بهاء النجار
قد لا نحتاج الى الكثير من العناء لإثبات ضرورة تغيير الطبقة السياسية الفاسدة الحاكمة في العراق منذ 2003 ومن يرتبط بها من جذور الدولة العميقة ، لذا كانت الانتفاضة التشرينية حلاً مناسباً قوياً بعد أن فشلت صناديق الاقتراع في تغييرهم سواء لتقصير الشعب أم قصوره .
فهبّ الشباب السلمي لملئ ساحات الاعتصام لإثبات رفضهم لفساد السياسيين الذين ملّ الشعب من وجوههم ، وقد شجّعت المرجعية الدينية على التواجد في هذه الساحات البطلة والبقاء فيها الى حين تلبية المطالب ، هذا فضلاً عن تشجيع باقي النقابات والمؤسسات غير الحكومية على ذلك ، فصار حافزاً ومحفزاً للمرابطة في ساحات المواجهة بشكل سلمي يعكس صورة العراق الحضارية .
وهنا لا بد من إلفات الانتباه الى أن الغاية ليست التواجد بحد ذاته في ساحات الاعتصام رغم أن التواجد ضروري جداً ، وإنما الغاية هو استثمار التواجد لإحداث التغيير ، وإلا ما فائدة تواجد آلاف الشباب من دون أن يتغير الوضع السياسي الى الأفضل من خلال الانتخابات المبكرة وفق قانون انتخابات عادل ومفوضية مستقلة ؟!
فعلينا أن نعي أننا بحاجة الى ضِعف – إن لم نقل الى أضعاف – ما نحتاجه في ساحات الاعتصام من عدد وجهد ومال ووقت ، فإن كان عدد المتصدين للتغيير 100 ألف فنحتاج الى 50 ألف في ساحات الاعتصام والباقين في ميادين المساندة ، وقد نحتاج في ساحات الاعتصام الى كمٍ أكثر من احتياجنا الى النوع ، فأهم هدف من التواجد في ساحات الاعتصام هو تكثير السواد ، أما الباقون – وهم نوع أكثر من الكمٌّ – فعليهم باقي المهام المساندة التي تكمل عملية الإحتجاج .
فالمحتجون يحتاجون بالدرجة الأساس الى الإعلام وأن لا يكتفوا بالإعلام المسيس ذي النوايا الخبيثة ، فكما أن المتظاهرين رفضوا أن تكون لهم قيادة كي لا يحسبوا على جهة فلا بد أن لا يكون إعلام ناطق بإسمهم إلا منهم ، وأن تكون لهم حركة مركزية عبر مواقع التواصل الاجتماعي تمثلهم ولا تمثلهم غيرها .
بعد الإعلام نحتاج الى خبراء ومحللين وأكاديميين ومثقفين ونخب وطنية مستقلة ، ليس فقط مستقلين عن الأحزاب بل عن جميع القوى التي يمكن أن تؤثر في التظاهرات ، وهؤلاء يكون دورهم توعية وتوضيح ما ينبغي أن يقوم به المتظاهرون من خطوات حكيمة بعيدة عن كل ما يمكن أن يسيء لتظاهراتهم ويعرقلها ، ويحذّرونهم – من خلال الإعلام الخاص بالانتفاضة او من خلال باقي وسائل الإعلام – من المخاطر التي يمكن أن تحيط بهم والتدخلات الأجنبية التي تريد ركوب موجتهم التي دفعوا من أجلها مئات الضحايا وآلاف الجرحى .
ولكون بقاء المعتصمين يتطلب مؤونة وتعزيز لذا ينبغي أن يقوم بهذه المهمة مجموعة من المتطوعين لجمع الأموال من التجار الوطنيين المخلصين الذين يريدون الخير لهذا الوطن ولا يبتغون من ذلك إلا رضا الله وخلاص العراقيين من الفساد والظلم .
وعلينا أن لا ننسى حاجة المتظاهرين للظهير السياسي ، ولا تخلو الساحة السياسية من السياسيين النزيهيين الوطنيين ، حيث يمثل هذا الظهير عين المتظاهرين في الغرف المغلقة وينقل حقيقة ما يجري هناك كي لا يعتمدوا على ما ينقله الإعلام عن راكبي الموجة ، إضافة الى توعيتهم سياسياً وإمكانية التنازل في مواقف معينة لصالح الانتفاضة والوقوف بحزم تجاه مواقف أخرى .
ولرجال الدين وشيوخ العشائر دور مهم ومؤثر في دعم الانتفاضة في ميادينهم الخاصة ومن خلال مجالسهم ودواوينهم ، إذ يملكون من القدرة على الدعم ما لا يملكه الكثيرون غيرهم ، فهؤلاء دورهم خارج ساحات الاعتصام أهم بكثير من دورهم في تلك الساحات ، إذ تُعدّ مهمتهم إسناد المتظاهرين بالموارد البشرية التي لم تتأهل قناعتها الى الآن للنزول الى جانب المعتصمين .
وهناك العديد من الجنود المجهولين الداعمين للانتفاضة ولكن لا يعرفهم الكثيرون ، هؤلاء الجنود المجهولون فضّلوا أن يختاروا وظائف تخدم الانتفاضة تناسب إمكانياتهم وعدم تركها لعملاء الفاسدين على النزول الى ساحة الاعتصام رغم أن الأضواء مسلطة على من في الساحة لا على المجهولين ، فليس من الحكمة أن يترك الإعلامي إعلامه الداعم للانتفاضة ويعتصم ، ولا التاجر ولا السياسي ولا الكاتب ولا الأكاديمي إذا ما كانت لهم وظائف تدعم الانتفاضة بصورة أفضل من وجودهم في ساحة الاعتصام .
فهناك فهم خاطئ عند كثير من المتظاهرين ، حيث يتصورون أن على الجماهير المؤيّدة للانتفاضة يجب أن تنزل جميعاً الى ساحة الاعتصام ، حتى وصل الأمر الى أن تخرج بعض من يحسبن أنفسهن على المتظاهرات فتعتبر اللطم والبكاء على الحسين كذباً إذا لم ينزلوا مع المتظاهرين ! مع إن وجود بعض المتظاهرين لم يكن إلا للّهو واللعب والسيلفي وإلتقاط الصور الجماعية .
هذا فضلاً عن دور الإشراف على كل من الإعلام الخاص بالانتفاضة والتنسيق بين الخبراء والمثقفين والتجار والسياسيين ورجال الدين وشيوخ العشائر وغيرهم من الجنود المجهولين من جهة والمتظاهرين والمعتصمين من جهة أخرى ، وهذه الشريحة يجب أن تتمتع بميزات خاصة كالثقافة العامة والقدرة على الإقناع وسعة العلاقات وإمكانية إدارة هذه الملفات الصعبة في هذا الظرف الصعب بشكل سلس وسهل .
قد يعتبر البعض هذا الأمر تعجيزياً وصعب تحقيقه عملياً ، هذا صحيح ، ولكن علينا التفكير بمهذا المستوى ، وأن ندرك أن العمل بدون ذلك سيسبب لنا متاعب كثيرة ، وإذا ابتعدنا كثيراً عن خارطة الطريق هذه قد تُجهَض الانتفاضة لا سمح الله رغم أن غالبية الداعمين للانتفاضة قد نزلوا الى الميدان ، وما من معاناة مرت بها الانتفاضة إلا نجدها بسبب ترك خطوة من الخطوات أعلاه .
رابط المصدر: