تقييم التعاون الأمريكي – الفرنسي بعد عام من السابع من تشرين الأول/أكتوبر

كشف القتال على عدة جبهات في الشرق الأوسط عن فجوات بين الحلفاء، ولكن لديهم مجالاً واسعاً للتعاون في مجالات تتراوح من ضمان السيادة اللبنانية إلى تقديم المساعدات الإنسانية.

منذ أن بدأت إسرائيل عملياتها البرية في لبنان في أوائل تشرين الأول/أكتوبر، بدا أن المواقف الفرنسية والأمريكية تتباعد بشكل أكبر، خاصة فيما يتعلق بالدعوة إلى وقف إطلاق النار. ومع ذلك، تواصل باريس وواشنطن مشاركة الهدف المتمثل في خفض التصعيد في الصراع الشامل في الشرق الأوسط، والذي يمكن تحقيقه بشكل أفضل من خلال التنسيق الوثيق والمستمر.

بيان مشترك: دليل على التنسيق الوثيق

على الرغم من أن التعاون الثنائي على مدى العام الماضي لمنع حرب بين إسرائيل و”حزب الله” لم يكن سلساً دائماً، وفشل في النهاية في منع التصعيد، فقد أطلق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره الأمريكي جو بايدن مبادرة مشتركة لهذا الغرض في أيلول/سبتمبر. وجرت مفاوضات مكثفة خلال الجلسة الأخيرة للجمعية العامة للأمم المتحدة في الوقت الذي أدت فيه الحملة الإسرائيلية ضد أجهزة النداء التابعة لحزب الله، إلى هز الأمن في صفوف “حزب الله” وغيره من الخصوم. وعلى خلفية هذا المشهد، اتفق ماكرون وبايدن، بالتنسيق مع إسرائيل والحكومة اللبنانية – التي نسقت بدورها مع “حزب الله” – على نص يدعو إلى “وقف مؤقت لإطلاق النار لإعطاء الدبلوماسية فرصة للنجاح وتجنب المزيد من التصعيد عبر الحدود“. وعلى الرغم من أن الأحداث السريعة قد جعلت هذه المبادرة غير مجدية إلى حد كبير، وانتُقدت لعدم ذكرها “حزب الله”، إلا أنها مع ذلك يجب أن تظل أساساً قوياً يمكن البناء عليه عندما يحين الوقت المناسب.

الاختلافات حول مقتل نصر الله، والأنشطة العسكرية الإسرائيلية الأخرى

تباينت المواقف الفرنسية والأمريكية بشأن موضوعين على وجه الخصوص:

  • رداً على اغتيال إسرائيل المستهدف للأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله في 27 أيلول/سبتمبر، نشرت فرنسا بياناً موجزاً ​​يؤكد على ضرورة منع زعزعة الاستقرار أو التصعيد. وفي المقابل، أعلن الرئيس بايدن أن وفاة نصر الله ستوفر “قدراً من العدالة لضحاياه العديدين“، ويُفترض أن يشمل ذلك مواطنين أمريكيين وفرنسيين، وكذلك آخرين.
  • فيما يتعلق بالعمليات العسكرية الإسرائيلية في لبنان، اعتُبرت المصطلحات التي استخدمها المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية في بيان يوم 1 تشرين الأول/أكتوبر، يوم الهجوم الصاروخي الباليستي الإيراني على إسرائيل، على أنها تمنح الضوء الأخضر للعمليات البرية في لبنان. ومع ذلك، بعد بضعة أيام، نفى المبعوث الأمريكي عاموس هوكشتاين هذا التفسير، وأصر على أن الحل الدبلوماسي فقط هو الذي سيسمح لسكان شمال إسرائيل، الذين أجبروا على الإخلاء بعد هجوم “حزب الله” في 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023، بالعودة إلى منازلهم. ومع ذلك، لم يذكر هوكشتاين “وقف إطلاق النار”، كما كان الحال أيضاً في ملخص مكالمة الرئيس بايدن مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وكان موقف فرنسا أقل غموضاً، حيث أكد كل من الرئيس ماكرون ووزير الخارجية الفرنسي مراراً وتكراراً معارضة فرنسا للعمليات البرية الإسرائيلية في لبنان. ولم تعبّر فرنسا أبداً عن موافقتها على استراتيجية إسرائيل “لخفض التصعيد من خلال التصعيد” في لبنان، وهو الموقف الذي تم توضيحه لجميع الأطراف المعنية.

نهج فرنسا تجاه الشرق الأوسط – وحدوده

تسير باريس على خط رفيع بين عدة أهداف استراتيجية أصبح من الصعب التوفيق بينها بسبب التطورات على الأرض، مما دفع البعض إلى وصف السياسة الفرنسية بأنها غير متماسكة. وبالتالي، سعى الرئيس ماكرون إلى التوفيق بين التزام فرنسا غير القابل للتفاوض بأمن إسرائيل ودعمها الثابت لحل الدولتين مع الفلسطينيين والدفاع المستمر عن سيادة لبنان. وتفسّر هذه المواقف لماذا دعت فرنسا باستمرار إلى وقف إطلاق النار في لبنان وغزة، وأعربت عن مخاوفها العميقة بشأن العمليات العسكرية الإسرائيلية، بما في ذلك في الضفة الغربية.

إن الرحلات الخارجية الأولى التي قام بها وزير الخارجية الفرنسي المعين حديثاً، جان-نويل بارو تسلط الضوء على محاولة السعي لتحقيق هذه الأهداف الثلاثة في آن واحد. ففي 30 أيلول/سبتمبر، أصبح بارو أول مسؤول غربي على مستوى وزاري يزور لبنان منذ بدء حملة القصف الإسرائيلية في أيلول/سبتمبر. وأثناء وجوده في بيروت، أكد مجدداً على الدعم القوي الذي تقدمه فرنسا للبنان، بالإضافة إلى أهمية حماية المواطنين الفرنسيين المقيمين هناك (الجالية الفرنسية في لبنان، التي يبلغ عددها 23,000 نسمة، هي الأبرز في الشرق الأوسط). وبعد أسبوع، في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، زار بارو موقع مهرجان نوفا الموسيقي في إسرائيل، وهو الموقع الذي حظي بتغطية إعلامية واسعة النطاق وشهد بعمليات القتل والوحشية التي قادتها “حماس”. وأثناء وجوده هناك، أعرب عن تضامن فرنسا مع الضحايا، وكان عدد كبير منهم فرنسيين (ثمانية وأربعون قتيلاً، واثنان ما زالا محتجزين كرهائن في غزة).

ولكن الخطر هنا هو أن يُنظر إلى التوازن الفرنسي على أنه غموض لا يُرضي أحداً. فعلى سبيل المثال، اعتبرت إسرائيل دعوة الرئيس ماكرون لوقف تزويد الأسلحة للقتال في غزة تهديداً بفرض حظر على الأسلحة – مع أن المسؤولين الفرنسيين لم يستخدموا هذا المصطلح أبداً. وجاءت هذه التصريحات بعد أيام قليلة من قيام فرنسا بتعبئة مواردها العسكرية في الشرق الأوسط، مدعومة ببيانات عامة، للدفاع عن الأراضي الإسرائيلية ضد وابل الصواريخ الإيرانية في الأول من تشرين الأول/أكتوبر. ثم اعتُبر توضيح فرنسا – بأنها ستواصل تصدير المكونات اللازمة للأغراض الدفاعية (أي ضد الهجمات الصاروخية) – بمثابة تراجع في موقفها. وفي الواقع، كان القصد منه إظهار تماسك الموقف الفرنسي. ومن ناحية أخرى، انتقد الكثيرون السياسة الفرنسية التي تهدف إلى أن تكون متوازنة لكنها لم تعترف بعد بدولة فلسطينية – على عكس دول أوروبية مثل إسبانيا.

لقد أثبت رد الفعل الحاد من قبل بنيامين نتنياهو على دعوة ماكرون شيئاً واحداً على الأقل: أن صوت فرنسا لا يزال مهماً، حتى مع قلة نفوذ باريس وحدها. إن التعاون مع واشنطن، على الرغم من أنه أكثر تحدياً مما كان عليه في الماضي، أصبح أكثر ضرورة.

خيارات للتعاون الأمريكي-الفرنسي

تقدم المجالات التالية فرصاً للتعاون المثمر بين باريس وواشنطن، رغم أن تطورات الحرب ستستمر على الأرجح في الكشف عن التوترات:

تعزيز الدعم من الجهات الفاعلة الدولية والإقليمية الأخرى. في 24 تشرين الأول/أكتوبر، ستعقد فرنسا مؤتمراً دولياً لدعم شعب لبنان وسيادته، مع التركيز على الجوانب المالية والسياسية. إن الموقف الخاص لفرنسا يجعلها جهة فاعلة شرعية هنا – فلديها سبعمائة جندي ضمن “قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة” على الأرض كجزء من “قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان” (“اليونيفيل”) وهي حاملة الريشة في مجلس الأمن. علاوة على ذلك، فإن علاقتها مع القيادة الإسرائيلية قوية – على الرغم من التوترات الأخيرة بين ماكرون ونتنياهو – وهي إحدى القوى الغربية القليلة التي تجري محادثات منتظمة ومباشرة على مستوى عالٍ مع إيران. يجب أن تستمر باريس وواشنطن في بذل الجهود لحشد الدعم العربي والأوروبي للبنان. إن خيبة أمل المملكة العربية السعودية من لبنان نتجت عن القوة الساحقة لـ”حزب الله” فضلاً عن الخداع المتصور الذي شعرت به الرياض من أقرب حلفائها اللبنانيين. وفي الوقت الذي يعيش فيه “حزب الله” حالة من الفوضى، وتحاول السعودية المصالحة مع إيران، يمكن أن تكون المملكة من جديد جهة فاعلة رئيسية في لبنان، بشرط أن تعبّر الحكومة اللبنانية والقوات المسلحة عن التزام واضح بالقيام بدورهما – أي تنفيذ الإصلاحات الضرورية بشكل عاجل.

إيصال المساعدات الإنسانية. في الثاني من تشرين الأول/أكتوبر، أطلقت الأمم المتحدة نداءً لجمع 426 مليون دولار لدعم مليون شخص “مُهجَّرين” في لبنان. وفي بلد كان اللاجئون السوريون فيه محور التركيز على مدى العقد الماضي، فإن هذه الموجة الجديدة من اللاجئين تفرض تحديات خطيرة لا يجب تجاهلها. وقد أعلنت الولايات المتحدة بالفعل أنها ستقدم ما يقرب من 157 مليون دولار كمساعدات إنسانية جديدة. علاوة على ذلك، أعلنت “المفوضية الأوروبية” الشهر الماضي أنها ستقدم أكثر من 40 مليون دولار كدعم إضافي، كما قدمت العديد من دول الاتحاد الأوروبي – ومن بينها فرنسا – مساعدات إنسانية. ويكمن التحدي الآن في تحديد السبل الكفيلة بتنسيق هذه المساعدات بكفاءة، وهي المهمة التي يتطلب فيها بقاء مطار بيروت مفتوحاً من أجلها.

دعم الجيش اللبناني، الذي هو عنصر أساسي في السيادة اللبنانية، وتنفيذ “قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701” بالكامل. لقد عان الجيش اللبناني، الذي يحظى بدعم رئيسي من الولايات المتحدة وقطر، من تداعيات الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان. وهو اليوم في حاجة ماسة إلى دعم إضافي لشراء المعدات وتلقي التدريب اللازم. وسيكون مؤتمر باريس المكان المناسب لفرنسا وشركائها الآخرين للإعلان عن تمويل إضافي لهذه القضية الحرجة، وللجيش اللبناني لتقديم خارطة طريق طموحة ومشجعة بشأن إعادة الانتشار في المستقبل. علاوة على ذلك، بإمكان إيطاليا أن تلعب دوراً، باستفادتها من المؤتمر الذي استضافته في عام 2018 من خلال تنظيم أحداث مماثلة لدعم الجيش اللبناني. وفيما يتعلق بالتنفيذ الكامل “للقرار 1701″، والذي من شأنه أن يزيل تهديد “حزب الله” من جنوب لبنان، سيتطلب الأمر من واشنطن وباريس الاتفاق على معناه في السياق الحالي.

اختيار رئيس في لبنان. ظل منصب الرئاسة اللبنانية شاغراً لمدة عامين. ووفقاً للدستور اللبناني، فإن الرئيس هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، مما يخلق ارتباطاً مباشراً بالجيش اللبناني. والآن يجب على الجهات الفاعلة الدولية إقناع القيادة اللبنانية بالاجتماع لاختيار رئيس يتمتع بالكفاءة بما يكفي للتعامل مع الوضع الحالي وتعزيز مصداقية لبنان الدبلوماسية. وينبغي أن تظل باريس وواشنطن منخرطتين في العملية السياسية اللبنانية كجزء من المجموعة “الخماسية” مع مصر وقطر والسعودية.

الاستمرار في العمل نحو هدنة في غزة. ترفض إسرائيل بشدة الربط بين جبهتي لبنان وغزة. ومع ذلك، قد تؤدي التحسينات في غزة إلى تغيير الديناميكيات نحو المساعدة في تحقيق نهاية مرضية ودائمة للحرب في لبنان – والعكس صحيح. ومن شأن خفض التصعيد أن يفسح المجال لدبلوماسية أوسع نطاقاً في جميع أنحاء المنطقة ويمنع الحرب الإقليمية الشاملة التي تعمل الولايات المتحدة وفرنسا بلا هوادة على تجنبها. إن موت زعيم “حماس” يحيى السنوار قد يجعل هذا السيناريو أكثر احتمالاً.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M