تفجير الأزمة: قراءة في قرار مقتدى الصدر اعتزال العمل السياسي نهائيًا

محمد عبد الرازق

 

أعلن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر اليوم اعتزال العمل السياسي نهائيًا، وغلق كافة المؤسسات التابعة للتيار الصدري إلا المرقد والمتحف. وهو القرار الذي كان مفاجئًا إلى حد كبير، ويرتب تداعيات كبيرة على المشهد السياسي في العراق، خاصة مع ما حدث على إثر القرار من توافد المئات والآلاف من أنصار الصدر على المنطقة الخضراء، واقتحام القصر الجمهوري ومقر الحكومة، ما دفع قيادة العمليات المشتركة إلى إعلان حظر التجوال العام في بغداد، ولكن هذا القرار لم ينجح في إعادة المتظاهرين إلى منازلهم، أو على الأقل تخفيف حدة التظاهر والاعتصام.

تراكمات متأزمة

يأتي قرار مقتدى الصدر بعدما باءت كل محاولاته لتغيير بنية المشهد السياسي في العراق والتخلي عن منطق المحاصصة الطائفية في إدارة البلاد، وتشكيل حكومة أغلبية وطنية بدلًا من الحكومات الائتلافية التي درجت القوى السياسية على تشكيلها منذ وضع الدستور العراقي لعام 2005. وقد قام الصدر في سبيل تحقيق هذا الهدف بدعوة نوابه في البرلمان إلى الاستقالة، ثم دعوة أنصاره إلى الاعتصام في محيط مبنى البرلمان العراقي اعتراضًا على ترشيح الإطار التنسيقي للقوى الشيعية لمحمد شياع السوداني كرئيس للحكومة، وهو الذي تثار حوله اتهامات كثيرة بالفساد، فضلًا عن كونه مقرب من رئيس الوزراء الأسبق ورئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي الخصم اللدود لمقتدى الصدر.

المطلب الأساسي لمقتدى الصدر في هذا المضمار كان ما عبر عنه بوضوح يوم 6 أغسطس بدعوته إلى حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات نيابية مبكرة، بهدف فرض معادلة جديدة على المشهد السياسي في العراق تتمثل في إنهاء السبب الأساسي للأزمة الراهنة وهو التركيبة البرلمانية التي أفرزتها الانتخابات، والاحتكام مجددًا إلى العراقيين في اختيار ممثليهم داخل البرلمان بما يمكن أن يسمح بفرض أغلبية واضحة تستطيع تشكيل حكومة أغلبية، ومن ثم يتحقق هدفه الذي سعى إليه بعد الانتخابات وفشل في تحقيقه سواء حكومة أغلبية يشكلها هو أو يشكلها خصومه.

وكانت هذه الدعوة بمثابة شروط مسبقة من جانب الصدر للمشاركة في الحوار الوطني الذي دعا إليه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، إلا أن الرفض التكتيكي للإطار التنسيقي للقوى الشيعية لهذه الدعوة –رغم الموافقة المبدئية- والمتمثل في ضرورة أن يتم حل البرلمان من داخل البرلمان بمعنى انعقاد جلساته أولًا ثم التصويت على الحل، دفع الصدر إلى عدم التجاوب مع دعوة الكاظمي للحوار الوطني الذي انعقدت أولى جلساته في 18 أغسطس 2022. ودعوته القضاء العراقي يوم 10 أغسطس إلى حل البرلمان “لتصحيح المسار”، وهو ما رد عليه مجلس القضاء الأعلى يوم 14 أغسطس بأنه ليس من صلاحياته.

تفجير الأزمة

يمثل قرار مقتدى الصدر باعتزال العمل السياسي تمامًا تفجيرًا للمشهد السياسي والأمني في العراق؛ إذ يدرك الصدر أن هذا القرار سيدفع –بإيعاز من قيادات التيار الصدري أو بدون- إلى خروج الآلاف من أنصار التيار إلى الشوارع وخاصة في المنطقة الخضراء، ما يعني حالة شديدة التعقيد محتملة من التدهور الأمني. وهو ما حدث بالفعل باقتحام المنطقة الخضراء، ومقر القصر الجمهوري، وإعلان رئيس الوزراء تعليق جلسات الحكومة حتى إشعار آخر بسبب دخول مجموعة من المتظاهرين لمقر مجلس الوزراء المتمثل بالقصر الحكومي.

وتوضح عدة وقائع منها استمرار توافد أنصار التيار الصدري إلى شوارع بغداد رغم سريان حظر التجوال، وكذلك تمدد المظاهرات إلى المحافظات ذات الأغلبية الشيعية مثل محافظات ذي قار وميسان والبصرة، وإقدام المتظاهرين على اقتحام مقار حكومية فيها، مثل اقتحام مقر محافظة ذي قار ومقر محكمة ميسان، إلى أن تدهورًا أمنيًا سيكون مرجحًا بقوة خلال الفترة المقبلة إذا لم تنجح مساعي التهدئة التي يقوم بها الكاظمي وبعض قيادات قوى الإطار التنسيقي مثل رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي.

وتعيد هذه الوقائع التي تشهدها المحافظات العراقية إلى الأذهان ما شهدته هذه المحافظات تحديدًا ومحافظات أخرى من حراك شعبي متفجر في أكتوبر 2019 كان المواطنون العراقيون الشيعة من المهمشين هم وقودها الأساسي، وهم الذين نجح مقتدى الصدر بعدة قرارات وإجراءات قبل إجراء الانتخابات التشريعية الأخيرة في أكتوبر 2021 وحتى الآن في استقطاب واستمالة قطاعات واسعة منهم، ما يعني انضمام هؤلاء بشكل ضمني إلى الحراك الصدري الحالي، ما يشير إلى احتمالات توسع الحركة الاحتجاجية التي تشهدها المحافظات الشيعية العراقية بالإضافة إلى العاصمة بغداد خلال الفترة المقبلة.

يشبه قرار مقتدى الصدر الأخير باعتزال العمل السياسي نهائيًا قراره قبل انتخابات أكتوبر 2021، وتحديدًا في 15 يوليو 2021 بعدم المشاركة في الانتخابات و”سحب يده ممن يدعي الانتماء للتيار في الحكومة الحالية”، بعد حادثة احتراق مستشفى الحسين المخصص لعزل مصابي كورونا بمحافظة ذي قار. وهو القرار الذي أسهم بشكل كبير في ازدياد شعبية التيار الصدري، علاوة على أنه جعل كافة أطراف العملية السياسية في العراق تحاول إثناءه عن قراره بعدم المشاركة في الانتخابات، وهو ما تحقق بالفعل بعدما شارك في الانتخابات وحاز الأغلبية النيابية.

ومن ثم يمكن القول إن مقتدى الصدر يهدف من وراء قراره اعتزال العمل السياسي إلى الضغط بكل ما أوتي من قوة سياسية وشعبية وازنة في المشهد العراقي على الأطراف المعنية بالأزمة في العراق داخليًا وخارجيًا لتحقيق ما يهدف إليه من إصلاح سياسي. وهو تخيير ضمني لهم إما تحقيق هذا الهدف عبر حل البرلمان والاتجاه إلى انتخابات نيابية مبكرة، أو الذهاب إلى تدهور سياسي وأمني غير مسبوق وموجة احتجاجية قد تكون أعنف من احتجاجات أكتوبر 2019.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/72561/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M