بين فيشمان
قد يدفع الزلزال المأساوي الذي ضرب تركيا والأزمة الاقتصادية في مصر كلا الحكومتين إلى التخفيف من حدة نزاعاتهما بشأن ليبيا.
في 23 شباط/فبراير، سيجتمع ممثلون من الولايات المتحدة وبريطانيا ومصر وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وقطر وتركيا والإمارات العربية المتحدة في واشنطن لإجراء مناقشة دورية حول كيفية كسر الجمود السياسي في ليبيا. وعلى الرغم من أن مثل هذه الاجتماعات لم تسفر عن تقدم ملحوظ أو وحدة دولية في الآونة الأخيرة، إلّا أن التطورات الرئيسية في مصر وتركيا، الخصمان اللدودان منذ وقت طويل بشأن ليبيا، تمثل فرصة نادرة لإحداث تغيير إيجابي في هذا الإطار.
صياغة إجماع دولي
على مر السنين، ظهر العديد من أشكال التجمعات الدولية التي تركز على ليبيا، من مؤتمرات رؤساء الدول التي استضافتها فرنسا وإيطاليا وألمانيا، إلى المحادثات على المستوى الوزاري على هامش الاجتماعات الدولية، إلى التجمعات الأخيرة على مستوى المبعوثين. وفي كل مرحلة من هذه المراحل، بدا المشاركون عادةً متحدين لكنهم اختلفوا حول القضايا الرئيسية، مثل الفصائل الليبية التي يجب دعمها وموعد إجراء الانتخابات التي تم تأجيلها منذ كانون الأول/ديسمبر 2021.
وعندما انعقد الاجتماع السابق على مستوى المبعوثين في لندن في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، لم يقدم الحاضرون بياناً متفقاً عليه لأن مصر رفضت مواكبة المسودة التوافقية، على الرغم من أن النص يعكس بشكل أساسي بيانات سابقة للأمم المتحدة تقر بأهمية وجود أساس دستوري متفق عليه لدفع الانتخابات قدماً. وقد فضلت القاهرة الوضع الراهن، حيث تتمتع فيه بنفوذ كبير على شرق ليبيا. فإذا أجريت الانتخابات، قد تؤدي النتائج إلى زعزعة الجهات المفضلة لديها من بين النخبة الراسخة وتمكين منافسيها السياسيين أو الإيديولوجيين، وربما توسيع نفوذ تركيا في الغرب.
ويُعد اجتماع 23 شباط/فبراير الأول من نوعه الذي يُعقد في واشنطن، مما يمكّن المسؤولين الأمريكيين من قيادة جدول الأعمال والعمل نحو قيام إجماع دولي أوسع نطاقاً. ويؤدي توسيع المجموعة لتشمل الخصمين السابقين قطر والإمارات إلى خدمة الهدف الأخير، حيث تحتفظ دول الخليج بنفوذ كبير في ليبيا ومصر وتركيا. في 15 شباط/فبراير، على سبيل المثال، التقى رئيس “حكومة الوحدة الوطنية” عبد الحميد الدبيبة، التي تتخذ حكومته من غرب البلاد مقراً لها، بالرئيس الإماراتي محمد بن زايد في أبوظبي، مما يشير إلى الاهتمام المتجدد لدولة الإمارات. كما خلقت ثلاثة تطورات مهمة أخرى فرصاً لإحراز تقدم في ليبيا وهي: جهود الممثل الخاص الجديد للأمم المتحدة، وزلزال تركيا المأساوي، والأزمة الاقتصادية المتنامية في مصر.
الممثل الخاص الجديد للأمين العام للأمم المتحدة
في أيلول/سبتمبر، تم تعيين الدبلوماسي السنغالي عبد الله باثيلي ليكون الممثل الخاص السابع للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا منذ عام 2011. وسابقاً، شغلت الدبلوماسية الأمريكية ستيفاني ويليامز منصب الممثل الخاص للأمين العام بالإنابة ولاحقاً المستشار الخاص للأمين العام عندما كان مجلس الأمن يجري مناقشات حول من سيخلفها.
وعلى الرغم من أن بعض الممثلين الخاصين للأمين العام للأمم المتحدة كانوا مترددين أساساً خلال فترة ولايتهم، إلّا أن آخرين طوّروا خططهم السياسية الخاصة للخروج من المستنقع الليبي. على سبيل المثال، قدم غسان سلامة اقتراحاً إلى مجلس الأمن في وقت مبكر جداً من ولايته في أيلول/سبتمبر 2017. ومن المتوقع أن يحذو باثيلي حذوه في نيويورك في 27 شباط/فبراير. وبعد زيارته العواصم الأوروبية هذا الأسبوع، من المرجح أن يستعرض مبادرته في واشنطن لحشد التأييد لقرار مجلس الأمن الذي يدعم جهوده في الأسبوع التالي.
وبالنسبة لواشنطن وشركائها الأوروبيين، يجب أن يكون الهدف الرئيسي الحرص على أن تكون خطة باثيلي واقعية وتقدم أفضل فرصة لصياغة أساس دستوري متفق عليه لإجراء الانتخابات، على أمل أن يتم ذلك قبل نهاية العام. وهناك عنصران أساسيان في هذا الصدد.
أولاً، على باثيلي التخلي عن المسار الذي يترك القضايا الرئيسية في أيدي الغرفتين المتنافستين في ليبيا (“مجلس النواب” و”المجلس الأعلى للدولة”) ورئيسيهما (عقيلة صالح عيسى وخالد المشري، اللذين أطالا المفاوضات لسنوات للاحتفاظ بمنصبيهما ونفوذهما).
ثانياً، بغض النظر عن مجموعة الليبيين التي يختارها باثيلي لتسهيل الحوار الدستوري معها، يجب أن يضع جدولاً زمنياً لأساس دستوري متفق عليه، وقانون انتخابي، ومدونة سلوك، ويطلب من الفصائل الرئيسية التوقيع على مجموعة محددة جيداً من إجراءات الحملات (الانتخابية) والانتخابات. ويجب أن يكون جوهر هذه القواعد والإجراءات واضحاً، بحيث يجدر بالفصائل الالتزام بتجنب العنف أو التحريض واحترام نتائج الانتخابات. على الولايات المتحدة وشركائها تشجيع جهود باثيلي مع المحاورين الليبيين وتعزيزها.
دور تركيا ومصر
سيستغرق الأمر بعض الوقت لتحديد الكيفية التي سيؤثر بموجبها انشغال الحكومة التركية بجهود الإنقاذ والإغاثة على سياستها في ليبيا، بالإضافة إلى تقييم الخسائر البشرية الكاملة الناجمة عن الزلزال الكارثي الذي وقع في 6 شباط/فبراير. وحتى الآن، يبدو أن تركيا تواصل دعمها وتدريبها العسكري لـ”حكومة الوحدة الوطنية”. وقد يتم تقليص الاستثمارات الاقتصادية التركية في ليبيا مع بدء شركات البنية التحتية بالتركيز على إعادة الإعمار بعد الزلزال، ولكن من المرجح أن تستمر معظم المصالح الاستراتيجية لأنقرة في الحفاظ على النفوذ الاقتصادي والأمني هناك.
ومن جهتها، قد يكون لدى مصر حالياً حافزاً أكبر للمساعدة في تحقيق الاستقرار في ليبيا نظراً لأزمتها الاقتصادية المتزايدة الخطورة في الداخل، والتي شملت تخفيضاً شديداً في قيمة العملة، وارتفاع التضخم، ونقص السلع الأساسية. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو ما إذا كانت القاهرة لا تزال تفضل الإبقاء على الوضع السياسي الراهن في شرق ليبيا أو حصد المنافع الاقتصادية الناتجة عن قيام حكومة ليبية مستقرة، لا سيما على شكل مئات الآلاف من فرص العمل للعمال المصريين، كما كان عليه الحال قبل ثورة 2011. ووفقاً لبعض التقارير، عرضت ليبيا أيضاً تثبيت الجنيه المصري من خلال توفير الودائع في البنك المركزي المصري.
وفي الوقت نفسه، أظهر التصدّع الطويل الأمد بين مصر وتركيا بوادر انحسار في الآونة الأخيرة. فخلال مباريات كأس العالم في العام الماضي، التقى الرئيس عبد الفتاح السيسي بالرئيس رجب طيب أردوغان في قطر. وبعد الزلزال، قام السيسي بالخطوة النادرة المتمثلة بالاتصال بالرئيس التركي، وتقديم التعازي له، ووعده بمساعدات تم تسليمها بعد ذلك بوقت قصير. وفي خطوة متابعة واضحة، استضاف رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي مجموعة من رجال الأعمال الأتراك في القاهرة في 15 شباط/فبراير لمناقشة الاستثمارات المخطط لها البالغة 500 مليون دولار، وهو الاجتماع الأول من نوعه منذ عقد. وتجدر الإشارة إلى أن مصر بصدد خصخصة العديد من الشركات التي تديرها الدولة، ويمكن أن تلعب تركيا دوراً في هذه العملية إلى جانب الاستثمارات الضخمة من قبل دول الخليج.
إن كل خطوة من هذه الخطوات بإمكانها أن تساهم في المصالحة المصرية التركية فيما يتعلق بالخلاف الاستراتيجي بين الدولتين حول ليبيا، والذي يشمل نزاعاً بحرياً، ومخاوف عسكرية مختلفة، وخلافات إيديولوجية حول الإسلام والسياسة. لدى الولايات المتحدة الآن فرصة كبيرة للتوسط في مناقشات ثنائية أو حتى ثلاثية مع القاهرة وأنقرة من أجل استكشاف ما إذا كانت أولوياتهما المتغيرة ستسمح بتخفيف التوترات بشأن ليبيا. ويمكن أن يؤدي وجود الإمارات وقطر إلى زيادة تحسين فرص التقدم. وحتى إحراز تقدم متواضع من شأنه أن يحسن بشكل كبير فرص التوصل إلى اتفاق لدفع ليبيا للمضي قدماً.
قيود الاجتماع الحالي
بصرف النظر عن صعوبات التفاوض بشأن بيان أساسي موحد بين تسع جهات فاعلة، نادراً ما تكون المناقشات على مستوى المبعوثين المكان المناسب لوضع أرضية سياسية جديدة نظراً لغياب الأقدمية. فممثلو وزارة الخارجية الذين يميلون إلى المشاركة في هذه المناقشات هم أيضاً في وضع غير مؤات لأن أجهزة المخابرات والأمن أصبحت تلعب حالياً دوراً أكثر أهمية في تحديد السياسة الليبية في صفوف الحكومات في المنطقة.
ويتمثل تحدٍ آخر لواشنطن في أن ليبيا لا تزال قضية ثانوية في المناقشات الثنائية الأمريكية مع مصر وتركيا، وبالتالي قد يكون من الصعب إعطاؤها أهمية أكبر. ويُفترض أن تكون إدارة بايدن قادرة على التحدث بجدية مع مصر حول ليبيا، مع الحفاظ على حوار مثمر بشأن القضايا الملحة الأخرى، وعلى الأخص مساهمة القاهرة في وقف تصعيد العنف الإسرائيلي الفلسطيني المتجدد. أما مع تركيا، فبإمكان واشنطن بالتأكيد إيجاد طريقة للتعامل مع ليبيا بشكل جوهري، مع استمرارها في دعم المساعدة الحيوية للمتضررين من الزلزال وإحراز التقدم في مناقشات “الناتو” والمبيعات العسكرية والسياسة الروسية، على الرغم من أن نطاق تعامل تركيا مع القضايا التي تتجاوز الإغاثة الإنسانية أصبح الآن محدوداً بدرجة أكبر.
ومن خلال الدبلوماسية الذكية، بإممكان واشنطن أن تستغل اجتماع ليبيا هذا الأسبوع للاستفادة من التحسن الواضح في العلاقات المصرية التركية، الأمر الذي يخلق زخماً لإجراء المزيد من المحادثات حول كيفية استفادة الدولتين بشكل متبادل من تخفيف حدة خلافهما بشأن ليبيا. وفي الوقت نفسه، يمكن أن تسهل هذه الجهود التغيير الأكثر أهمية في المشهد الليبي منذ شهور، مما يمنح باثيلي المساحة التي يحتاجها لوضع جدول زمني للانتخابات.
.
رابط المصدر: