رسالة ماجستير للطالب
سلام عادل وهاب احمد التميمي
المشرف الدكتور محمد الغريفي
المقدمة :
تحتل السياسة الخارجية موقع الصدارة ضمن عناصر الامن الوطني للدولة، فالسياسة الخارجية هي مؤشر لقوة الدولة أو هشاشتها، وهي الصورة التي ترغب بتقدميها عن نفسها للخارج، لتعكس صورة سياستها الداخلية، وفلسفتها السياسية، ومبادئها واخلاقياتها ومصالحها على حد سواء.وقد مرت السياسة الخارجية في العراق بتقلبات عديدة، كانت خلالها رهنا لطبيعة الحاكم ، وفلسفة النظام السياسي القائم، منذ أتسيس الدولة العراقية الحديثة في العام 1921 ،وترجحت بين التوازن، والتفكير بالمصالح العراقية، وبين العشوائية في القرارات، والتخندق الايديولوجي دون النظر لمصلحة البلد ، تبعا لمزاج الحاكم ، وكانت على أشد تخطبها لمزاج الحاكم الديكتاتوري البائد، فتورط العراق في مشاكل اقليمية ّ ودولية كان يمكن تجنبها، حروب وحصار عرقل مسرية التنمية، وأخر البلد في طريق تقدمه.ومنذ العام 2003 ،ومع الدميقراطية الناشئة في العراق، بدأت السياسة الخارجية العراقية تتحكم وتتأثر بعوامل كثيرة، من أهمها الازمات الامنية التي ضربت البلد، التي شغلت حكوماته المنتخبة، فكان الاستقرار الداخلي، والحصول على الدعم الدولي لهذه الديمقراطية الناشئة معيارا حكم الكثير من سياسات البلد الخارجية، سعيا الى ترسيخ الاستقرار، وتعضيد أسس الامن الوطني العراقي مرت الدولة العراقية منذ تأسيسها عام 1921 بتحولات سياسية مختلفة، وقد اثرت هذه التحولات في توجهات السياسة الخارجية العراقية، وكان للتنافس الاقليمي والدولي تاثير واضح على توجهات السياسة الخارجية العراقية ايضا، اذ ان العراق يقع في منطقة تتسم بالتعقيد ويغلب فيها منطق الصراع على منطق السلام ، فضلا عن ان الجوار الجغرافي للعراق معقد بتركيبته القومية وكثرة الاعراق المختلفة كل ذلك كان له تاثيره في عملية صنع القرار السياسي الخارجي ولاسيما في مرحلة مابعد عام 2003التي شهدت تغييرات كبيرة في العراق
اهمية البحث :
ان السياسية الخارجية في هذه المرحلة تواجه تعقيدات كبيرة ناشئة من طبيعة التحديات الداخلية، التي تعترض مسار العمل الحكومي وطبيعة النشوء والارتقاء للأداء السياسي في العراق حيث لابد من وجود رؤية سياسية في تخفيف حدة التوتر والانقسام على مستوى الدخلي والمنطقة، وأخذ دور مبادر في هذا الأمر .
فرضية البحث :
ان فرضية البحث تظهر من فكرة مفادها ان العراق قد عانة من جملة تحديات كونها نابعة من معطيات البيئة الاقليمية والدولية والتي وقع اثرها على واقع العملية السياسية الخارجية العراقية ونمط سلوكها وتوجها
اشكالية البحث :
اشكالية البحث تذهب الى التعرف على التحديات التي ساعدت والعوامل التي اثرت في عملية الواقع السياسي الخارجية العراقية
هيكلية البحث :
المحور الاول : مفهوم النظرية الواقعية
المحور الثاني : مفاهيم السياسة الخارجية العراقية
المحور الثالث : واقع السياسة الخارجية العراقية بعد عام 2003
المبحث الاول
مفهوم النظرية الواقعية
الواقعية هي مدرسة نظرية في العلاقات الدولية، والواقعية كما وصفها جوناثان هاسلام، أستاذ تاريخ العلاقات الدولية في جامعة كامبردج، “هي مجموعة من الأفكار التي تدور حول المقترحات المركزية الأربعة السياسة الجماعية، الأنانية، الفوضي والقوة السياسية” ، نظريات الواقعية السياسية نشأت من خلال أعمال توماس هوبز ونيكولو ميكافيلي، كنهج للعلاقات الدولية ،وقد كان التآصيل الحقيقي للنظرية من خلال هانز مورجانثو في كتابه السياسة بين الأمم حيث أرسى فيه أهم مقولات ومفاهيم الواقعية .[1][2][3]
نظرية الواقعية أو النظرية الواقعية هي إحدى النظريات السياسية التي تعني بتحليل السياسات الدولية أو السياسات الخارجية للدول
تعد الواقعية السياسية Political Realism أو الواقعية في السياسة الدولية – بمثابة رد فعل على تيار المثالية Idealism
كانت المثالية قد برزت بشكل ملحوظ كأحد الاتجاهات الفكرية لتحليل السياسات الدولية عقب الحرب العالمية الأولى (الفترة التي شهدت قيام عصبة الأمم) في بلورة المفاهيم الجديدة التي روج إليها المثاليون كمعايير لمدى توافق السياسات الخارجية للدول مع الأخلاق والسلوك المثالي المفترض أن ينتهجوه بما يتضمنه من أدوات لحل المنازعات والحد من الصراعات مثل الوساطة والمفاوضات والتحكيم والقضاء الدولي.
وبرغم قدم الأصول الفكرية للواقعية السياسية كما أوضحنا سابقاً، إلا أن نشأة المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية نشأة حديث نسبياً، حيث ترجع للفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، ففي هذه المرحلة تحول الاهتمام في دراسة العلاقات الدولية من إطارها القانوني إلى إطارها الواقعي بما تحمله من أبعاد متشابكة وما تعكسه من مصالح متناقضة وما تراعيه من موازين قوى. [4]
وقد اعتمدت نظرية الواقعية على مفاهيم خاصة لفهم تعقيدات السياسة الدولية وتفسير السلوك الخارجي للدول، لعل أبرزها (الدولة، القوة، المصلحة، العقلانية، الفوضى الدولية، التقليل من دور المنظمات الدولية الاعتماد على الذات، هاجس الأمن والبقاء) وباتت تلك المفاهيم بمثابة مفاتيح اعتمدتها كل المقاربات الواقعية.
وقد مر تيار الواقعية في العلاقات الدولية بعدة تطورات وشهد كثير من المراجعات تبلور عنها عدة اتجاهات، بدايةً مما عرف بالواقعية التقليدية Classical Realism والتي عدلت لاحقاً بنهاية العقد السابع للقرن العشرين نتيجة للتحولات التي شهدتها بنية البيئة الدولية، فأضيفت إليها أطروحات جديدة في إطار ما عرف بالواقعية البنيوية Structural Realism. وفي ثمانينات القرن العشرين شهدت الواقعية تطوراً أخر في إطار ما عرف بالواقعية البنيوية الجديدة Neo- Structural Realism التي كشفت بدورها عن اتجاهين (هجومي Defensive Realism ودفاعي Offensive Realism) كما شهدت تلك الفترة اتجاهاً أخر وصف بالواقعية الكلاسيكية الجديدة .Neo-Classical Realismوقد حاولت الواقعية على اختلاف مسمياتها وأطروحاتها تقديم تفسيرات مقبولة لما تشهده العلاقات الدولية ، تتعدد النظريات التي تفسر حقيقة العلاقات بين الدول، والأسباب التي تقود إلى الحروب أو التحالفات، ومنها النظرية الواقعية التي ترتكز في تفسير ذلك على مبدأ القوة والأمن القومي وتوازن القوى، حيث تشكل هذه العناصر الأساس في تنافس الدول وصراعها وتحالفها وحروبها، وإذا كانت النظريات الأخرى كالماركسية والبنيوية والليبرالية تختلف مع النظرية الواقعية حول ذلك، فإن تجارب الحروب من عهد إسبارطا وأثينا وحتى الحرب العالمية الثانية، ومن ثم الحرب الباردة، تثبت أن النظرية الواقعية هي الأقرب إلى الصحة في تفسير علاقات الدول، وبشكل خاص في عالمٍ تحكمه القوة والمصالح.[4]
المبحث الثاني
مفاهيم السياسة الخارجية العراقية
أولا: مفهوم السياسة الخارجية.
ان الكلام عن السياسة الخارجية يتطلب فهم في المعنى بالسياسة الخارجية وأليات تنفيذها وقد كثرت تعريفات السياسة الخارجية لتعدد وجهات النظر المختلفة لموضوع السياسة الخارجية.يعرف قاموس بنغوين للعلاقات الدولية السياسة الخارجية بأنها: النشاط الذي تقوم به الأطراف الفاعلة بالفعل ورد الفعل بالتفاعل (5). وقد سميت السياسة الخارجية بالنشاط الحدودي. ويفيد مصطلح الحدود (Boundary) ضمنياً أن القائمين على صياغة السياسة يمتد نشاطهم ليشمل بيئتين: بيئة داخلية او محلية وبيئة خارجية او عالمية. لذا فإن صانعي السياسة ونظام السياسة يقفان عند التقاء هاتين النقطتين ويسعون للتوسط بين الأوساط المختلفة، بتعبير ادق، ان المجال الجغرافي للسياسات الخارجية يختلف، فهنالك دول تصب اهتماماتها بالإقليم الذي توجد فيه الوحدة الدولية بينما تمتد سياسات اخرى الى ما وراء الإقليم الجغرافي لتشمل العالم بأسره، ويكمن الإختلاف بين الإتجاهين في التركيز والتوزع الجغرافي للأنشطة والمصالح الرئيسة للسياسات الخارجية. وبصفة عامة يهتم صانع السياسة الخارجية الإقليمية بالوحدات الدولية الكائنة في اقليمه، ولا يبالي بالتطورات الدولية الا بالقدر الذي تؤثر فيه على هذا الإقليم، في حين توزع اهتمامات صانع السياسة العالمية على شتى مناطق المعمورة وصولاً الى تحقيق الأهداف المتوخاة(6). ويحدد محمد السيد سليم بعدين اساسيين للسياسة الخارجية: الأول يختص بالتوجهات والأدوار والأهداف والإستراتيجيات وينطوي على قدر كبير من الشمول والعمومية، فالإتجاهات قد تتغير من مرحلة الى اخرى، وكذلك الأهداف التي قد تُعدل بفعل تغيير النسق الدولي او الإقليمي او كلاهما ومكانة الوحدة الدولية وتطلعاتها، اما البعد الثاني فيتضمن مجموعة القرارات والسلوكيات والتعاملات التي تعد اكثر تحديداً وأوسع قابلية للقياس الكمي. وفقاً لما تقدم نخلص الى ان السياسة الخارجية: ظاهرة متعددة الأبعاد تستلزم صياغة مجموعة من الأهداف، وتحديد مجموعة من القرارات والسلوكيات التي تشكل في مجموعها السياسة الخارجية لتلك الوحدة والتي يتم اعتمادها وفقاً للمتغيرات والضغوط الداخلية والإقليمية والدولية، لتشكل اتجاهاً تتسم به في مرحلة ما(7).ويقصد بالأهداف “الغايات التي تسعى الوحدة الدولية لتحقيقها في البيئة الدولية”، وبالتالي على كل دولة ان تعمل على تحديد هدفها بشكل واضح عبر قيامها بتصرفات في المحيط الخارجي، فوضوحالهدف يجب ان يكون عبر ابتكار وسائل وصيغ حديثة لتنفيذه في البيئة الخارجية. وتتسم الأهداف التي تطمح الدول الى تحقيقها بالتنوع والتباين في الزمان والمكان، وهذا مرده الى تمايز واختلاف الدول من حيث أنظمتها السياسية وواقعها الداخلي والخارجي، وبالتالي انعكاس تلك العملية على طبيعة أهدافها ولا سيما في المجال الخارجي لها؛ فالبعض يرى بأن الهدف الأساس للدولة يكمن في الحصول على القوة كما يعتقده )مورغان ثاو(، بينما يرى )كيندرمان( بأن الدول تسعى للحصول على أهدافها الأساسية عبر تأمين أمنها بالدرجة الأولى وعبر اهداف ثانوية مرتبطة بالهدف الرئيس لها(6). فيما يحدد الدكتور مازن إسماعيل الرمضاني ثلاث مجموعات من الأهداف: اهداف استراتيجية عليا: ويقصد بها الأهداف التي تحظى بالإجماع او شبه الإجماع الداخلي )او القومي( على ضرورة انجازها، وهذا يكون لدورها في حماية الدولة ذاتها. وتندرج مجمل هذه الأهداف تحت مفهوم الأمن القومي، وتبعاً لهذا المعنى هي من ذلك النوع الذي لا يقبل المساومة عليها او التخلي عنها حتى لو اضطرت الى الدخول في حروب من اجل حمايتها او الدفاع عنها. لذلك فالأهداف الإستراتيجية العليا تعلو من حيث القيمة على غيرها. ولأهميتها لا تتردد الدول في التضحية مؤقتاً بغيرها من الأهداف من اجل ضمان ديمومتها ،اما الأهداف الإستراتيجية المتوسطة: فيقصد بها تلك الأهداف التي قد تمانع الدول من الدخول في حروب مع غيرها من اجل انجازها،لكنها تقع في سلّم الأولويات والأفضليات بعد الأهداف الإستراتيجية العليا. ومن ابرز تلك الأهداف: تحقيق الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية والعمل على تكوين سمعة دولية وبناء شبكة علاقات دولية وإقليمية؛ اما الأهداف التعبوية او الهامشية فيقصد بها تلك الأهداف التي لا تتطلب من الدولة تعبئة قدراتها لأجل استثمارها من اجل تحقيقها ، وهي ليست حالة مطلقة للدول، بل تختلف من دولة الى اخرى وبإختلاف نمط السياسة الخارجية، فما تكون أهدافاً استراتيجية عليا لدولة ما قد تكون هامشية بالنسبة لغيرها، وهذا ما يعزز من تناقض السياسات الخارجية لدولة واحدة ولكن بتغير الزمن(8). وتعد القدرات العسكرية والاقتصادية اداتي تنفيذ قرارات السياسة، وقد عدت أداة السياسة العسكرية تقليدياً بأنها الأكثر أهمية في المجالات التي تتعلق بالسياسة العليا. وفي الحقبة قريبة العهد استرعت الأدوات الاقتصادية اهتماماً متزايداً، ويعود هذا جزئياً الى زيادة الترابط وبسبب بعض المشكلات المحيطة باستخدام او بالتهديد باستخدام القوة في السياسة المعاصرة(6). كما تعد الدبلوماسية اهم ادوات تنفيذ السياسة الخارجية بالرغم من رؤية باحثين امثال غراهام ايفانز وجيفري نوينهام: التفريق بين الدبلوماسية والسياسة الخارجية، اذ انهما يستخدمان في بعض الأحيان كمصطلحين مترادفين في النصوص التقليدية(5). بينما يستخدم مصطلح السياسة الخارجية ليشمل علاقة دولية ما مع العالم الخارجي، فإن الدبلوماسية تشير الى الطريقة التي يتم بها تسيير العلاقات ،بيد انه من المفيد القول: مهما كانت دولة ما متميزة بقدرتها على العمل على تعزيز مصالحها، فقد تكون مهارة دبلوماسيتها وتسيير دبلوماسيتها حاسمة للنتيجة تأسيساً على ما تقدم يقسم معظم الباحثين عمل الدبلوماسية الى ثلاث محاور :
الأول: التركيز والإستقصاء ومراقبة ما يجري من معطيات سياسية وإقتصادية وعسكرية تؤثر في مصالح الدولة سواء المصالح الإستراتيجية بعيدة المدى او متوسطة او قريبة المدى.
- الثاني: العمل على تحقيق مصالح الدولة الوطنية والقومية .
- الثالث: سلوك الطرق الدبلوماسية في تحقيق الأهداف المعلنة وغير المعلنة للدولة، ومن اهم هذه الطرق هي المفاوضات والمساعي الحميدة والوساطة … الخ؛ اذا مهمة الدبلوماسي الإستقصاء والتحليل والإستقراء، وذلك من اجل عدم الوقوع في الخطأ، بما ينعكس سلباً على مصداقية السياسة الخارجية للدولة. وبالتالي التأثير سلباً على مصالحها الحيوية. إلا ان اي نشاط يبذله المبعوث الدبلوماسي يعتمد الى حد كبير على عوامل عديدة منها:
- عناصر القوة في دولته في المجالات السياسية والإقتصادية والتكنلوجية والثقافية.
- استقرار النظام السياسي فيها.
- وضوح السياسة الخارجية.
ويضيف الباحث الإنجليزي هيل نيكتسون بعداً آخر لمصطلح الدبلوماسية بقوله: أنها ادارة العلاقات الدولية عن طريق التفاوض والإسلوب الذي تنظم به وتوجه به هذه العلاقات بواسطة السفراء والمبعوثين وذلك عمل الدبلوماسية وفنه. وفق هذا التعريف فأن الدبلوماسية هي التي تقود الأطراف الدولية لحل النزاعات سلماً، او تجنب إثارة ما يعكر صفو العلاقات بين الدول، والوصول الى معاهدات تعاون وإحتواء للمشكلات المثارة او التي في طريقها للإثارة(6) .
ثانياً: السياسة الخارجية العراقية – مدخل تاريخي.
منذ تأسيس الدولة العراقية في بداية العقد الثاني من القرن العشرين واجهت سياسة العراق الخارجية مشكلات رافقتها طوال مسيرتها وحتى الوقت الراهن، كانت هناك مشكلات مرحلية ارتبطت بظروف داخلية معينة او بيئية دولية متغيرة، وكان المظهر العام للسياسة الخارجية العراقية هو انعدام التوازن بسبب الإنقلابات، والتبدلات والحروب الكثيرة وتعرض العراق التدخل البريطاني في مطلع القرن الماضي ثم الإحتلال الأمريكي مطلع القرن الحالي، فقد ادى التدخل البريطاني إبان العهد الملكي الى تذبذب السياسة الخارجية العراقية واضحة، لذلك كان التعامل مع دول العالم يمر في كثير من الأحيان عبر المندوب السامي البريطاني ومن ثم السفير البريطاني بعد انتهاء الإنتداب ودخول العراق الى عصبة الأمم في عام 1932 . وهذا يعني ان سياسة العراق الخارجية اتسمت ب )التكيف الإذعاني(؛ أي استجابة الدولة العراقية
)الملكية( لمطالب البيئة الخارجية )بريطانيا(. إلا ان هذه الرؤية السلبية للسياسة الخارجية العراقية خلال الحقبة 1958 – 1921 تنفيها رؤية اخرى مغايرة ترى: ان السياسة الخارجية للعراق بالرغم من القيود التي فرضتها بريطانيا – نجحت في ضمان الامن الإقليمي العراقي واستمر العراق كدولة رئيسة في منطقة الشرق الأوسط ودولة اساسية في العالمين العربي والإسلامي، ودولة فاعلة في النظام الدولي. فقد كان العراق اول دولة عربية عضو في عصبة الامم التي انضم اليها عام 1932 كما كان في مقدمة الدول في العالم التي وقعت ميثاق سان فرانسسكو وانضم الى الأمم المتحدة عام 1945 ومن بين الدول العربية التي أسست الجامعة العربية عام 1945 ، كما كانت منظمة اوبك عام 1960 منبثقة من الجهود الكبيرة التي بذلها العراق من اجل تكتل الدول المصدرة للنفط للمحافظة على مصالح شعوبها امام الشركات الإحتكارية والدول الإستعمارية. ويؤشر ذلك كله )اتجاه الإنغماس( في الشؤون الدولية والإقليمية(6) . وبعد اعلان النظام الجمهوري في العراق عام 1958 والتحرر من الهيمنة البريطانية على القرار السياسي الخارجي العراقي، ومن ثم الخروج من حلف بغداد والغاء الإتفاقيات المبرمة مع بريطانيا والولايات المتحدة جاء اعلان )الحياد( بين المعسكرين الإشتراكي والرأسمالي اللذين كانا يقودان السياسة العالمية إبان الحرب الباردة والإنضمام الى حركة عدم الإنحياز، ليضع العراق امام استحقاقات جديدة في السياسة الخارجية، والتي عانت من صعوبات جمة بفعل تلك التغيرات(6).
ولم تكن المرحلة اللاحقة لعام 1968 افضل حالاً اذ عانت السياسة الخارجية العراقية، من مشكلات وتحديات كبيرة وشهدت احداثاً استثنائية تمثلت بحرب الخليج الأولى 1988 – 1980 – والكثير من القيود بسبب الحرب الايرانية العراقية 1980 – 1988 ، مع ايران ومشكلة دخول القوات العراقية للكويت في 2 اب 1990 ،وكذلك حرب الخليج الثانية 1991 ومارافقها وأعقبها من حصار قاسٍ شمل جميع النشاطات الخارجية ،وكانت هذه المرحلة من تاريخ العراق الأكثر تقييداً لسياسته الخارجية واسهمت دول الجوار والدول العربية والكثير من دول العالم في عملية التقييد تحت ذريعة الإلتزام بقرارات الأمم المتحدة 14 ،وقد بقي العراق خلال الحقبة الممتدة من عام 1991 الى عام 2003 يعاني من سياسة العزلة الإقليمية والدولية التي فرضت عليه(6). وبعد بدأ صفحة الإحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 لم تتمكن الحكومات المتعاقبة من تفعيل سياسة خارجية سليمة في ضوء قيود الإحتلال وقرارات رئيس الإدارة المؤقتة بول بريمر الذي كان يتصرف بصلاحيات حاكم عسكر ولم يكن مجلس الحكم قادراً على الخروج عن تأثير الإدارة الأمريكية . وحتى بعد الإنتخابات التشريعية ، والموافقة على الدستور فإن قدرة الحكومات العراقية على اتخاذ سياسة خارجية مستقلة وسليمة كانت غير ممكنة بوجود الإحتلال العسكري ونفوذه السياسي وهيمنته على مجمل حركة الدولة فضلا عن حدة الصراعات الداخلية والإقليمية والفشل في البدأ بحركة الإعمار التي كان عموم الشعب ينتظرها(6) .
ثالثاً: مرتكزات السياسة الخارجية العراقية.
هنالك العديد من المرتكزات الموضوعية والذاتية التي تؤثر في طبيعة ومنطلقات السياسة الخارجية العراقية، ويمكن إجمالها بالآتي:
المرتكز الجغرافي – الإستراتيجي ) الجيوستراتيجي (: أي الموقع الإستراتيجي للدولة او المنطقة الإقليمية، ومدى تأثير هذا الموقع في العلاقات السلمية والحربية. لقد منح العامل الجغرافي العراق أهمية جيوبوليتكية في منطقة من اكثر المناطق ازمات في العالم فطبقاً لنظرية سبيكمان SPYKMAN إن العراق يقع ضمن ما أسماه الإطار الأرضي ذو الأهمية الاستراتيجية الذي يشكل هلالاً يحيط بالقلب الروسي والذي أعطاه العالم مكندر أهمية خاصة وتنبأ له منذ عام 1904 بمستقبل كبير(6). أما ما جاء في نظرية القوة الجوية مفتاح للبقاء Air Power Key to Survival لسفرسكي فالعراق يقع ضمن منطقة المصير Area of Decision وهي أهم المناطق من الناحية الستراتيجية والتي تعني السيطرة عليها السيطرة على الأجزاء الأخرى من العالم. وطبقاً لنظرية القلب الأرضي Heart land يعد العراق جزءاً من الجسر الذي يربط بين القلب الشمالي )الرقعة الجغرافية الممتدة بين الفولغا حتى شرق سيبريا( والقلب الجنوبي )أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى(، كما إن العراق وفق ما جاء في تلك النظرية يدخل ضمن الهلال الداخلي الذي يشمل سواحل أوربا والجزيرة العربية وسواحل جنوب شرقي آسيا والهند وقسماً كبيراً من البر الصيني المحيط بمنطقة الارتكاز Pivot Area التي تشمل نطاق الاستبس من التركستان الروسية حتى جنوب شرقي أوربا، وبما أن العراق يقع في نهاية الهلال الداخلي من جهة الشرق أي في قلب جزيرة العالم بين القارات الثلاث القديمة لذا فإن موقعه الجغرافي ذو أهمية استراتيجية عالية كبيرة بسبب تحكمه في الطريق الذي يربط بين تلك القارات هذا فضلاً عن أن العراق يشكل عمقاً استراتيجياً لدول مواجهة الكيان الصهيوني وخاصة سوريا والأردن في حالة وقوع هجوم “ إسرائيلي “ عليهما. كما يعد العراق الواجهة الرئيسة للتصدي لكافة التحديات الإقليمية والدولية لمنطقة الخليج العربي(6). ولهذا يكون الموقع الاستراتيجي للعراق عنصراً مهماً من عناصر القوة لا يستهان بها من الناحية الاستراتيجية هكذا، نستخلص ان العراق يتمتع بموقع جيوستراتيجي مركزي على امتداد العصور المتباينة، وأن موقعه في قلب العالم القديم قد جعله معبراً نهرياً وبرياً وبحرياً بين القارات القديمة، كما شكلت مركزية موقعه بالنسبة للشرق الأوسط أهمية بالغة في حسابات المجال الحيوي لتلك المنطقة المهمة في العالم الحديث بعده وسط بحار العالم المركزية: المتوسط والأسود والأحمر والخليج والقزوين. وعليه فقد عُدّ العراق جسراً موصلاً بين الشرق والغرب ماضياً وحاضراً، وبين الشمال والجنوب مستقبلاً، فهو من جانب اساسي رأس حقيقي لمنطقة الخليج العربي، وهو من جانب آخر القلب النابض للمصالح الحيوية القوية في الشرق الأوسط، علاوة على كونه مفتاح الإتصالات العربية مع تركيا وإيران معاً بعدهما قوتين مؤثرتين في العالم الإسلامي الحديث، ناهيك عن كونه المركزية الدينية والعقائدية بوجود العتبات المقدسة. المرتكز الجيواقتصادي: اقتصادياً ، يعد العراق دولة ثرية في مصادر الطاقة – ولاسيما النفط*والمعادن غير الوقودية، فضلاً عن نوعية إمكاناته الزراعية الفعلية والكامنة. وقد أفضى ما تقدم إلى تعزيز فاعلية السياسة الخارجية للعراق باتجاهين أساسيين،
أولهما: دعم قدرتها على التأثير عبر صيغة تقديم المساعدات الاقتصادية الخارجية. وثانيهما: تحرير حركتها من قيود الحاجة لدعم الدول، أو المؤسسات الدولية المانحة للمساعدات الخارجية الأمر الذي أدى إلى جعل العراق واحداً من أكثر الأنظمة الموازنة اقتصادياً وسياسياً ضمن دائرته الإقليمية الشرق أوسطية، كان ذلك في نهاية سبعينيات القرن الماضي قبل ان يتورط العراق بأدوار عسكرية كارثية قادته إلى الحصار والعزلة والشلل السياسي وانعدام الفعالية. المرتكز السكاني )الديمغرافي(: يمتلك العراق قوة ديمغرافية فتية تقدر- بحسب بيانات التقرير الاقتصادي العربي الموحد لسنة 2017 – ب 38 مليون نسمة، إذ بلغت نسبة السكان في سن العمل، اي بعمر 64 – 15 سنة نحو 59 بالمائة 17 ، وهذا يعني ان مجتمع الدولة العراقية مجتمع فتي. المرتكز العسكري: إن المصدرين الرئيسين لقدرة العراق العسكرية هما عدد سكانه والإيرادات المالية النفطية، وقد عدت كافة الأنظمة السياسية التي تعاقبت على حكم العراق ان القدرة العسكرية احد عاملين الى جانب القدرة الإقتصادية في أية سياسة خارجية فعالة(6).
البحث الثالث
واقع السياسة الخارجية العراقية بعد عام 2003
ليس هناك من شك في أن السياسة الخارجية ما هي الا انعكاس للسياسة الداخلية، بالذات في ما يتعلق بطبيعة الأنظمة السياسية القائمة، فالأنظمة الاستبدادية غالباً ما تنتهج سياسة خارجية تختلف تماماً عن الأنظمة الديمقراطية، فالأولى قائمة على أساس الارتجال والعاطفة على عكس الثانية التي تعتمد الدبلوماسية وفن التفاوض، فضلا عن بديهية أخرى تتعلق بكون أن السياسة الخارجية ليست سوى انعكاس حقيقي للسياسة الداخلية للدول، وعند تتبع حال الدول العربية نجد غالبيتها تتصف بكونها أنظمة غير ديمقراطية، إذ البعض منها لغاية الآن أنظمة ملكية وأخرى أشبه بالعسكرية
في حين أن أنظمة أخرى في مرحلة التحول الديمقراطي، والعراق من بين الدول التي تسعى إلى تحقيق ترسيخ الديمقراطية الناشئة التي بدأت منذ نيسان من عام 2003، و يحاول جاهداً رسم سياسة خارجية تختلف عما كانت عليه سابقاً، لكن العقبات كانت حاضرة وبقوة، والبعض منها عقبات على المستوى الخارجي وتفاعل الدول مع وضع العراق الجديد والبعض الآخر عقبات على المستوى الداخلي وهي الأكثر حضوراً وتتعلق بطبيعة صنع وتنفيذ وتمثيل السياسة الخارجية فضلا عن الاختلافات والصراعات الداخلية التي أثرت تأثيراً مباشراً على واقع السياسة الخارجية العراقية وربما تؤثر حتى في مستقبلها.
واقع السياسة الخارجية العراقية منذ التغيير السياسي عام 2003،(9) إذ تتصف بتعدد الجهات التي تمثلها والتداخل في الصلاحيات في إطار العمل الدبلوماسي، لذلك يبرز تساؤل عن أسباب هذه التداخلات؟ هل هي سياسة تتعلق بالسلوك السياسي في صنع وتنفيذ السياسة الخارجية فقط أم توجد أسباب أخرى تتعلق بالدستور وصلاحياته التي أعطيت للأقاليم؟ وكذلك يوجد تساؤل جوهري مستقبلي يتعلق بخيارات السياسة الخارجية المستقبلية في ظل التوترات والصراعات الاقليمية والدولية؟ هل ممكن للعراق ان يصمد دون الدخول إلى محور من المحاور الفاعلة؟ وهل البقاء على الحياد ضروري ام له تبعات سلبية؟ واذا ما اختار العراق محوراً من المحاور اي محور سوف يختار. (9)
ان واقع السياسية الخارجية اليوم يعاني من مشاكل متعددة لعل من ابرزها عدم وحدة القرار السيادي وتعدد مصادره من حيث الصنع والتنفيذ بل وحتى التمثيل، اما خياراتها المستقبلية فهي معقدة وصعبة في ظل بيئة اقليمية ودولية تشهد حالة من الصراع والتنافس القائم على اساس المحاور “. قبل الدخول إلى التفاصيل لابد من المرور السريع على تعريف السياسة الخارجية والذي تكتنفه صعوبات كثيرة، بعدها حقلاً يتداخل مع مجالات عديدة، فلا يمكن تعريف السياسة الخارجية كموضوع مجرد بل تتحدد من خلال مجموعة من المكونات والعناصر التي تتداخل في تركيبها وتوثر فيها بشكل مباشر، بمعنى لا يوجد مفهوم واحد بل عدة مفاهيم وتعدد هذه المفاهيم مرده غياب نظرية اكاديمية عامة للسياسة الخارجية على حد تعبير الدكتور احمد النعيمي لذلك تعرف السياسة الخارجية بانها “مجموعة من الاهداف والقيم
والوسائل التي تنتهجها الدولة في تعاملها مع الدول الاخرى منفردة او مجتمعة او مع اي كيان اخر في سبيل تحقيق اهداف الدولة العليا ومصالحها الوطنية . (11) و تتضمن السياسة الخارجية الافعال الخارجية المتخذة من قبل صانعي القرار بهدف تحقيق اهداف بعيدة المدى واهداف قريبة المدى
عانت السياسية الخارجية العراقية من مشاكل كثيرة في ظل النظام السياسي الاستبدادي السابق، وتداعياتها قائمة إلى اليوم، فسبب السياسية الخارجية غير المدروسة فيما سبق لغاية الان العراق يدفع تعويضات لبلدان اخرى تضررت من تلك السياسة، فضلا عن موقف العراق الضعيف امام المنظمات الدولية، لذلك اخذ المواطن العراقي يبنى امال كبيرة ما بعد التغيير السياسي، لكي تكون سياسة العراق الخارجية سياسة تتصف بالكفاءة والخبرة، وتعيد إلى العراق دوره الريادي الفاعل في المنطقة بحكم موقعه الاستراتيجي وثرواته وقدراته البشرية وغيرها من الامكانيات والقدرات، لكن المتتبع إلى السياسة الخارجية من التغيير السياسي لغاية اليوم يجدها انها جيدة بالقياس إلى الحقبة الدكتاتورية لكن ليست بمستوى ادنى من الطموح. مرت السياسة الخارجية العراقية بتحديات كبيرة منذ التغيير السياسي عام 2003، فمنذ ذلك التاريخ حاولت السياسة الخارجية العراقية ان تضع لها سياسة مختلفة تماماً عن تلك السياسة التي كانت سائدة ابان حقبة النظام الدكتاتوري الاستبدادي، الا انها ظلت تعاني من تراكمات الماضي ومستجدات الحاضر وكيفية تجاوز الصعوبات وبناء سياسة خارجية حكيمة وفق نظام الحكم الرشيد بعدما كانت وفق الاستبداد والمزاجية التي ادت ما ادت من مشاكل جمة لغاية الان يدفع الشعب والحكومة ثمن تلك السياسات الخاطئة. (12)
وفي هذا الاطار يؤكد الدكتور ( مثنى المهداوي )، ان السياسة الخارجية العراقية تحددت سابقاً بأهداف و توجهات فرضتها طبيعة الانظمة السياسية قبل 2003، ومع ان عملية صنع القرار السياسي العراقي الخارجي قد تغيرت مع تغير طبيعة النظام السياسي بما يتفق والتحول الديمقراطي الذي شهد العراق الا ان ذلك لا يعني غياب القيود على القرارات الخارجية السياسية الخارجية العراقية اليوم تعاني من تعدد مراكز القرار و تعاني ايضا من تدخل الاحزاب السياسية في تعيين بعض الممثليات الدبلوماسية في الخارج من اشخاص غير مختصين وتم اعتماد العضوية الحزبية هو الاساس على حساب الاختصاص والكفاءة، لذلك نجد الكثير من البعثات الدبلوماسية غير فاعلة ولا تلبي الطموح، ولابد من استبدال الحزبية والشخصنة بالمواطنة الصالحة لغرض ارساء دولة المؤسسات المنشودة(14) . وهناك ملاحظة مهمة تتعلق بواقع السياسة الخارجية تخص التصريحات لبعض النواب والسياسيين حول قضايا مهمة تحتاج موقف رسمي مركزي يمثل الدولة العراقية، والحكومات العراقية في الآونة الاخيرة انتبهت لهذه الاشكالية التي تؤثر تاثير مباشر على رسم السياسية الخارجية العراقية سواء على مستوى العلاقات الدولية بين الدول او على مستوى المنظمات الدولية.
فضلا عن ما سبق ذكره من معوقات كثيرة واجهت ولازالت تواجه السياسية الخارجية هناك اشكالية اخرى تتعلق بالدستور العراقي النافذ لسنة 2005، الذي اعطى صلاحيات للأقاليم والمحافظات بالتمثيل الدبلوماسي وفتح مكاتب لها في البعثات الدبلوماسية في الخارج، حيث اشارت المادة (121) منه ( رابعاً )، إلى ما نصه ( تؤسس مكاتب للأقاليم والمحافظات في السفارات والبعثات الدبلوماسية لمتابعة الشؤون الثقافية والاجتماعية والانمائية )( )، وبالتأكيد فان هذه الفقرة تحتاج إلى تعديل مستقبلي اذا ما سنحت الفرصة، كون الامور السيادية يجب ان تكون حصرية للحكومة المركزية، لان فتح هكذا مكاتب سيؤدي إلى ازدواجية الاختصاص لكن بالرغم من كل القيود سواء على المستوى الداخلي او على المستوى الخارجي وبالرغم من جميع الاخفاقات والتدخلات الحزبية السلبية، تبقى السياسة الخارجية العراقية في ظل النظام الديمقراطي القائم اليوم تتجه إلى السلم والحوار، والحرب ستكون اخر الخيارات بعدما كانت اول الخيارات في ظل الانظمة السابقة. مما سبق يتضح ان واقع السياسة الخارجية العراقية اليوم يعاني من عدد من الاشكاليات بعضاً منها يتعلق بالممارسة والبعض الاخر يتعلق بالتشريع، بمعنى نحتاج إلى وقفة جادة وحقيقية لمتابعة هذه المعوقات التي تعيق رسم السياسية الخارجية والمعالجة ليست مستحيلة لكن تحتاج الارادة الصادقة من جهة وتحتاج إلى الاعتراف بالأخطاء من جهة اخرى.(15)
وفي ظل التغييرات السياسية الاقليمية والدولية المفاجئ يبقى المستقبل مجهول وغامض، وعلى العراق ان يرسم سياسة خارجية متزنة في اطار عالم الصراعات والتناقضات، والخيارات تبقى مفتوحة على جميع الاحتمالات، لكن اختيار اي منا يجب ان يكون اختيار مدروس يعتمد العقل والحكمة والتخصص، وهذا يدعونا إلى متابعة خيارات السياسية الخارجية العراقية المستقبلية . لا يخفى على المتابع للشأن السياسي في بلدان منطقة الشرق الاوسط دور واهمية العراق كبلد محوري اذ لا يمكن الحديث عن مستقبل هذه المنطقة دون النظر لدور هذا البلد كونه يمثل مكانة استراتيجية اضافة إلى عدهُ مركز الاستقرار – عدم الاستقرار في المنطقة، وهذا ما اكدته التجارب على الارض بالذات الامنية منها . لا يمكن للسياسة الخارجية في اي بلد ان تضع برنامجها بمعزل عن المتغيرات الاقليمية والدولية، والتأثير المتبادل بينهما واثر ذلك على العراق كدولة يحاول ان يضع له بصمة نجاح في ظل الظروف السياسية و الاقتصادية التي تعصف بالمنطقة، لاسيما في ظل التنافس الدولي في العراق منذ التغيير السياسي عام 2003،
وفي اطار دراسة المتغيرات الاقليمية والدولية نجدها واضحة اذ عصفت بمنطقة الشرق الاوسط عدد من المتغيرات السياسية المهمة لاسيما ما بعد ما يسمى ” بثورات الربيع العربي”، فالأزمات كثيرة (الازمة السورية واللبنانية واليمنية وغيرها) اضافة إلى متغير مهم في السياسة الاقليمية والمتمثل بالمحور القطري التركي مقابل المحور السعودي المصري،
اما فيما يتعلق بالمتغيرات الدولية فقد تباينت المواقف ( الامريكية و الروسية ) ازاء عدد من الملفات في المنطقة لاسيما ازاء الازمة السورية والقضية الفلسطينية، اضافة إلى متغير ظهر اخيراً يتعلق بسياسة التطبيع مع اسرائيل والذي انتهجته عدد من الدول العربية في مقدمتهم الامارات والبحرين. والتساؤل هنا كيف يمكن التعامل مع تلك المتغيرات الاقليمية والدولية؟ وكيف يمكن للعراق ان يستثمر الفرص المتاحة، وهل يفضل ان يدخل العراق ضمن محور من المحاور سواء الاقليمية منها او المحاور الدولية ( الروسي وتحالفاته – الامريكي وتحالفاته – الاوربي وتحالفاته )؟ العراق ما بعد 2003، ومن ابرز التحديات التي واجهت سياسته الخارجية ولغاية اليوم ليس قوة وامكانات السياسات المضادة بقدر ضعف و وهن مجابهتها من قبل العراق نفسه والخلل الحقيقي ليس على المستوى الحكومي فحسب بل السبب الابرز داخلي على المستوى المجتمعي ومن ابرز تلك الازمات ما يتعلق منها بالإرهاب والفساد بكل انواعه وازمة الصراعات السياسية بين الفرقاء والتي انعكست على المجتمع ككل. تعرف السياسه الخارجيه بانها مجموعه من الاهداف والقيم والوسائل التي تنتهجها في تعاملها مع الدول الاخرى منفرده او مجتمعه او مع اي كيان اخر في سبيل تحقيق اهداف الدوله العليا مصالحها الوطنيه وتتضمن السياسه الخارجيه الافعال الخارجيه المتخذه من قبل الساسه بهدف تحقيق اهداف بعيده المدى واهداف قريبه المدى. كانت السياسه الخارجيه العراقيه تعاني من مشاكل كثيره في ظل النظام السياسي الاستبدادي السابق وتداعياتها القائمه الى اليوم بسبب السياسه الخارجيه غير المدروسه فيما سبق لغايه الان العراق يدفع تعويضات لبلدان اخرى تضررت من تلك السياسه فضلا عن موقف العراق الضعيف امام المنظمات الدوليه وذلك اخذ المواطن العراقي يبني امال كبيره ما بعد التغيير السياسي لكي تكون سياسه العراق الخارجيه سياسه تتصف
بالكفاءه والخبره و تعيد العراق الريادي الفعال في المنطقه بحكم موقعه الاستراتيجي وثرواته وقدراته البشريه وغيرها من الامكانيات والقدرات لكن المتتبع للسياسه الخارجيه العراقيه من التغيير السياسي لغايه اليوم.
يجدها انها جيده القياس لكن ليست بمستوى الطموح من هذه السياسه الخارجيه العراقيه ان مركز التغيير السياسي عام 2003 فمن ذلك التاريخ حاولت السياسه الخارجيه العراقيه ان تضع لها سياسه مختلفه تماما عن تلك السياسه التي كان ساده ابان حقبه النظام الدكتاتوري الاستبدادي الا انها ظلت تعاني من تراكمات الماضي و مستجدات الحاضر و كيفيه تجاوز الصعوبات وبنا سياسه خارجيه حكيمه نوفق نظام الحكم الرشيد بعدما كانت فوق الاستبداد بالمزاجيه التي ادت مائده من مشاكل جمه لغايه الان يدفع الشعب والحكومه ثم من تلك السياسات الخاطئه وفي هذا الاطار يؤكد الدكتور مثنى المهداوي ان السياسه الخارجيه العراقيه تحدد سابقا باهداف والتوجهات فرضتها طبيعه الانظمه السياسيه قبل 2003. ومع ان العمليه.
اتخاذ القرارات السياسيه العراقيه على الصعيد الخارجي قد تغيرت مع تغير طبيعه النظام السياسي بما يتفق والتحول الديمقراطي الذي شهده العراق مع ذلك لا يعني غياب او قيود على السياسه الخارجيه العراقيه اذ اليوم تعاني من تعدد مراكز القوه من حيث تدخل الاحزاب في تعيين بعض الممثليات الدبلوماسية في الخارج من اشخاص غير مخلصين وتم اعتماد العضويه الحزبيه اساس على حساب الاختصاص والكفاءه لذلك نجد الكثير من البعثات الدبلوماسيه غير فعاله و لا تلبي الطموح ولابد من استبدال الحزبيه والشخصيه بالمواطنه الصالحه لغرض تحقيق الغايات المنشوده وهناك ملاحظه مهمه تتعلق بواقع السياسه الخارجيه تخص التصريحات بعض النواب والسياسيين حول قضيه من قضايا مهمه تحتاج موقف رسمي يمثل الدوله العراقيه و الحكومات العراقيه في الاونه الاخيره. انتبهت الى هذه الاشكاليه التي تؤثر تاثيرا مباشرا على رسم السياسه الخارجيه العراقيه سواء على مستوى العلاقات الدوليه بين الدول او على مستوى المنظمات الدوليه فضلا على عن ما سبق.
كما ان هناك معوقات كثيره واجهه ولا زالت تواجه السياسه الخارجيه العراقيه هناك اشكاليه اخرى تتعلق بالدستور العراقي النافذ لسنه 2005 الذي اعطاء صلاحيات الاقاليم والمحافظات في التمثيل الدبلوماسي و فتح مكاتب لها في البعثات الدبلوماسيه في الخارج حيث اشارت الى ماده 121 منه رابعا الى منصه تؤسس مكاتب الاقاليم والمحافظات في السفارات والبعثات لمن تابعه الشؤون الثقافيه والاجتماعيه والانمائيه وبالتاكيد فان هذه الفقره تحتاج الى تعديل مستقبلي يجب ان تكون حصريه للحكومه المركزيه لان فتح هكذا مكاتب سيؤدي الى ازدواجيه الاختصاص لكن سواء على المستوى الداخلي او المستوى الخارجي ودور بعض الاحزاب السياسيه السلبييه تبقى في جميع الاحوال السياسه الخارجيه العراقيه في ظل النظام الديمقراطي القائم اليوم تتجه الى السلم والحوار.
ومن ما سبق يتضح من واقع السياسه الخارجيه العراقيه اليوم يعاني من عدد من الاشكاليات بعض منها يتعلق بممارسه والبعض الاخر يتعلق بالتشريع بمعنى نحتاج الى وقفه جاده وحقيقيه لمتابعه هذه المعوقات التي تعيق رسم السياسه الخارجيه العراقيه والمعالجه ليست مستحيله لكن تحتاج الى اعاده صادقه من جهه ونحتاج الاعتراف بالاخطاء من جهه اخرى وفي ظل التغيرات السياسيه الاقليميه والدوليه يبقى مستقبل مجهول وغامض وعلى العراق يرسم سياسه خارجيه متزنه في اطار عالم السياسات والتناقضات والخيارات تبقى مفتوحه على جميع الاحتمالات لكن اختيار اي منه يجب ان يكون اختيار مدروس يعتمد على العقل والحكمه والتخصص .(15)
الفهرس
الاية (2) ص
مقدمة البحث (3) ص
اهمية البحث (4) ص
فرضية البحث (5) ص
اشكالية البحث (6) ص
هيكلية البحث (7) ص
البحث الاول (8) ص
البحث ثاني (12) ص
البحث الثالث (21) ص
الفهرس (30) ص
المصادر (31) ص
المصادر
القران الكريم
1_”معلومات عن نظرية الواقعية السياسية على موقع yso.fi”. yso.fi.
2_ “معلومات عن نظرية الواقعية السياسية على موقع yso.fi”. yso.fi.
3_”معلومات عن نظرية الواقعية السياسية على موقع id.worldcat.org”. id.worldcat.org. مؤرشف من الأصل في 24 مارس 2021.
4_د. جمال سلامة علي : كتاب” تحليل العلاقات الدولية .. دراسة في إدارة الصراع الدولي”، دار النهضة العربية، القاهرة،
5_غراهام ايفانز وجيفري نوينهام، قاموس بنغوين للعلاقات الدولية، ترجمة ونشر: مركز الخليج لألبحاث،الامارات العربية المتحدة، ط1 ،2004
6ـ ا.د اسراء شريف جيجان ، ا.م.د عمر كامل حسن ، السياسة الخارجية العراقية بين التنافس الاقليمي والدولي ، مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية قسم الدراسات السياسية ، العدد 1
7- محمد السيد سليم، تحليل السياسة الخارجية، مكتبة النهضة المصرية، ط1 ،1989
8- مازن اسماعيل الرمضاني، السياسة الخارجية: دراسة نظرية، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، كلية العلوم السياسية، جامعة بغداد، ط1991
9_ احمد نوري النعيمي , السياسة الخارجية , الطبعة الاولى , دار زهران للنشر والتوزيع ’ عمان , الاردن , 2010.
10_ غانم علوان الجميلي , السياسة الخارجية , الطبعة الاولى ,مطبعة كركي , بيروت , 2013.
11_ سعد حقي توفيق , مباديء العلاقات الدولية , الطبعة الرابعة , شركة العاتك لصناعة الكتاب , القاهرة ,2009.
12_ مثنى المهداوي , اثر التحول الديمقراطي على السياسة الخارجية العراقية , في مجموعة باحثين , اشكاليات التحول الديمقراطي في العراق ,الطبعة الاولى , دار الضياء للطباعة , النجف الاشرف , 2009.
13_ زهير كاظم عبود , وجهة نظر بعض نصوص الدستور العراقي , مجلة اوراق ديمقراطية , العدد 6 , تصدر المركز العراق للمعلومات الديمقراطية , بغداد , تشرين الاول , 2005 .
14_ قحطان احمد سليمان الحمداني , السياسة الخارجية العراقية , الطبعة الاولى , مكتبة متبول , القاهرة , 2008.
15_ ياسر عبد الحسين , العراق , الازمات المتوجة والحرض على الارهاب , مجلة ابحاث استراتيجية , العدد 13 , تصدر عن مركز بلادي للدراسات والابحاث الاستراتيجية , بغداد , تشرين الاول , 2016.
.
المصدر: عبر منصات التواصل للمركز