نداف بولاك
ستتعدد الطرق التي يمكن أن يستخدمها الكرملين ليشكر إيران على دعمها لحربه ضد أوكرانيا.
في الأسابيع القليلة الماضية، لاحظ المسؤولون في كلٍ من الولايات المتحدة وبريطانيا أن العلاقات العسكرية بين روسيا وإيران آخذة في التعمق. ففي 16 كانون الأول/ديسمبر، شرح مدير “وكالة المخابرات المركزية” الأمريكية وليام جيه. بيرنز الوضع على هذا النحو في مقابلة مع المؤسسة الإعلامية “بي بي أس نيوز آور” قائلاً: “ما بدأ يظهر هو على الأقل بدايات لنشوء شراكة دفاعية كاملة بين روسيا وإيران، مع قيام الإيرانيين بتزويد طائرات مسيّرة إلى الروس، الذين يقتلون المدنيين الأوكرانيين حالياً، وبدء الروس بالتفكير في السبل التي يمكنهم من خلالها دعم الإيرانيين، تكنولوجياً أو تقنياً”. وأكمل بيرنز حديثه ليقول إن هذا التطور “يشكل تهديدات حقيقية للدول المجاورة لإيران، أي للعديد من أصدقائنا وشركائنا في الجوار الإيراني أيضاً”.
إن التقييم الذي أجراه “مدير وكالة المخابرات المركزية” دقيق، ويشكل هذا التطور تهديداً لإسرائيل على وجه التحديد. وسيؤدي اعتماد روسيا المفاجئ على إيران للحصول على مساعدات عسكرية إلى سداد الديون قريباً، ويجب أن يكون صانعو القرار الإسرائيليون منتبهين ومستعدين. فمن المؤكد أن روسيا ستكون قادرة على الرد بعدة أساليب يمكنها أن تزيد من القدرات العسكرية الإيرانية.
علاقة ثنائية متغيرة
منذ أن غزت روسيا أوكرانيا في شباط/فبراير الماضي، كانت إيران إحدى المؤيدين الأكثر إخلاصاً للكرملين. فقد زود النظام في طهران مئات الطائرات المسيّرة، وربما أكثر، إلى الجيش الروسي وأرسل مدربيه إلى شبه جزيرة القرم لمساعدة الجيش الروسي على استخدام هذه الأسلحة بشكل مناسب. وتشير التقارير الأخيرة أيضاً إلى أن إيران تخطط لتزويد روسيا بصواريخ باليستية متطورة قصيرة المدى، ومساعدة روسيا على إنشاء خط إنتاج خاص بها من الطائرات الإيرانية بدون طيار. وحتى الآن، استخدمت القوات الروسية هذه الأسلحة على نطاق واسع لكنها حققت نجاحاً محدوداً في ذلك، مع أنه كان كافياً لاحتلال الدفاعات الجوية الأوكرانية، وإلحاق أضرار كبيرة بالأهداف المدنية. ويشير اتصالٌ جرى بين القائدين الروسي والإيراني إلى أن الرئيس فلاديمير بوتين وجنرالاته يقدّرون بشدة التدفق المستمر للمساعدات العسكرية الإيرانية.
غير أن العلاقة المعززة اليوم يجب أن تكون مؤهلة لهذا الوصف. فقد حافظ البلدان منذ سنوات على علاقة شملت المجالين العسكري والاقتصادي، وتعاونا مؤخراً ضد أعداء مشتركين في الحرب السورية، على الرغم من أن مصالحهما ليست متوافقة تماماً هناك. كما سعى كلا البلدين منذ فترة طويلة إلى الحد من دور الولايات المتحدة على المسرح العالمي، وبالتالي تمكين كلٍ منهما في مجاله الخاص. إلا أن المصالح الروسية والإيرانية تختلفان أيضاً. فروسيا تحافظ على علاقات وثيقة مع بعض أعداء إيران، لا سيما إسرائيل والمملكة العربية السعودية، ويتنافس البلدان على حصتيهما في سوق الطاقة، خاصةً في الوقت الحالي بالنظر إلى اعتماد روسيا المتزايد على البلدان الآسيوية لشراء نفطها.
والذي تغير في الأشهر الأخيرة هو ازدياد تقدير روسيا لإيران في ضوء تعزيز طهران لحملة القصف التي تشنها موسكو. ويزيد ذلك من احتمالية تقديم تعويض سخي في وقت لاحق. وبشكل خاص، تشير التقارير الأخيرة إلى أن روسيا قد دربت بالفعل طيارين إيرانيين على تشغيل طائرات روسية متطورة، وقد تزود إيران بمروحيات وأنظمة دفاع جوي.
“هدايا” موسكو الممكنة لطهران
بإمكان روسيا تحسين قدرات العتاد العسكري الإيراني بشكل كبير، وذلك بشكل أساسي من خلال توفير أنظمة دفاع جوي، والتي من شأنها تلبية طلب إيراني منذ زمن طويل. وقد رفضت روسيا مثل هذه التقصيات سابقاً، خوفاً من المشاكل التي قد تسببها الموافقة (على الطلب) مع دول أخرى، بما فيها إسرائيل والسعودية والإمارات وتركيا. لكن احتمال موافقة روسيا على هذا الطلب قد ازداد الآن.
وإذا حصلت إيران على أنظمة دفاع جوي متطورة من روسيا، فسيصبح نظام طهران أفضل تجهيزاً لإحباط أي هجوم محتمل في المستقبل على بنيته التحتية النووية أو غيرها من المنشآت الاستراتيجية. وتُضاف إلى ذلك إمكانية الحصول على طائرات متطورة مثل “سوخوي سو-35″، والتحدي المتمثل في تنفيذ هجوم جوي ضد إيران مع تقليل الخسائر قدر الإمكان يصبح مشكلة أكبر للمخططين العسكريين.
بإمكان روسيا تزويد إيران أيضاً بأسلحة مصدرها خارج حدودها. ففي العام الماضي، سلّمت إيران بالفعل أسلحة غربية كانت قد استولت عليها في معركة أوكرانيا. وبعد ذلك، باستطاعة الجمهورية الإسلامية إجراء هندسة عكسية لهذه الأسلحة من أجل تحقيق هدفين هما: تَعلُّم كيفية تحسين عملية الدفاع ضد هذه الأسلحة، وتَعلُّم كيفية تصميم نسخاتها الخاصة وإنتاجها. وسبق أن أظهرت إيران قدراً كبيراً من الابتكار في الهندسة العكسية للأسلحة الغربية ونشرها في مختلف أنحاء المنطقة. وتشمل الأمثلة على ذلك أنظمة مضادة للطائرات صُممت جزئياً بالاستناد إلى أنظمة صواريخ أرض-جو أمريكية الصنع، والتي تم شحنها إلى الحوثيين في اليمن، بالإضافة إلى طائرات بدون طيار مصممة على أساس طائرة أمريكية بدون طيار تم الاستيلاء عليها، وهو ما تم استنتاجه من التصريحات الإيرانية.
ومع ذلك، فإن التركيز على المعدات العسكرية يمكن أن يشتت الانتباه بعيداً عن التهديدات الأخرى على توازن القوى بين إسرائيل وإيران، وعلى رأسها الاستخبارات. ففي هذا المجال، تتمتع روسيا بقدرات متقدمة في كلٍ من الاستخبارات التصويرية واستخبارات الإشارات، ويمكنها تزويد إيران بمثل هذه القدرات، أو مشاركة معلومات استخباراتية حساسة قد تساعد إيران في الدفاع عن نفسها بشكل أفضل. ولنتخيل هنا سيناريو تحصل فيه روسيا على معلومات استخباراتية حول الخطط الحربية المستقبلية لإسرائيل، أو العمليات الإسرائيلية السرية في الشرق الأوسط. وفي حين ربما كانت روسيا مترددة سابقاً في مشاركة مثل هذه المعلومات، فقد تكون اليوم أكثر استعداداً للإقدام على ذلك، نظراً إلى المخاطر التي يتعرض لها شعبها والتي تحملتها إيران من خلال تسليح روسيا.
ويشكل المجال السيبراني مصدراً آخر للقلق. فإيران تتمتع أساساً بقدرات سيبرانية متقدمة، وقد أبدت استعداداً لاستخدامها ضد الحكومات الأجنبية، كما تَبيّنَ في الهجوم السيبراني الذي استهدف ألبانيا في صيف عام 2022. أما روسيا التي تُعتبَر قوة سيبرانية عظمى، فيمكنها تعليم قراصنة الإنترنت الإيرانيين الكثير من الأمور حول شن هجمات أكثر تعقيداً ضد أهداف حساسة. حتى إن روسيا قد تُشارك إيران نقاط الضعف المهمة للغاية التي يمكن أن تساعدها في تنفيذ الهجمات السيبرانية الهادفة إلى جمع المعلومات الاستخباراتية أو تدمير الأنظمة المحوسبة.
وقد اعتبر بعض المحللين الإسرائيليين أن علاقة العمل الإيرانية مع روسيا، وتحديداً علاقة رئيس الوزراء الجديد بنيامين نتنياهو مع فلاديمير بوتين، يمكن أن تخفف من هذه الهواجس. ووفقاً لنظريتهم لن تتخذ روسيا أي خطوات من شأنها تغيير ميزان القوى بين إسرائيل وإيران إلى حد كبير، خشية أن يضرّ ذلك بعلاقة روسيا مع إسرائيل، أو يدفع إسرائيل إلى تزويد أوكرانيا بأنظمة دفاع جوي. لكن هذه النظرية تفتقر إلى فهم التغيير الأساسي في العلاقات بين روسيا وإيران، أي تمتُّع طهران بمكانة أكبر في موسكو، وهو تغيير سيبقى قائماً إذا استمرت الحرب الأوكرانية وإذا احتاجت روسيا إلى المزيد من الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية الإيرانية.
خطوات إسرائيلية لتقليل المخاطر
بهدف تعزيز الآفاق الأمنية لإسرائيل وسط تقوية العلاقات بين روسيا وإيران، على القدس أن تُطلِع موسكو أولاً على خطوطها الحمراء، وتوضّح أن أي خرق لها سيُلحق ضرراً كبيراً بعلاقتهما، وقد يغير حسابات إسرائيل بشأن تزويد أوكرانيا بأنظمة دفاع جوي. ومع ذلك، حتى في حال احترام روسيا المستبعد للغاية للخطوط الحمراء الإسرائيلية، يمكنها أن تقوم سراً بزيادة القدرات السيبرانية الإيرانية، أو تقديم معلومات استخباراتية حساسة للنظام الإيراني. وغنيٌ عن القول إن العلاقة بين إسرائيل وروسيا ليست علاقة بين ندَّيْن، وطالما سعى الجيش الروسي على وجه الخصوص إلى إضعافها. غير أن الإبلاغ بهذه الخطوط الحمراء سيوضح الموقف الإسرائيلي، وقد يدفع الكرملين إلى تقديم تعويضات أكثر محدودية لإيران.
ثانياً، على إسرائيل أن تستغل الأضواء الكاشفة حالياً على العلاقات بين روسيا وإيران، للضغط من أجل تنفيذ المزيد من الإجراءات الأمريكية والأوروبية التي تهدف إلى إعاقة التعاون بين هذين البلدين أو الحد منه. وقد تتخذ هذه الإجراءات شكل مجموعة عمل جديدة بين الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل، تكون قائمة على أساس الهواجس المشتركة بشأن العلاقة. بإمكان مثل هذه المجموعة صياغة المزيد من العقوبات المستهدفة، وكشف معلومات استخباراتية إضافية حول عمق العلاقة – كما سبق أن فعلت الولايات المتحدة إلى حدٍ ما – وابتكار حلول أخرى.
ثالثاً، على إسرائيل التواصل في الوقت نفسه مع شركائها الإقليميين – وبالتحديد الإمارات العربية المتحدة التي يبدو أنها تتواصل مباشرةً مع بوتين وهي مهددة أيضاً نتيجة التطور في العلاقات بين روسيا وإيران – للضغط على الرئيس الروسي للحد من تقديم المساعدات إلى إيران.
وخلاصة القول هي أن إيران ستحصل، في المستقبل القريب، على شيء مقابل سخائها العسكري الذي لا غنى عنه تجاه روسيا، وسيكون لروسيا طرق عديدة لرد الجميل، الأمر الذي قد يعيق الأمن الإسرائيلي. وعندما يحين هذا الوقت، سيكون لدى إسرائيل وسائل محدودة للرد على هذا الواقع الإقليمي الجديد، لذلك يجب أن تكون مستعدة إلى أقصى حد ممكن.
نداف بولاك هو محاضر في “جامعة رايخمان” الإسرائيلية وزميل سابق في “برنامج مؤسسة دايين وغيلفورد غليزر” في معهد واشنطن.
.
رابط المصدر: