يُعد الإعلام أحد أكثر المجالات التي أفادت من التطور الذي نعاصرهُ اليوم، فقد أحدث انتشار شبكة الإنترنت تغييرًا ملحوظًا في أسلوب تحرير الأخبار والمضامين الإعلامية، وطريقة تقديمها إلى المستخدم الذي لم يعد سلبيًا يتلقى فقط، بل أصبح يُعلق ويُشارك ويتفاعل مع ما يقرأهُ من أخبار وتقارير أو ما يشاهدهُ من صور ومقاطع فيديو عبر المواقع والمنصات الإعلامية.
إذ منح هذا التطور الذي دخل غرف الأخبار في الوسائل الإعلامية، للقائم بالاتصال مساحة ومرونة يستطيع فيها ابتكار طرق جديدة في عرض المحتوى وسرد القصص الصحفية، حتى وصل الابتكار والإبداع إلى أقصى مستويات التفاعلية بين المستخدم وبين القصة، بما يُحقق أهداف المُرسل (الوسيلة الإعلامية)، ويُشبع حاجات وغايات الجمهور من المستخدمين.
وقد حرصت العديد من المواقع الأجنبية والعربية على استحداث واستخدام طرق جديدة في نشر أخبارها وقصصها لجذب القراء إليها، ولم يقتصر استخدام هذه المواقع للطرق المبتكرة فقط على صفحاتها الأم، بل امتد ليشمل الصفحات الخاصة بها على مواقع التواصل الاجتماعي كالفيسبوك ويوتيوب وغيرها، لما تمتلكهُ فيها من قاعدة جماهيرية منتشرة في كل مكان حول العالم.
وقبل أن نُسلط الضوء على هذه التقنيات الحديثة ينبغي أولًا أن نفهم معنى “تقنيات”، فهي لغويًا جمع مفردها “تقنية” وهي اسم مؤنث منسوب إلى تقن، بمعنى أتقن الأمر وأحكمه، اصطلاحًا هي تعريب اقترحهُ مجمع اللغة العربية لكلمة (تكنولوجيا) واعتمدتهُ الجامعة العربية، وتعني جملة الوسائل والأساليب والطرائق التي تختص بمهنة أو فن، بالتالي يُمكن القول بأنَّ التقنية هي وسيلة أو طريقة أو أسلوب، لتقديم ما يُنشر من موضوعات وقصص إلى المستخدمين، وتأسيسًا على ما سبق فإننا هُنا نستعرض أحدث التقنيات المستخدمة في سرد القصص الصحفية عبر الإنترنت، وهي:
1- البث الحيّ (Live): فيه يتم تقديم القصص بشكل آني مباشر من مكان الحدث، شاع استخدامهُ في الكثير من المواقع الإعلامية، تُصاحب هذه التقنية دردشة حية تتضمن تعليقات المستخدمين وردود أفعالهم المتمثلة بالإعجاب أو عدم الإعجاب كوسيلة لمعرفة آرائهم وقياس مدى رضاهم إزاء الموضوع، وقد استغلت الكثير من المؤسسات الصحفية خدمات البث الحيّ التي تقدمها مواقع التواصل الاجتماعي لتقديم محتواها إلى المستخدمين عبر منصات متعددة لا تقتصر فقط على صفحة الموقع الرئيسة.
2- الخرائط التفاعلية (Interactive Maps): ترتكز فكرتها في ترجمة البيانات والمعلومات على شكل خريطة تفاعلية تحمل وسوم جغرافية لمدينة أو مكان محدد توضح مكان وقوع الحدث، تساعد الخرائط المستخدمين على فهم أفضل للمعلومات الواردة في القصة الصحفية، وتُستخدم في تغطية الأحداث والأماكن التي قد لا يتمكن المراسل من الوصول إليها، يتم إنشاء الخرائط في غرف الأخبار باستخدام مجموعة من الأدوات، أبرزها تلك التي يوفرها غوغل مثل: (Google Maps) و (Google Earth Studio).
3- التتّبُع الزمني (Timeline): أو سجل الأحداث، تتوافق مع القصص التي تتسم بطابع التشويق، والتي تأخذ فيها الأحداث خطًا زمنيًا متسلسلًا، تُعرَض المعلومات على شكل خط يبدأ بتاريخ بدء الحدث وينتهي بتاريخ انتهائه وترتبط بينهما نقاط أخرى تضم بيانات ومعلومات وصور وأصوات وفيديو، من المواقع التي استخدمت هذه التقنية موقع أي بي سي نيوز عندما نشر المحررون قصة حول حادثة ملعب هيلزبرة في مدينة شيفيلد، إنجلترا، إذ تم سرد تفاصيل القضية ونتائج التحقيق على شكل خط زمني من الأقدم إلى الأحدث يوضح كيفية تطورها وما هي تداعياتها بطريقة تفاعلية.
4- الإنفوغرافيك (Infographic): تتحول فيه البيانات والمعلومات والأرقام إلى صور ورسوم جرافيكية جذابة وسهلة قابلة للفهم بطريقة مبسّطة، وقد حظى مؤخرًا بأهمية كبيرة في المؤسسات الصحفية وتحديدًا الرقمية منها، ودخل غرف الأخبار الحديثة وبدأت نسبة كبيرة من المواقع بإطلاق أقسام لها محررين وصحفيين متخصصين في إنتاج وتقديم الإنفوغرافيك عبر منصاتها، فهو يُمكِّن الصحفي من سرد قصة أو خبر معقد التفاصيل باستخدام صور ورسوم ساكنة، أو مقاطع فيديو متحركة (Animation) قصيرة لا تتجاوز مدتها الزمنية أكثر من (3) دقائق تجذب المستخدم وتلفت انتباهه.
5- الألعاب (Games): قدمت بعض المواقع الأجنبية قصصها الصحفية على شكل ألعاب تفاعلية كنمط جديد للتحرير والنشر، فبدلًا من أن يُكتَب الخبر في القوالب التقليدية، يتم تقديمهُ على شكل لعبة افتراضية، كما فعل موقع بي بي سي عندما نشر موضوعًا حول تأثير عدم شرب الماء بشكل كافٍ على جلد الإنسان، وذلك عن طريق تقدير كمية الماء التي يشربها المستخدم في اليوم، ليقوم الموقع بإعطائه تأثير هذا الكم على نضارة بشرته باستخدام نماذج من الصور.
6- تقنية 360 درجة (360degree): يُطلق عليها أيضًا تسمية الأسلوب الكروي أو البانورامي، تُقدَّم القصص فيها بخاصية مشاهدة وعرض من مختلف الزوايا، قد تكون على شكل صورة أو مقطع فيديو متحرك، وتمثِّل عامل جذب قوي للمستخدم، بدأت تأخذ حيز واسع وتنتشر بشكل أكبر في المواقع الإخبارية، إذ تحقق هذه التقنية قدر كبير من التفاعلية بين المستخدم وبين الموضوع، وكثيرًا ما تُستخدم في الموضوعات الرياضية والترفيهية فهي تُظهِر معالم مكان ما أو تنقل صورة كاملة عن حدث معين.
7- الواقع المُعزّز (Augmented Reality): تسمح للمستخدم بإضافة عناصر رقمية افتراضية إلى بيئته الفعلية باستخدام جهاز الهاتف عبر تطبيقات الكاميرا، وهي كتقنية متطورة تُعطي لهُ حرية تحريك تلك العناصر لتحقيق الاندماج والتفاعل، إذ يمكن استخدامها في إضافة أشكال أو سلع أو منتجات داخل القصص الصحفية كالسيارات والأجهزة الإلكترونية والملابس وغيرها، وقد استخدمت صحيفة ميترو البريطانية هذه التقنية بنشرها خبرًا على نسختها الورقية يتضمن صورة إعلان ترويجي لفيلم رسوم متحركة، وضع المحرر بجانب العنوان أيقونة صغيرة مكتوب عليها (Metro AR)، عندما يقوم القارئ بتوجيه كاميرا الهاتف إلى الصورة في الصحيفة، يبدأ مقطع الفيديو الخاص بالفيلم في شاشة الهاتف.
8- الواقع الافتراضي (Virtual Reality): تقوم فلسفة هذه التقنية على نقل الوعي الإنساني إلى بيئة افتراضية يتم بنائها باستخدام صور وأصوات لأماكن وأشخاص حقيقيين، يضع المستخدم في تجربة تنقلهُ إلى عالم افتراضي يخص الموضوع، مؤلف من أجسام ثلاثية الأبعاد (3D) تكاد تكون حقيقية، تصل فيه درجة التفاعل إلى أعلى مستوياتها عن طريق محاكاة الحواس البشرية كالبصر والسمع واللمس، فيُعطي للمستخدم إحساسًا بالتجول في مكان الحدث، فيشعر بكل ما موجود فيه من عناصر وتفاصيل وحتى أشخاص، إلى جانب الأصوات عالية الوضوح التي تزيد من عملية الاندماج مع الموضوع، وفي بعض القصص الصحفية التي تُستخدَم فيها هذه التقنية يتطلب استخدام أدوات مخصّصة للتفاعل كالنظارات (VR Glasses) والأدوات الخاصة بالصوت (VR Headset)، التي يتم ربطها على أجهزة الحاسوب والهواتف للدخول في تجربة الواقع الافتراضي.
مما لا شك فيه أنَّ طرق سرد القصص الصحفية في العالم الرقمي أو الافتراضي ستبقى في تطور وتغير مستمر ما دام هناك ابتكار جديد يظهر كل يوم في مجال التكنولوجيا، بالتالي ينبغي على مؤسسات ووسائل الإعلام – وتحديدًا العربية – الاستثمار في هذا المجال لأنَّهُ يمثل المستقبل، فكلما زاد اهتمام المؤسسة الإعلامية بما يظهر من تقنيات وأدوات صحفية حديثة؛ كلما تميزت أكثر وحققت نجاح في السوق الإعلامي الذي يشهد منافسة كبيرة.
المصدر : https://annabaa.org/arabic/mediareports/37090