صلاح وهبة
في ظل حالة التداعي التي تعاني منها جماعة الإخوان الإرهابية على مختلف الأصعدة سواء الإقليمية أو الدولية، تلقت الجماعة ضربة جديدة في ألمانيا التي تمثل رقمًا مهمًا في معادلة تحركات الإخوان الخارجية وخاصة في الساحة الأوروبية، حيث جرد المجلس الأعلى لمسلمي ألمانيا القيادي الإخواني إبراهيم الزيات من كافة مناصبه داخل المجلس، بالإضافة إلى تحركات مختلفة داخل البرلمان الألماني لمواجهة تمويل جماعات الإسلام السياسي وفي القلب منها جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية في ضوء تصاعد المخاوف الأمنية الألمانية المتصاعدة من نشاط هذه الجماعات.
تاريخ وجود الجماعة في ألمانيا
مثلت ألمانيا وجهة رئيسة لأغلب كوادر جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي أثناء فترة حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لهدفين أساسيين، الأول، الهرب من حملة الاعتقالات التي طالت أعدادًا كبيرة من عناصر الجماعة في ضوء انكشاف عدد من مخططاتها الإرهابية، والثاني، سعي الجماعة لتنفيذ استراتيجيتها لاختراق المجتمعات الغربية والتي عهد إلى “سعيد رمضان” مهندس علاقات الإخوان في الخارج وصهر حسن البنا تنفيذها.
أصبح “سعيد رمضان” أحد قادة الرعيل الأول لجماعة الإخوان في ألمانيا، حيث عمل على تجمع الطلاب المصريين والعرب الدارسين في ألمانيا ليشكلوا نواة عمل الحركة هناك وتحديدًا في مدينة ميونخ، وأسس في عام 1958 الجمعية الإسلامية وتولى رئاستها لمدة عشر سنوات، ثم أسس المركز الإسلامي في ميونخ عام 1960 الذي أصبح فيما بعد المركز الأساسي لجماعة الإخوان وأنشطتها ليس فقط على مستوى ألمانيا وإنما في أوروبا بأسرها، ومدخلها الغير مباشر لاحقًا للسيطرة على عدد من المساجد والجمعيات الخيرية الإسلامية، حيث نجحت الجماعة من خلال المركز في السيطرة على مراكز إسلامية في عدد من المدن الألمانية الرئيسة نذكر منها (فرانفكورت – شتوتجارت – كولونيا- ماربورج – مونستر) وغيرها.
واتبعت الجماعة الإرهابية منذ تواجدها على الأراضي الألمانية وحتى السنوات الأخيرة استراتيجية ناعمة لخدمة مشروعها، تقوم على التركيز على الأنشطة الدعوية لجذب المسلمين لتحقيق انتشار أكبر، والتقرب من صناع القرار والشخصيات والأحزاب السياسية المؤثرة في الداخل الألماني، مع التأكيد على أن توجهات الجماعة لا تتعارض مع الثقافة والقوانين الألمانية وأنها نموذج للإسلام الوسطي المعتدل، وساهم ظهور تنظيم داعش الإرهابي في فتح فرص أكبر أمام الجماعة على تقديم نفسها أكثر من مرة أمام المجتمعات الأوروبية والغربية على أنها بديلًا إسلاميًا لا يمثل خطورة مثل التنظيمات الجهادية (داعش – القاعدة)، وذلك على الرغم من أن أدبيات الإخوان وأفكارها وخاصة مؤلفات سيد قطب تشكل حجر الزاوية في المعتقدات الفكرية لتلك الجماعات.
المجلس الإسلامي يطرد كيانات الإخوان
قرر المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا عقب انتهاء انتخاباته في 17 سبتمبر الجاري، طرد كافة الكيانات التابعة لجماعة الإخوان من عضوية المجلس، وفي مقدمتها المركز الإسلامي في ميونخ واتحاد الطلبة، وتجريد “إبراهيم الزيات” الذي يعد بمثابة وزير مالية الجماعة في ألمانيا في كافة مناصبه التي يشغلها داخل المجلس، وجدير بالذكر أن المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا تأسس عام 1994 على يد “نديم إلياس” ويهدف لمتابعة شؤون الجالية المسلمة، ويشارك في عضويته 10 آلاف شخص تقريبًا، ويضم 4 اتحادات إسلامية كبرى ونحو 20 منظمة إسلامية متعددة الأهداف يتبعها مئات المساجد في مختلف أنحاء ألمانيا.
ولم يكن قرار المجلس الحالي هو الأول من نوعه تجاه كيانات جماعة الإخوان داخله، إذ قرر في 31 يناير الماضي استبعاد منظمة التجمع الإسلامي الألماني وأعضائها من عضوية المجلس، بعد أن عقد المجلس اجتماعًا افتراضيًا في 23 من الشهر ذاته للجمعية العامة وحاز القرار على موافقة بأغلبية الثلثين وفق ما تشترطه اللائحة التأسيسية، وجدير بالذكر أن المجلس كان قد قرر تعليق عضوية المنظمة في ديسمبر 2019، قبل أن يصدر قراره النهائي الذي أكد “أيمن مزيك” رئيس المجلس أنه جاء بعد عدد من آليات المراجعة الداخلية استمرت عدة سنوات، وأنه لا يسمح المجلس المركزي للمسلمين، لنفسه بأن يكون مدفوعا من قبل هيئات خارجية، مضيفا في تصريحات صحفية حينها أن المجلس المركزي أظهر أنه يحقق في الادعاءات الجوهرية بمسؤولية وحسم.
وكان المجلس قد نال هجومًا كبيرًا خلال السنوات الماضية بسبب اختراقه من قبل جماعة الإخوان على الرغم من النفي الدائم لقيادة المجلس بوجود ثمة علاقة بينهما، وتجدر الإشارة هنا إلى تقرير الاستخبارات الداخلية الألمانية “هيئة حماية الدستور” الصادر عن عام 2020، والذي أكد أن التجمع الإسلامي الألماني يمكن اعتباره جزءًا لا يتجزأ من التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين ومنظمتها المركزية في ألمانيا، وذلك لما تأكد من تشابكات وثيقة في الهياكل والمناصب مع الجماعة، وأشار التقرير إلى حكم صادر من المحكمة الإدارية في ولاية هيسن عام 2017 يوضح أن القناعات الأساسية للتجمع تتضمن إقامة نظام سيادة إسلامي لا يتوافق مع مبادئ ديمقراطية مثال حرية الرأي والسيادة الشعبية والمساواة، وأن التجمع يندرج في إطار المجموعات التي لا تسعى إلى تحقيق أهدافها عن طريق شن هجمات إرهابية بل عن طريق إحداث تغيير على المدى البعيد استنادا إلى القوانين المحلية.
من هو “إبراهيم الزيات” وزير مالية الجماعة في ألمانيا؟
اسمه بالكامل إبراهيم فاروق محمد الزيات، ولد في 26 فبراير عام 1968 ألماني الجنسية من أب مصري كان يعمل إمام مسجد ماربورج وأم ألمانية ويتقن اللغتين العربية والألمانية، وأحاله الرئيس الراحل حسني مبارك إلى المحاكمة العسكرية الاستثنائية في ديسمبر 2006 بتهمة التورط في غسيل أموال وتمويل الجماعة، وقدرت الأموال حينها بأربعة ملايين جنيه استرليني وقرابة 3 مليون يورو بهدف منع مؤسسات الدولة من ممارسة أعمالها، وأصدر الرئيس المعزول محمد مرسي قرارًا رئاسيًا بالعفو عن إبراهيم الزيات ورفاقه في تلك القضية حمل رقم 75 لسنة 2012، وأصدر الرئيس المؤقت عدلي منصور قرارًا جمهوريًا في 29 مايو 2014 بإلغاء القرار السابق بالإعفاء وعدد من القرارات الأخرى، ومتزوج من صبيحة أربكان، أبنة شقيق نجم الدين أربكان رئيس وزراء تركيا الأسبق ومؤسس حركة “ميلى جورش” المتطرفة.
تولى “الزيات” عدة مناصب قيادية على مستوى الجمعيات والمنظمات الإسلامية في ألمانيا، إذ كان رئيس الجماعة الإسلامية في ألمانيا في فبراير 2002 خلفًا للإخواني علي غالب حمت على خلفية علاقاته المباشرة مع شبكة “التقوى” المالية، وأعيد انتخابه مرة أخرى عام 2006 واستمر حتى عام 2010 ولم يترشح مرة أخرى بسبب اللوائح القانونية التي تنص على عدم الترشح لأكثر من فترتين تشريعيتين، وترأس منتدى الشباب والمنظمات الطلابية الأوروبية المسلمة من عام 1996 وحتى عام 2002، وعضو مجلس إدارة منظمة الإغاثة الإسلامية في ألمانيا في كولونيا وبرلين، وأمين عام منظمة الإغاثة الإسلامية العالمية في بريطانيا، وكان الممثل العام للجمعية الأوروبية لبناء ودعم المساجد التي تدير ما يقرب من 300 مسجد في ألمانيا، هذا بخلاف عمله في مجال الوساطة العقارية المكتبية والتجارية للمستثمرين وخاصة من الدول العربية، مما جعله تحت أعين رقابة جهاز الاستخبارات الداخلية الألمانية منذ سنوات.
لعب “الزيات” دورًا خطيرًا ومهمًا نشاط جماعة الإخوان في ألمانيا، إذ ركز جهوده على الشباب المسلم في ألمانيا بهدف تجنيد أكبر عدد منهم ضمن صفوف الإخوان من خلال إلحاقهم في المنظمات والجمعيات الإسلامية المختلفة، وساعد في تأسيس تنظيمات ومراكز إخوانية جديدة خلال السنوات الأخيرة بمساعدة أشقاؤه بلال ومنال، كما عمل على نسج خيوط التواصل المالي بين شبكة جماعة الإخوان الإرهابية في أوروبا مع أفرع الشرق الأوسط والمؤسسات الإسلامية الكبرى في تركيا، مما جعل منه بحق وزيرًا لمالية الإخوان في ألمانيا بشكل خاص وأوروبا بشكل عام وحامل دفاترها المالية، حيث استغل الشركات العقارية والتجارية التي يتولى إداراتها في تكوين تمويهًا نموذجيًا لأنشطة تمويل الجماعة التي كانت تعتمد على تلك المشاريع لتكون واجهة خلفية لتمويل أنشطتها المختلفة.
مجمل القول، تشير التطورات الأخيرة التي تشهدها جماعة الإخوان الإرهابية داخل ألمانيا، إلى تغير كبير في تعاطي الحكومة والمنظمات الإسلامية الألمانية مع الجماعة والحد من أنشطة واجهاتها التمويلية، انطلاقًا من انكشاف حقيقة أنشطتها التي نجحت في ترويجها خلال السنوات الماضية، وأنها أصبحت غير مرغوبة في ألمانيا سواء على المستوى الحكومي أو مستوى المنظمات الإسلامية، وتمثل خطوة إقصاء إبراهيم الزيات من كافة مناصبه داخل المجلس الإسلامي ضربة قوية لنشاط التنظيم، نظرًا لما كان يتمتع به الزيات من نفوذ كان يوظفه بشكل كامل لتنفيذه أهدافه، وقد تؤدي الخطوات الألمانية إلى خطوات مماثلة في عدد من الدول الأوروبية لتحجيم نشاط جماعة الإخوان المسلمين.
.
رابط المصدر: