أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وعضو المعارضة بيني غانتس، في 11 أكتوبر 2023، تشكيل «حكومة طوارئ» تقود الحرب ضد حركة حماس في قطاع غزة. وجاء في بيان مشترك لنتنياهو وغانتس، أن «الجانبين اتفقا على تشكيل حكومة طوارئ وحكومة حرب». وستضُم «حكومة الحرب» نتنياهو وغانتس ووزير الدفاع الحالي يوآف غالانت، على أن يكون كل من القائد السابق للجيش من حزب غانتس، غادي آيزنكوت، ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، مراقبين. ولم ينضم زعيم المعارضة يائير لبيد إلى الحكومة، لكن البيان أشار إلى «حجز» مقعد له في حكومة الحرب المعلنة.
وكانت المباحثات السياسية بين الحكومة وأحزاب في المعارضة لتشكيل حكومة طوارئ مؤقتة لفترة الحرب، قد بدأت في أعقاب شن حركة «حماس» الفلسطينية عملية «طوفان الأقصى» ضد إسرائيل في السابع من أكتوبر، ورَدُّ حكومة اليمين المتطرفة برئاسة بنيامين نتنياهو بإعلان حالة الحرب ضد الحركة وبقية الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة.
تناقش هذه الورقة أبعاد إقامة حكومة طوارئ في إسرائيل، وشروط اللاعبين السياسيين، وتداعيات تشكيل مثل هذه الحكومة على المشهد السياسي لاحقاً.
شروط الأطراف لتشكيل حكومة طوارئ
في جلسة رؤساء قوائم الائتلاف الحكومي المنعقدة في 10 أكتوبر، أقرَّت القوائم تشكيل حكومة طوارئ، مما يعني دخول “المعسكر الرسمي” للحكومة، وتسلّم بيني غانتس وغادي آيزنكوت مناصب وزير بلا وزارة، وانضموا إلى “المجلس الوزاري المصغر”. وعملياً تم الاتفاق على إقامة مجلس وزاري مصغر يضم نتنياهو وغانتس وإيزنكوت ووزير الدفاع يوآف غالانت ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر[1]. ستنحصر مهام المجلس في إدارة الحرب، وكل الشؤون المتعلقة بها، بما في ذلك شؤون تندرج ضمن صلاحيات وزارات أخرى لن يكون لوزرائها تمثيلٌ في المجلس المصغر، مثل الأمن الداخلي (الشرطة)، والعلاقات الخارجية (وزارة الخارجية) وغيرها. وهذا عملياً يحوّل المجلس المصغر إلى الحكومة الفعلية في إسرائيل.
تعود فكرة تشكيل حكومة طوارئ في وقت الحرب إلى عام 1967، حين انضم مناحيم بيغين، رئيس حزب “حيروت” (حزب الليكود لاحقاً) إلى حكومة حزب العمل برئاسة ليفي أشكول عشية اندلاع حرب يونيو، وقد استمرت هذه الحكومة لفترة الحرب، ومن ثم خرج منها بيغين مرة أخرى إلى صفوف المعارضة. كما تأسس مجلس حرب مصغر (مطبخ حرب) في إسرائيل خلال حرب أكتوبر 1973، وضم أربعة أعضاء، وهؤلاء اتخذوا القرارات المتعلقة بسير العمليات العسكرية من دون الرجوع إلى الحكومة التي أقرت قرارات “المطبخ” بأثر رجعي. ومن هذه التجربة، على ما يبدو، استوحى “المعسكر الرسمي” فكرة “مطبخ الحرب” الضيق التي طرحها على نتنياهو.
تختلف حكومة الطوارئ عن حكومة الوحدة الوطنية، فالأخيرة تُوزَّع فيها حقائب وزارية بين الأحزاب والقوائم المشكّلة للحكومة، وتستمر بالعمل بوصفها حكومة عادية حتى إجراء انتخابات جديدة. أما حكومة الطوارئ فإنها تعمل وقت الحرب من دون توزيع حقائب وزارية فعلية على الأعضاء الجدد فيها. وأول من طرح فكرة تشكيل حكومة طوارئ في هذه الأزمة، كان يائير لبيد رئيس المعارضة ورئيس حزب “يوجد مستقبل”، فبعد جلسته مع نتنياهو في 7 أكتوبر، للحصول على تقرير حول الوضع الأمني، ألقى لبيد خطاباً اقترح فيه تشكيل حكومة طوارئ. واشترط لبيد لانضمامه لمثل هذه الحكومة إقالة الوزيرين بن غفير وسموتريتش. وبدأ ضغط شعبي كبير لتشكيل حكومة طوارئ وطنية، وانضم رئيس الدولة يتسحاق هرتسوغ إلى هذا الطلب، وأيده جميع وزراء الليكود أيضاً[2].
أيّد حزب “المعسكر الرسمي” برئاسة بيني غانتس فكرة تشكيل حكومة طوارئ، بيد أنه كان أقل حدّة من لبيد، فقد اشترط لانضمام حزبه للحكومة تشكيل “مطبخ حرب” مصغر يُستبعَد منه وزير الأمن الداخلي إيتمار بن غفير، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ويكون هو وغادي إيزنكوت أعضاء فيه، بالإضافة إلى كل رئيس قائمة ينضم للحكومة. وكما هو معلوم فإن غانتس وإيزنكوت كانا في السابق رؤساء هيئة أركان للجيش الإسرائيلي. إذن، لم يُطالب غانتس بإقالة بن غفير وسموتريتش، كما فعل لبيد، ولكنه طالب بإبعادهم عن عملية اتخاذ القرارات المتعلقة بالحرب وإدارة الدولة في هذه الفترة. وفي أعقاب موقف “المعسكر الرسمي”، غيّر لبيد شروطه، وبدلاً من المطالبة بإقالة بن غفير وسموتريتش من الحكومة، طالب بتجميد مناصبهما في الوزارات الأمنية (بن غفير في وزارة الأمن القومي، وسموتريتش بصفته وزيراً في وزارة الدفاع) خلال فترة حكومة الطوارئ[3].
أما أفيغدور ليبرمان، رئيس حزب “إسرائيل بيتنا”، فقد ربط انضمامه لحكومة طوارئ بأن تحدد الحكومة هدفها في تصفية حكم حماس في قطاع غزة، والقضاء على قادتها في القطاع[4].
في خطاب نتنياهو في 9 أكتوبر، أشار إلى أن الخلافات والانقسامات في إسرائيل انتهت، وأنه آن الأوان لتشكيل حكومة طوارئ، ولكنه شدّد على أنه يريدها من دون شروط مسبقة من الأطراف المختلفة. وفي المقابل، صرَّح بن غفير وسموتريتش أنهما يؤيدان إقامة حكومة طوارئ[5]. وفي بداية الأمر عارض بن غفير تقليص المجلس الوزاري المصغر وإخراجه منه، ولكن ضغط الائتلاف الحكومي عليه وموافقة سموتريتش على ذلك، دفعه في النهاية إلى القبول بهذا الشرط[6]. وكان سموتريتش قد تنازل عن هذا الموقع على الرغم من أن وزراء الليكود كانوا مستعدين لإبعاد بن غفير عن المجلس الوزاري المصغر، لكنهم لم يقبلوا استبعاد سموتريتش لأنه يمثل تيار الصهيونية الدينية في المجتمع الإسرائيلي الذي يشكل ركناً مهماً في وحدات الجيش البرية[7]. ومع ذلك رضخ الجميع لطلب “المعسكر الرسمي”، وأُبعِد وزيران يشغلان مناصب وزارية مهمة (الأمن القومي والمالية)، وهو أمر غير مسبوق في تاريخ السياسة الإسرائيلية (باستثناء حرب أكتوبر 1973)، مما يدل على هول الحدث في إسرائيل.
مصالح الأطراف من حكومة الطوارئ
يهدف نتنياهو من تشكيل حكومة الطوارئ إلى توزيع مسؤولية نتائج الحرب على شخصيات أخرى، إذ يدرك نتنياهو أن لجنة تحقيق رسمية سوف تُقام بعد الحرب، وسوف تفحص اللجنة، من بين ما ستفحصه، المسؤولية عن إدارة الحرب ونتائجها والثمن الذي دُفِعَ خلالها. وفي حال بقيت الحكومة الحالية فإن المسؤولية ستقع على كاهل نتنياهو وحده، لذلك فإن تشكيل حكومة طوارئ سوف يوزع المسؤولية على أطراف أخرى. بالإضافة إلى ذلك، فإن نتنياهو يحتاج إلى الحصول على شرعية للخطوات العسكرية المقبلة، وشرعيته ستكون أعلى في ظل وجود حكومة طوارئ، وبخاصة أن هناك تياراً في المجتمع الإسرائيلي يُحمّله مسؤولية الإخفاق، ويطالبه بالاستقالة، ويتهمه بأنه غير مؤهل لقيادة الدولة في هذه الأثناء، علاوة على أن المجلس الوزاري الحالي غير مؤهل لاتخاذ قرار في زمن الحرب، لافتقار أعضائه إلى الخبرة العسكرية الكبيرة باستثناء وزير الدفاع غالانت، لذلك فإنّ إدخال شخصيات ذات تاريخ عسكري، مثل غانتس وايزنكوت، سيمنح الحكومة شرعية أكبر في إدارة الحرب والثقة في قراراتها.
أما “المعسكر الرسمي” فإن له مصلحة في المشاركة في قيادة دفة الحرب من هذه النقطة، والظهور أنه المُنقِذ لإسرائيل في ظل حكومة فاشلة ومجلس وزاري غير مؤهل، وبخاصة أن لديه شخصيتين عسكريتين لهما تجربتهما واحترامهما الشعبي الكبير (غانتس، وايزنكوت). وينسجم انضمام المعسكر الرسمي للحكومة مع نهج سياسي تبناه منذ اندلاع الأزمة الدستورية، وهو الظهور بأنه حزب يتعالى عن الخلافات الحزبية والسياسية من أجل مصلحة الدولة كما يفعل الآن، وكما فعل خلال الأزمة الدستورية من خلال استجابته لكل دعوات الحوار للتوصل إلى توافق جماعي حول التغييرات الدستورية، ويأمل غانتس بأن يتحول حزبه، بعد انتهاء الحرب، إلى حزب سلطة بلا منافس، وبخاصة أن مستقبل نتنياهو السياسي أصبح مشكوكاً فيه بعد هذا الإخفاق الكبير، بغض النظر عن النتائج النهائية للحرب.
وتنسجم مصالح لبيد مع مصالح غانتس، فهناك تنافس بينهما على رئاسة الحكومة في الفترة المقبلة، لذلك نرى أن الحزبين أدارا المباحثات مع نتنياهو بشكل منفصل وليس باعتبارهما كتلة معارضة واحدة، بل إن غانتس مستعد للدخول في حكومة طوارئ سريعاً، وتشكيل “مطبخ الحرب” من خمس أشخاص فقط (نتنياهو وغالانت وغانتس وإيزنكوت وديرمر)، وبعدها يمكن ضم لبيد -في حال قَبِلَ ذلك- إلى الحكومة.
أما مصالح سموتريتش وغفير فهي واضحة، فهما لا يريدان تحمُّل المزيد من المسؤولية عن سير الحرب ونتائجها، فضلاً عن الموقف الشعبي الذي يرى أنهما شخصان غير مؤهلين، ويحمّلهما جزءاً كبيراً من مسؤولية الإخفاق.
مستقبل حكومة الطوارئ
هل يمكن أن تتطور حكومة الطوارئ إلى حكومة ائتلاف حكومي واسع بعد الحرب؟ من المستبعد أن يحدث ذلك، فعلى الأقل ليس هناك مصلحة للمعارضة بأن تستمر في حكومة ائتلاف برئاسة نتنياهو بعد انتهاء الحرب، وهذا ما أكده غانتس خلال مباحثات حكومة الطوارئ، مشيراً إلى أن الحديث يدور عن حكومة مؤقته تنتهي مع انتهاء الحرب[8]. وهذه المصلحة نفسها لدى لبيد. وهناك احتمال كبير بأن تنخرط إسرائيل بعد الحرب في عملية محاسبة سياسية تنتهي بتفكك الحكومة الحالية، والذهاب إلى انتخابات جديدة، إذ تعتقد المعارضة أن مشوار نتنياهو السياسي انتهى، وأنَّه لن يُفلت من المحاسبة الشعبية من جهة، والمحاسبة الرسمية بعد تشكيل لجنة تحقيق من جهة ثانية، لذلك ليس من مصلحة أحزاب المعارضة الاستمرار في حكومة برئاسة نتنياهو، فضلاً عن موقفهم من وجود أحزاب اليمين المتطرف التي يحمّلونها مسؤولية الفشل الكبير. إضافة إلى ذلك، فلا يزال موقف لبيد ثابتاً بعدم الانضمام إلى حكومة (عادية) يرأسها نتنياهو.
على خلفية ذلك، رفض نتنياهو إقالة بن غفير وسموتريتش، لأن إقالتهما تعني سقوط حكومته بشكل تلقائي بعد انتهاء الحرب، فلن يكون لدية 61 مقعداً في الكنيست، ولن يقبل سموتريتش وبن غفير العودة إلى الحكومة بعد إقالتهما، لذلك وافق نتنياهو على شروط “المعسكر الرسمي”، وفرض على سموتريتش وبن غفير عدم المشاركة في المجلس الوزاري المصغر.
سيكون لنجاح المجلس الجديد في إدارة الحرب وتحقيق أهدافها تداعيات كبيرة على السياسة الإسرائيلية، أهمها:
- تقصير مدة الحكومة بعد انتهاء الحرب، التي ستظهر عاجزة وفاشلة وستفقد شرعية بقائها في تركيبتها القديمة.
- حصول تراجع كبير في شعبية أحزاب اليمين المتطرف في الحكومة، وبخاصة بن غفير وسموتريتش.
- صعود شعبية “المعسكر الرسمي” بوصفه “المنقذ” لإسرائيل، وربما تحوله إلى الحزب الأكبر في إسرائيل، بالترافق مع صعود شعبية قادته الذين ظهروا كقادة وطنيين ومهنيين.
- تراجُع شعبية نتنياهو، وربما انتهاء مشواره السياسي بعد الحرب.
استنتاجات
تشكَّلت في إسرائيل حكومة طوارئ، لإدارة الحرب ضد حركة حماس والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، وذلك بعد انضمام المعسكر الرسمي إلى الحكومة الإسرائيلية. وهذه الحكومة لن تستمر بعد انتهاء الحرب، فهي حكومة من أجل إدارة الحرب، كما أنها حكومة انتقال للمرحلة السياسية المقبلة في إسرائيل.
ستُدير حكومة الطوارئ الحرب، على الأقل من الناحية النظرية، بصورة أفضل من المجلس الوزاري الحالي؛ فجميع أعضائها أصحاب خبرة عسكرية كبيرة، ولديهم رؤية استراتيجية واسعة تتعلق بمصالح إسرائيل بما يتجاوز العمل العسكري الضيق. وليس مصادفة أن يختار نتنياهو رون ديرمر ليكون عضواً في المجلس الجديد، فلدى ديرمر علاقات واسعة مع الولايات المتحدة وفهم عميق للسياسة الدولية، وليس مُستبعداً أن يكون رئيس الليكود المقبل ومرشحه لرئاسة الحكومة. أما ايزنكوت فلديه رؤية استراتيجية تتعلق بفهم تداعيات الصراع الإقليمية عموماً، وعلى المستوى الفلسطيني خصوصاً، وكيفية إدارة الجيش ومركبات القوة فيه.
[1] عطارا غيرمن، “مُهِّدَ الطريق لتشكيل حكومة طوارئ وطنية”، مكور ريشون، 10 أكتوبر 2023. נסללה הדרך להקמת ממשלת חירום לאומית: “ביחד ננצח” – מקור ראשון (makorrishon.co.il)
[2] عميت سيغل، “بن غفير: أؤيد الوحدة، ولكن دون تغيير المجلس الوزاري المصغر”، موقع القناة 12، 10 أكتوبر 2023. N12 – בן גביר: בעד אחדות, אבל בלי לשנות את הקבינט (mako.co.il)
[3] ميخائيل هاوزر طوف، “غانتس ولبيد يطالبان بأن لا يجلس بن غفير وسموتريتش في المجلس الوزاري المصغر”، هآرتس، 10 أكتوبر 2023، ص 6.
[4] ميخائيل هاوزر طوف، “ممثلو نتنياهو وغانتس سيلتقون للتباحث حول تشكيل حكومة طوارئ”، هآرتس، 9 أكتوبر 2023، ص 7.
[5] آفي بار-إيلي، “حتى ألف قتيل لن يوقف لعبة الكراسي في السياسة الإسرائيلية”، ذا-ماركر، 10 أكتوبر 2023، ص 5.
[6] موران أزولاي، “سموتريتش يرد على بن غفير- حكومة طوارئ موحدة- الآن”، موقع واي نت (ynet)، 10 أكتوبر 2023. סמוטריץ’ בתגובה לבן גביר: “ממשלת חירום לאומית – עכשיו” (ynet.co.il)
[7] رافيت هيخت، “وزير في الليكود: لن نقبل إبعاد سموتريتش، والمواطنون سيستمرون في اعتبار نتنياهو قائداً قويّاً”، هآرتس، 10 أكتوبر 2023، ص 6.
[8] يهودا شليزنغر، “في الطريق لحكومة طوارئ؛ غانتس: مستعد للانضمام للمعركة من أجل تشكيل مجلس حرب”، يسرائيل هيوم، 8 أكتوبر 2023. בדרך לממשלת חירום: גנץ – “מוכן להצטרף למערכה כדי להקים קבינט מלחמה” | ישראל היום (israelhayom.co.il)
.
رابط المصدر: