عمرو بهاء الدين
نَفَّذت قوات التحالف الدولي في سورية بقيادة الولايات المتحدة، في السادس من أكتوبر 2022، عمليتين عسكريتين في شمال سورية. أدَّت أولاهما إلى مقتل القيادي أبو هاشم العماوي، نائب والي سورية في تنظيم داعش، ومسؤول آخر مرتبط به، عبر قصف جوي استهدفهما بالقرب من مدينة القامشلي. واستهدفت العملية الثانية، عبر إنزال جوي، قيادياً رفيعاً في تنظيم داعش في قرية ملوك سراي، والتي تبعد 17 كيلومتراً عن مدينة القامشلي التي تسيطر عليها قوات النظام السوري.
تُحلل هذه الورقة أهمية عملية الإنزال الأمريكي في منطقة سيطرة النظام، وما حملته من رسائل لمختلف الفاعلين المؤثرين في الساحة السورية، ودلالات حصولها دون تنسيق مُسبَق مع القوات الروسية عبر آلية عدم التضارُب بين الطرفين.
ما الذي جرى؟
تشير المعلومات المتوافرة عبر المرصد السوري لحقوق الإنسان المعارض إلى أن عملية الإنزال الأمريكي استمرت لحوالي أربع ساعات، وأدت إلى مقتل راكان الشمري (أبو حائل)، القيادي في تنظيم داعش، والذي يتحدّر من أصول عراقية ويتبع لقبيلة الشمّر العربية، واعتقال شخص عراقي لم تُعرَف هويته. كما اُعتُقِلَ قائد ميليشا “أنصار الأمن العسكري” في المنطقة خلال العملية -والتي تعتبر ميليشيا مدعومة من فرع الأمن العسكري التابع للنظام السوري في القامشلي- حيث كان يوجد في نفس المنزل التي حصلت فيه العملية.
لم تُشِر الولايات المتحدة إلى مكانة الشخص المستهدف، إلّا أن مصادر محلية (لم يتسنَّ التأكد من دقة معلوماتها) أشارت إلى مساهمة راكان الشمري في قتل جندي أمريكي في وقت سابق خلال إحدى العمليات. ومن جهتها، ذكرت وسائل الإعلام الرسمية التابعة للنظام أن القوات الأمريكية قتلت راعياً، واختطفت شخصين عبر عملية الإنزال الجوي. وأوضحت الولايات المتحدة بعد يومين من العملية أن قاعدتها العسكرية في حقل الرميلان شرق سورية تعرَّضت لقصف صاروخي من مجموعات مجهولة، في ما اُعتُبر رداً من ميليشات النظام وحلفائه على حادثة الإنزال الجوي.
تُسلِّط حادثة الإنزال الأمريكي الأخيرة في مناطق النظام السوري ووجود عناصر تنظيم داعش في منزل قائد ميليشا تابعة للنظام، الضوء على احتمالين: أولهما، احتفاظ تنظيم داعش بقدرته على اختراق مناطق سيطرة النظام. والاحتمال الثاني، أن النظام هو مَنْ سهَّل لوجود عناصر داعش في مناطق سيطرته، بسبب تطابق مصالحهما في الوقت الراهن
أهمية الإنزال الأمريكي ودلالاته
لعملية الإنزال الجوي الأمريكي لأول مرة داخل مناطق النظام السوري أهمية كبرى، إذ تطرح علامات استفهام عدّة حول وجود قيادي داعشي داخل مناطق سيطرة النظام وداخل منزل قائد ميليشيا “أنصار الأمن العسكري” المدعوم من قبل النظام. وسلّطت عملية الإنزال الأمريكي الضوء على آليات النظام السوري الهشّة في السيطرة على مناطق واسعة من شرق الفرات وتحالفاته مع ميليشيات محلية لا تتمتع بالولاء الكامل له، وعدم وجود قوات عسكرية نظامية لفرض السيطرة بالمعنى التقليدي.
قام النظام السوري منذ شهر نوفمبر 2021 بحملة سياسية وأمنية كبيرة في مناطق سيطرته في شرق الفرات ركَّزت على إجراء مصالحات مع السكان المحليين. وشملت تحركات النظام زيارات حكومية وأمنية رفيعة المستوى، واجتماعات مع العشائر العربية لتوسيع نفوذه في المنطقة مُستغلاً الضغوط العسكرية التركية والسياسيّة الروسية على الإدارة الذاتية الكردية، وتردّي الخدمات بشكل عام. ونظراً لنقص العناصر البشرية، فقد شكَّل النظام السوري مجموعة تحالفات محلية مع القبائل العربية الموجودة في شرق الفرات، وأوجد ميليشيات محلية مدعومة من أجهزته الأمنية للسيطرة على هذه المناطق في مقابل تأمين غطاء أمني وسياسي لهذه المجموعات وأفرادها، ومَنْحهم بطاقات وتسهيلات أمنية في المنطقة.
إلّا أن آليات السيطرة التي شكَّلها النظام في مناطق شرق الفرات منذ نهاية العام الفائت اتسمت بالهشاشة وعدم الولاء الكامل وسط وجود العديد من المجموعات والميليشيات المدعومة من النظام مباشرة، أو من قبل إيران وقواتها على الأرض، حيث تعمل هذه المجموعات وفق أجندات مختلفة تتبع ديناميكية الأوضاع الميدانية ومصالح أفرادها بشكل أساسي. كما تفتقر سيطرة النظام على هذه المناطق لأدوات فرض القانون التقليدية من قوات جيش نظامية وشرطة وغيرها، التي تعمل عادًة على تنفيذ مصالح الدولة.
وتُسلِّط حادثة الإنزال الأمريكي في مناطق النظام ووجود عناصر تنظيم داعش في منزل قائد ميليشا تابعة للنظام في تلك القرية، الضوء على احتمالين: أولهما، احتفاظ تنظيم داعش بقدرته على اختراق مناطق سيطرة النظام والوجود بها والعمل مع اللاعبين المحليين هناك لتسيير مصالحه. والاحتمال الثاني، أن النظام هو مَنْ سهَّل عبر عملائه وميليشياته لوجود عناصر تنظيم داعش في مناطق سيطرته، بسبب تطابق مصالحهما في الوقت الراهن، والمتصلة بإضعاف الأكراد في شرق سورية. كما تُسلِّط عملية الإنزال الجوي الضوء على قدرة قوات التحالف الدولي على جمع المعلومات الميدانية، ورصد وجود عناصر داعش في مناطق النظام رغم عدم وجود أي قوات مُسانِدة على الأرض.
وتأتي العملية العسكرية الأمريكية داخل مناطق النظام وسط تنامي النفوذ الإيراني داخل مناطق شرق الفرات، وتزايد أعمال الميليشيات المدعومة من إيران في أعمال التهريب وصناعة المخدرات عبر الحدود السورية العراقية في ضوء التوجه الإيراني لنقل مراكز العمليات نحو المنطقة الشرقية بعد سلسلة الهجمات الإسرائيلية التي تعرَّضت لها مواقع إيران في غرب سورية. ويمكن أن تشكّل هذه العملية سابقة لعمليات أخرى يمكن أن تقوم بها الولايات المتحدة في شرق سورية لاستهداف عناصر داعش المتخفين داخل مناطق سيطرة النظام وحلفائه، حيث ترسل الولايات المتحدة عبر هذه العملية رسالة إلى النظام وحلفائه بأن مناطق سيطرته لايمكن أن تكون مأوى لتنظيم داعش.
حصول عملية الإنزال الجوي الأمريكي الأخيرة في شرق الفرات دون تنسيق مُسبَق مع القوات الروسية عبر آلية عدم التضارُب بين الطرفين، قد يُشير إلى تراجع النفوذ الروسي في سوريا بشكل عام، وأن الولايات المتحدة قادرة على تنفيذ عمليات عسكرية لحماية مصالحها دون ضرورة التنسيق مع القوات الروسية
البُعد الروسي
وسط أهمية الاستهداف الأمريكي الأول لمناطق سيطرة النظام السوري، أوضحت مصادر عسكرية أمريكية لقناة “سي إن بي سي نيوز” بأنه لأول مرة منذ فترة بعيدة، لم تستخدم القوات الأمريكية آلية عدم التضارُب مع القوات الروسية لإخطارها بالإنزال الجوي في مناطق النظام السوري أو وجود القوات الأمريكية هناك، وأضاف بأن عدم إخطار الجانب الروسي كان نتيجة “للأمن التشغيلي” (operational security)، ولا علاقة لذلك بالحرب الروسية في أوكرانيا.
ويمكن أن تُشير الخطوة الأمريكية بعدم استخدام آلية عدم التضارب قبل القيام بالإنزال الجوي إلى أن القوات الأمريكية كانت متأكدة من عدم وجود قوات روسية في المنطقة، أو أن القوات الأمريكية كانت متخوفة من أن يُبلِغَ الجانب الروسي النظام السوري حول العملية في ضوء توتر العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة على الصعيد السياسي، مما قد يُعرِّض العملية والقوات الأمريكية لخطر لا داعي له. ويُشير ذلك أيضاً إلى تراجع النفوذ الروسي في سوريا بشكل عام، وأن الولايات المتحدة قادرة على تنفيذ عمليات عسكرية لحماية مصالحها دون ضرورة التنسيق مع القوات الروسية.
استنتاجات
تأتي عملية الإنزال الأمريكي في مناطق سيطرة النظام السوري وسط أجواء دولية متوترة في ضوء الحرب الروسية في أوكرانيا، وتَعثُّر العملية السياسية في سورية. ومن المبكر الحُكْم ما إذا كان الإنزال الأمريكي بداية لتغيير في قواعد الاشتباك في سورية أو دور القوات الأمريكية هناك في ضوء التوترات الدولية والضغوطات المتزايدة على روسيا، ولكن يبدو أن واشنطن مُصممة على استهداف داعش في شمال سورية، ليس فقط في مناطق سيطرة أو نفوذ تركيا والقوات الكردية، بل في مناطق سيطرة النظام وحلفائه أيضاً.
.
رابط المصدر: