باغتت جائحة كوفيد-19 العالم وهو يواجه بالفعل آفاقا ضعيفة للنمو العالمي، مع انخفاض التضخم وأسعار الفائدة الاسمية. ورفعت الجائحة ضرورة التحرك من خلال سياسة المالية العامة إلى مستوى غير مسبوق. ويناقش هذا العدد من تقرير الراصد المالي دور سياسة المالية العامة في إنقاذ الأروح، وحماية الأفراد والشركات الأكثر تضررا من خسارة الدخل والبطالة والإفلاس، وتقليص احتمالية حدوث ركود عميق طويل الأمد من جراء الجائحة.
ملخص
باغتت جائحة كوفيد-19 العالم وهو يواجه بالفعل آفاقا ضعيفة للنمو العالمي، مع انخفاض التضخم وأسعار الفائدة الاسمية. ورفعت الجائحة ضرورة التحرك من خلال سياسة المالية العامة إلى مستوى غير مسبوق. ويناقش هذا العدد من تقرير الراصد المالي دور سياسة المالية العامة في إنقاذ الأروح، وحماية الأفراد والشركات الأكثر تضررا من خسارة الدخل والبطالة والإفلاس، وتقليص احتمالية حدوث ركود عميق طويل الأمد من جراء الجائحة.
وقد تكثفت التكلفة الإنسانية للجائحة بمعدل مروِّع، ومن المتوقع أن يكون لها تأثير جسيم على الناتج والماليات العامة. وينبغي أن تكون استجابات الحكومات سريعة ومنسقة ومتماشية مع حدة الأزمة الصحية، مع قيام أدوات المالية العامة بدور أساسي في هذا الخصوص. وتتطلب الأولوية الأولى، وهي إنقاذ الأرواح، الاستجابة الكاملة لاحتياجات الإنفاق على عمليات الاختبار والعلاج، الأمر الذي يدعو إلى تنسيق الجهود العالمية – بما في ذلك دعم البلدان ذات القدرات المحدودة في المجال الصحي، عن طريق المِنَح والتمويل الميسر وإيجاد لقاح منخفض التكلفة لكل بلدان العالم. ويتطلب إنقاذ الأرواح أيضا مراعاة التباعد الاجتماعي – وهو مكون أساسي في الحماية الجماعية محلياً وعالمياً – مما يفرض تكاليف أكبر عن طريق خفض الناتج والإيرادات الضريبية، والحاجة إلى حماية الأفراد والشركات الأكثر تضررا. ويمكن تحقيق هذا الهدف باتخاذ إجراءات كبيرة مؤقتة تُوجَّه إلى المستحقين في الوقت المناسب، كالإجازات المرضية والعائلية التي تمولها الحكومة، وتحويلات المساعدة، وإعانات البطالة، ودعم الأجور، وتأجيل المدفوعات الضريبية. وبالمثل، يمكن أن يؤدي دعم سيولة الشركات إلى تخفيض مخاطر الإفلاس.
وستؤدي فاشية كوفيد-19 وعواقبها المالية والاقتصادية إلى زيادة كبيرة في عجز المالية العامة ونسب الدين العام مقارنة بالتوقعات السابقة. فمع هبوط الناتج، تتراجع الإيرادات بحدة أكبر (إذ يتوقع السيناريو الأساسي لعام 2020 أن تقل الإيرادات بنسبة 2,5% من إجمالي الناتج المحلي العالمي عن التوقعات الواردة في عدد أكتوبر 2019 من تقرير الراصد المالي). وستقع على المالية العامة تكاليف مباشرة أيضا بسبب المصروفات الصحية الضرورية والإجراءات المتعلقة بالضرائب والإنفاق لدعم الأفراد والشركات، وتقدر هذه التكاليف حاليا بنحو 3,3 تريليون دولار على مستوى العالم. وبالإضافة إلى ذلك، فبالرغم من أن قروض القطاع العام وعمليات ضخ رؤوس الأموال المساهمة (1,8 تريليون دولار أمريكي) والضمانات وغيرها من الالتزامات الاحتمالية (2,7 تريليون دولار أمريكي) يمكن أن تدعم المؤسسات المالية وغير المالية، فإنها تخلق مخاطر على المالية العامة في نفس الوقت.
وفي ضوء استجابات السياسات حتى الآن، يُتوقع أن تتراجع أرصدة المالية العامة في عام 2020 في كل البلدان تقريبا، مع حدوث توسع مالي كبير في الولايات المتحدة والصين، وعدة اقتصادات أوروبية وآسيوية أخرى. وبالرغم من أن الزيادة الكبيرة في العجز هذا العام أمر ضروري وملائم بالنسبة لكثير من البلدان، فإن هناك مواطن ضعف يفرضها الوضع المبدئي في بعض الحالات (إذ إن الدين العام العالمي بلغ 83% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2019). ويثير الموقف قلقا أكبر في حالة اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية التي تواجه صدمات متعددة تتضمن الجائحة، والتدهور المفاجئ في أوضاع التمويل، وضعف الطلب الخارجي، وكذلك انخفاض أسعار السلع الأولية (بالنسبة للبلدان المصدرة لها). وحتى بعد جهود المجتمع الدولي لتخفيف هذه القيود التمويلية، فسيكون على هذه البلدان إعادة ترتيب أولويات الإنفاق بالتركيز على القطاع الصحي، مع حماية الخدمات العامة الأساسية (النقل والطاقة والاتصالات) والحماية الاجتماعية.
وهناك عدم يقين كبير في الوقت الراهن حول مدى تأثير جائحة كوفيد-19 على الماليات العامة، وهو أمر لن يرتهن بمدة الجائحة فقط بل يعتمد أيضا على ما إذا كان الاقتصاد سيتعافى بسرعة أم أن الأزمة ستلقي بظلالها لفترة أطول. ونظرا لأن دعم القطاع العام يتم تقديمه على نطاق استثنائي، بما في ذلك استخدام أدوات كالقروض والضمانات، فإن للشفافية أهمية بالغة في إدارة المخاطر التي تتعرض لها المالية العامة. ومع تقدم البلدان في احتواء الجائحة وإنهاء الإغلاقات، سيصبح التحفيز المالي المنسق على نطاق واسع – تبعا لقيود التمويل في كل بلد – أداة أكثر فعالية في تعزيز التعافي. وسيكون من الملائم أيضا إيقاف العمل بالإجراءات الاستثنائية المطبقة أثناء الأزمة. وبمجرد تعافي الاقتصادات، سيصبح من اللازم تحقيق تقدم في ضمان بقاء الدين في حدود يمكن تحملها.
المؤتمر الصحفي لتقرير الراصد المالي : https://www.imf.org/ar/Publications/FM/Issues/2020/04/06/fiscal-monitor-april-2020
رابط المصدر:
https://www.imf.org/ar/Publications/FM/Issues/2020/04/06/fiscal-monitor-april-2020