يتسارع السباق نحو استخراج المعادن الحيوية حول العالم في إطار المنافسة بين القوى الكبرى على تأمين المواد اللازمة لصناعات الطاقة المتجددة بفروعها المختلفة.
وتعاني سوق المعادن الحرجة من اختلال موازين العرض والطلب، مع سيطرة الصين على سلاسل التوريد بصورة واسعة جدًا؛ ما أثار قلق الدول الغربية الكبرى المتزعمة مسار تحول الطاقة عالميًا.
وقدّر تحليل استشرافي حديث حجم الاستثمارات المطلوبة في أنشطة التعدين والتكرير وصهر المعادن الحيوية بما يقرب من 400 مليار دولار لسدّ الفجوة بين العرض والطلب بحلول عام 2030.
واقترح التحليل -الذي اطّلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة– إنشاء منطقة عظمى للمعادن الحيوية تمتد من أفريقيا والشرق الأوسط وتصل إلى آسيا الوسطي ومنطقة جنوب آسيا، بوصفها أبرز المناطق المرشحة لقيادة عمليات تأمين المواد اللازمة لمسار تحول الطاقة عالميًا.
فرص المعادن الحيوية
يعتقد التقرير الصادر عن شركة الأبحاث وود ماكنزي على هامش مؤتمر التعدين الدولي المنعقد في السعودية (10-11 يناير/كانون الثاني 2024) أن فكرة المنطقة العظمي للمعادن الحيوية يمكنها أن توفر فرصًا فريدة لاستفادة تكتّل ضخم من دول أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا من الموارد والخبرات المتاحة.
كما يمكن لهذه المنطقة أن تصبح رائدة عالميًا في إنتاج المعادن وتقنيات الطاقة النظيفة ذات الصلة، ما قد يمنحها ثقلًا موازنًا لهيمنة الصين على النظام البيئي لتحول الطاقة، بحسب المؤلف المشارك من وود ماكنزي جوليان كيتل.
ويوضح الرسم التالي -الذي أعدّته وحدة أبحاث الطاقة- حجم استعمال المعادن الحيوية في صناعة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح:
ويتطلب إطلاق العنان لإمكانات المنطقة الممتدة من أفريقيا وحتى وسط وجنوب آسيا توحيد 4 عناصر رئيسة، هي: الموارد ورأس المال والطلب والقدرات.
وإذا تمكنت دول المنطقة الكبرى من التعاون في مجالات العناصر الـ4، فيمكنها أن تصبح مركزًا هائلًا للمعادن والتعدين يقود مسارات تحول الطاقة والتنمية الاقتصادية معًا للأمام، بحسب المحلل كيتل.
فرص أفريقيا هائلة في الإنتاج
يرشح التقرير قارة أفريقيا في مقدمة المناطق المعول عليها لاستخراج أكبر قدر ممكن من المعادن الحيوية، لما تتمتع به من موارد أرضية نادرة غير مستغلة حتى الآن.
وتستحوذ أفريقيا على 79% من احتياطيات الكوبالت عالميًا بقيادة الكونغو الديمقراطية، و44% من احتياطيات المنغنيز، و21% من احتياطيات الغرافيت العالمية.
كما تضم القارة موارد كبيرة للعديد من المعادن الأخرى، بما في ذلك النحاس والقصدير؛ ما يجعلها أكبر قارة تحتوى على موارد معدنية لا مثيل لها في العالم.
ومع ذلك، يعاني قطاع التعدين في أفريقيا من عدم نضج الأنظمة المالية والتمويلية، وتقادم البنية التحتية، إضافة إلى ضعف الاستقرار السياسي؛ ما أدى إلى ضعف شهية الاستثمار التعديني خلال العقود الماضية.
فرص الشرق الأوسط في التمويل
يتمتع الشرق الأوسط بالقدرة على تأدية دور محوري في إنشاء المنطقة العظمى المقترحة للمعادن الحيوية، وضمان نجاحها على المدى الطويل، مع قدرته على تقديم الحلول لبعض القضايا في أفريقيا، بحسب التقرير.
وتستند وود ماكنزي في تحليلها لدور الشرق الأوسط، إلى الإمكانات المالية الهائلة التي تتمتع بها صناديق الثروة السيادية لدول المنطقة، التي تسيطر على تريليونات الدولارات، إضافة إلى خبراتها الواسعة في الاستثمارات الخارجية الخاصة بالبنية التحتية عامة، وفي القلب منها قطاع التعدين.
ويمكن الاستفادة من هذه الخبرة الشرق الأوسطية بدعم الاستثمار في سلاسل توريد المعادن في الداخل، وفي جميع أنحاء المنطقة العظمى المقترحة، من أفريقيا إلى وسط وجنوب آسيا.
كما تتمتع منطقة الشرق الأوسط بموارد طقس هائلة لإنتاج الطاقة الشمسية؛ ما يجعلها إلى جانب أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى من أكثر المناطق الطبيعية المرشحة لإحداث طفرة في هذا القطاع مستقبلًا.
وعلى الرغم من وفرة الموارد المالية في الشرق الأوسط وسهولة الوصول إلى رأس المال والموارد المعدنية، فإن المنطقة لا تحتوى على احتياطيات كبيرة للمعادن، ما ينعكس على إنتاجها الضعيف منها.
ويُنتج الشرق الأوسط -حاليًا- قرابة 35% من إنتاج النفط عالميًا، لكنه لا ينتج كميات كبيرة من الكوبالت، أو النيكل، أو الليثيوم، أو الغرافيت، وغيرها من المعادن الحيوية، بحسب التقرير.
وتخطط السعودية لمنح أكثر من 30 رخصة للتنقيب عن التعدين للمستثمرين الدوليين هذا العام (2024)، إلى جانب توفير مناطق استكشاف تزيد مساحتها عن 2000 كيلومتر لكل ترخيص، في إطار برنامج تحفيزي للتنقيب عن المعادن، بحسب تصريحات وزير الصناعة والثروة المعدنية، بندر بن إبراهيم الخريف، ألقاها بكلمته خلال مؤتمر التعدين الدولي.
وأشار الخريف إلى أن قيمة الثروات المعدنية المقدّرة في السعودية ارتفعت بنسبة 90%، لتصل إلى ما يعادل 9.375 تريليون ريال (2.5 تريليون دولار)، مقارنة بتقديرها البالغ 5 تريليونات ريال (1.3 تريليون دولار) في عام 2016.
جنوب آسيا مركز الطلب
تفتقر منطقة جنوب آسيا إلى النفوذ المالي الذي يتمتع به الشرق الأوسط، كما تفتقر إلى الموارد الطبيعية الوفيرة التي تمتلكها أفريقيا، غير أنها تعدّ المنطقة الأكثر كثافة سكانية في العالم.
وترشّح الكثافة السكانية هذه المنطقة لأن تصبح مركزًا هائلًا للطلب والتصنيع في المنطقة العظمي المقترحة للمعادن الحيوية من قبل شركة وود ماكنزي.
ويتوقع التحليل الاستشرافي للمنطقة أن تضيف الهند -على سبيل المثال- 152 غيغاواط من الطاقة الشمسية بحلول عام 2030، بينما يتوقع أن تصل مبيعات السيارات الكهربائية والهجينة فيها إلى أكثر من 19 مليون سيارة بحلول عام 2050، ما سيغذّي الطلب المستقبلي على المعادن الحيوية بصورة كبيرة.
وإلى جانب كونها مركزًا محتملًا للطلب، تتمتع منطقة جنوب آسيا بمزايا تنافسية عالية على مستوى العمالة وانخفاض تكاليف رأس المال وسهولة الوصول إلى المواني، ما يرشّحها لأن تكون وجهة فاعلة لعمليات النقل والتخزين والتوزيع بسلاسل توريد المعادن الحيوية.
موضوعات متعلقة..
- خريطة توقعات الطلب على المعادن الحيوية حتى عام 2050 (تقرير)
- أكبر 10 دول لديها شركات تمتلك مناجم المعادن الحيوية (إنفوغرافيك)
- سيطرة الصين على المعادن الأرضية النادرة تهدد استقلال أميركا (تقرير)
المصدر : https://attaqa.net/2024/01/13/%d8%aa%d9%84%d8%a8%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b7%d9%84%d8%a8-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b9%d8%a7%d8%af%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%8a%d9%88%d9%8a%d8%a9-%d8%aa%d8%ad%d8%aa%d8%a7%d8%ac/