- آنا بورشفسكايا
- غاريت آي كامبل
يمكن لمثل هذا الخيار أن يحد من مخاطر التصعيد، ويضغط على روسيا، ويساعد في تجنب أزمة إنسانية في الشرق الأوسط.
يواصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حربه على أوكرانيا. وتحاصر روسيا الآن الموانئ الأوكرانية المطلة على البحر الأسود، مما يمنع وصول ما يزيد عن 25 مليون طن من الحبوب والسلع الزراعية الأخرى إلى الأسواق الدولية. وإذا لم يتم ضبط هذه المسألة، فمن المرجح أن تؤدي إلى حدوث أزمة غذائية بسبب النقص الحاد [للمؤن] في بعض أجزاء الشرق الأوسط وأفريقيا، مما قد يؤدي إلى حدوث صراعات أهلية وهجرة كبيرة إلى أوروبا. ويتطلب الحصار الروسي رد دولي، تدعمه الولايات المتحدة و”حلف شمال الأطلسي”، يقلل من مخاطر التصعيد. ويمكن أن يكون تغيير أعلام السفن التجارية الدولية هو الحل.
وعندما يتم تسجيل سفينة لكي تقوم برحلات السفر الدولي، يتعين عليها اختيار دولة تُبحر تحت علمها. وتنص “اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار” على أنه يجب أن يكون للسفينة صلة “حقيقية” بدولة علمها، إلّا أن ممارسة “علَم الملاءمة” تطورت على مر السنين؛ وهكذا قامت العديد من الدول بتغيير أعلام السفن لإخفاء البضائع أو حمايتها.
ومن المفارقات أن الدول الأكثر عرضةً لخطر هذه الأزمة الغذائية تشمل العديد من البلدان التي سعت معها روسيا إلى توسيع العلاقات العسكرية في السنوات الأخيرة، مثل مصر وتركيا ولبنان وتونس وإندونيسيا وليبيا وباكستان. وجميع هذه الدول مرشحة لتغيير أعلام السفن التجارية. وفي حين أن الأزمة الاقتصادية هي عالمية، إلّا أنها تؤثّر على الشرق الأوسط بشكل مباشر. ويقيناً، أبدت روسيا استعدادها للبدء بالسماح للسفن بمغادرة الموانئ الأوكرانية الشرقية المحتلة، لكن من الضروري عمل المزيد، خاصةً بما أن روسيا لا تزال تستفيد من خلال اتخاذ هذه الخطوات ومن الواضح أنها تسرق السفن الأوكرانية والقمح الأوكراني لتتولى بنفسها عملية التصدير.
ولمعالجة مسألة الحصار الذي تفرضه روسيا، استند أدميرال البحرية الأمريكية جيمس ستافريديس مؤخراً إلى سابقة “عملية الإرادة الجادة” في الفترة 1987-1988، وهي أكبر عملية للقوافل البحرية منذ الحرب العالمية الثانية. وفي ذلك الوقت، كان مقاتلو “البحرية الأمريكية” يرافقون الناقلات التي تملكها الكويت لحمايتها من الهجمات الإيرانية خلال الحرب العراقية الإيرانية، بينما وفّر “سلاح الجو” و”الجيش” الأمريكيين المراقبة وأنواع الدعم الأخرى. ويقترح ستافريديس تنفيذ مشروع مماثل الآن.
وعندما يتعلق الأمر بحرب روسيا الحالية مع أوكرانيا، ستشكل هذه الخطوة تصعيداً لا داعي له ولن تحقق الهدف ببساطة. وتوخياً للإنصاف، ثمة نقاط تَشابه بين “عملية الإرادة الجادة” والسياق الحالي. فعلى غرار الحرب الحالية، طرحت الحرب العراقية الإيرانية تهديداً نشره الطرفان على صعيد الألغام البحرية، بالإضافة إلى تهديد الضربات الصاروخية على التجار المحايدين. ولكن على عكس الحرب العراقية الإيرانية، هناك الآن تهديد يتمثل في تنفيذ عمليات برمائية روسية ضد أوديسا – أي الميناء الرئيسي الذي تريد روسيا، كطرف محارب في الحرب، الاستيلاء عليه. ولم تطرح الحرب العراقية الإيرانية أي تهديد بتنفيذ غزو برمائي. علاوةً على ذلك، تضع “اتفاقية مونترو” قيوداً على فئة السفن ومدة بقائها داخل البحر الأسود، مما يستبعد تقريباً أنواع المقاتلين الذين استُخدموا لمرافقة التجار أثناء “عملية الإرادة الجادة”.
واستناداً إلى العقيدة العسكرية الروسية، تُعتبَر العملية الخاصة التي تنفذها موسكو في أوكرانيا، حرباً محلية. أما استخدام مقاتلي حلف الـ”ناتو”، الذي سيكون ضرورياً إذا أردنا الاسترشاد بـ”عملية الإرادة الجادة”، فسيضفي الطابع الإقليمي على الحرب ليظهر بالتالي شبح الاستخدام النووي الروسي. وسيستمتع بوتين بمثل هذه الفرصة، لأنه يعتمد على خوف القادة الغربيين من التصعيد العسكري. وبغض النظر عن ذلك، قال حلف الـ”ناتو” بالفعل إنه لن يفرض منطقة حظر جوي على وجه التحديد خوفاً من الدخول في نزاع عسكري مباشر مع روسيا. لذلك، من الأفضل التركيز على هذه الأزمة من منظور إنساني، تحت أعلام تلك الدول الأكثر تضرراً من أزمة الغذاء. ويشكل المضي في هذا الاتجاه الحل الأفضل لتغيير الأعلام لأنه لن يطرح خطر تصعيد الحرب من خلال إشراك القوات البحرية المتفوقة لـ “حلف شمال الأطلسي”.
هناك بالتأكيد عدد من المخاطر المرتبطة بتغيير أعلام السفن التجارية. أولاً، ستكون هذه المهمة صعبة ببساطة. ومن المرجح أن تتطلب من الدول إبرام اتفاقيات مؤقتة بشأن تغيير الأعلام. وقد تحتاج الولايات المتحدة إلى الانخراط في دبلوماسية ابتكارية لتشمل توفير التمويل والتدريب والتجهيزات لقوات بحرية مختارة تتمتع بقدرات محدودة من حيث “تدابير مكافحة الألغام”. والأهم من ذلك أن الكرملين سيرى هذه المهمة الإنسانية كخطوة تصعيدية. ومع ذلك، سيكون الأمر بعيداً كل البعد عن إحضار سفن حربية تابعة لحلف الـ”ناتو” يمكنها شن ضربات ضد روسيا وشبه جزيرة القرم.
ثانياً، اتهمت كل من روسيا وأوكرانيا بعضهما البعض بنشر ألغام بحرية في البحر الأسود. وكلاهما في الواقع مسؤولان عن ذلك. ولمعالجة هذه المشكلة، يمكن أن تكون السفن المزودة بـ “تدابير مكافحة الألغام” والمسلحة بالحد الأدنى خياراً جيداً. ولا تتمتع هذه السفن تقليدياً بأي قدرات هجومية. بالإضافة إلى ذلك، من المحتمل أن تتطلب عمليات “تدابير مكافحة الألغام” مروحيات وفنيي الذخائر المتفجرة للتخلص بأمان مما يعيق مسارات السفن التجارية التي غيرت أعلامها من أجل المضي قدماً إلى المياه الرومانية، حيث يمكنها متابعة الطريق دون مضايقة داخل الحدود البحرية الدولية الخاصة بدول البحر الأسود غير المقاتِلة إلى المضائق التركية.
على تركيا أن توفر مبدئياً سفن مزودة بـ “تدابير مكافحة الألغام” وأن تقود هذا الجهد أيضاً، بما أنها وليّة على “اتفاقية مونترو“. وفي وقت لاحق، قد يتم توفير قدرة إضافية من “تدابير مكافحة الألغام” من قِبَل دول غير أعضاء في حلف الـ”ناتو” مثل مصر والمملكة العربية السعودية وإندونيسيا. يجب على هذه الدول مرافقة السفن التجارية التي غيرت أعلامها في المياه الأوكرانية، بينما تتولى بلغاريا ورومانيا هذا الدور أثناء العبور في مياههما. ويمكن أن يوجّه حلف الـ”ناتو” والولايات المتحدة هذه الجهود من خلال توفير التدريب، ويمكن حتى أن ينشرا “المجموعة البحرية الدائمة لتدابير مكافحة الألغام” التابعة لحلف “الناتو” من أجل دعم جهود حلف شمال الأطلسي داخل الحدود البحرية التابعة لدول الـ”ناتو”. وستحدّ “اتفاقية مونترو” مجدداً من هذه المشاركة.
ربما ستكون المعلومات أهم عنصر في هذه الحملة. فإذا استمرت القوات العسكرية الروسية في مهاجمة السفن التي تم تغيير أعلامها، يجب بث هذه الإجراءات في وقتها الحقيقي لوضع روسيا في موقف دفاعي في محكمة الرأي العام العالمي. وإذا أوقفت روسيا هذه السفن، فستكون مسؤولة عن المساهمة في إدامة المجاعة في الشرق الأوسط وأفريقيا، بينما ستشعر الحكومات التي تواصل التعامل مع روسيا بالضغط للحد من تعاملاتها مع دولة مستعدة لتجويع شعوبها.
ومجدداً، سيكون من الصعب تغيير أعلام السفن وإقرانه بجهود محدودة لإزالة الألغام. لكنه خيار أفضل بالنظر إلى البدائل الأخرى. وقد لا يدرك القادة الغربيون مدى خطورة الأزمة الاقتصادية التي ستحدث إذا تُركت دون رادع، ويبقى اتباع الخيار الإنساني أفضل من اللجوء إلى التصعيد العسكري مع حلف الـ”ناتو”. ويُظهر الاستهداف العسكري الروسي المتعمد وسرقة روسيا للموارد الطبيعية والسفن التجارية الخاصة بأوكرانيا، فضلاً عن استخدام الغذاء كسلاح، أن انحطاط موسكو الأخلاقي لا حدود له. ولا يزال بوتين ملتزماً بهدفه المتمثل في قلب نتائج الحرب الباردة وإعادة التفاوض بشأن النظام الأمني الأوروبي؛ وما زال يحتفظ بأوراق أخرى. على الغرب ضمان خسارته، [لأن] استقرار النظام العالمي الليبرالي أصبح على المحك.
آنا بورشيفسكايا هي زميلة أقدم في “برنامج مؤسسة دايين وغيلفورد غليزر” حول “منافسة القوى العظمى والشرق الأوسط” التابع لمعهد واشنطن، ومؤلفة الكتاب “حرب بوتين في سوريا: السياسة الخارجية الروسية وثمن غياب أمريكا“.
غاريت آي كامبل نقيب متقاعد في البحرية الأمريكية، ومدير سابق لـ “قسم قسم الخطط والسياسات والتكامل للبحرية الأمريكية”، فرع “الاستراتيجية والسياسة والمشاركة الروسية N5“، وزميل تنفيذي اتحادي سابق في “معهد بروكينغز”.
.
رابط المصدر: