يستهل عام 2023 بجملة من المخاطر السياسية والاقتصادية تتسم بطبيعة مختلفة عن نظيرتها التي شهدها وعانى منها العالم من قبل نظرًا لتباين طبيعة الأحداث العالمية والتي تصب وقودًا على المخاطر العالمية بين عامًا وآخر، وتزيد من حالة عدم اليقين التي تشوب الآفاق الاقتصادية العالمية.
وفي ضوء تلك التباينات، أصدر المنتدى الاقتصادي العالمي تقريرًا حول أبرز المخاطر العالمية خلال الأجلين القصير والطويل مستكشفًا تأثير الأبعاد الصحية والاقتصادية والاجتماعية التي استمرت خلال الأعوام الماضية على تفاقم المخاوف والمخاطر التي تواجه جميع دول العالم على حدٍ سواء.
المخاطر العالمية بين الحاضر والماضي
هيمن المشهد الاقتصادي على تقرير المخاطر العالمية هذا العام انطلاقًا من تعقد البيئة الاقتصادية العالمية عقب قيام اندلاع الحرب في أوكرانيا فبراير 2022 والتي أحدثت خللًا ملموسًا في توازن العرض والطلب في غالبية القطاعات الاقتصادية مما أثار ضغوطًا تضخمية خلقت أزمة معيشية تتمثل في ارتفاع تكاليف المعيشة للأفراد والأسر في مختلف بلاد العالم.
ومع بداية عام 2023، يواجه العالم خلال الأجل القصير (على مدار العامين المقبلين) مجموعة من المخاطر التي تبدو جديدة تمامًا، ويأتي هذا التغيير بعدما تصدرت المخاوف البيئية والصحية قائمة المخاطر العالمية خلال العاميين الماضيين في ظل تصاعد حدة الصدمات المناخية التي شهدها العالم بمختلف صورها، وفي ظل استمرار تداعيات جائحة كورونا. وفيما يلي نقاط بأبرز المخاوف العالمية خلال العام الحالي:
• المخاطر الاقتصادية: شهد العالم عودة المخاطر الاقتصادية القديمة على الساحة من جديد كالتضخم والحروب التجارية، وتدفقات رأس المال النازحة من الأسواق الناشئة، والاضطرابات الاجتماعية المتأججة، حيث تسببت الحرب الأوكرانية في إعاقة مسار التعافي من تداعيات جائحة كورونا؛ إذ يمثل التحول الناتج نحو سياسة نقدية تشددية نهاية حقبة اقتصادية تتميز بسهولة الوصول إلى الديون مما سيترتب عليه تداعيات واسعة النطاق على الحكومات والشركات والأفراد، ومما قد يساهم أيضًا في توسيع دائرة عدم المساواة داخل الدول المختلفة. ويأتي تقييد السياسة النقدية في ظل ارتفاع أسعار السلع الأساسية كالطاقة والغذاء كنتيجة منطقية لتراجع الإمدادات حيث فرضت حوالي 30 دولة قيودًا كحظر الصادرات وعسكرة السلع الأساسية مما ساهم في تفاقم الموجة التضخمية العالمية، كما إنه من المتوقع أن تظل أسعار الطاقة أعلى بنسبة 46% خلال عام 2023 مقارنة بتوقعات يناير 2022. ولا تقتصر تداعيات أزمة تكلفة المعيشة على المستوى الاقتصادي فقط، بل تمتد لتطال الشرائح الأكثر ضعفًا من المجتمعات ولاسيما النامية مما قد يحول تلك الأزمة إلى أزمة إنسانية واسعة النطاق خلال العاميين المقبلين في العديد من الأسواق المعتمدة على الاستيراد، وقد يمثل استمرار الضغوط الاقتصادية تحديًا رئيسيًا للأنظمة السياسية في جميع أنحاء العالم. وخلاصة القول إنه مع اقتراب الصراع بين روسيا وأوكرانيا من استكمال عامه الأول، فسيكون من الصعب أن تنتعش الاقتصادات والمجتمعات بسهولة من الصدمات المستمرة.
• المخاطر البيئية: تأتي المخاطر البيئية عقب نظيرتها الاقتصادية على عكس السنوات السابقة، والتي تشير إلى عدم حدوث تقدم عالمي عميق بشأن تحقيق الأهداف المناخية حيث وصلت مستويات ثاني أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النيتروز في الغلاف الجوي إلى مستويات قياسية، بما يعني ابتعاد العالم رويدًا رويدًا عن الوصول لهدف صفر انبعاثات كربونية، وسيؤدي التفاعل بين التغيرات المناخية وفقدان التنوع البيولوجي وانعدام الأمن الغذائي واستهلاك الموارد الطبيعية إلى تسريع انهيار النظام الإيكولوجي، وتهديد الإمدادات الغذائية وسبل العيش في الاقتصادات المعرضة للظواهر المناخية المتطرفة. ومن النتائج المتوقعة للتغيرات المناخية، تزايد الهجرة المناخية وظهور الجماعات الإرهابية والصراعات في الاقتصادات الناشئة.
• المخاطر التكنولوجية: يُنظر إلى التطور التكنولوجي كسلاح ذو حدين، حيث ستظل مخاطر الأمن السيبراني مصدر قلق دائم، نظرًا لمساعي الدول حول العالم لزيادة الإنفاق على البحث والتطوير في التقنيات التكنولوجية الناشئة، مما سيؤدي إلى حدوث تطورات متسارعة ومتلاحقة في الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية والتكنولوجيا الحيوية. وبالنسبة للدول التي تستطيع أن تتحمل تكاليف التطور التكنولوجي، فسوف تتمتع بالتوصل إلى حلول جزئية لمجموعة من الأزمات الناشئة، كمعالجة التهديدات الصحية وتوسيع نطاق الأمن الغذائي والتخفيف من تداعيات الصدمات المناخية. أما بالنسبة لنظيرتها التي لا تستطيع تحمل تلك التكاليف، فإنها ستعاني من نمو مستويات عدم المساواة. وفي كل الأحوال، دائمًا ما يصاحب التطورات التكنولوجية مخاطر عديدة على صعيد كافة المستويات بداية من توسيع نطاق انتشار المعلومات المضللة، والتأثير على الوظائف التقليدية، فضلًا عن تزايد احتمالية اختراق وانتهاك خصوصية بيانات المستخدمين.
• المخاطر الاجتماعية: يُمثل تآكل التماسك الاجتماعي أحد المخاطر الناجمة عن تفاقم الأزمات الاقتصادية كأزمات الديون وأزمات تكلفة المعيشة والتضخم، والانكماش الاقتصادي الذي قد يتحول إلى ركود، وقد احتلت المخاطر الاجتماعية المركز الخامس في قائمة أبرز المخاطر التي قد يشهدها العالم خلال العامين المقبلين، حيث يتم ترجمة الانقسامات الاقتصادية والاجتماعية إلى تقسيمات سياسية.
ماذا عن الأجل الطويل؟
تتحول بوصلة المخاطر العالمية نحو فشل العمل المناخي الجماعي مبتعدة عن أزمة تكلفة المعيشة خلال العقد المقبل؛ إذ يتنبأ تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي بأن العشر سنوات المقبلة سوف تشهد العديد من الأزمات البيئية والمجتمعية الناتجة عن فقدان التنوع البيولوجي وانهيار النظام الإيكولوجي حيث تندرج جميع المخاطر البيئية الستة في قائمة أعلى عشر مخاطر في الأجل الطويل. واتصالًا بذلك، يتصدر الفشل في التخفيف من تداعيات تغير المناخ وفشل التكيف مع تغير المناخ القائمة باعتباره أكثر الأمور خطورة على المستوى العالمي، تليها الكوارث الطبيعية والظواهر المتطرفة وفقدان التنوع البيولوجي وانهيار النظام البيئي.
ومن المرجح أن يترتب على انهيار النظم البيئية عواقب اقتصادية واجتماعية بعيدة المدى، كانتشار الأمراض الحيوانية، وانخفاض غلات المحاصيل، وزيادة الإجهاد المائي الذي يؤدي إلى تفاقم الصراعات المحتملة، وفقدان سبل المعيشة التي تعتمد على النظم الغذائية، فضلًا عن حدوث حالة من عدم التوازن بين تحقيق استقرار الأمن الغذائي، والحفاظ على الطبيعة، حيث لا يزال تزايد استخدام الأراضي هو التهديد الأكثر غزارة للطبيعة. ويُعد الانتقال إلى الطاقة النظيفة أمرًا بالغ الأهمية للتخفيف من آثار التغيرات المناخية من خلال الحد من البصمة الكربونية والتوسع في البنية التحتية الخضراء لضمان الحفاظ على أمن الطاقة.
وإلى جانب المخاطر البيئية، يشير التقرير إلى أن المخاطر التكنولوجية وارتفاع عدم المساواة الرقمية وبروز النتائج السلبية للتطور التكنولوجي ستظل قائمة على مدار العقد الزمني القادم، في حين، ستتراجع حدة المخاطر الصحية والاقتصادية المتمثلة في فشل الحكومات في تثبيت مسارات الأسعار ومواجهة الركود الاقتصادي، وانفجار فقاعة الأصول.
اخيرا، يمكن القول أن عدم الاستعداد للمخاطر طويلة الأجل سيؤدي إلى زعزعة استقرار المشهد العالمي كما يجب أن تقوم الحكومات العالمية بالتأكد من أن معالجة الأزمات الحالية لا تخلق تداعيات تؤثر على الأزمات طويلة الأمد المتفاعلة مع بعضها البعض كالمخاطر البيئية والجيوسياسية وتأجج الصراعات السياسية.
.
رابط المصدر: