مع مطلع يوم الأحد القادم الموافق السابع من فبراير 2021، يكون باتريك زكي قد أكمل عامه الأول في أحد السجون المصرية بعد أن تم اعتقاله منذ عام تقريباً لدى عودته إلى مصر عائداً من إيطاليا. وباتريك جورج زكي هو طالب دراسات عليا مصري بجامعة بولونيا بإيطاليا، ألقي القبض عليه لدى وصوله مطار القاهرة الدولي أثناء عودته إلى وطنه من بولونيا في زيارة عائلية قصيرة يوم 7 فبراير 2020. وتم احتجاز باتريك زكي في المطار بشكل غير قانوني والتحقيق معه من قبل جهاز الأمن الوطني في مطار القاهرة ولم يُسمح له بالتواصل مع أهله أو محاميه لمدة تجاوزت ٢٤ ساعة. وبعد التحقيق معه في المطار تم نقل باتريك إلى إحدى مقرات الأمن الوطني بالقاهرة ثم لاحقا إلى مقر آخر للأمن الوطني بمدينة المنصورة، محل ميلاده وسكنه الأصلي.
وحسب بيان أصدرته المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، فقد تعرّض زكي في فترة اختفائه للتهديد والتعذيب والصعق بالكهرباء، على غرار ما حدث من قبل مع الباحث الإيطالي جوليو ريجيني، وذلك أثناء سؤاله عن عمله ونشاطه، طبقا لمحاميه، قبل أن يظهر لأول مرة صباح السبت ٨ فبراير في إحدى نيابات المنصورة حيث بدأ التحقيق معه في ساعة متأخرة من النهار، ثم قررت النيابة حبسه 15 يوم على ذمة التحقيق. جدير بالذكر أنه بالإضافة إلى دراسته للحصول على درجة الماجستير من جامعة بولونيا، يقوم زكي بإجراء أبحاث حول قضايا حقوق الإنسان من خلال المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ومقرها مصر. وفي إطار حملة الإعلام الإيطالي لنُصرة قضية الباحث الإيطالي جوليو ريجيني، جاءت التغطية الإعلامية لمرور عام على احتجاز باتريك جورج زكي؛ حيث يتزامن قرار النيابة المصرية بتجديد حبس زكي لمدة 45 يوماً أخرى (1 فبراير 2021) تقريباً مع الذكرى الخامسة لاكتشاف جثة جوليو ريجيني على طريق مصر-إسكندرية الصحراوي (3 فبراير 2016)، وهو ما جعل الإعلام يربط بين الحدثين أثناء تغطية قضية باتريك زكي.
وذلك بعد مرور أكثر من أسبوع على اختفاء ريجيني في القاهرة، وتحديداً يوم 25 يناير 2016، ومن ثَمَّ تعذيبه وقتله على يد ضباط مصريين من جهاز الأمن الوطني، حسبما جاء في بيان مكتب المدعي العام الإيطالي.
لعبة الوقت
يرى بعض المراقبين أن إبراز قضية باتريك زكي في الإعلام الإيطالي بهذه الكثافة قد لا يكون عفوياً إلى حد كبير، فقد تكون وراءه أهداف تريد بعض الأطراف تحقيقها، بما في ذلك محاولة شغل الرأي العام الإيطالي بقضية قد تكون فرعية ولكنها في نفس الوقت ترتبط ارتباطاً وثيقاً بقضية الطالب الإيطالي جوليو ريجيني. أضف إلى ذلك أن مراقبين آخرين يرون أن احتجاز باتريك زكي من البداية كان مقصوداً لاستخدامه كورقة للمساومة بها في إطار قضية ريجيني. وفي هذا السياق، إذا تم الإفراج عن زكي بعد عام أو عام ونصف من احتجازه، بعد حملة إعلامية قوية، فقد يُعَدّ هذا نوعاً من الانتصار للحكومة الإيطالية. ومن ناحية أخرى، تسعى وزارة الشؤون الخارجية الإيطالية أيضاً إلى تحقيق نجاح ما على الأرض لتخفيف الضغوط التي يمارسها الرأي العام الإيطالي عليها بخصوص قضية ريجيني، فقد يمثل إطلاق سراح باتريك حالة النجاح المنشودة لشغل الرأي العام في إيطاليا وتبريد قضية ريجيني التي يعلمون أنهم قد لا يحصلوا على العدالة لريجيني فيها. ويبدو أن هذا ما كان يهدف إليه السيسي أيضاً عندما أمر باعتقال طالب جامعة بولونيا المصري. لذلك، يرى بعض المراقبين أن إعطاء كل هذا الاهتمام لقضية باتريك زكي في ذكرى مرور عام على اعتقاله قد يكون أيضاً محاولة من جميع الأطراف لكسب الوقت في قضية ريجيني، إيطاليا ومصر على حد سواء. وعلى هذا فمع مرور الوقت وفي مرحلة ما، قد ينسى الإيطاليون قضية ريجيني. وسواء كانت التغطية المكثفة لقضية باتريك زكي من بعض الصحفيين الإيطاليين، تتم عن قصد أو عن غير قصد، فإن البعض يرى أنها قد تكون جزءاً من لعبة كبيرة تقف وراءها المخابرات أو الدبلوماسية أو الحكومة الإيطالية، كما أنها أيضاً لعبة النظام المصري من البداية عندما ألقى القبض على زكي، حسبما يرى كثير من المراقبين.
ولذلك فإن البعض يرى أن الاهتمام الكبير الذي يوليه الإعلام الإيطالي بقضية طالب الماجستير بجامعة بولونيا المصري الجنسية باتريك جورج زكي، يأتي في إطار اهتمامه بقضية الباحث الإيطالي جوليو ريجيني الذي تم اختطافه وقتله في القاهرة. وكان المعهد المصري للدراسات قد نشر قبل ذلك الجزء الأول من “تقارير متابعة: قضية ريجيني في الإعلام الإيطالي“ بتاريخ 15 ديسمبر 2020، و تبعه الجزء الثاني بتاريخ 16 ديسمبر، و الجزء الثالث بتاريخ 17 ديسمبر؛ والجزء الرابع بتاريخ 18 ديسمبر، والجزء الخامس بتاريخ 22 ديسمبر، والجزء السادس بتاريخ 4 يناير 2021، والجزء السابع بتاريخ 5 يناير، والجزء الثامن بتاريخ 22 يناير، والجزء التاسع بتاريخ 25 يناير، والجزء العاشر بتاريخ 26 يناير، والجزء الحادي عشر بتاريخ 27 يناير، حيث قام المعهد المصري بترجمة هذه التقارير/ المقالات من الصحافة الإيطالية. وفيما يلي الجزء الثاني عشر منها، والذي نخصصه لتغطية الإعلام الإيطالي للذكرى السنوية الأولى لاحتجاز باتريك زكي في سجن طره، في سياق مساندة قضة ريجيني وقضايا حقوق الإنسان بشكل عام:
ملخص:
يتضمن هذا المحتوى على ثلاث مقالات للدفاع عن باتريك جورج زكي والمطالبة بالإفراج الفوري عنه لإنقاذه من مصير قد يشبه إلى حد ما المصير الذي وصل إليه الباحث الإيطالي جوليو ريجيني. المقال الأول نشرته صحيفة لاريبوبليكا للصحفية فرانشيسكا كافيري تحت عنوان: “تجديد حبس باتريك 45 يوماً أخرى.. لذا فمصر تستخدم السجن كأداة للتعذيب النفسي”، يتناول قضية الناشط المصري باتريك زكي الذي مر عام على احتجازه في مصر. تقول كافيري إن النيابة المصرية أمرت بالمزيد من الحبس الاحتياطي للشاب البالغ من العمر 28 عاماً ومثله آلاف من المدونين والنشطاء والصحفيين، حيث يستخدم النظام في مصر السجن كأداة من أدوات التعذيب النفسي. هذه الآلية الفاسدة، كما تقول فرانشيسكا كافيري تعتمد على قانون يسمح لهم بتمديد حبس السجناء حبساً احتياطياً حتى عامين كحد أقصى؛ ولكن ما أن تنتهي المدة حتى يتم تدوير المتهم في نفس الآلية من جديد على أساس اتهامات جديدة مختلقة. أما المقال الثاني فقد نشرته صحيفة كوريري ديلا سيرا للصحفي كارلو فيرديلي، وجاء تحت عنوان: “باتريك زكي واحد منا: هل لدى إيطاليا الشجاعة لإنقاذه من التعذيب؟”، ويتحدث فيه عن مرور عام على احتجاز زكي في السجون المصرية والتجديد له لمدة 45 يوماً أخرى. ويتساءل إذا ما كان ماريو دراجي، رئيس الوزراء المكلف سيتمكن من حل هذه الأزمة مع غيرها من الأزمات، مقترحاً حلاً من أجل زيادة الضغط على النظام المصري ودفعه للإفراج عن باتريك زكي. وأما المقال الثالث، فجاء من صحيفة إنترناسيونالي، حيث تناولت أيضاً افتتاحية صحيفة إنترناسيونالي الإيطالية الأسبوعية الرئيسية، التي كتبها مدير الصحيفة، جيوفاني دي ماورو، قضية طالب الماجستير المصري بجامعة بولونيا الإيطالية أيضاً، بمناسبة مرور عام تقريباً على اعتقال باتريك زكي.
المقالات المنشورة في الصحافة الإيطالية:
1- صحيفة لاريبوبليكا: نشرت صحيفة لاريبوبليكا بتاريخ 3 فبراير 2021 مقالا كتبته الصحفية فرانشيسكا كافيري تحت عنوان: تجديد حبس باتريك 45 يوماً أخرى.. لذا مصر تستخدم السجن من أجل التعذيب النفسي”، وجاء على النحو التالي:
النيابة المصرية تأمر بتجديد الحبس الاحتياطي للشاب باتريك زكي البالغ من العمر 28 عاماً: ومثله آلاف من المدونين والنشطاء والصحفيين، حيث تم تجديد حبس باتريك زكي لمدة 45 يوماً أخرى، وهي الآلية التي يستخدمها النظام في مصر كأداة من أدوات التعذيب النفسي.
خمسة عشر يوما. ثم خمسة عشر أخرى. ثم خمسة وأربعون يوماً، فخمسة عشر أخرى، ثم خمسة وأربعون.. وهكذا قضى باتريك جورج زكي الطالب في جامعة بولونيا والبالغ من العمر 28 عاماً، مدة 361 يوماً حتى الآن في زنزانة بأحد السجون المصرية حسب هذه الآليات (القانونية) الفاسدة؛ وحكم عليه أيضاً بالأمس بالسجن لمدة شهر ونصف آخر مما جعله يوقن بالوصول إلى غاية الذي لم يرغب في بلوغها: وهي أن يكمل عاماً كاملاً في زنزانته.
هذه الآلية الفاسدة في مصر عبد الفتاح السيسي تتكرر بشكل يومي: وحسب هذه الآلية، فإن هناك عشرات الآلاف من السجناء، وفقاً لحسابات منظمات غير حكومية، يقبعون في السجون المصرية على أساس قانون يسمح لهم بتمديد حبس هؤلاء السجناء حبساً احتياطياً حتى عامين كحد أقصى؛ وما أن تنتهي المدة حتى يتم تدوير المتهم في نفس الآلية من جديد على أساس اتهامات جديدة مختلقة. هذا يتم مع من اعتاد المتابعون للشأن المصري على تعريفه بـ “خيرة الشباب” الذي انبثق عن ثورة 2011: فهناك مدونون مثل علاء عبد الفتاح، وناشطون في مجال حقوق الإنسان مثل أخته سناء سيف، ورسامو كاريكاتير مثل أشرف حمدي، وغيرهم، بالإضافة إلى العديد من الصحفيين، مثل سلافة مجدي وزوجها حسام الصياد، اللذين اعتقلا في 29 نوفمبر 2019. وقبل يومين، دق محامي سلافة مجدي جرس الإنذار، حيث تم إبلاغه أن موكلته تعرضت للتحرش الجنسي والترهيب والابتزاز، وأنها الآن في ظروف صحية سيئة للغاية.
ويُعتبر المستقبل غامضاً ومخيفاً للغاية بالنسبة لهم جميعاً: فوفقاً للقانون المصري، في الواقع، بمجرد انتهاء عامين من الحبس الاحتياطي، يجب إطلاق سراح المتهمين. لكن هذا لا يحدث أبداً في مصر: فمع اقتراب موعد الإفراج، إن لم يكن اليوم نفسه، تتغير التهم ويتم القبض على المتهمين مرة أخرى على أساس تهم جديدة. والنتيجة أن الساعة تدور من جديد ويبدأ حساب السنتين من الحبس الاحتياطي من الصفر.
تُعرِّف منظمة العفو الدولية هذه الآلية على أنها “الأبواب الدوارة”: وبالنسبة إلى العقلية الغربية، فهي شكل مُقَنَّع من أشكال التعذيب الجسدي والنفسي الذي يسمح للدولة بإبقاء آلاف الأشخاص في السجن لفترة زمنية غير محددة وفي حالة من عدم اليقين التام. ماذا يحدث لباتريك زكي المتهم مثل سلافة مجدي وحسام الصياد بنشر أخبار كاذبة ومضرّة للدولة المصرية كما يوضح ريكاردو نوري، المتحدث باسم منظمة العفو الدولية في إيطاليا، يمثل “أحد أسلحة القمع الرئيسية التي استخدمها السيسي لإزالة أكثر الأصوات انتقاداً لسياساته من الحياة العامة” وأضاف نوري: “إن التعرض للحبس الاحتياطي يعني في الواقع عدم القدرة على الدفاع عن النفس في المحكمة ضد الاتهامات وعدم التمكن من رؤية الأدلة التي تم على أساسها القبض على الشخص. ومعناه البقاء في الزنزانة دون معرفة السبب وراء ذلك.”
وحالة باتريك في هذه القضية هي مثال واضح على ذلك: ففي وقت اعتقاله، تم اتهام الشاب بنشر حوالي عشر “بوستات” من خلال حسابه على موقع فيسبوك، والتي، وفقاً لقرار الاتهام، كان يدعو من خلالها للمشاركة في الاحتجاجات التي اندلعت في سبتمبر 2019 في مصر، والتي شهدت عودة آلاف من المصريين إلى الشارع للتظاهر بهذا الحجم لأول مرة بعد عام 2011. لكن الطالب بجامعة بولونيا دائماً ما نفى هذه الاتهامات ونفى كونه صاحب تلك المنشورات. ويختتم نوري تعليقه على ذلك بالقول: “إذا قدمت النيابة هذه المنشورات، لاستطعنا التواصل مع فيسبوك وطلب تتبع الحساب. لكن هذا لم يحدث أبداً حتى الآن، ولن يحدث طالما بقي باتريك في الحبس الاحتياطي”.
وهكذا، من تأجيل إلى تأجيل، يبقى باتريك زكي في سجن طرة: في ظروف لا تتردد أسرته في التعبير عن قلقها تجاهها. حيث يعاني باتريك من آلام في الظهر، ولكن فوق كل ذلك بدأت تظهر عليه علامات الاكتئاب الذي أدى إلى وفاة أكثر من شخص في سجون السيسي. وطبق هذه الآلية البالية للحبس الاحتياطي، التي حتى الصين أوقفت العمل بها، يستمر التأجيل بعد التأجيل، ويبقى السجناء في الزنازين بلا نهاية منظورة.
2- صحيفة كوريري ديلا سيرا: نشرت صحيفة كوريري ديلا سيرا بتاريخ 2 فبراير 2021 مقالا كتبه الصحفي كارلو فيرديلي تحت عنوان: “باتريك زكي واحد منا: هل لدى إيطاليا الشجاعة لإنقاذه من التعذيب؟”، وجاء على النحو التالي:
بعد تساؤله عما إذا كان لدى إيطاليا الشجاعة لإنقاذ باتريك زكي من التعذيب بعد أن منحته مدينة بولونيا الجنسية الفخرية، يقول كارلو فيرديلي في مقاله:
منذ عام وهو مسجون في القاهرة، وهو يواجه الآن 45 يوماً جديدة من التعذيب، بعد تجديد حبسه الاحتياطي لمدة 15 يوماً أخرى. وعلى الحكومة الجديدة أن تحدد أولوياتها: من خلال التأكيد بشكل رسمي على أن جنسية باتريك جورج زكي أصبحت الجنسية الإيطالية، وذلك للضغط بشكل أكبر على النظام في مصر وإنقاذ باتريك من التعذيب.
لكن في كل الأحوال، من يهتم لشاب مصري ظل رهن الاحتجاز في سجن بالقاهرة لمدة عام دون محاكمة وبدون ذنب ارتكبه، وقد جددت النيابة للتو له 45 يوماً أخرى من التعذيب، بينما يعاني من الربو وهو معرض بشكل كبير لخطر الإصابة بكوفيد-19 في ظل غياب أي إجراءات حماية. نشعر بالأسف تجاه ذلك بكل تأكيد، ولكن لدينا أشياء أخرى أكثر أهمية يجب الاهتمام بها والقلق بشأنها. أولها: ما إذا كان ماريو دراجي سيتمكن من إخراجنا من هذه الأزمة الأكثر إرباكاً للحكومة والسياسة في تاريخ الجمهورية الإيطالية. والأمر الثاني هو: ما المستقبل الذي ينتظر نصف مليون شخص فقدوا وظائفهم في عام 2020، وأكثر من ثلثيهم من النساء، وبالنسبة للنصف مليون الآخر الذين سيفقدون وظائفهم عندما ينتهي الحظر الرسمي لتسريح العمال (والذي انتهى بالفعل إلى حد ما بشكل غير رسمي). والأمر الثالث: إذا كان فيروس كورونا سينطوي بشكل كامل وتتحرر إيطاليا من الإجراءات الاحترازية المفروضة، أو سيعود من جديد ليطغى على الآمال الهشة في اللقاح بتحرير الجميع مما هم فيه.
إن المصير الشائن لباتريك زكي هو أقل المشاكل بالقياس إلى ذلك: نعم ليس من اللطيف قول ذلك، ولكن من النفاق أيضاً التظاهر بإنكاره. في الواقع، لا يقلقنا كثيراً العنف المتكرر ضد ذلك الأجنبي، ولكن زكي البالغ من العمر 28 عاماً ليس أجنبياً؛ فقد كان ضيفنا لمدة سبعة أشهر في جامعة بولونيا، حيث حصل على درجة الماجستير في الدراسات العليا بنتائج ممتازة. وعند عودته إلى منزله للاطمئنان على عائلته في المنصورة، لم يستطع القيام بذلك لأنهم أوقفوه في 7 فبراير 2020 في مطار القاهرة ولم يطلقوا سراحه منذ ذلك الحين، متهمين إياه بأنه معارض خطير للحكومة؛ وكدليل على ذلك، يقدّمون تعليقات له حول حقوق الإنسان منشورة على موقع فيسبوك، وهو ما يعدُّه باتريك دليلاً يدعو إلى الضحك خصوصاً أنه أيضاً غير مثبت. لكن مصر السيسي عوّدتنا على ما هو أسوأ. فبعد القصة المهترئة المرتبطة بقتل جوليو ريجيني، الذي تم اختطافه وإنهاء حياته بعد تسعة أيام فقط، كان ينبغي أن تعلم إيطاليا نوع الاحترام الذي تحتفظ به لما تعتبره شريكاً استراتيجياً ولكن لأغراض أخرى (عسكرية وتجارية وسياسية). احتجّ بقدر ما تريد، حاكم جلادي جوليو في إيطاليا كما تشاء، لكن لن يتم تسليمهم لك أبداً. بيعوا لنا فرقاطاتكم وطائرات الهليكوبتر القتالية بسعر جيد، واهتموا بشؤونكم الخاصة، فهنا القانون مصمم لأولئك الذين كانوا يقودون حراك الربيع العربي في ميدان التحرير، الذي بزغ نجمه في عام 2011 ، لكنهم قد ذبلوا الآن وإلى الأبد، وتم سحقهم في سجون غير إنسانية مثل سجن طرة، الذي يقبع به باتريك في زنزانة بلا سرير وبدون ضوء. لقد تغير شكله مقارنة بالصور التي كانت تبدو السعادة عليه فيها وهو في صحبة زملائه في إيطاليا؛ إن أمل الشاب المصري أخذ يتلاشى بعد أن كان يحلم فقط بالعودة إلى الجامعة معنا.
وقد ضمّت الفعالية الجديرة بالتقدير التي تم تنظيمها من أجل المطالبة بإطلاق سراحه، والتي بدأت من جامعة بولونيا، الجامعة التي كانت تحتضنه وتطالب بإعادته إليها مرة أخرى، ضمّت ممثلين بارزين لمؤسساتنا والاتحاد الأوروبي. حيث قال ديفيد ساسولي، رئيس برلمان ستراسبورغ: “أريد أن أذكّر السلطات المصرية بأن الاتحاد الأوروبي يشترط لعلاقاته مع الدول الأخرى احترام حقوق الإنسان والحقوق المدنية. أطالب بإطلاق سراح زكي فوراً”. وكوزير للخارجية، قال لويجي دي مايو كلمات حاسمة بنفس القدر: “نحن نتابع القصة بأقصى قدر من الاهتمام لإعادة باتريك إلى عائلته في أقرب وقت ممكن”. ثم أضاف أنه فيما يتعلق بحقوق الإنسان، فهو لا يتراجع. “هذا صحيح بالنسبة لحقيقة ما حدث لجوليو ريجيني وينطبق على زكي أيضاً. باتريك مواطن مصري لكننا نشعر به ونهتم به كأنه إيطالي”.
وقد منحت مدينة بولونيا هنا الجنسية الفخرية لباتريك زكي، وهي لفتة لطيفة لكن دون عواقب ملموسة محتملة، فقد جاءت فقط في نفس الأيام الذي قرر فيها السجّان إطالة أمد التعذيب لمدة 45 يوماً أخرى، في الأول من فبراير 2021، وتقريباً تزامناً مع الذكرى الخامسة لاكتشاف جثة جوليو ريجيني المحطمة يوم 3 فبراير 2016. ومع كل المشاكل التي لدينا، فإننا ننتظر في نهاية الأمر أن تكون تلك الفضيحة جزءاً من سمعتنا على الساحة الدولية يتم اللعب بها ولكن هذه المرّة على جسد طالب مصري “كما لو كان إيطالياً” (إشارة إلى ما حدث لريجيني)، حيث تم دفعه بوحشية داخل حفرة لا نهاية لها، ربما انتقاماً من بلد، بلدنا نحن، سمح لنفسه بالمطالبة بالعدالة لابنه الذي أُعدم في ظروف غامضة في القاهرة، ريجيني جوليو، طالب الدكتوراه من فيوميتشلو، مقاطعة أوديني.
من ينقذ حياة، ينقذ العالم. هذا ما كررته السناتور ليليانا سيغري عدة مرات، ولكن لم يُسمع لها، وهي عبارة تم الاستشهاد بها استعارة من التلمود. واليوم فإن آخر ما رأته العين من مثل هذه المخازي، لاجئين مجمدين على الحدود بين البوسنة وكرواتيا، وهو آخر وصمة عار تتعرض لها أوروبا بلا خجل. حتى الأمة التي تنقذ حياة تنقذ شيئاً أكثر: تنقذ ضميرها وصورتها في العالم. في الرسالة شديدة الدقة التي وجهها دانييلي مانكا في هذه الصحيفة لماريو دراجي، المكلف بمحاولة إنقاذ إيطاليا من نفسها، فإن كلمة السر في ذلك هي الشجاعة. دراجي نفسه يشرح السبب، قائلاً: “بين الحربين رأى والدي نقشاً على نصب تذكاري. فقال: إذا خسرت مالاً فكأنك لم تخسر شيئاً لأنه من خلال صفقة جيدة تستطيع استعادته؛ أما إذا فقدت شرفك، فقد خسرت الكثير، ولكن مع عمل بطولي تقوم به يمكنك استعادته. لكن إذا فقدت الشجاعة، فقد فقدت كل شيء.”
سوف يتطلب الأمر الكثير من الشجاعة لإعادة الأمل لإيطاليا التي مزّقتها أزمة بائسة. قائمة الأولويات طويلة، والسياق مثير للجدل بشكل خطير، والمناخ داخل البلاد وخارجها ليس جيداً، وكل ذلك بدون الفيروس الذي نُكبنا به. لكن المشاريع الكبرى تبدأ أيضاً بإشارات صغيرة. فعلى سبيل المثال، بدءاً من مما آل إليه حال طالب “مصري ولكنه يُعامل “كما لو كان إيطالياً (مثل ريجيني)” متروكاً وحيداً في وضع صُمم خصيصاً من أجل خنقه والقضاء عليه. إن باتريك زكي “خاصتنا” تنفد قوته، وهو يضيع في الكابوس الذي أغرقوه فيه. لم يتبق الكثير من الوقت ولم تعد التصريحات التي تعلن التضامن معه بعيون تملؤها الدموع، لم تعد كافية. سوف يتطلب الأمر زيادة في جرعة الشجاعة. امنحه الجنسية الإيطالية بشكل رسمي، على سبيل المثال، وهو أمر مختلف تماماً عن الجنسية الفخرية التي منحتها إياه مدينة بولونيا. صحيح أن هذا الأمر يتطلب خطوات معقدة، بما في ذلك مرسوم من رئيس الجمهورية، لكن لا توجد عقبات رسمية: يمكن أن يصبح باتريك زكي بشكل قانوني مصرياً وإيطالياً في نفس الوقت. وفي هذه الحالة ستزداد قوة الضغط على القاهرة حتى أمام الحلفاء الأوروبيين في هذه المعركة من أجل الإنسانية. ينص قانوننا على أنه يمكن الاعتراف بجنسية الأجنبي “عندما يكون قد قدم خدمات بارزة للبلاد، أو عندما تكون هناك مصلحة استثنائية للدولة”. ونحن هنا في الحالة الثانية. إن دولتنا، اليوم أكثر من أي وقت مضى، بحاجة إلى إعطاء علامات قوية على الشجاعة.
3- صحيفة إنترناسيونالي:، تناولت افتتاحية صحيفة إنترناسيونالي الإيطالية الأسبوعية الرئيسية، بتاريخ 4 فبراير 2021، والتي كتبها مدير الصحيفة، جيوفاني دي ماورو، قضية طالب الماجستير المصري بجامعة بولونيا الإيطالية والمحتجز في أحد السجون المصرية منذ ما يقارب العام؛ وجاءت الافتتاحية على النحو التالي:
تبدأ السنة الثانية من اعتقال باتريك جورج زكي في الثامن من فبراير القادم، حيث تم إيقافه يوم 7 فبراير 2020 بمجرد وصوله إلى مطار القاهرة. كان باتريك يدرس الماجستير في دراسات النوع الاجتماعي في جامعة بولونيا، ولكنه عاد إلى مصر في ذلك الوقت من أجل زيارة عائلته.
ووفق منظمة العفو الدولية، فقد تم استجواب باتريك زكي لمدة 17 ساعة وهو معصوب العينين ومقيّد اليدين، حيث تعرض للضرب والتعذيب بالصدمات الكهربائية. وانتهى به الأمر في مأزق الحبس الاحتياطي، الذي يضم ثلاثين ألف مصري غيره، وهو الإجراء العقابي الأكثر استخداماً من قبل السلطات المصرية ضد من يعتبرون معارضين سياسيين.
وفي هذا يسمح القانون للقضاة بتجديد الحبس الاحتياطي لفترات تتراوح من 45 يوماً إلى عامين دون محاكمة. وتبدو الادعاءات التي ساقها النظام ضد زكي خادعة، حيث تستند إلى عشر منشورات مزعومة له على موقع فيسبوك من حساب تعتبره هيئة الدفاع عن الباحث حساب مزيَّف. أما السبب الحقيقي وراء هذه الاتهامات فهو التخويف.
ويوجد في سجون مصر ستون ألف شخص تعرِّفهم منظمة هيومن رايتس ووتش بأنهم سجناء سياسيون. ومن بين هؤلاء، هناك نشطاء ومحامون ومفكرون وإسلاميون، بالإضافة إلى العديد من المواطنين العاديين، حيث غالباً ما تُتهم الفتيات بالفجور بسبب نشر مقاطع فيديو على شبكات التواصل الاجتماعي.
لكن قصة باتريك زكي هي أيضاً قصة إيطالية وليست مصرية فقط؛ وذلك لأنه يدرس في بولونيا ولأن قصته تذكر الجميع بقصة جوليو ريجيني، الباحث الإيطالي الذي اختُطف في القاهرة يوم 25 يناير 2016، ثم وُجد مقتولاً بعد ذلك. وحتى الآن، لم تتحرك الحكومة الإيطالية بأي شكل من الأشكال تجاه زكي.
في هذه الأثناء، أُقيم حفل صغير غير معلن عنه يوم 23 ديسمبر في حوض موغيانو لبناء السفن في لاسبيتسيا، حيث قامت شركة فينكانتيري (شركة عامة إيطالية) بتسليم أول سفينتين عسكريتين اشتراهما النظام في مصر لسلاح البحرية المصرية بـ 1.2 مليار يورو؛ كدليل على العلاقات التجارية المزدهرة التي استمرت بين إيطاليا ومصر، دون أدنى حرج.
رابط المصدر: