في ضوء التصعيد العسكري الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر 2023 على قطاع غزة، واستهداف بنية القطاع التحتية والمواقع الحيوية كالمرافق العامة والمستشفيات وغيرها وحرب الإبادة والتهجير التي تقوم بها فيما يمكن تسميته بجرائم الحرب، رغبةً في تصفية القضية الفلسطينية والإطاحة بحقوق وسيادة دولة فلسطين، جاءت المواقف المغاربية متباينة بين الرفض الحازم لذلك التصعيد الممنهج من جانب إسرائيل وتجلت في مواقف كل من الجزائر وتونس، بينما كان هناك ترقب في التفاعل المغربي مع تلك المستجدات لطبيعة مستجدات علاقاتها بإسرائيل.
الجزائر وتونس مواقف ثابتة وتحركات داعمة
تعد الجزائر إحدى أبرز دول شمال إفريقيا المعارضة بقوة لمسار التعاون أو التطبيع مع الكيان الصهيوني، بل كان هذا الملف واحدًا من بين النقاط الحرجة في العلاقات الجزائرية المغربية وسببًا للمقاطعة التي لا تزال قائمة، فمرتكزات السياسة الخارجية الجزائرية ثابتة تجاه ملف الحقوق الفلسطينية، علاوة على حالة التحول النوعي في تعاطيها مع الخلافات بين الفصائل الفلسطينية الذي برز في وساطتها لحل الخلافات بين تلك الفصائل منذ يناير 2022، وتكلل بتوقيع هذه الفصائل على إعلان الجزائر للمصالحة الوطنية، بغرض تعزيز وتوحيد الصف الفلسطيني كمجال حيوي لحل القضية الفلسطينية على أساس مبدأ حل الدولتين ووفقًا لمقررات الشرعية الدولية، وعلى المستوى الداخلي يمكن توضيح الموقف الجزائري خلال التالي:
- النافذة الدبلوماسية: على المستوى الرسمي فقد تبع بدء العملية العسكرية من إسرائيل عقد اجتماع طارئ للمجلس الأعلى للأمن في الجزائر للتباحث بشأن التطورات الأمنية والإنسانية داخل فلسطين، وقد تم التأكيد على تمسك الجزائر بإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس في حدود يونيو 1967، مع تأكيد الدولة الجزائرية على تضامنها الكامل مع الشعب الفلسطيني ورفض عمليات الإبادة الجماعية الممنهجة.
ومنذ بدء إسرائيل شن عدوانها الغاشم على قطاع غزة، وصفّت الجزائر ما ترتكبه إسرائيل بأنه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وتكتيكات لإبادة وتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، وتجلى ذلك في المشاورات المكثفة التي قامت بها القنوات الدبلوماسية الجزائرية مع نظيرتها في المنطقة العربية وفي مقدمتها الأردن ولبنان، وأعلنت خلال أعمال الاجتماع الوزاري العربي الطارئ في الحادي عشر من أكتوبر الجاري عبر وزير خارجيتها “أحمد عطاف” عن تضامنها مع الفلسطينيين وأبدت استنكارها ورفضها للعدوان الصهيوني على الأراضي الفلسطينية، بل وتسجيل اعتراض الجزائر على البيان الختامي للاجتماع العربي الطارئ، حيث طالب بعدم مساواة الحق الفلسطيني غير القابل للتصرف في تقرير مصيره لإقامة دولة ذات سيادة على حدود 1967؛ مع ممارسات الكيان الصهيوني التي تنتهك كافة المواثيق ومقررات الشرعية الدولية.
- مستوى المؤسسات الدولية: انطلاقًا من وضعية الأمم المتحدة ومجلس الأمن تجاه القضايا المسلحة، وعلى مستوى القضية الفلسطينية على وجه الخصوص، فقد أكد “نذير العرباوي” الممثل الدائم لدى الأمم المتحدة على موقف الجزائر الثابت، وأهمية إعمال مجلس الأمن لشؤونه وتحمل مسؤولياته المنوطة به لوقف الحرب والاعتداءات والانتهاكات التي تمارسها قوات الاحتلال، مع إدانة كافة الأعمال الإجرامية التي يقوم بها العدوان الإسرائيلي، ورفض السياسات الاستيطانية والعمل الممنهج لفرض الأمر الواقع وتغيير الوضع التاريخي والقانوني للمسجد الأقصى.
- الموقف الحزبي والشعبي: لاقى الموقف الجزائري الرسمي حيال الحرب العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة التفافًا شعبيًا وحزبيًا، إذ إن كافة الأحزاب “المولاة، المعارضة” نددت بالحرب الغاشمة الإسرائيلية على فلسطين أبرزها (حركة البناء الوطني – حركة مجتمع السلم – حركة النهضة – طلائع الحريات) وكذلك التضامن الكامل واللامشروط للشعب الفلسطيني، وتكامل مع الموقف الشعبي تفعيل الدبلوماسية الناعمة التي اتضحت معالمها من خلال التوجيهات الرئاسية للاتحاد الجزائري لكرة القدم، باستضافة والتكفل بمصاريف المباريات المقبلة للمنتخب الفلسطيني ضمن إطار تصفيات كأس العالم 2026.
ولا يبتعد الموقف التونسي ولا الموريتاني عن التوجه والتحرك الجزائري؛ حيث أبدى الرئيس التونسي الموقف الثابت والداعم والمتمسك بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، مع الإدانة الرسمية للغارات الإسرائيلية على قطاع غزة وتوصيف التحرك الإسرائيلي بــ “العدوان الغاشم”، مع إطلاق دعوات للمجموعة الدولية للتدخل العاجل لوقف الانتهاكات وتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، وعقب المجزرة الدموية التي قام بها جيش الاحتلال الإسرائيلي باستهداف مستشفى “المعمداني” في السابع عشر من أكتوبر الجاري، عقّد الرئيس “قيس سعيد” اجتماعًا لمجلس الأمن القومي التونسي الذي وصّف تطورات المشهد، بأن التحولات المختلفة بمثابة “معركة ضد الصهيونية العالمية”، مع إطلاق دعوة لتضامن شعبي للرأي العالم التونسي والعربي مع فلسطين.
فيما اعتبرت الحكومة الموريتانية أن التصعيد بين إسرائيل وغزة، ناجم بالأساس لما تقوم به إسرائيل من ممارسات استفزازية مستمرة بحق الشعب الفلسطيني، علاوة على إدانة البرلمان الموريتاني للمجازر التي يقوم بها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، وذلك خلال الجلسة التي انعقدت بصورة طارئة في الرابع عشر من أكتوبر الجاري، مع التأكيد على التمسك بالمبادرة العربية للسلام وقرارات الشرعية الدولية وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وقيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس.
وامتد الموقف ليشمل الأحزاب المؤيدة والمعارضة، وكذلك الاتحادات النقابية والمهنية التي رفضت ونددت بالأعمال والمجازر التي يقوم بها جيش الاحتلال في فلسطين، حيث نظم محامو موريتانيا تظاهرة تضامنًا مع قطاع غزة ورفضًا للعدوان الإسرائيلي.
المغرب والمعادلة الحرجة
منذ إعلان المغرب انخراطها في مسار “أبراهام” المعني بالتطبيع العربي والخليجي مع إسرائيل، في ديسمبر 2020 في ضوء مقايضة تمت بمباركة أمريكية فيما يتعلق باعتراف إسرائيل بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية في مقابل إعادة استئناف العلاقات بين الرباط وتل أبيب، وما تبع ذلك من تزايد وتيرة التعاون والتنسيق ليس على المستوى الدبلوماسي أو الاقتصادي فقط ولكن على مستوى التعاون العسكري والاستخباراتي في ضوء الاتفاقيات التي تمت بين الجانبين من مطلع عام 2021.
لتفرض تلك المفردات وضعية حرجة للمملكة المغربية تجاه القضية الفلسطينية كقضية عربية وإسلامية، وكذلك لتضع المغرب في موقف لا تحسد عليه عقب حالة التصعيد العسكري الممنهج من جانب الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة في ضوء تبدّل أوراق اللعبة والتطلع لتصفية القضية الفلسطينية على حساب دول الجوار، وهو الأمر الذي يستوجب معه الوقف على التوجه المغربي حيال هذا التصعيد.
وعلى الرغم من ذلك فقد تحركت المغرب بصورة دبلوماسية عبر الدعوة لاجتماع على مستوى وزراء الخارجية العرب للجامعة العربية، والذي استخدم مفردات تتعلق بتوصيف المشهد منها “الحصار الكامل على غزة – استهداف المدنيين – انتهاكات إسرائيلية”، مع إطلاق دعوة للمؤسسات والمجتمع الدولي لتوفير الحماية الكاملة للشعب الفلسطيني بموجب القانون الدولي الإنساني، والتأكيد على ضرورة تبني جامعة الدول العربية مسارًا أكثر تعزيزًا لإيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وهذه المواقف ناجمة بالأساس على ضوء ترأس العاهل المغربي لـ “لجنة القدس الشريف”، والتي تؤكد على الحاجة المُلحة لتضافر جهود المجتمع الدولي لإيقاف الأعمال العدائية بأسرع وقت واحترام القانون الدولي الإنساني، والعمل على تفادي انزلاق المنطقة نحو مزيد من التصعيد والاحتقان.
إجمالاً؛ هناك حالة توافق جمعي واصطفاف مغاربي تجاه الوضع الأمني والإنساني داخل فلسطين عقب المجازر الوحشية التي قام بها الاحتلال الإسرائيلي ضد سكان قطاع غزة، على المستويين الرسمي والشعبي، بما يدفع بالقول بأن القضية الفلسطينية لا تزال رمزيتها ووضعها قائم وثابت في دوائر صنع القرار المغاربي، حتى على مستوى المملكة المغربية التي باتت تجمعها علاقات سياسية وعسكرية مع إسرائيل عقب التطبيع الذي تحقق في ديسمبر من عام 2020، إلا أنها لا تزال قابعة تحت الرأي العام العربي والإسلامي الجمعي الرافض لسياسات الاستيطان الإسرائيلي، وهو ما يجعلها تتفاعل مع هذا الملف رافضة نهج التصعيد العسكري المتبادل ومؤكدة على نهج الحوار والمفاوضات لحل شامل ودائم للقضية الفلسطينية استنادًا لقرارات الشرعية الدولية.
وتوافقت التوجهات على ضرورة وقف العمليات العسكرية، وكذلك دعم المساعدات الإنسانية وإعمال المؤسسات الدولية لشؤونها لوقف التصعيد واحتواء الموقف، أيضًا توافقت التوجهات بشأن حتمية معالجة شاملة وعاجلة للقضية الفلسطينية على أساس مبدأ حل الدولتين.
.
رابط المصدر: