عبد الامير رويح
تقلبات أسعار النفط في الاسواق العالمية، والتي تعرضت لانتكاسة كبيرة بسبب تداعيات جائحة كورونا، وما تبعها من اجراءات واتفاقات من قبل منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وروسيا وحلفاء آخرين، ماتزال محط اهتمام واسع خصوصاً مع تجدد الآمال بتعاف سريع للطلب على الوقود، مع بدء الفتح التدريجي للاقتصادات حول العالم وتخفيف قيود مواجهة “كورونا”، حيث يرى بعض الخبراء ان مثل هكذا اجراءات ربما ستسهم بتعافي الاسعار التي ارتفعت بشكل واضح عقب اتفاق أوبك+ بخفض الانتاج بواقع 9.7 مليون برميل يوميا، بما يمثل 10% من حجم الإنتاج العالمي.
من جانب اخر يرى بعض المراقبين بأن استدامة تعافي الأسعار قد لا تستمر في ظل تدهور العلاقات بين واشنطن وبكين، أو حدوث موجة ثانية من إصابات كورونا، فضلا عن عودة إمدادات النفط الصخري الأميركي لمستوياته بعد ارتفاع الأسعار، بحسب وكالة الصحافة الألمانية. وقال محللون في إفادات نقلتها بعض المصادر، إن ارتفاع الأسعار فوق مستوى أربعين دولارا للبرميل، سيغطي جزءا كبيرا من تكاليف الشركات الأميركية بعد أن عانت مخاطر الإفلاس على مدار الأشهر الماضية، وإجبارها على إغلاق حقول للإنتاج. وأوضح المحللون أن استمرار مستويات الأسعار الحالية سيمكّن الشركات الأميركية من استئناف الإنتاج المتوقف الذي وصل لنحو مليوني برميل يوميا بحلول مايو/أيار الماضي.
ورفع باركليز كوموديتيز ريسيرش توقعاته لسعر النفط في العامين الجاري والمقبل، بدعم من خفض للإمدادات لموازنة تآكل الطلب الناجم عن قيود تستهدف مكافحة انتشار فيروس كورونا. ورفع البنك توقعاته للعقود الآجلة لخامي برنت وغرب تكساس الوسيط بما يتراوح بين خمسة وستة دولارات للبرميل لعام 2020 و16 دولارا للبرميل لعام 2021. وهوت أسعار الخام الأمريكي إلى سالب 40 دولارا الشهر الماضي بسبب مشكلات تتعلق بالتخزين في مركز التخزين بكوشينج في ولاية أوكلاهوما. وقال باركليز، إنه على المدى القصير جدا، من المرجح أن تظل الأسعار تتعرض لضغوط إذ أن الضبابية التي تكتنف سرعة التعافي الاقتصادي ما زالت مرتفعة.
اتفاق جديد
وفي هذا الشأن اتفقت منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك” مع شركائها من خارج التكتل على تمديد خفض إنتاج النفط لشهر إضافي حتى نهاية يوليو/تموز. واتخذ القرار في اجتماع عبر تقنية الفيديو كونفرانس. ويأمل مراقبون أن تسهم عمليات خفض الإنتاج في استقرار أسعار الذهب الأسود، بعد تراجع كبير في الطلب جراء تفشّي وباء كورونا. وقد أثمرت عمليات خفض الإنتاج منذ تطبيقها عن انتعاش ملحوظ في أسعار النفط، لا سيما مع البدء في تخفيف تدابير الإغلاق التي فرضها الوباء.
لكن وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك وصف السوق بأنها “لا تزال هشة”، داعيا كل الدول المشاركة في الاتفاق إلى الالتزام التام ببنوده. وقالت أوبك في بيان لها: “كل الدول المشاركة وافقت على خيار تمديد المرحلة الأولى من عملية خفض الإنتاج المقررة في مايو/أيار ويونيو/حزيران لشهر إضافي”. وفي اتفاق أبريل/نيسان، تعهدت مجموعة “أوبك” وحلفاؤها بخفض الانتاج النفطي بمقدار 9.7 مليون برميل يوميا بدءا من أول مايو/أيار وحتى نهاية يونيو/حزيران، على أن يتراجع مقدار الخفض تدريجيا بدءا من يوليو/تموز بمقدار 7.7 مليون برميل يوميا حتى ديسمبر/كانون الأول. بحسب بي بي سي.
وأشار وزير الطاقة الجزائري محمد عرقاب، إلى أن ثمة اتفاقا على أن يكون مقدار الخفض في يوليو/تموز هو 9.6 مليون برميل يوميا – أقل 0.1 من الخفض المتفق عليه في مايو/أيار ويونيو/حزيران. وأضاف عرقاب، الذي يتولى الرئاسة الحالية لمنظمة أوبك، بأن وزراء الطاقة في الدول الرئيسية المصدرة للنفط سيجتمعون شهريا لتقييم الاتفاق. من ناحية أخرى، بدأ منتجو النفط الصخري في الولايات المتحدة إعادة فتح آبار مغلقة مع تعافي الأسعار.
وقال بوب يوجر، مدير العقود الآجلة للطاقة في ميزهو في نيويورك: “الإنتاج الأمريكي يعود إلى السوق وهناك تكهنات بأن الزيادة الضخمة في أسعار النفط تقتل هوامش أرباح شركات التكرير في آسيا التي تعاني صعوبات بالفعل”. وقالت الصين، أكبر مستورد للنفط في العالم، إن مشترياتها من الخام سجلت مستوى قياسيا مرتفعا عند 11.3 مليون برميل يوميا في مايو.
أوبك والنفط الصخري
عندما اتفقت منظمة أوبك وروسيا وحلفاؤهما في أبريل نيسان على خفض إنتاج النفط لم يكن أي منهم يتوقع أن تلقى تلك المبادرة الرامية لرفع أسعار النفط المنهارة الدعم من انخفاض سريع في الإنتاج الأمريكي. والآن وبعد انتعاش النفط بفضل هذه التخفيضات من مستواه دون 20 دولارا للبرميل إلى أكثر من 40 دولارا أصبحت مجموعة الدول المعروفة باسم أوبك+ تواجه تحديا جديدا يتمثل في منع إنتاج النفط الصخري الأمريكي من تحقيق مفاجأة أخرى من خلال الارتفاع بالسرعة نفسها.
قال مصدر روسي مطلع على مباحثات أوبك+ في هذا الشأن ”الخطة هي الالتزام بأسعار بين 40 و50 دولارا للبرميل لأنها بمجرد أن ترتفع مرة أخرى، لنقل إلى 70 دولارا للبرميل، فستشجع على زيادة الإنتاج بما في ذلك إنتاج النفط الصخري الأمريكي“. وقالت مصادر في أوبك+ إن روسيا والسعودية توصلتا إلى حل وسط لكي يُمدد إلى شهر يوليو تموز العمل بتخفيضات الإنتاج الحالية التي تبلغ 9.7 مليون برميل يوميا وتعادل عشرة في المئة من الإنتاج العالمي.
وكان من المقرر أن تستمر تلك التخفيضات خلال شهري مايو أيار ويونيو حزيران على أن يبدأ تقليصها تدريجيا. وقال مصدران مطلعان على مباحثات أوبك+ إن المخاوف من انتعاش إنتاج النفط الصخري الأمريكي الذي ظهرت بالفعل بوادر على عودته كانت من الأسباب التي دفعت موسكو إلى تأييد إطالة أمد التخفيضات إلى يوليو تموز بدلا من الموافقة على تمديد أطول.
وفي الماضي، كانت منظمة أوبك وشركاؤها يرسمون السياسة لعدة أشهر على الأقل غير أن كريستيان مالك من جيه.بي مورجان قال إن النهج الشهري هو ”أهون الضررين“ مع انتعاش الطلب العالمي بعد انهياره بسبب أزمة فيروس كورونا. وقال ”السعودية وروسيا في مرحلة الحد من الضرر. فالأمر لا يتعلق فقط بقياس الطلب. بل بمتابعة النفط الصخري الأمريكي على أساس شهري حتى لا يتم السماح له بالانتعاش مرة أخرى بسرعة“.
وفي السنوات الأخيرة، حتى مع دعم تخفيضات أوبك+ الإنتاجية للأسعار، صعد الإنتاج الأمريكي من النفط الخام وغيره من السوائل ليصل إلى 20 مليون برميل يوميا. إلا أن انهيار الأسعار هذا العام دفع الإنتاج الأمريكي للتراجع بما يصل إلى مليوني برميل في اليوم خلال أبريل نيسان وفقا لبعض التقديرات إذ أن السعر الذي تتعادل عنده تكاليف الإنتاج لمنتجي النفط الصخري في حدود 50-70 دولارا للبرميل. ويشهد الطلب العالمي على النفط، الذي هوى بمقدار الثلث في أبريل نيسان، انتعاشا بطيئا مع تخفيف القيود التي فُرضت لاحتواء الفيروس. ومن المتوقع أن يتجاوز الطلب العرض في يونيو حزيران.
غير أن المخزونات العالمية لا تزال وفيرة وذلك بعد توجيه مليار برميل من النفط إلى التخزين عندما وجد المنتجون صعوبة في العثور على مشترين. وقالت امريتا سن الشريكة المؤسسة لشركة إنرجي آسبكتس ”السوق في حالة سيولة وفي ضوء الغموض الذي يكتنف مسار انتعاش الطلب في مواجهة مخاطر ظهور موجة ثانية من الإصابة بالفيروس يجب على أوبك أن تظل سريعة الحركة“. وأضافت ”بالسير على هذا النهج الشهري يجعلون الجميع يقفون على أطراف أصابعهم الأمر الذي يجعل الاستثمار صعبا على الآخرين“. بحسب رويترز.
وقال بوب مكنالي مؤسس مجموعة رابيدان إنرجي إن موسكو والرياض شعرتا بما يكفي من القلق إزاء التوقعات بما دفعهما إلى تمديد تخفيضات الإنتاج. وأضاف ”لكن ما من شك في أن الصعود غير المتوقع للنفط مع وقف الإنتاج بوتيرة أسرع من المتوقع في أمريكا الشمالية قلل مستوى القلق“.
الصين وانتعاش الطلب
على صعيد متصل انتعش الطلب على النفط في الصين متجاوزا 90 في المئة من مستواه قبل أزمة فيروس كورونا في أوائل العام الجاري فيما يمثل تحسنا قويا غير متوقع ربما يتكرر في مناطق أخرى من العالم في الربع الثالث مع تحرر المزيد من الدول من قيود الجائحة. ورغم أن الصين ثاني أكبر دول العالم استهلاكا للنفط هي الاستثناء في الوقت الحالي، يقول تنفيذيون في صناعة النفط إن تخفيف القيود السارية على السفر وحزم التحفيز التي تهدف لإنعاش النشاط الاقتصادي قد تعجل بنمو الطلب العالمي على النفط في النصف الثاني من 2020.
وقال جيم بورخند نائب الرئيس ورئيس وحدة أسواق النفط في مؤسسة آي.اتش.إس ماركت ”السرعة التي استؤنف بها الطلب على النفط في الصين وارتفاعه إلى 90 في المئة من مستويات ما قبل كوفيد بنهاية أبريل نيسان ومواصلة ارتفاعه مؤشر موضع ترحيب للاقتصاد العالمي“. وكان للقيود الواسعة التي فُرضت لاحتواء انتشار الفيروس أثر سلبي شديد على أسواق النفط إذ انخفضت الأسعار العالمية بما يصل إلى 70 في المئة بحلول منتصف أبريل نيسان وأدت إلى تراكم كميات هائلة من النفط والوقود في المخزونات على مستوى العالم.
وقال بورخند ”عندما تفكر في انخفاض الطلب على النفط في الصين، أول دولة تتأثر بالفيروس، بأكثر من 40 في المئة في فبراير شباط فإن الدرجة التي يعاود بها الطلب صعوده تتيح بعض التفاؤل باتجاهات الانتعاش الاقتصادي وتحسن الطلب في أسواق أخرى مثل أوروبا وأمريكا الشمالية“. كذلك انتعشت أسعار النفط مع تخفيف القيود إذ صعد برنت بنسبة 50 في المئة والخام الأمريكي بما يتجاوز 90 في المئة منذ أول مايو أيار. وفي حين يتفق محللو النفط على انتعاش الطلب في الصين فإن التقديرات تختلف من حيث درجته وأجله.
وتتوقع مؤسسة وود ماكينزي الاستشارية أن ينمو استهلاك النفط في الصين في النصف الثاني بنسبة 2.3 في المئة ليصل إلى 13.6 مليون برميل يوميا مقارنة بالفترة المقابلة من العام الماضي بفضل انتعاش نشاط النقل والاستخدامات الصناعية. وقالت ”بحلول الربع الثالث، سيتجاوز الطلب على البنزين في الصين مستواه في الفترة نفسها من العام الماضي بنسبة ثلاثة في المئة ليصل إلى 3.5 مليون برميل في اليوم“ في حين يمكن أن ينمو الطلب على وقود الديزل بنسبة 1.2 في المئة إلى 3.4 مليون برميل في اليوم خلال الفترة نفسها.
وعلى النقيض، قالت وكالة الطاقة الدولية في تقريرها لشهر مايو أيار إن الطلب على النفط في الصين سينخفض بنسبة خمسة في المئة في النصف الثاني من العام ليصل إلى 13.2 مليون برميل يوميا. قالت كونستانسا رانجيلوفا المحللة بشركة جيه.بي.سي إنرجي إن إجمالي الطلب على المنتجات المكررة في آسيا قد يرتفع إلى 34.3 مليون برميل يوميا في النصف الثاني من العام من 31.6 مليون برميل في اليوم في الأشهر الستة الأولى لكنه سيظل أقل بنحو 1.5 مليون برميل في اليوم عنه في الفترة المقابلة من العام الماضي لأسباب أهمها انخفاض الطلب على وقود الطائرات.
وفي الهند ثالث أكبر دول العالم استهلاكا للنفط رفعت شركات التكرير التابعة للدولة إنتاجها في مايو أيار مع تحسن مبيعات الوقود قبل رفع قيود كورونا في يونيو حزيران. وفي اليابان التي تأتي في المرتبة الرابعة بعد الهند من حيث استهلاك النفط، قالت شركة كوزمو إنرجي هولدنجز للتكرير إن من المتوقع أن ينكمش الطلب على البنزين بنسبة عشرة في المئة في الشهور الثلاثة الأخيرة من العام الجاري لكنه سينتعش بقوة بعد انكماشه بنسبة 27 في المئة في الفترة من أبريل نيسان إلى يونيو حزيران.
وفي الولايات المتحدة أكبر المنتجين والمستهلكين، من المتوقع أن يرتفع الطلب على وقود النقل إلى 10.6 مليون برميل يوميا في النصف الثاني وذلك وفقا لما قالته شركة رايستاد إنرجي بزيادة 22 في المئة عن النصف الأول. غير أن بير ماجنوس نيسفين المحلل في رايستاد قال إن استهلاك البنزين سيقل بنسبة خمسة في المئة عن 2019 لارتفاع البطالة وانخفاض الدخول وتزايد أعداد العاملين من المنزل. لكن باتريك دي هان من مؤسسة جاس بادي الاستشارية في الولايات المتحدة قال إن تزايد حركة السفر على الطرق خلال الصيف قد يتيح انتعاشا ملموسا في الطلب في الأجل القريب.
ومع ذلك فإن بعض شركات التكرير الأمريكية تتردد في زيادة إنتاجها بدرجة كبيرة وتلزم الحذر فيما يتعلق بالطلب على البنزين إذ تأخذ في اعتبارها تزايد مخزونات المنتجات المكررة. ويقدر جيسون جيبلمان محلل شؤون التكرير بشركة كوين أن انتعاش هوامش التكرير سيستغرق عامين مع تعافي الاقتصاد الأمريكي من آثار الجائحة وقيود الإقامة في المنازل. كذلك يخشى المديرون التنفيذيون بصناعة النفط من تقلبات جديدة في الطلب على النفط مع تقليص الدول لتوقعاتها للنمو الاقتصادي وتغيير الناس لعادات التنقل. بحسب رويترز.
وقال تسوتومو سوجيموري رئيس شركة جيه.إكس.تي.جي هولدنجز في إفادة يوم 20 مايو أيار ”في الوقت الراهن لا نعلم ما إذا كان الطلب على البنزين ووقود الطائرات سيعود إلى مستوياته ما قبل الجائحة“ مضيفا أن من الصعب التنبؤ بمدى التغيرات التي ستطرأ على أساليب العيش عند المستهلكين. وأضاف أن الناس ربما يفضلون مواصلة العمل من المنزل وتقليل خروجهم من البيت إلى أدنى حد ممكن لتجنب الإصابة بالعدوى.