تشوه المفاهيم.. كيف تحولت أسواق الأسهم من مرآة الاقتصاد إلى شمسه الوحيدة؟

تشكل أسواق الأسهم -لا سيما في الولايات المتحدة- إما فقاعات أصول تأبى الانفجار وإما أنهاراً من السيولة التي ترفض التسرب حتى مع وهن الاقتصاد العالمي، في ظاهرة تثير التساؤلات والتعجب حول ما أصبحت عليه طبيعة الأسواق.

 

يتفق المحللون عمومًا على أن قيم الأسهم أصبحت مرتفعة للغاية، حيث يتم تداول بعض أسهم مؤشر “إس آند بي 500” عند ضعفي معدل السعر إلى الأرباح التاريخي لها، في حين تتراجع أرباح الشركات في الولايات المتحدة وأماكن أخرى بوتيرة متسارعة.

 

المقصود هنا هو القيمة العادلة والتي تمثل القيمة المقدرة للأصول والخصوم في دفاتر الشركات وليس القيمة السوقية، وقد قال صندوق النقد في تقريره الأخير عن الاستقرار المالي العالمي: يبدو أن أسواق الأسهم مبالغ في قيمتها في اليابان وألمانيا والولايات المتحدة.

 

وأشار الصندوق أيضًا إلى أنه رغم ارتفاع أسعار الأسهم الأمريكية، فإن القيم القائمة على الأساسيات قد انخفضت، مضيفًا أن الأسواق الناشئة هي الأقرب إلى القيمة العادلة في الوقت الراهن.

 

ومع ذلك، فإن مؤشرات الأسهم الأكثر تضخمًا من حيث القيمة ما زالت متشبثة بمستوياتها المرتفعة تاريخيًا، فهل ترى الأسواق ما لا يظهر في الأفق، مثل نهاية مبكرة للحروب التجارية بين أمريكا وشركائها، أو خروج سلس لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟

 

 

التوجيه الخاطئ للدعم
– حتى لو انتهت الحروب التجارية غدًا، فإن تعافي ثقة الأعمال وعودة الاستثمار لسابق عهده سيأخذ بعض الوقت، وحتى إن تم “بريكست” بشكل سلس، فإن الخروج نفسه سيسبب ضررًا دائمًا لاقتصادي المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي.
– لا تزال أسعار الأسهم مرتفعة رغم الدلائل الصارخة على أن الأزمة التي ستضرب النظام المالي العالمي باتت وشيكة، حيث وصلت ديون الشركات لمستويات تنذر بالخطر في جميع أنحاء العالم، في حين أن العديد من مؤسسات الإقراض غير المصرفي على شفا الانهيار بحسب صندوق النقد.
– هناك تفسير واضح لاستمرار أسواق الأسهم في الارتفاع مثل بالونات الهيليوم رغم المشهد الاقتصادي المضطرب، فقد تم تحويل معظم سيولة البنوك المركزية التي كان من المفترض ضخها في شرايين الاقتصاد المختلفة مؤخرًا من النشاط الاقتصادي الحقيقي إلى تضخيم فقاعات الأصول.
– خففت البنوك المركزية سياستها النقدية لدعم التوسع الاقتصادي، لكن أثناء سعيها لتحقيق ذلك خلقت بيئة من المخاطر بجعلها الاقتراض رخيصًا وتشجيع الإقراض بين المؤسسات غير المصرفية التي تخضع لقواعد تنظيمية مبسطة.
– ما يجعل الأمر أكثر إثارة للخوف، هو أنه -كما لاحظ صندوق النقد الدولي- تتوقع الأسواق تخفيض الفائدة الأمريكية بمقدار 45 نقطة أساس إضافية بنهاية عام 2020، مع بقاء الفائدة الأوروبية والسويسرية واليابانية في النطاق السالب لعدة سنوات.

 

استغلال السياسة النقدية شوه الثوابت
– لا يمكن تحويل الأموال من الأسهم إلى السندات في ظل البيئة الحالية، حيث تراجع متوسط العائد على السندات إلى 1% تزامنًا مع ارتفاع أسعارها، استجابة للطلب على الأصول الآمنة، علمًا بأن أسعار العقارات هي الأخرى باتت مرتفعة للغاية بفعل السيولة الكبيرة.
– يبدو أنه في ظل الوضع الراهن، لا يجرؤ أحد -على الأقل السياسيون الشعبويون أمثال “دونالد ترامب”- على السماح للأسواق بالهبوط لأكثر من يوم أو يومين، خوفًا من تعرض الفقاعة المالية التي تمثل واجهة الرخاء الاقتصادي للانفجار.
– خلص بحث أكاديمي جديد إلى أن سوق الأسهم لها تأثير ملموس على كيفية تصويت الأشخاص الذين يمتلكون الأسهم، وتبين أنه تأثير كبير للغاية، لذا فمن المتوقع أن يحظى “وول ستريت” بالدعم حتى الانتخابات القادمة في 2020 على الأقل.
– في السادس عشر من أكتوبر، قال “ترامب” إن الاقتصاد الأمريكي سينهار حال فاز الديمقراطيون بالانتخابات الرئاسية العام القادم، وبعد أسبوع تقريبًا، أعقب هذه التصريحات بالقول إن الفيدرالي سيكون أهمل واجباته إذا لم يواصل خفض الفائدة وضخ المزيد من الحوافز النقدية.


– من المعلوم أن سوق الأسهم تعد مؤشرًا أو مرآة للظروف الاقتصادية في البلاد، فإذا كان الاقتصاد يقدم أداءً جيدًا سينعكس ذلك على أداء الشركات وربحيتها وأسعار الأسهم، لكن يبدو أن هذا المفهوم بات مشوهًا بعض الشيء، حيث أصبح الاهتمام أكبر بالمرآة من الأساسيات التي تعكسها.
– لو أن هناك رئيسا أمريكيا يحاول البقاء في السلطة باستخدام أساليب المدرسة الرومانية القديمة، لكانت أيام السوق الصاعد معدودة منذ فترة بعيدة، لكن الحقيقة أن البنوك المركزية متواطئة في الحفاظ على الفقاعات الحالية.

 

الشمس الوحيدة للاقتصاد
– هذه الحالة خطيرة للغاية، حيث يصبح سوق الأسهم هو مركز وشمس عالم الاقتصاد التي تدور أدوات السياسات في فلكها، وهو ما لا يمكن أن يستمر، أو كما قال صندوق النقد، إن “السياسة النقدية لا يمكن أن تكون اللعبة الوحيدة في المدينة”، في إشارة إلى اعتبارها الأداة الوحيدة لضبط الاقتصاد.
– باتت هناك حاجة ملحة لحوافز مالية -خاصة فيما يتعلق بدعم البنية التحتية- تغني عن اللجوء لسياسات مثل التيسير النقدي، وهو الأمر الذي يعزز أسعار السندات أكثر من الأسهم، وحينها ستكون الأسهم المرتبطة بالنشاط الاقتصادي الحقيقي الناجي الوحيد خلال الانهيار القادم.
– إذا تحولت سيولة السوق بسلاسة من قطاعات التكنولوجيا والمستهلكين المتضخمة إلى قطاعي البناء والصناعة والخدمات اللوجستية الأقل حظًا، فقد لا تنفجر فقاعة الأسعار، أو على الأقل سيكون انفجارها أقل عنفًا، ومع ذلك، سيظل هناك احتمال قوي بأن يكون التحول مؤلمًا بالنسبة للأسهم المتضخمة.


– في النهاية، يجب التأكيد على حقيقة أن سوق الأسهم جزء من الاقتصاد وليس هو الاقتصاد، فالسوق تحركه معنويات المستثمرين، وقد يظهر تصرفات غير عقلانية، خلال فقاعات الأصول وعند بلوغ ذروة دورة العمل، حيث يصبح متفائلا بشكل مفرط رغم عدم وجود بيانات قوية.
– المشكلة أن مرحلة الذروة هي ما قبل الانهيار مباشرة، وقد حدث ذلك قبل تسعين عامًا، حينما لم يدرك المستثمرون أن الركود قد بدأ في أغسطس عام 1929، وواصلوا دفع الأسهم في “وول ستريت” إلى الأعلى حتى حدث الانهيار في أكتوبر من نفس العام، متسببًا في بدء الكساد العظيم.

 

المصدر

 

 

 

 

 

 

 

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M