توجه رئيس المجلس العسكري الانتقالي في تشاد، الفريق محمد إدريس ديبي، إلى فرنسا في 6 من نوفمبر 2023. وتُعتبر تلك الزيارة الثانية له منذ تنصيبه رئيسًا للمرحلة الانتقالية خلفًا لوالده المارشال إدريس ديبي الذي لقي حتفه في أبريل 2021. وثمة العديد من الملفات والقضايا الاستراتيجية والإقليمية ذات الصلة بين البلدين، على رأسها مكافحة الإرهاب في ظل شراكة ميدانية ستحظى بفرصة تقييم الوضع، خاصة بعد تمدد الجماعات المتشددة مع بداية العام الجاري في ظل تزايد الهجمات ضد المصالح الفرنسية في المنطقة، بعد انسحابها من العديد من دول غرب أفريقيا بعد عقود من الحضور المكثف لإدارة مصالحها.
علاقات وطيدة
تتمتع تشاد وفرنسا بعلاقة وطيدة قوية، ولدى باريس مصالح اقتصادية في إقليم الساحل في غاية الأهمية، فضلًا عن مصالح أمنية إذ إن تشاد شريك مهم لفرنسا في مكافحة الإرهاب، إذ كانت أنجامينا مقرًا رئيسيًا لعملية برخان الفرنسية في المنطقة والتي تهدف إلى مواجهة الجماعات المسلحة.
هكذا فإن تشاد دولة مهمة لدى المؤسسة العسكرية الفرنسية، سواء لتعاونها في عملية برخان والحملة العسكرية الفرنسية ضد الجماعات الإسلامية في منطقة الساحل، أو من خلال موقعها الاستراتيجي بالنسبة لجيرانها مثل جمهورية أفريقيا الوسطى، والسودان، وليبيا، والبلدان الأخرى التي تعاني من أزمات هشة وحالة من عدم الاستقرار.
وثمة سبب آخر يجعل من الاستحالة فك الارتباط والاهتمام الفرنسي بتشاد باعتبارها دولة مصدرة للبترول، وهذا يبين الدور الذي لعبته فرنسا لدى الاتحاد الأفريقي والجماعة الاقتصادية لغرب أفريقيا إيكواس، لعدم تعليق عضوية تشاد بعد تولي المجلس العسكري السلطة في أبريل 2021، أو فرض عقوبات دولية عليها، على عكس ما حدث مؤخرًا في كل من غينيا ومالي وبوركينافاسو.
أهداف فرنسية
تسعى فرنسا إلى تعزيز الدور الريادي في القضايا الاستراتيجية بالمنطقة، وتخطط لمضاعفة حجم قواتها لتأمين مصالحها ضد الجماعات المسلحة من خلال أكثر من قاعدة عسكرية لها في تشاد، في ضوء تطور الأوضاع السياسية بالنسبة للحكومة الانتقالية في تشاد التي تعمل من أجل استمرار رئيس السلطة الانتقالية فيما بعد الانتخابات. كما تبدي باريس اهتمامًا كبيرًا بتحسين صورتها أمام شعوب دول غرب أفريقيا من خلال تجربتها في دعم تشاد عبر توسيع آفاق التعاون العسكري، مما يجعل الدول الأخرى في إقليم الساحل التي طالبت شعوبها بخروج فرنسا تحذو حذو تشاد في بناء شراكة جديدة مع فرنسا.
واقتصاديًا، تعد فرنسا أحد الشركاء الاقتصاديين الرئيسيين لتشاد، حيث تغطي الصادرات الفرنسية بشكل أساسي المنتجات الغذائية الزراعية والمعدات الميكانيكية والكهربائية وتكنولوجيا المعلومات. وترجع الواردات من تشاد بشكل أساسي إلى انتعاش مشتريات الهيدروكربون وكذلك منتجات الصمغ العربي. وفي عام 2018، منحت فرنسا تشاد 10 ملايين يورو كمساعدة للميزانية 40 مليون يورو في شكل قروض ميسرة لدعم الميزانية كجزء من برنامج صندوق النقد الدولي. وفي العام نفسه، تلقت تشاد 862 ألف يورو كمساعدة من فرنسا عبر صندوق الطوارئ الإنسانية لتمويل المشاريع الإنسانية وتحقيق الاستقرار. وتعمل أكثر من 20 شركة تابعة للشركات الفرنسية في تشاد.
كما قدّمت فرنسا مساعدات إنمائية لتشاد أضيفت إلى المساعدات الإنسانية والغذائية، وقد بلغ إجمالي التزامات الوكالة الفرنسية للتنمية AFD في تشاد 68 مليون يورو في عام 2017 و77 مليون يورو في عام 2018. وتعمل الوكالة في منطقة بحيرة تشاد، وتدعم التخطيط الحضري في نجامينا وموندو، كما تقدم دعمًا طويل الأمد للزراعة والصحة وتحسين نظام التعليم والتدريب المهني. كما يتم تنفيذ تعاون موسع في قطاعات الحكم والتعليم العالي والبحث. ومنذ عام 2018، تقدم باريس دعمًا سنويًا لنجامينا بصورة مستمرة. وبعد اتفاق سلام في الدوحة بين السلطات الانتقالية التشادية و43 جماعة سياسية وعسكرية تشادية 2022، قدمت فرنسا حزمة محفزة من المساعدات المالية لدعم العملية الانتقالية لضمان السلام والأمن في تشاد.
كذلك، وبعد عقد الحوار الوطني التشادي-التشادي، قامت باريس بإعادة هيكلة القوات المسلحة التشادية عبر التدريب وإعادة التدريب والمشورة والخبرة، كما تنشط في مجال الأمن الداخلي من خلال دعم بناء القدرات في مجال مكافحة الإرهاب، ولكن مقابل ذلك تعزيز التعاون في صناعة النفط، حيث تسيطر الصين على حقوق التنقيب عن النفط التشادية، وتمول وتنفذ مشاريع البنية التحتية الكبرى، مما جعل فرنسا حريصة على الاستفادة من حقوق التنقيب باعتباره الهدف الذي تعمل من أجله فرنسا في تشاد.
جذب الدعم لطموح الرئيس التشادي
من جانبه، فإن زيارة محمد إدريس ديبي إلى فرنسا تأتي من أجل تعزيز وضع الحكومة الانتقالية وجذب الدعم لتوجهاتها وطموحاتها الإقليمية والداخلية، حيث تعمل تشاد من أجل إعادة تموضعها من خلال مشاركة تشادية بقوة إضافية في القوات الأممية “مينوسما”، التي تنتشر في منطقة غرب أفريقيا لمحاربة الجماعات الإسلامية المتشددة، خاصة بعد إعلان كل من فرنسا وحلفائها الأوروبيين، انسحابهم عسكريًا من مالي.
كما بدأ الجيش التشادي في زيادة حجم قواته إلى 35 ألفًا في الوقت الحالي، بغرض بناء قوات نخبة قادرة على مواجهة التحديات والتكيف مع الحرب غير المتكافئة التي تواجهها تشاد وحلفاؤها من أفريقيا وأوروبا. وتعد القوة التشادية من أولى البعثات العسكرية المشاركة في قوة مينوسما التي يقدر عددها بنحو 15 ألف فرد. في هذه القوة تقاتل نجامينا إلى جانب كل من النيجر والكاميرون ونيجيريا، بالإضافة إلى دولتي بوركينافاسو ومالي، الجماعات المسلحة المرتبطة بداعش والقاعدة في الإقليم.
بالإضافة إلى رفع درجة الاستعداد القصوى للجيش التشادي للانتشار على طول الحدود التشادية الليبية للحد من تحركات المعارضة التشادية. وفرنسا بصفتها شريكًا أساسيًا لتشاد تعمل أكثر من أي وقت مضى على دعم الفترة الانتقالية في تشاد، تنفيذًا لمخرجات الحوار الوطني الشامل، حتى قيام الانتخابات الرئاسية بنهاية الفترة الانتقالية، ويرغب محمد إدريس ديبي في الحفاظ على الدعم الفرنسي لتولي قيادة تشاد في المرحلة المقبلة. ومن القضايا التي تسعى تشاد إلى تعزيزها، المجالات الدفاعية بين البلدين، خاصة التدريب، والتسليح لرفع كفاءة أفراد الجيش التشادي القتالية لمواجهة التحديات.
وخلاصة القول، إن الجانبين الفرنسي والتشادي يسعيان إلى تعزيز المصالح المشتركة، وتنمية التعاون على كافة المستويات الاقتصادية والعسكرية والأمنية والسياسية، وذلك من أجل الحفاظ على المصالح الفرنسية من المنطقة، واستقرار الحكم الانتقالي في تشاد بعد أن تلقت الحكومة التشادية دعمًا دوليًا قادته فرنسا في مواجهة الحركات المتمردة لا تزال تعول عليه في إتمام المسار الانتقالي بنجاح.
.
رابط المصدر: