مصطفى ملا هذال
مرة اخرى تشتعل الحرب بين زعماء الكتل العراقية والسبب هو تكليف عدنان الزرفي لتشكيل الحكومة الجديدة، بعد اعتذار سلفه عن المهمة التي يبدو وفي ظل الظروف الراهنة من المهام العسيرة.
وعلى الرغم من الموقف الأمريكي الذي بدا مؤيدا لهذا التكليف، بيد ان هنالك عقبة مهمة تنتظر الزرفي قبل التشكيل وهي صخرة البرلمان العراقي الذي اعتدنا على إجهاضه العديد من الحكومات بمجرد الدخول الى أروقته، ونبقى نترقب إمكانية النائب البرلماني السابق من إقناع زملاءه على تمرير كابينته الحكومية.
رفض تحالف الفتح ودولة القانون والعقد الوطني والنهج الوطني لهذا الترشيح يزيد الامور تعقيدا، بيننا يحظى بتأييد جبهة الإنقاذ الوطنية وتحالف القوى العراقية والاتحاد الوطني الكردستاني، الى جانب التأييد الأمريكي الذي جاء على لسان وزير خارجيتها ماك بومبيو.
فقد يكون السبب وراء الرفض هو الطريقة التي جاء بها الزرفي، ولم تكن على شخصيته تحديدا، فهي نفس الآلية التي جاءوا بها الرؤساء السابقين، تعتمد على التوافقية كمبدأ أساس من مبادئ الاختيار في العراق، ما يعني اننا لا نزال نسير في نفق المحاصصة والتوافقية ولم نصل بعد الى نهاية النفق لنرى ضوء الاختيار وفق الكفاءة والقدرة على تقديم افضل الخدمات للمواطنين، والمباشرة بوضع خطط استراتيجية مهمتها انتشال البلاد مما هي فيه، اذ لا تزال تمر الأيام والسنين ولم نر تقدم ملحوظ بجميع الملفات واهمها الملف الخدمي او الاستثماري اللذان تراجعا كثيرا في حقبة الحكومات المتعاقبة.
لم نستغرب اذا تم رفض الزرفي والعودة الى المربع الأول، وذلك يأتي للكثير من الاعتبارات بضمنها، انه يحمل جنسية مزدوجة، وهذه النقطة الرفض تتعلق بساحات التظاهرات التي تنادي منذ اليوم الأول بعدم تسنم كرسي الحكم من قبل شخصية تحمل جنسية اخرى، الى جانب اشتراكها في الحكومات السابقة، فالزرفي وكما هو معلوم شغل منصب محافظ النجف الأشرف لدورتين، ولم يتمكن من تغيير أوضاعها بالشكل المطلوب، والأهم من ذلك اصبح من الشخصيات الجدلية التي أكدت المرجعية الدينية على عدم قبولها، وهذا الأخير من المتوقع ان يكون من اهم العوامل المساعدة على عدم تمريره، هذا في حال التزام الطبقة السياسية بهذه المحددات، أما اذا خرجت عليها فتلك مسألة اخرى لا يمكن التكهن بها.
ان ما أعطى جرعة الأمل للزرفي هو التأييد الأمريكي، فالأمريكان يؤيدون اي رئيس للوزراء يسعى لتقويض الدور الإيراني في العراق أولا، لان هذا التقويض سينعكس على دورها في بعض دول المنقطة، اذ يأمل البيت الأبيض ان يكون الزرفي هو العصى التي تضرب بها تشكيلات مسلحة منفلتة بحسب وصفه لها، وتقوم بين الفينة والأخرى بضرب القوات الأمريكية بالعراق او قوات التحالف بصورة عامة، وقد يكون المكلف الجديد قادر على تحقيق هذا الحلم، عبر إعلانه ان هذه القوات لا تنتمي للمنظومة الأمنية العراقية، وبالتالي يعطي قوى التحالف الدولي في العراق مشروعية تصفيتها بأي شكل وفي اي مكان تتواجد.
ويبقى امام الزرفي تحد داخلي يتمثل بالشركاء السياسيين من الكرد والسنة الذين أعلنوا موافقتهم على تكليفه، في المقابل قد تكون هذه الموافقة باهضة الثمن، اذ من المتوقع ان يطالبون بأكثر من استحقاقهم الانتخابي، والذي كثيرا ما اختلفوا مع حكومة المركز عليه كمطالبتهم بتخصيص حصة اكبر من الموازنة العامة، ففي حال تمت موافقة الزرفي على هذه النقطة تحديدا حرصا منه على ترأس الحكومة الانتقالية، فانه بذلك اضعف الكفة الشيعية التي تحارب منذ سنوات على هذه الجبهة، واعطى الجانب الكردي اكثر من استحقاقه، اذ سيعتبرون الساسة الكرد هذا المكسب غنيمة حرب شيعية كردية منذ تغيير النظام ولغاية الآن.
الجدل الدائر تحت قبة البرلمان يعود لسبب عدم معرفة لحد الآن الكتلة الأكبر من بين الكتلتين الشيعيتين، وتبقى الجدالات قائمة مالم تحسم المحكمة الاتحادية هذه الجزئية المهمة والمتعلقة بشكل كبير بتشكيل الحكومة العراقية القادمة، هذا الخلاف حول تحديد الكتلة الأكبر جعل من البرلمان العراقي يتجاوز المدد الدستورية المحددة لتشكيل الحكومات، والسبب الرئيس هو عدم اتحاد الكتل الشيعية في بودقة واحدة وتوحيد الكلمة لان ذلك سيقوي الموقف الشيعي ويجعل من تشكيل الحكومة بأريحية كبيرة أمر ليس صعب أبداً، بل سيوفر الوقت والجهد الكبيرين، ومن ثم المضي قدما نحو تقديم الخدمات وسن القوانين التي تخدم الشعب الذي يترقب بحذر.
وفي هذا الصدد نود التطرق الى ازدواجية تعامل رئيس الجمهورية برهم صالح مع موقف الترشيح، فهو ذاته رفض ترشيح السوداني والعيداني مرشحا الفتح، في الوقت نراه يكلف هو شخصيا السيد الزرفي، وبالتأكيد هذا التصرف يجعلنا نحن كمراقبين لمجريات الأحداث ان نقول بأن الأمر يتم وفق رؤية خارجية وتحديدا الضغوطات الأمريكية، ان رفض المرشحين السابقين يعود لكونهما ينتمون لجهات موالية لإيران وهذا بالطبع لم يتناغم مع الرغبة الامريكية التي تجيش جيوشها من داخل العراق ومحيطه لاضعاف التواجد الإيراني، وفي حال تم تكليف احد السابقين فان الجهود الأمريكية بهذا الاتجاه تذهب مهب الريح.
لنتحدث بواقعية اكثر اذا أراد الزرفي المضي بتشكيل الحكومة عليه ان يكسب رضى القوى السنية والكردية، ويقبل بالاسماء التي ستفرض عليه، وبذلك أصبحت حكومته تتسم بالضعف وعدم القدرة على إقامة المشاريع، كونها لم تتولد من اللون الشيعي الذي ينتمي اليه الرئيس المكلف، فهو اذا اتبع هذه الآلية فانه سيبقى تحت رحمة الكتل التي أوصلته الحكم، وبالنتيجة سيبقى يعاني من ورقة المساومة التي ستشهر بوجهه في كل حين، وسيبقى اسير إرادة القيادات المتخاصمة مع الكتل الشيعية والتي تعتبر نفسها مغصوب حقها منذ تغيير النظام وعلى مدى الحكومات المتعاقبة، فهم سيتعاملون مع الوضع الحالي على انه الفرصة الذهبية التي ستحقق جميع ما حلموا به منذ سنوات.
لم نضمن عدم التدخل من قبل القوى الدولية والتأثير على الكتل السياسية للدفع بالعملية السياسة بالعراق باتجاه تحقيق مصالحها المختلفة وعلى الأبعاد المتعددة، البعد الديني والاقتصادي الذين اصبحا من اهم الروابط التي تربط دول الجوار العراقي بالداخل، وقد تنجح القوى الإقليمية في مواصلة وضع خارطة الطريق التي تخدم رؤيتها في المنطقة، فبعد الخسائر التي منيت بها في الجانب العسكري والبشري، لا يمكن ان تتخلى عن مزرعتها بعد نضوج ثمارها وأصبحت قاب قوسين او ادنى من القطف، فالجارة ايران تعتبر العراق متنفسها الوحيد والبلد المهم الذي تتنازل فيه مع الأمريكان، فهي لا تريد ان يبقى العراق خاليا من تمثيل كبير نسبيا لها، ولم تقبل ايضا بان يكون الرأي الأمريكي هو من يتحكم بالبلاد، فهي من اجل ذلك مستعدة ان تعمل المستحيل، وتقدم ما بوسعها ليكون العراق احد ابناءها كما سوريا ولبنان.
هناك حقيقة لا يمكن تجاوزها وهي ان الكتل السياسية ورغم الهيجان الشعبي المندلع قرابة الست شهور فانها تعمل بعيدا عن المطالب الجماهيرية، فهي واصدة لآذانها ولم تراعي الا مصالحها ولم تضع في حساباتها الحراك الشعبي الذي لم يخرج الا عندما بلغ السيل الزبى، وضاقت بالمواطنين سبل العيش الكريم، واذا ما أراد اي رئيس وزراء جديد ان ينجح في مشواره القادم عليه ان يهتم بالإرادة الشعبية ولا يجعل المكونات السياسية هي المتحكم الأول بجميع قرارته المهمة والتي من المؤمل ان تغير الأحوال المعيشية للأفراد.
رابط المصدر: