الاستقرار بالعديد من دول تلك المنطقة، نتيجة للصراعات والنزاعات المرتبطة بالثروة الطبيعية، والذي على إثره تتجدد الصراعات من حين إلى آخر، مما أدى إلى خفض الإنتاج القومي والإيرادات على دول المنطقة نتيجة لعدم الاستقرار التي تشهده منطقة البحيرات الذي أثر بالسلب على ارتفاع الدين الخارجي لبعض دول المنطقة.
ويعتمد اقتصاد دول منطقة البحيرات على التعدين والزراعة والصناعات الصغيرة، وهو مصدر معظم إيرادات الاقتصاد، ولكن منذ عام 2020 أدى انخفاض أسعار السلع إلى تباطؤ النمو وتضخم كبير، مما تسبب في زيادة العجز المالي. فيما يشكل الإطار القانوني غير المفعل، وعدم الشفافية، والفساد، عوامل أخرى تفاقمت من تردي الأوضاع الاقتصادية، مما انعكس في بيانات الناتج المحلي الإجمالي لدول تلك المنطقة.
وتعاني العديد من دول منطقة البحيرات من موجة غضب شعبي إزاء الحكومات الحالية، نتيجة للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتأزمة، فضلًا عن اتهامات متبادلة بين دول المنطقة، بدعم جماعات إرهابية لزعزعة الاستقرار، على رأسها حركة 23 مارس الكونغولية التي تتخذ من الحدود الشرقية في جمهورية الكونغو ملاذًا آمنًا لها في تصعيد هجماتها ضد القوات الكونغولية في إقليمي (كيفو الجنوبي وكيفو الشمالي، غوما، بوكافو، إيتوري). في يوليو 2022، عبر الجيش البوروندي داخل الحدود الشرقية لجمهورية الكونغو لمحاربة تنظيم (ريد – تابارا) المتمرد الذي يتخذ من شرق الكونغو قاعدة لشن هجمات داخل بوروندي المجاورة، وتلك البؤر للصراعات أصبحت تشكل مصدر قلق للمجتمع الدولي والمنظمات الإغاثة التي تعمل في الغوث الإنساني.
خلاصة القول، لعب تشابك المصالح بين الجماعات من جهة، ودول الجوار من جهة أخرى، بالإضافة إلى المنافسة المحتدمة بين التنظيمات المسلحة من شأنه تأزم الموقف، حيث يسعى كل تنظيم موالٍ لدول الجوار لتوسيع شبكة مصالحه الإقليمية من خلال تهريب الماس والذهب من خلال بعض دول الجوار، فالاستراتيجية المتبعة من دول الجوار بالأساس لا تهتم بالنواحي الأمنية، ولا تعمل من أجل القضاء أو الحد من نشاط التنظيمات المسلحة، وبالعكس تعتمد على تقديم الدعم العسكري، بغية الاستفادة والسيطرة على الثروات الطبيعية التي تقع تحت سيطرة التنظيمات المسلحة.
.
رابط المصدر: