لطالما شهدت النزاعات الدولية اعتماداً على الأسلحة التقليدية في مجرياتها؛ ولكن، مع التطورات الهائلة التي يمر بها عالمنا اليوم، نلاحظ ظهور مناهج قتالية جديدة تتخطى حدود العسكرتارية لتتواءم مع متطلبات العصر الراهن، في هذا السياق، اكتسبت الاستراتيجيات القائمة على استخدام الإعلام كأداة للنفوذ والتأثير أهمية متزايدة، خصوصاً مع دور وسائل الإعلام الفعّال الذي بات أكثر جلاءً من ذي قبل، إذ إن الانتشار الواسع للإعلام الحديث، بما في ذلك مواقع التواصل الاجتماعي، سهّل من عملية الوصول إلى الأفراد والتأثير في الذهنية الجماعية لأي مجتمع من خلال توجيه ونشر الأخبار بما يخدم الأهداف المرسومة، يعتبر السلاح الإعلامي بذلك تحولاً مهماً في كيفية إدارة الصراعات، مع التركيز بشكل خاص على تشكيل الوعي الجماعي والرأي العام العالمي، ضمن هذا الإطار، يبرز مصطلح «الهسبارا HaSbara» كاستراتيجية من جانب إسرائيل، تهدف بجوهرها إلى استخدام الأدوات الإعلامية لتعزيز صورتها الإيجابية عالمياً، مُظهرةً نفسها كدولة تنشد الديمقراطية والسلام، وتقف ضد الإرهاب، إذ يعود أصل تسمية هذا المفهوم إلى أحد قادة الحركة الصهيونية، ناحوم سوكولوف، في بدايات القرن العشرين، حيث كان يُنظر للهسبارا كوسيلة لنقل تطلعات الشعب اليهودي إلى المجتمع الأوروبي عبر خطب عامة يتبناها قادة الصهاينة، أما في خضم الأحداث الجارية، لجأت استراتيجية «هاسبارا» إلى استخدامها كأداة إضافية لترويج روايات مضللة حول جميع جوانب الأفعال الإجرامية التي تُنسب إلى الكيان الصهيوني، إذ خلال الأشهر الأولى من عمليات الكيان الصهيوني في غزة، اعتمدت حملة «هاسبارا» الصهيونية على تشكيل شبكة واسعة من الدعم تضم نحو 120 غرفة عمليات، إلى جانب مشاركة 41 منظمة غير حكومية متخصصة في تطوير التقنيات، والاستعانة بأكثر من 110 قاعدة بيانات، هذا وقد أشير إلى تلك الجهود ضمن تقارير صادرة عن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي بالتعاون مع خريطة «هاسبارا» الإسرائيلية، إذ سُجل نشاط مكثف لعدة المبادرات خلال تلك الفترة، حيث تبنّت 72 مبادرة نموذج العمل غير الربحي، معتمدةً على جهود متطوعين ينتمون إلى الشركات التكنولوجية، الخبراء التقنيين، الأكاديميين، والمنظمات التي عبرت عن دعمها للكيان الصهيوني، وفي هذا السياق، نوهت التقارير إلى أن المتحدث الرسمي باسم جيش الكيان الصهيوني قد أصبحت له الأسبقية في كونه المصدر الأساسي للمعطيات المستخدمة ضمن تلك الحملات، إن هذا التطور يدل على تبني الكيان الصهيوني نهجاً يهدف إلى التأثير في الرأي العام الدولي عبر مجموعة من الأدوات الإعلامية التي تلعب دوراً بارزاً في تشكيل التصورات الدولية، خصوصاً بين الجماهير الأوروبية وكذلك في تعديل النظرة المجتمعية في الدول العربية تجاه الوجود الصهيوني ، من هذه الزاوية، تُعنى هذه الورقة البحثية بإلقاء الضوء على ماهية هذا التوجه الصهيوني ودوره كأداة إضافية في الحرب الراهنة، بهدف الترويج للروايات المضللة حول مختلف الجرائم التي ترتكبها إسرائيل.
المصدر : https://www.bayancenter.org/2024/04/11009/