تطويق ايران: إسرائيل والعلاقات مع سلطنة عُمان

شادي محسن

 

تُعد سياسة “التطويق” أو “الأطراف” استراتيجية إسرائيلية قديمة منذ قيامها 1948؛ لخدمة عدة أغراض أولها هو كسر العُزلة الإقليمية خاصة في المنطقة العربية، وثانيها هو إقامة حصار جغرافي-سياسي (المصالح السياسية) وجغرافي-استراتيجي (الغايات القومية) على الدول الخصوم.

تحتل إيران في الوقت الحالي قائمة الدول الخصم لدى الجانب الإسرائيلي في الشرق الأوسط، لذا ترغب إسرائيل في تطويقها وفرض عزلة إقليمية عليها من خلال عقد علاقات مع دول جوارها وسحب هذه العلاقات لخدمة المصالح الإسرائيلية وعرقلة المصالح الإيرانية.

تتبنى هذه الورقة احتمالا مفاده سعي إسرائيل المكثف في المستقبل القريب لدفع سلطنة عمان لتوقيع اتفاق تطبيع معها، تحفزه مجموعة من الدوافع، وتعرقله حزمة من العقبات الرئيسية.

أولا: تطويق إسرائيلي لإيران.. فصول سابقة

تستغل إسرائيل الصراع مع إيران وإكسابه طابعا أمنيا وعسكريا لأهداف وظيفية تتعلق بتحفيز مستمر للعلاقات الإسرائيلية-الخليجية، وبالتالي نجاح دمج إسرائيل في المنطقة وخاصة في ضفتها الخليجية. نجح ذلك نسبيا في توقيع اتفاقات تطبيع ابراهيمية مع الامارات والبحرين.

لا يمنع ذلك أن تتبنى إسرائيل سياسة “التطويق” والأطراف مع إيران لفرض عزلة إقليمية عليها وكسر مصالحها مع دول الجوار مما يفقد طهران الكثير من المقدرات القومية وبالتالي إضعافها.

يعيب هذه الاستراتيجية أنها تحتاج جهدا إسرائيليا عميقا من أجل هندسة شبكة من المصالح مع الدولة المتعاونة في تطويق إيران؛ لإضفاء صفة الاستدامة على هذه العلاقات.

يمكن توضيح ما سبق عبر التالي: أقامت إسرائيل والولايات المتحدة منتدى رباعي وهو “I2U2” مع دولتي الهند والامارات؛ لذات السبب وهو فرض العزلة الإقليمية على إيران من وجهة نظر إسرائيل، وفرض العزلة على روسيا من وجهة نظر الولايات المتحدة. ورغم ذلك لم تفلح إسرائيل في إبعاد الهند عن إيران أو روسيا، إذ ذهبت الأولى (الهند) في تبني مشاريع استراتيجية تتعلق بالطاقة والبنية التحتية مع روسيا وإيران مرورا بأفغانستان.

ويعود سبب ذلك الفشل في أمرين اثنين: (أ) هو أن الهند تتبنى عقيدة الاستقلالية الاستراتيجية التي تعتمد على توسيع مساحة الاختيارات في السياسة الخارجية. (ب) أن إيران جغرافيا مهمة في آسيا خاصة بين خصمين اثنين استراتيجيين للهند وهما باكستان والصين.

تنجح مقاربة “التطويق” في تفسير كثير من تحركات إسرائيل الخارجية، كما تنجح أيضا في حالة التقارب الأخير بين إسرائيل وتركمنستان القريبة حدوديا من إيران، حتى في حال لم توافق تركمنستان على استخدام إسرائيل لأراضيها لضرب أهداف إيرانية فيكفي أن تبدأ إسرائيل في عقد شبكة من المصالح مع دول الجوار الإيراني لتقليل هامش حركتها في الإقليم.

وهو ما يفسر أيضا سبب تقارب إسرائيل مع دول منطقتي آسيا الوسطى والقوقاز، كونهما إقليمان واعدان بشدة في مخرجات مرحلة الإعداد لنظام دولي جديد ترتسم فيه أقطاب جديدة.

فرغم الحرص المستمر والتوضيح المتكرر من مسؤولي عاصمة أذربيجان (باكو) من عدم تسبب علاقاتها مع إسرائيل في التأثير على حيادها مع إيران، والالتزام بالهدوء والاستقرار السياسي والأمني مع طهران. إلا أن تبدت إرهاصات مهمة على دخول أذربيجان مرحلة مختلفة من التوتر مع إيران، خاصة بعد استضافة قنوات أذربيجان التليفزيونية الرسمية زعيم حركة الصحوة (حركة الصحوة الوطنية لأذربيجان الجنوبية) التي تنادي بانفصال شمال إيران ذات الأغلبية الأذرية والانضمام إلى باكو. اختصارا، يمكن القول في هذا السياق إن التعاون الإسرائيلي الأذري أفضى في النهاية إلى توتر أذري إيراني.

ثانيا: سلطنة عمان.. فصل محتمل؟ (تقييم السيناريو)

يرتبط الجانبان الإسرائيلي والعماني منذ عام 1994 بعلاقات رسمية بدأت في عهد السلطان قابوس وتم تجميدها خلال الانتفاضة الفلسطينية في العام 2000، قبل أن تبرز بوادر تواصل بين الطرفين لاحقا وتأكدت خاصة بعد زيارة بنيامين نتنياهو في 2018 للعاصمة العمانية ولقائه بسلطان عُمان الراحل.

استتبعت عمان هذه الزيارة بزيارات متعددة قام بها وزير الخارجية العماني إلى تل أبيب؛ للتباحث حول ملفات التعاون المشتركة الممكنة بين الطرفين، بين عامي 2020 و2022.

مؤخرا، في فبراير 2023، وافقت مسقط على فتح مجالها الجوي أمام جميع الناقلات الجوية المدنية دون تمييز دولة عن دولة أخرى (في إشارة إلى موافقة ضمنية على مرور الطائرات الإسرائيلية)، في تطور وصفته إسرائيل بالقرار التاريخي.

يأتي هذا القرار بعد موافقة السعودية عقب زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمملكة في يوليو 2022، على فتح الأجواء السعودية أمام الطيران الاسرائيلي.

على الناحية المقابلة، حاولت عمان موازنة هذه التطورات المهمة وخاصة الخطوة الأخيرة بفتح الأجواء أمام الطائرات الإسرائيلية، بمجموعة من التعبيرات السياسية المتمثلة في (على سبيل المثال) التوافق داخل أروقة مجلس الشورى العماني على تجريم أي تعاون سياسي أو اقتصادي أو على أي مستوى مع إسرائيل قبل تسوية القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين.

علاوة على أن عمان تلتزم منذ خمسة عقود تقريبا على سياسة الحياد الاستراتيجي الإيجابي في المنطقة، مما خلق الأمر علاقات قوية مع الجمهورية الإيرانية (الجارة الشمالية الشرقية).

ترتبط عمان مع إيران بعلاقات متعددة المستويات، تنعكس على سبيل المثال ليس الحصر في: (أ) مناورات عسكرية مشتركة في خليج عمان. (ب) الاعتزام مد أنابيب الغاز بين منطقتي ميناب وكوه مبارك في جنوب إيران بهدف تصدير الغاز إلى سلطنة عمان. بجانب اعتزام توقيع 12 اتفاقية تشمل مجالات الطاقة والنقل والسياحة ومجالات أخرى. (ج) تعد مسقط مركزا إقليميا لعديد من المباحثات بين إيران والعالم الغربي في كثير من الملفات من بينها اليمن وسوريا وأفغانستان والامن الإقليمي.

بشكل عام، يبدو أن مسقط لا ترغب في الاندفاع نحو قفزات كبيرة في مسار تطبيع العلاقات مع إسرائيل؛ لعدة أسباب، منها: (أ) عدم تجاوز السعودية في خطوة تطبيعية مع إسرائيل. (ب) الاحتفاظ بالدور الحيادي في المنطقة وعدم الانخراط في معادلة الصراع بين إسرائيل وإيران. (ج) التأكيد العماني بأن التطبيع مع إسرائيل (خاصة في صيغته الابراهيمية) لا يخدم القضية الفلسطينية. (د) عدم إزعاج الجارة الشمالية المهمة لعمان وهي إيران. لا سيما وأن القيادة الجديدة لعمان تبحث عن الأمن الملاحي على طول سواحلها وضمان سلامة مفهوم استدامة مشروعات الأمن الغذائي من التحديات الأمنية المحتملة.

تراهن إسرائيل على اضطرار القيادة الجديدة لسلطنة عمان تغيير الكثير من مفاهيمها السياسية حيال تطورات الشرق الأوسط. أهم هذه التطورات هندسة مشروعات استراتيجية تخدم الرؤى التنموية الوطنية لدول الخليج بالتحديد، مثل السعودية 2030، وقطر 2030، وفي القلب منها عمان 2040.

ثالثا: مسارات العمل المحتملة

ترتسم أمام إسرائيل مجموعة من النوافذ الممكنة للتقارب مع عُمان بهدف إتمام عملية التطبيع، يمكن تقديرها على النحو التالي:

  1. النافذة الاقتصادية

يعمل الاقتصاد العماني في الوقت الحالي وفق الخطة الخمسية العاشرة التي بدأت في 2021 وتنتهي في 2025. في إطار استراتيجي وهو برنامج وطني يسمى “تنويع” أو رؤية عمان 2040، وهي خطة تستهدف تقليل اعتماد الاقتصاد العماني على إيرادات بيع الطاقة الاحفورية.

يتبنى برنامج “تنويع” العماني على تعزيز مساهمة الصناعات التحويلية، والتعدين، والنقل اللوجستي، والسياحة. مع الاهتمام بتحقيق ثلاثة أنواع من الأمن وهم: (أ) الامن المائي. (ب) الأمن الملاحي. (ج) الأمن الغذائي.

كما تجدر الإشارة إلى أن الخطة الخمسية الحالية تستهدف محاور رئيسية مهمة (قد) ترسم تعاونا محتملا بين عمان وإسرائيل. هذه المحاور هي: (أ) دمج الذكاء الاصطناعي في المشروعات الصغيرة والمتوسطة. (ب) مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد. (ج) توسع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في الأسواق الإقليمية والعالمية. (د) رفع مساهمة التجارة الخارجية في الاقتصاد. (ه) التحول إلى اقتصاد المعرفة من خلال توطين صناعة أشباه الموصلات.

جميع ما سبق، يمنح إسرائيل فرصة لإقناع عمان بالتعاون المشترك. يستدل على ذلك أن كان أول تعاون تنموي بين إسرائيل وعمان في مجال الأمن المائي وخاصة في مجال تحلية المياه، عن طريق إنشاء مركز لأبحاث الشرق الأوسط لتحلية المياه في 1996.

  1. النافذة الهندية

تتميز العلاقات بين الهند وعمان بصفة استراتيجية أساسية لدى كلا الجانبين، إذ تغطي الاتفاقيات الثنائية الموقعة مجالات الصحة، والسياحة، والتعاون العسكري، والزراعة والنقل.

كانت العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الهند وسلطنة عمان قوية ومزدهرة. وبلغت التجارة الثنائية بين البلدين 9.988 مليار دولار في 2021-2022، بزيادة تقارب 90٪ عن العام السابق. بلغت صادرات الهند في 2021-2022 3.148 مليار دولار بينما واردات الهند 6.840 مليار دولار.

صندوق الاستثمار العماني الهندي المشترك (OIJIF) هو مشروع مشترك بنسبة 50-50 بين بنك الدولة الهندي وصندوق الاحتياطي العام للدولة سابقًا (SGRF) في عمان. تم إنشاؤه في يوليو 2010 كوسيلة ذات أغراض خاصة (SPV) للاستثمار في الهند. بدأت OIJIF عملياتها في عام 2011 برأس مال أولي قدره 100 مليون دولار أمريكي، مستثمر بالكامل في سبع شركات هندية من قطاعات متنوعة.

دشّن البَلدان حوارا استراتيجيا في مستهل العام الحالي، كما دعت الهند أن تنضم عمان إلى منتدى مجموعة العشرين كضيف شرف، خاصة بعد أن بلغ عدد الشركات الهندية التي تستثمر في عمان ستة آلاف شركة.

تتابع وزارة الخارجية الأمريكية تطور العلاقات العمانية الهندية، من خلال وكيلها المسؤول عن ملف النمو الاقتصادي والطاقة والبيئة “خوسيه فرنانديز”، الذي سافر إلى مسقط لحضور الجلسة الأولى في الحوار الاستراتيجي الأمريكي-العماني، تبع ذلك الزيارة في فبراير 2023 موافقة عمان على فتح مجالها الجوي أمام الطائرات الإسرائيلية. كما يدرس فرنانديز (المسؤول في الخارجية الامريكية) تطورات ملف الامن الغذائي ضمن إطار المنتدى الرباعي (الهندو-ابراهيمي) الذي يجمع الهند والامارات وإسرائيل.

قالت أدريان واتسون، المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، إن إعلان عمان بفتح أجوائها أمام إسرائيل “يعزز رؤية الرئيس بايدن لمنطقة الشرق الأوسط أكثر تكاملاً واستقرارًا وازدهارًا، وشركاء إقليميين أكثر في المنطقة”.

تجدر الإشارة إلى أن إسرائيل تدرك أن تنامي العلاقات العمانية الهندية قد يتسبب في تعظيم أهمية المحور الهندي-العماني-الإيراني. إذ استهدفت نيودلهي توقيع مذكرة تفاهم مع عُمان تسمح لها باستخدام ميناء دقم (العماني) لربط ممرات الملاحة مع موانئ إيران ليمكنها من تجاوز المياه الباكستانية.

بالنظر إلى أسماء كبرى الشركات الهندية التي تستثمر في إسرائيل، وأسماء كبرى الشركات الهندية التي تستثمر في عمان، يتبين أن هناك شركات هندية تستثمر في الجانبين (أي عمان وإسرائيل)، على سبيل المثال وليس الحصر شركة “لارسين أند توبرو Larsen & Toubro” الهندية المتخصصة في تكنولوجيا المعلومات.

رابعا: الخلاصة

من الصعب أن توافق سلطنة عمان على تدشين اتفاق تطبيع ابراهيمي مع إسرائيل خاصة على المستوى السياسي-الدبلوماسي، ولكن هناك نوافذ اقتصادية وإقليمية يمكن أن تسحب السلطنة إلى مسار تطبيع غير مباشر مع إسرائيل يُمهد لتطبيع ابراهيمي.

تلعب الهند دورا استراتيجيا لدى الطرفين العماني والإسرائيلي، ويمكن أن تجمع الجانبين إلى شراكات اقتصادية في مجالات النقل، والتكنولوجيا لا سيما بعد دخول عمان مرحلة تنويع الاقتصاد والتحول إلى الاقتصاد المعرفي.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/33963/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M