مايكل سبنس
ميلانو – في عام 1979، حصل الخبير الاقتصادي الأمريكي ويليام آرثر لويس على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية لتحليله ديناميكيات النمو في البلدان النامية. ولسبب وجيه، أثبت إطاره المفاهيمي أنه بالغ الأهمية في فهم وتوجيه التغيير الهيكلي للعديد من الاقتصادات الناشئة.
تكمن الفكرة الأساسية التي طرحها لويس في أن تبدأ البلدان النامية النمو من خلال توسيع قطاعات التصدير الخاصة بها، والتي تستوعب فائض العمالة في القطاعات التقليدية مثل الزراعة. ومع زيادة الدخل والقوة الشرائية، تتوسع القطاعات المحلية إلى جانب القطاعات القابلة للتداول.
تميل معدلات الإنتاجية والدخول في قطاعات التصنيع كثيفة العمالة في المناطق الحضرية إلى حد كبير إلى أن تكون مرتفعة بمقدار 3 إلى 4 أضعاف مما هي عليه في القطاعات التقليدية، لذلك يرتفع متوسط الدخل أكثر كلما عمل عدد أكبر من الناس في قطاع التصدير المتنامي. ومع ذلك، كما أشار لويس، فإن هذا يعني أيضًا أن نمو الأجور في قطاع التصدير سيظل منخفضًا ما دام هناك فائض في العمالة في قطاعات أخرى. وفي حين لا يُمثل توافر اليد العاملة عائقًا، فإن العامل الرئيسي فيما يتعلق بالنمو يتلخص في مستوى الاستثمار الرأسمالي، وهو أمر ضروري حتى في القطاعات كثيفة العمالة.
تعتمد العائدات التي تُحققها هذه الاستثمارات على الظروف التنافسية في الاقتصاد العالمي. يمكن أن تُسفر هذه الديناميكيات عن معدلات نمو مرتفعة بشكل هائل تستمر في بعض الأحيان لسنوات، بل وحتى لعقود. ولكن هناك حدود: فعندما ينفد المعروض من العمالة الفائضة، يبلغ الاقتصاد ما يسمى بنقطة تحول لويس. وعادة ما يحدث هذا قبل أن يخرج بلد ما من نطاق الدول ذات الدخل المتوسط الأدنى. فقد وصلت الصين، على سبيل المثال، إلى نقطة تحول لويس قبل 10 إلى 15 عامًا، الأمر الذي أحدث تحولًا كبيرًا في ديناميكيات النمو في البلاد. عند بلوغ نقطة تحول لويس، لم تعد التكلفة الضمنية لنقل المزيد من العمالة من القطاعات التقليدية إلى القطاعات الحديثة ضئيلة للغاية. فقد بدأت الأجور تعرف زيادة ملحوظة في جميع أنحاء الاقتصاد، مما يعني أنه إذا كان للنمو أن يستمر، فلا بد أن يكون مدفوعًا ليس بتحويل العمالة من القطاعات منخفضة الإنتاجية إلى القطاعات عالية الإنتاجية، بل من خلال زيادة الإنتاجية داخل القطاعات. ونظرًا إلى صعوبة إتمام هذا التحول في كثير من الأحيان، تَحدُث نقطة تحول لويس عندما تقع العديد من الاقتصادات النامية في فخ الدخل المتوسط. يستحق نموذج النمو الذي وضعه لويس إعادة النظر حيث يتم اليوم اعتماد نموذج مماثل. عندما بدأ الاقتصاد العالمي في الانفتاح وأصبح أكثر تكاملاً منذ عدة عقود، تحولت أعداد كبيرة من الأيدي العاملة والقدرة الإنتاجية التي كانت منفصلة ويتعذر الوصول إليها في الاقتصادات الناشئة إلى قطاعي التصنيع والتصدير، مما أسفر عن نتائج مذهلة. فقد ابتعد نشاط التصنيع عن البلدان المتقدمة، ونمت الصادرات في الاقتصادات الناشئة بسرعة أكبر من الاقتصاد العالمي.
ونظرًا إلى الحجم الهائل للعمالة المنخفضة التكاليف نسبيًا في الاقتصادات الناشئة (خاصة الصين)، تراجع نمو الأجور في القطاعات القابلة للتداول في الاقتصادات المتقدمة، حتى عندما لم يتحول النشاط إلى الاقتصادات الناشئة. فقد تم تقويض القدرة التفاوضية للعمالة في الاقتصادات المتقدمة، وانتقلت الضغوط السلبية على الأجور المتوسطة والمنخفضة الدخل إلى القطاعات غير القابلة للتداول مع تحول العمالة المُستغنى عنها في قطاع التصنيع نحو قطاعات غير قابلة للتداول.
لكن هذه العملية انتهت عمومًا. لقد تحولت العديد من الاقتصادات الناشئة إلى بلدان متوسطة الدخل، ولم يعد الاقتصاد العالمي يمتلك قدرًا أكبر من العمالة منخفضة التكلفة التي يمكن الوصول إليها لتعزيز الديناميكية السابقة. وبطبيعة الحال، لا تزال هناك مجموعات غير مُستغلة من العمالة والقدرة الإنتاجية المحتملة في أفريقيا، على سبيل المثال. ومع ذلك، من غير المحتمل أن يدخل هؤلاء العمال قطاعات التصدير المُنتجة بالسرعة الكافية وعلى نطاق كاف على الزخم السابق لنقطة التحول. سوف تُخلف نقطة تحول لويس عواقب وخيمة على الاقتصاد العالمي.
تعرف القوى التي أدت إلى انخفاض الأجور والتضخم على مدى الأربعين سنة الماضية تراجعًا ملحوظًا. وهناك مجموعة واسعة من الاقتصادات الناشئة والمتقدمة آخذة في النمو، مما يعزز هذا الاتجاه، وقد أدت جائحة فيروس كوفيد 19 إلى خفض المعروض من العمالة في العديد من القطاعات، ربما على أساس دائم. وفي ظل هذه الظروف، من المرجح أن ينعكس التراجع في دخول العُمال الذي استمر لأربعة عقود كحصة من الدخل القومي – على الرغم من أن التشغيل الآلي وغيره من التقنيات السريعة التقدم في مجال توفير العمالة قد تعيق هذه العملية إلى حد ما.
باختصار، بعد أن استنفدت عدة عقود من النمو في البلدان النامية قدرًا كبيرًا من القدرة الإنتاجية غير المُستخدمة في العالم، أصبح النمو العالمي مقيدًا على نحو متزايد ليس بسبب الطلب بل بفعل ديناميكيات العرض والإنتاجية. هذا ليس تغييرًا مؤقتًا أو تحولاً عابرًا. ومن بين النتائج الواضحة المترتبة على هذه العملية أن القوى التضخمية قد تحولت بشكل أساسي. فبعد استقرار لفترة طويلة، من المحتمل أن يعود منحنى فيليبس (الذي يصف العلاقة العكسية بين معدلات التضخم والبطالة) بشكل دائم. سوف ترتفع أسعار الفائدة إلى جانب الضغوط التضخمية، والتي تُجبر البنوك المركزية الرئيسية بالفعل على سحب السيولة من أسواق رأس المال. ومن المُتوقع أن يمر الاقتصاد العالمي المثقل بالديون (إرث سنوات من أسعار الفائدة المنخفضة) بفترة من الاضطرابات حيث يتم إعادة ضبط مستويات الديون من أجل بيئة طبيعية جديدة لأسعار الفائدة. وسيجري تعديل عملية توزيع أصول المحفظة وفقًا لذلك، وسوف تنتهي فترة الازدهار الممتدة التي تفوق خلالها أداء أصول المخاطر على أداء الاقتصاد. لا أحد يستطيع أن يخمن كيف يمكن أن يحدث كل هذا بشكل مفاجئ. من المستحيل التنبؤ بنتائج محددة دقيقة. ستكون مواجهة الاقتصاد العالمي لنقطة تحول لويس عبارة عن فترة تتسم بقدر كبير من عدم اليقين، وهو أمر متوقع مع أي تغيير جذري.
سوف يشهد العديد من أصحاب المصلحة في الاقتصاد العالمي تحولاً جوهريًا في النظام. فقد أدت عدة عقود من النمو في الاقتصادات الناشئة إلى زيادة هائلة في عدد المستهلكين ذوي الدخل المتوسط والقوة الشرائية الإجمالية، مع إزالة القدرة الإنتاجية العالمية في الوقت نفسه بتكلفة منخفضة للغاية. وبطبيعة الحال، قد تظل هناك فترات من النمو المُقيد بالطلب، في أعقاب أزمات مثل الجائحة أو الصدمات المستقبلية الناتجة عن تغير المناخ. لكن النمط الأساسي سيكون نمط نمو محدود الإمدادات والإنتاجية، وذلك لأن الخزانات المتبقية من الطاقة الإنتاجية غير المستغلة بالكامل ليست كبيرة بما يكفي لمواكبة الطلب العالمي المتزايد.
لا يُركز عمل لويس أساسًا على الاقتصاد العالمي، باستثناء الحالات حيث توفر الأسواق الدولية التكنولوجيا والطلب اللازمين لتغذية النمو القائم على التصدير في المراحل المبكرة في البلدان النامية. ومع ذلك، فإن وجهة نظره القائلة بأن أنماط النمو تتغير بشكل كبير اعتمادًا على ما إذا كانت هناك موارد إنتاجية غير مستغلة مُتاحة (خاصة العمالة)، أصبحت أكثر أهمية من أي وقت مضى. عند تطبيقها على التحولات الجارية الآن في الاقتصاد العالمي، تتضمن أفكار لويس تغييرات حاسمة في أنماط النمو، وهيكل الاقتصادات، وتكوين سلاسل التوريد العالمية، والأسعار النسبية لكل شيء تقريبًا – بدءًا من السلع والخدمات والعمالة إلى السلع الأساسية ومختلف فئات الأصول. وبنفس القدر من الأهمية، فإنها تُشير إلى أن هذا الانتقال سيكون نهائيًا. إن اجتياز النسخة العالمية لنقطة تحول لويس ليس بالأمر السهل. من الضروري أن نبدأ بفهم التغييرات الهيكلية الأساسية.
* مايكل سبنس، حائز على جائزة نوبل في علوم الاقتصاد، أستاذ الاقتصاد الفخري والعميد السابق لكلية الدراسات العليا للأعمال في جامعة ستانفورد. مؤلف كتاب التقارب التالي: مستقبل النمو الاقتصادي في عالم متعدد السرعات
.
رابط المصدر: