تطورات الصراع بين الصدر وخصومه في العراق ومآلاته المحتملة

مرّ العراق، خلال شهر أغسطس، بمنعطفات سياسية خطيرة مع التصعيد السياسي والصدام الإعلامي المباشر بين “التيار الصدري” وقوى “الإطار التنسيقي”، ما عمَّقَ المخاوف من احتمال اندلاع صراع مسلح بين الطرفين، خصوصاً بعد تطويق المتظاهرين الصدريين مبنى مجلس القضاء الأعلى في 23 أغسطس، والمطالبة باستقالة رئيسه فائق زيدان، ثم تعليق الأخير عمل المحاكم في البلاد كرد فعلٍ على ذلك.

 

ستتعرض هذه الورقة لتطورات الحالة السياسية العراقية، وتصاعد الصراع الدراماتيكي بين الثنائي الشيعي، والمآلات المحتملة لهذا الصراع.

 

“الإطار” واتجاهاته المختلفة

حتى الآن، يبدو أن زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، نجح في محاصرة تحرّكات قوى “الإطار التنسيقي” نحو تشكيل حكومة عراقية جديدة، عبر اعتصام أنصاره في مبنى البرلمان لمنع انعقاد جلساته. ويعوّل الصدر على استثمار الخلافات الدائرة بين قوى “الإطار” المنقسمة إلى اتجاهاتٍ ثلاثة: الاتجاه الأول، يميل الى التشدد، ويُمثِّله “ائتلاف دولة القانون” بزعامة نوري المالكي، و”حركة عصائب أهل الحق” بزعامة قيس الخزعلي، و”تيار الحكمة” بزعامة عمّار الحكيم. فيما يميل الاتجاه الثاني إلى الاعتدال، ويُمثِّله هادي العامري، زعيم “منظمة بدر “، وحيدر العبادي، رئيس الوزراء الأسبق. بينما يتخذ الاتجاه الثالث موقفاً وسطاً ومتردداً بين الاثنين، ويتألف من “تحالف عطاء” بزعامة فالح الفياض، رئيس “هيئة الحشد الشعبي”، و”تحالف تصميم” الذي يقود كتلته النيابية، عامر الفايز، ونواب مستقلين آخرين.

 

وسعى الصدر إلى تعميق الانقسام بين الاتجاهات الإطارية من خلال توجيه هجمة إعلامية انتقائية لرموز الاتجاه الأول، واصفاً إياهم بـ”الثالوث المشؤوم”، محاولاً تحييد العامري وباقي القيادات السياسية في الاتجاهين الثاني والثالث. لكن لا يبدو أن هذا التكتيك قد حقق نجاحاً جوهرياً بعد.

 

ومن اللافت هنا ذهاب زعيم “تيار الحكمة” عمّار الحكيم إلى خانة الراديكالية الشيعية، والاصطفاف السياسي مع شخصيتين طالما عارض أدائهما السياسي، وهما نوري المالكي وقيس الخزعلي، زعيم الفصيل المتهم بقصف مقار قناة الفرات الفضائية التابعة للحكيم، بطائرة مسيرة، لدى نشر القناة وثائق تدين “العصائب” بسرقة مصفى بيجي النفطي في محافظة صلاح الدين، إبّان تحريره من سيطرة “تنظيم داعش”، في أكتوبر 2015، فضلاً عن تغطية القناة لاحتجاجات تشرين، في أيامها الأولى، قبل أن تتراجع عن ذلك.

 

وتُفيد مصادر مطلعة في داخل التكتل الشيعي الأكبر في البرلمان، بأن انضمام الحكيم إلى خصوم الصدر، يأتي بدوافع الحصول على مكاسب سياسية وعروض خدمية تشمل منحه السيطرة على أربعة آلاف درجة وظيفية لمقاتلين في “الحشد الشعبي”، يمكنه استثمارها لتأسيس فصيل مسلح موالي له. كما أن لقرار الحكيم علاقة بخيبة الأمل التي أصيب بها عام 2018، حينما تخلى الصدر عن تحالفهما معاً في ما عُرف حينها بتحالف “الاصلاح”، ليتفق بشكل منفصل مع تحالف “الفتح” على تشكيل حكومة عادل عبد المهدي.

 

وقد انضمَّ زعيم “تيار الحكمة” إلى قوى “الإطار التنسيقي” في بادئ الأمر، بوصفه تجمعاً للقوى الشيعية الخاسرة في انتخابات أكتوبر الماضي، التي خرج منها الحكيم بمقعدين، بعدما كان لتياره 19 مقعداً في الدورة النيابية السابقة. وتأتي استفادة الإطار، ومن ورائه داعمه الإيراني، من شخص الحكيم بحكم امتلاكه خلفية سياسية – دينية ذات امتدادات مجتمعية في معقل الحوزة العلمية في مدينة النجف، مما يرفع من الرصيد الرمزي لـ “الإطار التنسيقي” ويُعطيه بعض الندية أمام الصدر، الذي يَتَّهِم بين الحين والآخر خصومه الشيعة بالولاء للخارج، ويعني بذلك إيران. ومنْع احتكار الصدر لرمزية النجف، هو الهدف الرئيس وراء تصدير الحكيم الذي تعد عائلته أبرز حلفاء مرجعية علي السيستاني.

 

الموقف المرتبك لفصائل الحشد 

للفصائل المنضوية تحت لواء هيئة “الحشد الشعبي”، مواقف مرتبكة وغير حاسمة إزاء ما يجري من صراع بين غطائها السياسي الممثل بـ”الإطار التنسيقي”، وبين “التيار الصدري” الحاضنة التي انشقت عنها أبرز تلك الفصائل، بدعمٍ مباشر من إيران. ويشي هذا السلوك بانقسامات بين هذه الفصائل.

 

ولو أجرينا مسحاً عامّاً لمواقف تلك الفصائل إزاء الأزمة الراهنة، لوجدناها بالمجمل تسير نحو خطاب التهدئة، إذا ما استثنينا فصيل “كتائب حزب الله العراقي”، الذي أصدر بعد فترة من التهدئة، بياناً يوم 16 أغسطس انطوى على تهديد صريح، حينما أكد جاهزيته للدفاع عن “هيبة الدولة وشرعيتها”، مُحذراً من “الخروج عن قاعدة التعامل السلمي والاحتجاج المشروع إلى لغة التأجيج”، في إشارة إلى اقتحام الصدريين لمبنى البرلمان، واصفاً اياهم بـ “البغاة”، ومتوعداً بـ “قرارات ميدانية تهدف إلى حماية السلم المجتمعي” (شفق نيوز، 16 أغسطس 2022).

 

ويبدو أن “الكتائب” هو الذراع الوحيد الذي تستطيع إيران من خلالهِ التلويح بلغة موازية للغة “سرايا السلام”، ميليشيا التيار الصدري، التي أكّدت “استعدادها لأي طارئ”، على اعتبار أن باقي الفصائل، وخصوصاً “العصائب” و”حركة النجباء”، لها جذور صدرية، وقواعدها الشعبية تقطن في ذات الجغرافيا التي يهيمن عليها الصدريون في بغداد وسائر محافظات الوسط والجنوب العراقي، فيما يعد تنظيم “الكتائب”، تنظيماً ولائياً محضاً تابعاً لإيران، ولا يرجع بالتقليد إلى آية الله محمد الصدر (والد مقتدى)، بل يعود بالتقليد التام إلى المرشد الإيراني علي الخامنئي، ويعتبر فتاواه وآراءه في الدين والسياسة، تكليفاً شرعياً ينبغي العمل بها في العراق وغيره. وهذا ما أدى إلى شيوع لغة التعالي من قبل “الكتائب” على باقي المليشيات الولائية، التي ترجع بالتقليد الأصلي إلى المرجع “محمد الصدر”، لكنها توالي “الخامنئي” في الوقت الراهن، وفقاً لدوافع سياسية وتخادُم نفعي لكلا الطرفين، بينم ترى “كتائب حزب الله” نفسها فصيلاً عقائدياً، لا نفعية سياسية من وراء التصاقهِ بإيران. وقد حاول الفصيل ذاته، ألا يدع الصدريين يتبنون خطاب المعارضة وحدهم، واستمالة مشاعر الجمهور الشعبي الناقم على النظام، بُعيد استقالة الكتلة الصدرية من البرلمان، بل عملت كتلة “حركة حقوق”، الجناح السياسي الفتي لـ”الكتائب”، على إظهار الزهد بالسلطة حينما تنازلت عن استحقاقاتها النيابية (3 مقاعد)، في محاولة منها لمغازلة العواطف الشعبية الساخطة على الأحزاب، فيما بدا أنَّه قرار – قد يكون مدعوم ايرانياً – بالتخلي عن العمل السياسي المباشر والتركيز على النشاطات العسكرية لـ “محور المقاومة”.

 

ولم تكن باقي التكتلات الحشدية بمستوى “الكتائب” في التعاطي مع تهديدات وانتقادات الصدريين لـ “لإطار التنسيقي”، بل كانت تدور معظمها في فلك الدفاع الإعلامي عن النظام و”شرعية الدولة”، وتبَنِّي اللغة دبلوماسية في أكثر الأحيان. وهذا ما اتّسم به عموماً خطاب “العصائب”، و”بدر”، فيما غاب عن العلن موقف رئيس هيئة “الحشد الشعبي”، وكتلة “عطاء”، فالح الفياض، وكذلك مواقف قائد فصيل “جند الإمام” النائب أحمد الأسدي. ولعل حدة الخطاب الصدري، وجرأة جماهيرهِ وسلوكياتهم الأخيرة، قد أربكت الخصم الشيعي كثيراً في تعاملهِ مع الأزمة الراهنة.

 

بينما يبدو أن طرفي الصراع في العراق يقبلان بمبدأ الانتخابات المبكرة وحلّ البرلمان، إلّا أنهما يختلفان حول هوية الحكومة التي ستنظم تلك الانتخابات مع إصرار الصدر على بقاء حكومة الكاظمي ومسعى “الإطار” لتغييرها، وعلى القانون الانتخابي الذي ستجري بموجبه، ودور البرلمان في المرحلة المقبلة

 

توالي المبادرات

لم تُفلِح أي مبادرة في تقريب وجهات النظر بين الطرفين، حتى مبادرة الحوار الوطني التي رعاها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، في 17 أغسطس، لم تأت بمخرجات حاسمة، خصوصاً بسبب غياب “التيار الصدري” عن الاجتماع. وبينما يبدو أن طرفي الصراع يقبلان بمبدأ الانتخابات المبكرة وحلّ البرلمان، إلّا أنهما يختلفان حول هوية الحكومة التي ستنظم تلك الانتخابات مع إصرار الصدر على بقاء حكومة الكاظمي ومسعى “الإطار” لتغييرها، وعلى القانون الانتخابي الذي ستجري بموجبه، ودور البرلمان في المرحلة المقبلةمع معارضة بعض قوى الإطار لحله حالياً.

 

وآخر المبادرات التي يجري تداولها، مبادرةٌ فرديةٌ يطرحها هادي العامري، الذي لا يزال يأمُل بإمكانية إقناع زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، بالخروج بتسوية تُرضي جميع الأطراف الشيعية المتصارعة منذ 10 أشهر مضت على انتهاء الانتخابات التشريعية المبكرة. وعلى الرغم من أن العامري كان قد استنفد كل ما عنده من أدوات لإقناع الصدر بالعودة إلى الصف الشيعي، وتخليه عن مشروع حكومة “الأغلبية الوطنية”، إلّا أن التصعيد الأخير أعاد إنعاش دور العامري بوصفه وسيطاً مقبولاً. ولم يتضمن خطاب زعيم “الفتح” أي إشارة نقدية لسلوكيات الصدر وتيارهِ في الآونة الأخيرة، مما يؤكد أنه لا يزال يعول على تسوية ما، خصوصاً أنه لا يبدو مرتاحاً لترشيح “الإطار” لمحمد شياع السوداني لرئاسة الوزراء. وبحسب ما ترشَّح من معلومات، فإن مبادرة العامري تشمل تشكيل حكومة توافقية، بحسب الأوزان النيابية الحالية (يمثل الإطار التنسيقي الكتلة الأكبر فيها)، تعمل على إجراء انتخابات مبكرة، شرط أن تحظى برضا “التيار الصدري”، لتستمر بعملها تمهيداً إلى الاقتراع الانتخابي الجديد. وهو نوع من الالتفاف على الطرح الصدري الداعي إلى حل البرلمان، ولا يُحتمل أن يوافق عليها الصدر دون تعديلات أساسية.

 

وقد خاض العامري جولات حوارية مع الكتل السياسية العراقية، حيث زار أربيل، منتصف أغسطس الجاري، والتقى زعيم الحزب “الديمقراطي الكردستاني” مسعود بارزاني، كما شملت حواراته رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، ومُعارضيه داخل المكون السني، مثل تحالف “عزم” برئاسة مثنى السامرائي حليف “الإطار”، فضلاً عن قوى نيابية أخرى. والتزمت مختلف القوى السياسية التي التقاها العامري، بعدم إبداء الرأي الحاسم إزاء المبادرة المطروحة.

 

في المحصلة النهائية، لا يمتلك “الإطار التنسيقي” ما يمتلكهُ “التيار الصدري” من هيمنة سياسية على جمهور شعبي مؤدلج ومُطيع للصدر، يتم استخدامه في ما يشبه عملية الاستنزاف المستمرة للإطار وحلفائه، خصوصاً في المؤسسة القضائية. وبالتالي يحتاج “الإطار” إلى التعكُّز على أخطاء الحراك الصدري، واستثمار تلك الأخطاء في إضعاف الصدر، بدوافع الحفاظ على هيبة الدولة وشرعية “النظام الديمقراطي”. وقد عادت خطوة التظاهر أمام مبنى مجلس القضاء بالنفعية السياسية المؤقتة لصالح “الإطار التنسيقي”، خصوصاً أنها أظهرت “الصدريين” بمظهر من يتحدى المؤسسات الدستورية، ودفعت القضاء إلى اصدار مذكرات قبض بحق بعض القيادات الصدرية (بحجة التحريض على العنف)، وتعليق عمل المحاكم العراقية، وهو ما أحرج الصدريين الذي قرروا بعدها الانسحاب واكتفوا بالاعتصام أمام البرلمان.

 

السيناريوهات 

تمكَّن زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر من إيقاف الحياة السياسية العراقية، وشلّ حركة خصومه، عبر استخدام سلاح التظاهرات والاعتصامات الذي يُجيده، في مقابل تعويل قوى “الإطار التنسيقي” على الاستفادة من أخطائه التي قد يكون أبرزها استقالة نوابه من البرلمان، وعلى الصمود بوجه ضغوطه دون التضحية بوحدة “الإطار”.

 

ويُمكن هنا توقع ثلاثة سيناريوهات لمآلات المشهد السياسي الراهن في العراق:

 

السيناريو الأول: إدارة البلاد من قبل القضاء وحكومة تصريف الأعمال، وبإشراف أممي، من أجل إعداد انتخابات مبكرة، وفق صيغة قانون مرضية لجميع الأطراف، وإن كان “التيار الصدري”، قد يُعارض تغيير القانون الانتخابي الحالي. إلا أن المعطيات الآتية ربما قد تدفعه إلى القبول بذلك، ومنها:

 

1. وجود ضغط مباشر أو غير مباشر من قبل المرجعية الدينية الشيعية التي لم تُبدِ رأيها في ما يجري في البلاد، والساحة السياسية الشيعية، لاسيما أنّ لها كلمة مسموعة لدى زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، على اعتباره الزعيم السياسي الوحيد الذي يُفتح له باب المرجع الأعلى للشيعة، وهي خطوة استثنائية من قبل المرجعية لكسب ود الصدر وجمهوره الفاعل داخل المكون الشيعي.

2. أخطاء الصدريين في اعتصامهم داخل المقار التشريعية والقضائية، قد تصب في صالح “الإطار التنسيقي” الذي يبحث عن متنفس للخروج من أزمتهِ الراهنة، كما أنّ ملاحظات المجتمع الدولي والبعثة الأممية في العراق، على تلك الأخطاء، قد تجعل الصدر يخفّض من وتيرة خطابه الإعلامي، وقبوله بتسوية تفضي إلى انتخابات مبكرة وفق قانون يرضي الجميع.

3. هنالك فرضيةمحتملة تتمثل بإجراء محادثات سرية بين الصدر وإيران، ومن الممكن أن تسفر عن حل مؤقت بينه و”الإطار التنسيقي” برعاية إيرانية.

4. ضغط الفعاليات الاجتماعية وحاجة البلاد لحكومة ذات صلاحيات واسعة، والركود الاقتصادي الحالي في السوق العراقية؛ كلها عوامل من المرجح أن تُجبر الأطراف السياسية المتناكفة إلى الجلوس على طاولة الحوار، والتفاهم حول صيغة حكم جديدة.

 

السيناريو الثاني: تفعيل البرلمان عبر عقد جلساته في مكان آمن من العراق، وتشكيل حكومة توافقية “مؤقتة” وفقاً لمبادرة زعيم تحالف “الفتح” هادي العامري، ينقصها رضا الصدريين، والذين قد يلجأوون إلى تصعيد احتجاجاتهم إلى مرحلة العصيان المدني. ويسند هذا الاحتمال إلى المعطيات الآتية:

 

1. بعد اقتحام مبنى القضاء العراقي، وتصاعُد حدة الخطاب الإعلامي المتبادل بين “التيار” و”الإطار”، تراجعت إمكانية لقاء العامري والصدر، وإن حصل لقاء بينهما فإنَّه لن يُثمر عن شيء كما كانت اللقاءات السابقة بين الزعيمين الشيعيين، مما يعني حدوث قطيعة فعلية بين آخر جهة إطارية والصدر.

2. إمكانية إقناع “الإطار التنسيقي” حلفاء الصدر من المكوِّن السُّني، وتحديداً رئيس البرلمان محمد الحلبوسي الذي لا يميل الى مقترح الصدريين بحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، لجهة المكاسب التي حصل عليها في الانتخابات والتي ليس من المرجح أن يحصل عليها في انتخابات مقبلة، بسبب احتمال تشظي تحالفه النيابي “السيادة” لاحقاً.

3. لا يُهم “الإطار التنسيقي” تشكيل حكومة ناجحة أو فاشلة، فما يهُمُّهُ هو إزاحة حكومة الكاظمي، من تصريف أعمال البلاد، ومسْك السلطة إلى حد مؤقت غير معروف الزمن، وهو ما يتيح “للإطار” إمكانية التلاعب بمفاصل الدولة الأمنية التي جرت عليها تعديلات من قبل القائد العام للقوات المسلحة الحالي، واحتلال الدولة على طريقة ما جرى في حكومة عادل عبد المهدي المستقيلة سنة 2019.

 

قد لا يكون هدف الصدر الأساسي هو الانتخابات المبكرة، بل تجريد “الإطار التنسيقي” من مصادر قوته تدريجياً، خصوصاً عبر الإبقاء على حكومة تصريف الأعمال القريبة منه، ولذلك فإن قوى “الإطار التنسيقي” مهتمة جداً بتعديل ميزان القوى الحالي في الجهاز التنفيذي

 

السيناريو الثالث: تفاقُم الصراع ووصوله إلى حد الاشتباك المسلح بين الطرفين، بما يعني أن اللعبة بينهما قد أصبحت صفرية بالمطلق ويجب أن يُحسم الصراع لأحدهما، لكن مثل هذا الاشتباك إن حصل سيكون إيقافه عملية شديدة الصعوبة، وقد يتطور الى حرب أهلية واسعة النطاق، وذات تأثيرات اقليمية ودولية. وهذا السيناريو غير مُرجَّح في ضوء المعطيات الحالية، للأسباب التالية:

 

1. أنَّ كُلاً من “التيار الصدري” و”الإطار التنسيقي” يحاول تجنُّبه بسبب خشية الطرفين من خسارة المواجهة، وعدم وضوح ميزان القوى العسكري بشكل كامل، وما يرتبط به من عوامل اجتماعية ونفسية ومعنوية، ولذلك فان غياب اليقينية حول النتائج يدفع الطرفين لضبط حراكهما، وهو ما برهنت عليه عمليات التصعيد “المسيطر عليها” من الطرفين حتى عند النزول الى الشارع، أو التهدئة التي تبعت عمليات اغتيال متبادلة بين الصدريين والعصائب في شهر فبراير، وفي الأغلب سيظل الميل للانضباط وتجنُّب الصراع العسكري سائداً طالما كانت الحسابات العقلانية هي التي توجه سلوك الطرفين.

2. وجود المرجعية الشيعية العليا في النجف التي قد تتدخل في حالة تدهور الأمور إلى مستوى الصراع المسلح لطرح مخرج، كما حصل في مناسبات سابقة، ولن يستطيع أي من الطرفين رفض الانصياع لهذا المخرج بسبب خشيته من أنّ هذا الرفض سيُترجم الى خسارة سياسية وميدانية.

3. أنَّ الوضعين الاقليمي والدولي، خصوصاً لجهة صعود أسعار النفط، قد يمثلان كابحاً آخر لتدهور الوضع في العراق خشية أن يؤدي ذلك إلى مزيد من الصعود في أسعار النفط، وهو ما لا ينسجم بشكل خاص مع مصالح الدول الغربية، وحتى المنتجين الذين يخشون أن يكون لصعود غير منضبط في الأسعار تأثيرات عكسية على مصالحهم. وهنا تحديداً، من المهم ملاحظة مسار المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة، وما إذا كانت إيران ستعود بقوة إلى السوق النفطية، وأيضاً ما إذا كان الإيرانيون سيرغبون في الإبقاء على أسعار عالية (وفي هذه الحالة قد يخدمهم توتير الأوضاع في العراق)، أو يُريدون فقط ضمان حصة من السوق النفطية تناسب احتياجاتهم الحالية ورغبتهم بدخول السوق الأوروبية بعد أن أخذ النفط الروسي في الاستيلاء على الأسواق الآسيوية.

 

استنتاجات 

لا يزال صراع الإرادات مُستمراً بين “التيار الصدري” و”الإطار التنسيقي” في العراق، وهو صراعٌ تُختبر فيه قدرة كل طرف على المطاولة والاستمرار. وعلى الأرجح، فقد ارتكب الصدر خطأً استراتيجياً بتخليه عن “الشرعية الانتخابية” التي مثلتها كتلته النيابية والذهاب إلى الرهان حصراً على الضغط في الشارع، لكن في الوقت نفسه يجب عدم التغاضي عن كون خطابه الناقد للفساد والداعي للاصلاح يتناغم مع ميول شعبية عامة، وأن خطوته هذه كانت تستهدف -جزئياً – توسيع قاعدته الشعبية، وتوظيف ذلك في الصراع السياسي أو في أي انتخابات مقبلة. وقد لا يكون هدف الصدر الأساسي هو الانتخابات المبكرة، بل تجريد “الإطار التنسيقي” من مصادر قوته تدريجياً، خصوصاً عبر الإبقاء على حكومة تصريف الأعمال القريبة منه، ولذلك فإن قوى “الإطار التنسيقي” مهتمة جداً بتعديل ميزان القوى الحالي في الجهاز التنفيذي باعتبار ذلك شرطاً للوصول إلى تسوية مع الصدر، وهي توظِّف في ذلك نفوذها على الجهاز القضائي الذي صار الآن جزءاً من عملية الاستقطاب السياسي والصراع بين الطرفين.

 

.

رابط المصدر:

https://epc.ae/ar/details/featured/tatawurat-alsirae-bayn-alsadr-wakhusumih-fi-aleiraq-wamalateh-almuhtamala

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M