يعد لبنان نموذجًا فريدًا في العالم العربي من حيث تعدد طوائفه مقارنة بمساحته الصغيرة، إضافة إلى موقعه على ساحل البحر الأبيض المتوسط وبالتحديد على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة مما يجعله على خط التماس الأول في مواجهة العدو الصهيوني، هذه العوامل وغيرها جعلت من لبنان ساحة صراع مفتوحة تعصف بها الأزمات والاضطرابات الداخلية فضلا عن الحروب التي يشنها العدو الصهيوني انطلاقًا من الحدود الجنوبية.
المجتمع اللبناني مجتمع طائفي مهتم بالسياسة ومستجداتها، تكثر فيه الأحزاب والجماعات من مختلف الأديان والطوائف والمذاهب، وهو وإن تغنَّى ساسته وزعماؤه بعبارات اللاطائفية والوحدة الوطنية والعيش المشترك، إلا أن هذه الشعارات تسقط عند أول استحقاقٍ جدي تستشعر فيه طائفة ما بالخطر على مصالحها وتهديد حقوقها أو امتيازاتها. هذا الجو المشحون دفع بجميع الأطراف للتعبئة الطائفية والبحث عن حليف خارجي وقوة إقليمية أو دولية تكون بمثابة الراعي الرسمي لحقوقها والمدافع عن مصالحها ووجودها. فطالب النصارى بالحماية الغربية، وتمسك السنة بالعمق الإسلامي السني من حولهم، وارتبط الشيعة بالمشروع الإيراني المتمثل بولاية الفقيه، أما سائر الأقليات كالدروز والعلويين مثلًا فتركزت سياستهم على المناورة بين أطراف الصراع وتبديل المواقع والتحالفات السياسية وفق ما تقتضيه مصالحهم.
دفع اللبنانيون ثمن هذه الاصطفافات الطائفية حربًا دامت خمسة عشر عامًا خرج الجميع منها مستنزفين إلا حزب الله المرتبط بإيران والذي دخل الساحة اللبنانية من بوابة مقاومة الاحتلال الصهيوني لجنوب لبنان مما أضفى على وجوده في مراحل معينة شرعية وطنية وقبولًا شعبيًّا، وهو الأمر الذي أدخل لبنان لاحقًا مرحلة جديدة من الاضطرابات والأزمات العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية.
تهدف هذه الورقة البحثية لاستعراض المشهد اللبناني على امتداد مراحله السابقة منذ اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية حتى انهيار الاقتصاد اللبناني مطلع عام 2020 في محاولة لتقديم رؤية شاملة للمشهد اللبناني بالمرور على المحطات الرئيسية والفاعلين الرئيسيين.
لقرأة دراسة تفكيك المشهد اللبناني عوامل الصراع وأطرافه برجاء الاطلاع علي ملف الـ PDF